إلى الرجل العظيم أتحدث
شايع بن محمد الغبيشي
إلى الرجل العظيم أتحدث
إنّ الحمدَ لله نَحْمَدُهُ ونستعينُهُ ونستغفرُه ونعوذ بالله من شرور أنفسينا وسيئات أعمالنا، من يهدِ اللهُ فلا مضل له ومن يضلل فلا هاديَ له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبدُهُ ورسُولُهُ ــ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسَلَّمَ تسليمًا كثيرًا.
أما بعدُ : فاتقوا الله عبادَ الله حق التقوى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)
عباد الله، إليه وعنه أتحدث، وله ألهج بالدعاء، اللهم بارك في عمره وماله وأهله، واجعله مباركاً أينما كان، وأسبغ عليه صحتك وعافيتك وأجزه عنا خير الجزاء يا حي يا قيوم.
وقبل أن أفصح لكم عن هويته، دعونا نتلمس بعض آثاره.
نرى الطبيب الماهر يسهم في شفاء المرضى ويرسم على شفاههم البسمات، يزيل عنهم بعد الله الألم والمعاناة، فنفرح به ونرفع أكف الضراعة بالدعاء له، ويحتل من قلوبنا منزلة علِيِّة إجلالا لمهنته.
ونرى المهندس المتمكن يسهم في إنشاء المباني، ويرسم المخططات، ويصمم أجمل المشاريع فنفخر به ونبارك سعية ونهديه تحية التقدير.
ونرى القاضي يحل المشاكل بين الناس ويفض النزاعات ويؤلف بين القلوب فلا تزال بسمات الرضى والشكر لصنيعه لا تفارقنا.
ونرى ربان الطائرة وقائدها يحلق بنا في جو السماء، يقرب المسافات، ويهون وعثاء السفر، فنقف له تقديراً واحتراما، ونودعه في كل رحلة بكلمات الشكر وبسمات الرضى.
ونرى رجل الأمن يحوطنا برعايته، يسهر على أمننا، ويدفع عنا غارات العدو وتربصه، ويجهد لحمايتنا وحراسة مقدساتنا، فنلهج له بالشكر والدعاء.
ونرى الموظف في عمله والرئيس في رئاسته والمدير في دائرته وهم يسهمون في بناء الأوطان وقضاء حوائج الناس، فنسر لعملهم ونبتهج به.
كل أولئك يستحقون منا الشكر والدعاء والثناء، ولكن هناك سؤال في غاية الأهمية: من وضع اللبنة الأولى لكل أولئك؟ من ساهم في بنائهم العلمي والخلقي حتى وصلوا إلى ما وصلوا إليه؟ إنه الرجل العظيم والمرأة العظيمة إنه المعلم والمعلمة.
من علم الطبيب والقاضي والمهندس والطيار ورجل الأمن كيف ينطق الحروف؟ وكيف يقرأ الكلمة؟ كيف يحسب؟ كيف يتوضأ ويصلي؟ كيف يبر والديه ويصل أرحامه؟ كيف يحل المسائل ويجري التجارب؟ كيف يفكر؟ كيف يحدد هدف في الحياة ؟ كيف وكيف وكيف ...؟ إنه الرجل العظيم والمرأة العظيمة إنه المعلم والمعلمة.
حيِّ المعلِّمَ وفِّه التَّبْجيلا مِفتاح خَيْرٍ للعلومِ رسُولا
قُلْ لي بربِّكَ هل علِمْتَ مُكرَّمًا يَرقَى لمن أهدى الرَّشادَ عقُولا
مَنْ مِثْلُه وهَبَ الحياةَ جمالَها وسَعى ليُنقِذَ غافِلًا وجَهُولا
صلَّى عليه اللهُ في عليائه إذ كان يجهد للرَّعيل دَليلا
كم علَّمَ الإنسانَ من آدابِه وهَدَى إلى النُّور المبينِ سبِيلا
أهديه حبًّا خالصًا وتَحيَّةً تَغشى المعلِّمَ بُكْرةً وأَصِيلا
هذا هو الحبيب صلى الله عليه وسلم يكشف للدنيا كلها عظيم مكانته فيقول:( إن الله وملائكته وأهل السموات والأرضين حتى النملة في حجرها وحتى الحوت ليصلون على معلم الناس الخير) رواه الترمذي وصححه الألباني
أيها المعلمون فكروا في هذا الأمر، والله العظيم إن هذا الحديث كاف جداً لتحميس ودفع الناس لتعليم الآخرين الخير، فمبارك لك أيها المعلم هذا الاحتفاء.
ولكن من هو الرجل العظيم؟ من هو معلم الخير؟ نتعرف عليه في الخطبة الثانية بإذن الله
أقول ما تسمعون واستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفرواه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية :
الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَلاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ تَعْظِيمًا لِشَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إِلَى رِضْوانِهِ، صَلَّى اللهُ عَليْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَعْوَانِهِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.
