إلى المتعاطفين مع تنظيم الدولة ..
عبدالله اليابس
1436/11/09 - 2015/08/24 13:44PM
إلى المتعاطفين مع تنظيم الدولة
الحمد لله الذي عز جلاله فلا تدركه الإفهام، وسما كماله فلا تحيط به الأوهام، وشهدت أفعاله أنه الحكيم العلام، الموصوف بالعلم والقدرة والكلام، سبحانه هو الملك القدوس السلام.
المؤمنون حبب إليهم الإيمان.. وشرح صدورهم للإسلام، يقبل التوبة ويغفر الإجرام، تبارك اسم ربك ذي الجلال والإكرام.
وأشهد إن لا اله إلا الله, وحده لا شريك له, له الملك, وله الحمد, وهو علي كل شيء قدير, شهادة من قال ربى الله ثم استقام.
يا من يرى ما في الفؤاد ويسمعُ *** أنت الرقيب لكل لما يُتوقعُ
سبحانك اللهم أنت الواحـد *** كل الوجود على وجودك شاهدُ
يا حي يا قيوم أنت المرتجى *** وإلى علاك علا الجبين الساجدُ
وأشهد أن سيدنا وحبيبنا وشفيعنا محمد عبد الله ورسوله, وصفيه من خلقه وحبيبه, لم يزل صلى عليه الله وسلم يقاتل في الله بعزم واهتمام، حتى انقشع عن سماء الحق تراكم الغمام، وظل في أفق الإيمان بدر التمام.
وإذا أردت بأن تفـوز وتـرتـقي ** درج العلى و تنال منه رضاه
أدم الصلاة على النبي محمد *** لولاه مـا فـتح المكـبر فـاه
وله الوسيلة واللـواء وكوثـرٌ *** يروى الورى وكذا يكون الجاه
اللهم صل وسلم عليه, وعلى اله وأصحابه ومن سار على نهجه وتمسك بسنته واقتدى بهديه واتبعهم بإحسان إلى يوم الدين ونحن معهم يا أرحم الراحمين.
يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم.. تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام.. أو ما يطلق عليه إعلاميًا (تنظيم داعش).. هو حديث الساعة في وسائل الإعلام العربية والعالمية..
نشأ هذا التنظيم كجماعة مقاتلة قدمت للشام, ثم بعد أن سيطرت على مناطق في العراق والشام أعلنت لنفسها الخلافة الإسلامية في الأول من رمضان من عام 1435هـ, وتم تنصيب قائد التنظيم كخليفة عام لجميع المسلمين!
وقد ألقى قائد التنظيم خُطبة ذكر فيها أنه تم اختياره من قبل أهل الحل والعقد ليكون خليفة للمسلمين!
والعجيب أنه لم يسم في خُطبته تلك ولا بعدها أهلَ الحل والعقد هؤلاء, فلم يُعرف من هم أهل الحل والعقد الذي فصلوا في أمر هام وخطير يمس جميع المسلمين, وتبنى عليه الأديان والدماء والأموال.
بل إن أعجب من جهالة أهل الحل والعقد: جهالة الخليفة المُنَصَّب! حيث إن المعلومات المتوافرة بين أيدي من بايعه على السمع والطاعة في المنشط والمكره .. وسلموه رقابهم وأموالهم.. ودينهم قبل ذلك.. المعلومات عن شخصه وذاته وتاريخه معلومات محدودة للغاية.. لا تكاد تتجاوز أصابع اليدين مجتمعة, فكيف تسلم الأديان والأبدان لمجهول الحال؟
إنك لو أردت ائتمان شخص على مالك ليتاجر لك فيه فلن تثق بشخص تجهل حاله.. وتسلمه ما تعبت بجمعه وتحصيله, وإنما ستتحرى الأشخاص .. والأمناء منهم, ومن عرفت سيرته واستقامته, فكيف بأعظم من ذلك .. الإمامة العظمى وخلافة المسلمين؟
إن المنتسبين لهذا التنظيم يعرفون عن جيرانهم وأصدقائهم ومعارفهم أكثر مما يعرفونه عن خليفتهم.. فهل تسوغ البيعة لمجهول الحال؟!
أيها الإخوة .. لقد أقام هذا التنظيم بزعمه الخلافة الإسلامية !! مع أن العراق والشام ما زالت في حالة حرب.. وليس فيها تمكين لقيام دولة فضلاً عن خلافة جامعة للمسلمين, ثم إن انعقاد الحكم لشخص له ضوابطه وشروطه الشرعية, روى الخلال أن أحمد بن حنبل رحمه الله سئل عن حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (من مات وليس له إمام مات ميتة جاهلية) ما معناه؟ فقال أبو عبدالله: "أتدري ما الإمام؟ الإمام الذي يُجمع المسلمون عليه, كلهم يقول هذا إمام. فهذا معناه", وسبحان الله ما وقعت معارضة من أهل العلم والرأي كالمعارضة على تنصيب الخليفة المزعوم نفسه, فعجبًا لمن لا زال منخدعًا بذلك.
يقول ابن تيمية رحمه الله: "فإنه لا يشترط في الخلافة إلا اتفاق أهل الشوكة والجمهور الذين يقام بهم الأمر, بحيث يمكن أن تقام بهم مقاصد الإمامة, ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (عليكم بالجماعة فإن يد الله مع الجماعة), وقال صلى الله عليه وسلم: (إن الشيطان مع الواحد وهو من الأثنين أبعد) ا.هـ.
إن البيعة دون مشورة المسلمين وأهل الحل والعقد فيهم بيعة باطلة بدعية, يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: " من بايع رجلاً عن غير مشورة من المسلمين فلا يبايَع هو ولا الذي بايَعه, تَغِرَّة أن يُقتلا" قال ابن حجر رحمه الله: "والمعنى أن من فعل ذلك فقد غرر بنفسه وبصاحبه وعرضهما للقتل".
أيها الإخوة.. إذا ثبت ذلك, وأن البيعة باطلة لإمامهم الذي نصب نفسه وأنه مجهول الحال, فإننا ينبغي أن نسأل أنفسنا سؤالاً: هل أفعالهم صحيحة؟ وهل منهجهم سليم؟
قد يقول قائل إن هذا التنظيم قد أثخن في جيوش الصفويين التي تُقَتِّل أهل السنة في العراق, ويقيم الحدود الشرعية ويعاقب المجرمين, وينشر الأمن والعدل في المناطق التي يحكم بها, أليس هذا دليلاً على صدقه وصحة منهجه؟
فيقال: كل ما ذكر ليس دليلاً على صدق المنهج والتوجه, وإنما هي كالخمر والميسر: {فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا}.
ثم إن وجود الأمن في مناطق سيطرتهم ــ على فرض صحته ــ ليس دليلاً على صحة منهجهم؛ فواشنطن وتل أبيب أكثر أمنًا من الرَّقة أو الموصل, أفيكون ذلك دليلاً على صحة المنهج؟!
ومما يحتج به بعض الناس في تصحيح منهج هذا التنظيم: كثرة انتصاراته وفتوحاته, وقوة بأس المنتسبين للتنظيم, وهذا دليل على توفيق الله لهم, وصحة منهجهم.
والمتأمل في التاريخ يرى كيف أن التتار كانوا أشد منهم قوة وآثارًا في الأرض, فقد فتحوا أضعاف ما يسيطر عليه هذا التنظيم في مدة قصيرة, كما أن هتلر ــ على سبيل المثال ــ وصل إلى أبعد مما وصل إليه هذا التنظيم, فليست القوة والانتشار دليلاً على الصحة.
ثم إنه لا يُسَلَّم لهم كثرة الفتوحات والانتصارات, فأكثر انتصاراتهم هي في المناطق المحررة من قبل الفصائل الأخرى, فيأخذونها غنيمة سهلة لهم, وطعنة في خاصرة تلك الفصائل.
ومما يثيره بعض المتعاطفين مع تنظيم الدولة عداوة دول الكفر لها, ورميهم لها عن قوس واحدة, واتحادهم ضدها, مما يثبت أنها على الحق المبين.
فيقال في ذلك: ليست العبرة بكثرة المخالفين وإنما بصحة المنهج, فكثرة المخالفين ليست دليلاً على حق أو باطل, ولو كانت هذه القاعدة صحيحة لكان الخوارج الأولون على حق مع مخالفة جمهور الأمة لهم آنذاك من الصحابة والتابعيين وسائر المسلمين.