أما بعد : عباد الله، ولكن من هو الرجل العظيم؟ من هو معلم للخير؟
ــ إنه كل معلم يحمل همَّ إصلاح الجيل مهما كان تخصُّصه يجهد في تعليم طلابه وإصلاحهم، يذلل لهم كل صعب ويسهل لهم كل عسير ويربيهم على القيم الفاضلة والأخلاق الحسنة
ــ كل معلم استشعَر أنه قُدوةٌ لطلَّابه فهو معين خير يمشي على الأرض منه يشربون حتى يرتوون، فهو يُربِّي بفعله قبلَ قوله.
ــ كل معلم تحلَّى بالصَّبْر على طُلَّابه، وكان رفيقًا رحيمًا بهم، يدرك «إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه» كما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ([1])
ــ كل معلم يلهَج لطُلَّابه بالدعاء، ففي كل ليلة يوتر فيها يرفع يديه داعياً لهم بالصلاح والهداية والسداد والتوفيق.
ــ كل معلم كان مفتاح للخير مغلاقاً للشر يحث طلابه على الخير ويدلهم عليه، ويحذر طلابه من الشر وينفرهم عنه، فطوبى له ثم طوبى له حين تذكر هتاف النبي صلى الله عليه وسلم:( فطوبى لمن جعله الله مفتاحا للخير مغلاقا للشر) ([2])
ــ كل معلم أدركَ أنَّ الطريق إلى صلاح طلابه واستفادتهم مِن علمه أن يتسلَّلَ إلى قلوبهم، ويملِك زِمامَها، فهو يجهد في التحبُّب لهم والإحسان إليهم.
ــ كل معلم يستكشف مشاكل طُلَّابه ويُسهِم في حَلِّها ويرسم لهم طريق الخلاص من تلك المشكل ويبين لهم أن التميز والنجاح سهل المنال على الجادين في الحياة.
أيها الرجل العظيم مهمتك صعبة جداً إنها التربية والتعليم في آن واحد والتربية كما قيل ( أم الحيرة ) لكن من توكل على الله وصدق العزيم ونوى الإصلاح وجاهد في ذلك فسيضفر بعون الله وتوفيقه {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت: 69].
أيها الرجل العظيم بشراك بشراك فآثارك مسجلة محفوظة كل ما علمته حسنات جارية عليك، وآثار باقية لك لا تنقطع، أنه الوقف الذي يزيد كل يوم، قول الله تعالى): إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ ) (يّـس:12)
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من اتبعه من غير أن ينقص من أجورهم شيئاً ...) ([3])
ختاماً رسالتي لك أيها المعلم لا تتنازل عن ميدانك أقبل عليه بشغف وحب، أبذر وأغرس وتعهد بذرك وغرسك بالسقي والرعاية، وقريباً تقر عينك بأطيب الثمار، فإن رحلت عن صفحة الحياة ثمار ذلك الغرس سيصل إليك أطيب ما يكون، فطوبى لك ثم طوبى لك ثم طوبى لك
ورسالتي الأخرى لكل فرد في المجتمع علينا أن نرفع من قدر المعلم ونجله ونحفزه وندعمه ونكون نعم العون له في أداء رسالته ونقتنص الفرص لتكرمه والإشادة به، علينا أن نلهج له بالدعاء الصادق أن يوفقه الله ويعينه على أداء رسالته والقيام بأمانته، علينا أن نربي الأبناء على حب المعلم وإجلاله وتقديره واحترامه، التأسي والاقتداء به.
عباد الله إن دور الأسرة عظيم، عظيم في عون المعلم على أداء رسالته، وتربية الناشئة على قيم الجدية والمثابرة فحق على كل أسرة أن تولي ثمرة فؤادها العناية والاهتمام وأن تفرغ بعض وقتها لهذه المهمة العظيمة قال صلى الله عليه وسلم:" «كُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ...َالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالْمَرْأَةُ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا رَاعِيَةٌ وَمَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا" متفق عليه
أيها الأبناء غداً تكون رحلتكم الماتعة مع غذاء العقول والقلوب، فلتفرحوا بذلك ولتكونوا على قدر من الجدية والاهتمام فأنتم الحاضر والمستقبل، أنتم فأل السعد لأسركم ومجتمعكم ووطنكم، وفي محاض التربية والتعليم تضعون لبنات مستقبلكم، جعلكم قرة عين لأهليكم ومجتمعكم ووطنكم.
([1]) ـ / صحيح مسلم (4/ 2004)
([2]) ـ رواه الطبراني وابن ماجة بسند حسن (الجامع الصغير وزيادته (ص:
([3]) ـ رواه مسلم ( 4 /2060 )
المرفقات
1692273680_إلى الرجل العظيم أتحدث.pdf