لقد أسقط المنتسبون لهذا التنظيم من خالفهم من أهل العلم ليسلموا من لومهم وتخطئتهم لهم, وليسلموا أيضًا من تأنيب الضمير, فجل العلماء المعروفين المعتبرين اليوم.. هم عندهم من علماء السلاطين, وممن ركنوا إلى الدنيا, بل وصل بهم الحال أن وسموا كثيرًا منهم بالمرتدين!
ولم يقف بهم الأمر عند الأحياء بل تعدوا ذلك إلى الأموات ممن أطبقت الأمة على إمامتهم كالمشايخ ابن باز وابن عثيمين والألباني رحم الله الجميع.
فلما أخلَوا الساحة من العلماء اتخذوا رؤوسًا لم يعرفوا بسابقة في العلم والحكمة, لا تُعرف منهم إلا كناهم, فأصبحت الفتاوى تؤخذ من أبي فلان وأبي علان, ويترك الأئمة الأعلام.
لقد كان المنتسبون للتنظيم يعتقدون بإمامة كثير من العلماء المعاصرين فلما خَطَؤُهم أسقطوهم وحذروا أتباعهم منهم!
أليس هذا هو الهوى؟! {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ}.. إن لم يكن هذا هو الهوى والتشهي فما يكون إذًا؟
اللهم اهدِ ضال المسلمين وافتح على قلوبهم, واكف المسلمين شرهم يا رب العالمين, أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون.
إلى كل متعاطف مع هذا التنظيم أقول: التفكير قبل التكفير, والتأمل قبل التحول, والعقل قبل العاطفة.
كلنا نحب عزة الإسلام, ونصرة المسلمين, لكن .. ما هكذا يا سعد تورد الإبل !
تأمل في هذا التنظيم.. تأمل في أفعاله وآثاره.. أليس حال إخواننا في الشام كان أفضل قبل دخول هذا التنظيم؟
لماذا يعادي هذا التنظيم كل من لا يوافقه من الفصائل المقاتلة الأخرى ويقاتلها بحجة أنهم مرتدون .. بل ويساهم في إضعاف شوكتها أمام قوة جيش النظام الطاغي؟
أليس في ذلك خدمة للنظام في واقع الأمر؟
اسأل نفسك : لماذا يحرص هذا التنظيم على قتل قادة الفصائل الأخرى التي تثخن في جيش النظام؟ أليس هذا خدمة للنظام؟
هلا تأملت أن أفعال التنظيم في المملكة على سبيل المثال تخدم الأعداء .. الذين يريدون للأمن أن يختل, ولِلسلم أن ينقشع؟
أليس هذا اتحاد في الغاية والأهداف والمآل؟
هل فكرت يومًا كيف أن شخصًا يريد الجنة ولقاء الله يقوم في تفجير نفسه بين المصلين.. فيقتل جمعًا ما بين راكع وساجد؟!
ألم يؤنب رسول الله صلى الله عليه وسلم أسامة بن زيد لأنه قتل مشركًا اتقى حرارة السيف بشهادة أن لا إله إلا الله! لوجود شبهة في إسلامه.. فكيف بقتل من يؤدي الصلاة لله تعالى؟
هل نصر الإسلام يكون بتفجير المساجد وقتل المصلين؟
أيها الأخ الحبيب .. النجاة النجاة .. أسألك بالله أن تعيد النظر في حال هذا التنظيم: ماذا قدم للإسلام؟ وماذا جنى عليه؟
نح العواطف جانبًا .. وتأمل في أفعاله.. تأمل فيها .. ثم اعرضها على مقياس الشرع والعقل.
إن التساهل في التكفير والدماء نذير خطر عظيم على الفرد والأمة, فالق الله تعالى خفيفًا من تكفير مسلم يحاجك أمام الله تعالى بقولك يوم القيامة, روى الإمام أحمد من حديث ابن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا قال الرجلُ لصاحبِه يا كافرُ فإنها تجبُ على أحدِهما فإن كان الذي قِيل له كافرٌ فهو كافرٌ وإلا رجَع إليه ما قال).. لقد بلغ الحال بهذا التنظيم أن كفر أغلب من يخالفه, فصدق عليهم قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (يقتلون أهل الإسلام).
الق الله تعالى خفيفًا من دماء الناس وأموالهم, (وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا).
هي نفس واحدة .. فلا تسلمها غيرك يخدم بها أهدافه وتوجهاته. يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم كما رواه البخاري : " لن يزال المؤمن في فسحة من دينه ، ما لم يصب دما حراما".
كيف يتواصل شخص مع آخر لا يعرفه إلا بكنيته ويطلب منه أن يقتل نفسه بزعم الجهاد.. يفعل كل ذلك .. وهو لا يدري من الطرف الآخر, ولا هدفه أو فكره, كيف يفعل ذلك عاقل؟!
لا تسلم فكرك لغيرك, والزم أهل العلم والعمل, واسألِ الله تعالى الهداية بصدق, وأن يرشدك إلى الصواب.
روى البخاري ومسلم من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يأتي في آخِرِ الزمانِ قومٌ، حُدَثاءُ الأسنانِ ، سُفَهاءُ الأحلامِ ، يقولونَ مِن خيرِ قولِ البريةِ، يمرُقونَ منَ الإسلامِ كما يمرُقُ السهمُ منَ الرميةِ، لا يُجاوِزُ إيمانُهم حناجرَهم، فأينَما لَقيتُموهم فاقتُلوهم، فإنَّ قتلَهم أجرٌ لِمَن قتَلهم يومَ القيامةِ).
اللهم اهد ضال المسلمين, واكف المسلمين شر هذا التنظيم, اللهم لا ترفع له راية, واجعل أمره إلى زوال يا رب العالمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداء الدين .
اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه أهل طاعتك ويذل فيه أهل معصيتك ويؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر.
اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات إنك يا ربنا سميع كريم مجيب.
عباد الله .. إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى, وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي, يعظكم لعلكم تذكرون, فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم, واشكروه على نعمه يزدكم, ولذكر الله أكبر, والله يعلم ما تصنعون.
الحمد لله الذي عز جلاله فلا تدركه الإفهام، وسما كماله فلا تحيط به الأوهام، وشهدت أفعاله أنه الحكيم العلام، الموصوف بالعلم والقدرة والكلام، سبحانه هو الملك القدوس السلام.
المؤمنون حبب إليهم الإيمان.. وشرح صدورهم للإسلام، يقبل التوبة ويغفر الإجرام، تبارك اسم ربك ذي الجلال والإكرام.
وأشهد إن لا اله إلا الله, وحده لا شريك له, له الملك, وله الحمد, وهو علي كل شيء قدير, شهادة من قال ربى الله ثم استقام.
يا من يرى ما في الفؤاد ويسمعُ *** أنت الرقيب لكل لما يُتوقعُ
سبحانك اللهم أنت الواحـد *** كل الوجود على وجودك شاهدُ
يا حي يا قيوم أنت المرتجى *** وإلى علاك علا الجبين الساجدُ
وأشهد أن سيدنا وحبيبنا وشفيعنا محمد عبد الله ورسوله, وصفيه من خلقه وحبيبه, لم يزل صلى عليه الله وسلم يقاتل في الله بعزم واهتمام، حتى انقشع عن سماء الحق تراكم الغمام، وظل في أفق الإيمان بدر التمام.
وإذا أردت بأن تفـوز وتـرتـقي ** درج العلى و تنال منه رضاه
أدم الصلاة على النبي محمد *** لولاه مـا فـتح المكـبر فـاه
وله الوسيلة واللـواء وكوثـرٌ *** يروى الورى وكذا يكون الجاه
اللهم صل وسلم عليه, وعلى اله وأصحابه ومن سار على نهجه وتمسك بسنته واقتدى بهديه واتبعهم بإحسان إلى يوم الدين ونحن معهم يا أرحم الراحمين.
يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم.. تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام.. أو ما يطلق عليه إعلاميًا (تنظيم داعش).. هو حديث الساعة في وسائل الإعلام العربية والعالمية..
نشأ هذا التنظيم كجماعة مقاتلة قدمت للشام, ثم بعد أن سيطرت على مناطق في العراق والشام أعلنت لنفسها الخلافة الإسلامية في الأول من رمضان من عام 1435هـ, وتم تنصيب قائد التنظيم كخليفة عام لجميع المسلمين!
وقد ألقى قائد التنظيم خُطبة ذكر فيها أنه تم اختياره من قبل أهل الحل والعقد ليكون خليفة للمسلمين!
والعجيب أنه لم يسم في خُطبته تلك ولا بعدها أهلَ الحل والعقد هؤلاء, فلم يُعرف من هم أهل الحل والعقد الذي فصلوا في أمر هام وخطير يمس جميع المسلمين, وتبنى عليه الأديان والدماء والأموال.
بل إن أعجب من جهالة أهل الحل والعقد: جهالة الخليفة المُنَصَّب! حيث إن المعلومات المتوافرة بين أيدي من بايعه على السمع والطاعة في المنشط والمكره .. وسلموه رقابهم وأموالهم.. ودينهم قبل ذلك.. المعلومات عن شخصه وذاته وتاريخه معلومات محدودة للغاية.. لا تكاد تتجاوز أصابع اليدين مجتمعة, فكيف تسلم الأديان والأبدان لمجهول الحال؟
إنك لو أردت ائتمان شخص على مالك ليتاجر لك فيه فلن تثق بشخص تجهل حاله.. وتسلمه ما تعبت بجمعه وتحصيله, وإنما ستتحرى الأشخاص .. والأمناء منهم, ومن عرفت سيرته واستقامته, فكيف بأعظم من ذلك .. الإمامة العظمى وخلافة المسلمين؟
إن المنتسبين لهذا التنظيم يعرفون عن جيرانهم وأصدقائهم ومعارفهم أكثر مما يعرفونه عن خليفتهم.. فهل تسوغ البيعة لمجهول الحال؟!
أيها الإخوة .. لقد أقام هذا التنظيم بزعمه الخلافة الإسلامية !! مع أن العراق والشام ما زالت في حالة حرب.. وليس فيها تمكين لقيام دولة فضلاً عن خلافة جامعة للمسلمين, ثم إن انعقاد الحكم لشخص له ضوابطه وشروطه الشرعية, روى الخلال أن أحمد بن حنبل رحمه الله سئل عن حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (من مات وليس له إمام مات ميتة جاهلية) ما معناه؟ فقال أبو عبدالله: "أتدري ما الإمام؟ الإمام الذي يُجمع المسلمون عليه, كلهم يقول هذا إمام. فهذا معناه", وسبحان الله ما وقعت معارضة من أهل العلم والرأي كالمعارضة على تنصيب الخليفة المزعوم نفسه, فعجبًا لمن لا زال منخدعًا بذلك.
يقول ابن تيمية رحمه الله: "فإنه لا يشترط في الخلافة إلا اتفاق أهل الشوكة والجمهور الذين يقام بهم الأمر, بحيث يمكن أن تقام بهم مقاصد الإمامة, ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (عليكم بالجماعة فإن يد الله مع الجماعة), وقال صلى الله عليه وسلم: (إن الشيطان مع الواحد وهو من الأثنين أبعد) ا.هـ.
إن البيعة دون مشورة المسلمين وأهل الحل والعقد فيهم بيعة باطلة بدعية, يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: " من بايع رجلاً عن غير مشورة من المسلمين فلا يبايَع هو ولا الذي بايَعه, تَغِرَّة أن يُقتلا" قال ابن حجر رحمه الله: "والمعنى أن من فعل ذلك فقد غرر بنفسه وبصاحبه وعرضهما للقتل".
أيها الإخوة.. إذا ثبت ذلك, وأن البيعة باطلة لإمامهم الذي نصب نفسه وأنه مجهول الحال, فإننا ينبغي أن نسأل أنفسنا سؤالاً: هل أفعالهم صحيحة؟ وهل منهجهم سليم؟
قد يقول قائل إن هذا التنظيم قد أثخن في جيوش الصفويين التي تُقَتِّل أهل السنة في العراق, ويقيم الحدود الشرعية ويعاقب المجرمين, وينشر الأمن والعدل في المناطق التي يحكم بها, أليس هذا دليلاً على صدقه وصحة منهجه؟
فيقال: كل ما ذكر ليس دليلاً على صدق المنهج والتوجه, وإنما هي كالخمر والميسر: {فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا}.
ثم إن وجود الأمن في مناطق سيطرتهم ــ على فرض صحته ــ ليس دليلاً على صحة منهجهم؛ فواشنطن وتل أبيب أكثر أمنًا من الرَّقة أو الموصل, أفيكون ذلك دليلاً على صحة المنهج؟!
ومما يحتج به بعض الناس في تصحيح منهج هذا التنظيم: كثرة انتصاراته وفتوحاته, وقوة بأس المنتسبين للتنظيم, وهذا دليل على توفيق الله لهم, وصحة منهجهم.
والمتأمل في التاريخ يرى كيف أن التتار كانوا أشد منهم قوة وآثارًا في الأرض, فقد فتحوا أضعاف ما يسيطر عليه هذا التنظيم في مدة قصيرة, كما أن هتلر ــ على سبيل المثال ــ وصل إلى أبعد مما وصل إليه هذا التنظيم, فليست القوة والانتشار دليلاً على الصحة.
ثم إنه لا يُسَلَّم لهم كثرة الفتوحات والانتصارات, فأكثر انتصاراتهم هي في المناطق المحررة من قبل الفصائل الأخرى, فيأخذونها غنيمة سهلة لهم, وطعنة في خاصرة تلك الفصائل.
ومما يثيره بعض المتعاطفين مع تنظيم الدولة عداوة دول الكفر لها, ورميهم لها عن قوس واحدة, واتحادهم ضدها, مما يثبت أنها على الحق المبين.
فيقال في ذلك: ليست العبرة بكثرة المخالفين وإنما بصحة المنهج, فكثرة المخالفين ليست دليلاً على حق أو باطل, ولو كانت هذه القاعدة صحيحة لكان الخوارج الأولون على حق مع مخالفة جمهور الأمة لهم آنذاك من الصحابة والتابعيين وسائر المسلمين.
لقد أسقط المنتسبون لهذا التنظيم من خالفهم من أهل العلم ليسلموا من لومهم وتخطئتهم لهم, وليسلموا أيضًا من تأنيب الضمير, فجل العلماء المعروفين المعتبرين اليوم.. هم عندهم من علماء السلاطين, وممن ركنوا إلى الدنيا, بل وصل بهم الحال أن وسموا كثيرًا منهم بالمرتدين!
ولم يقف بهم الأمر عند الأحياء بل تعدوا ذلك إلى الأموات ممن أطبقت الأمة على إمامتهم كالمشايخ ابن باز وابن عثيمين والألباني رحم الله الجميع.
فلما أخلَوا الساحة من العلماء اتخذوا رؤوسًا لم يعرفوا بسابقة في العلم والحكمة, لا تُعرف منهم إلا كناهم, فأصبحت الفتاوى تؤخذ من أبي فلان وأبي علان, ويترك الأئمة الأعلام.
لقد كان المنتسبون للتنظيم يعتقدون بإمامة كثير من العلماء المعاصرين فلما خَطَؤُهم أسقطوهم وحذروا أتباعهم منهم!
أليس هذا هو الهوى؟! {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ}.. إن لم يكن هذا هو الهوى والتشهي فما يكون إذًا؟
اللهم اهدِ ضال المسلمين وافتح على قلوبهم, واكف المسلمين شرهم يا رب العالمين, أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون.
إلى كل متعاطف مع هذا التنظيم أقول: التفكير قبل التكفير, والتأمل قبل التحول, والعقل قبل العاطفة.
كلنا نحب عزة الإسلام, ونصرة المسلمين, لكن .. ما هكذا يا سعد تورد الإبل !
تأمل في هذا التنظيم.. تأمل في أفعاله وآثاره.. أليس حال إخواننا في الشام كان أفضل قبل دخول هذا التنظيم؟
لماذا يعادي هذا التنظيم كل من لا يوافقه من الفصائل المقاتلة الأخرى ويقاتلها بحجة أنهم مرتدون .. بل ويساهم في إضعاف شوكتها أمام قوة جيش النظام الطاغي؟
أليس في ذلك خدمة للنظام في واقع الأمر؟
اسأل نفسك : لماذا يحرص هذا التنظيم على قتل قادة الفصائل الأخرى التي تثخن في جيش النظام؟ أليس هذا خدمة للنظام؟
هلا تأملت أن أفعال التنظيم في المملكة على سبيل المثال تخدم الأعداء .. الذين يريدون للأمن أن يختل, ولِلسلم أن ينقشع؟
أليس هذا اتحاد في الغاية والأهداف والمآل؟
هل فكرت يومًا كيف أن شخصًا يريد الجنة ولقاء الله يقوم في تفجير نفسه بين المصلين.. فيقتل جمعًا ما بين راكع وساجد؟!
ألم يؤنب رسول الله صلى الله عليه وسلم أسامة بن زيد لأنه قتل مشركًا اتقى حرارة السيف بشهادة أن لا إله إلا الله! لوجود شبهة في إسلامه.. فكيف بقتل من يؤدي الصلاة لله تعالى؟
هل نصر الإسلام يكون بتفجير المساجد وقتل المصلين؟
أيها الأخ الحبيب .. النجاة النجاة .. أسألك بالله أن تعيد النظر في حال هذا التنظيم: ماذا قدم للإسلام؟ وماذا جنى عليه؟
نح العواطف جانبًا .. وتأمل في أفعاله.. تأمل فيها .. ثم اعرضها على مقياس الشرع والعقل.
إن التساهل في التكفير والدماء نذير خطر عظيم على الفرد والأمة, فالق الله تعالى خفيفًا من تكفير مسلم يحاجك أمام الله تعالى بقولك يوم القيامة, روى الإمام أحمد من حديث ابن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا قال الرجلُ لصاحبِه يا كافرُ فإنها تجبُ على أحدِهما فإن كان الذي قِيل له كافرٌ فهو كافرٌ وإلا رجَع إليه ما قال).. لقد بلغ الحال بهذا التنظيم أن كفر أغلب من يخالفه, فصدق عليهم قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (يقتلون أهل الإسلام).
الق الله تعالى خفيفًا من دماء الناس وأموالهم, (وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا).
هي نفس واحدة .. فلا تسلمها غيرك يخدم بها أهدافه وتوجهاته. يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم كما رواه البخاري : " لن يزال المؤمن في فسحة من دينه ، ما لم يصب دما حراما".
كيف يتواصل شخص مع آخر لا يعرفه إلا بكنيته ويطلب منه أن يقتل نفسه بزعم الجهاد.. يفعل كل ذلك .. وهو لا يدري من الطرف الآخر, ولا هدفه أو فكره, كيف يفعل ذلك عاقل؟!
لا تسلم فكرك لغيرك, والزم أهل العلم والعمل, واسألِ الله تعالى الهداية بصدق, وأن يرشدك إلى الصواب.
روى البخاري ومسلم من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يأتي في آخِرِ الزمانِ قومٌ، حُدَثاءُ الأسنانِ ، سُفَهاءُ الأحلامِ ، يقولونَ مِن خيرِ قولِ البريةِ، يمرُقونَ منَ الإسلامِ كما يمرُقُ السهمُ منَ الرميةِ، لا يُجاوِزُ إيمانُهم حناجرَهم، فأينَما لَقيتُموهم فاقتُلوهم، فإنَّ قتلَهم أجرٌ لِمَن قتَلهم يومَ القيامةِ).
اللهم اهد ضال المسلمين, واكف المسلمين شر هذا التنظيم, اللهم لا ترفع له راية, واجعل أمره إلى زوال يا رب العالمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداء الدين .
اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه أهل طاعتك ويذل فيه أهل معصيتك ويؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر.
اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات إنك يا ربنا سميع كريم مجيب.
عباد الله .. إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى, وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي, يعظكم لعلكم تذكرون, فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم, واشكروه على نعمه يزدكم, ولذكر الله أكبر, والله يعلم ما تصنعون.
المرفقات
إلى المتعاطفين مع تنظيم الدولة.doc
إلى المتعاطفين مع تنظيم الدولة.doc