إِلَى الحَائِرِينَ

يوسف العوض
1439/06/19 - 2018/03/07 20:59PM
الخطبة الأولى : 
الْحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ، خَلَقَ الإِنسانَ وكَرَّمهُ، وسَوَّى خَلْقَه وقَوَّمهُ، وتَفضَّل علَيهِ فعَلَّمَهُ، أَحْمَدُهُ تَعالَى بِما هوَ لهُ أَهلٌ مِنَ الحَمْدِ وأُثنِي علَيهِ وأُومِنُ بهِ وأَتَوكَّلُ علَيهِ، مَنْ يَهدِهِ اللهُ فلاَ مُضِلَّ لهُ ومَنْ يُضلِلْ فلاَ هَادِيَ لهُ، وَأشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ  وَحْدَهُ لاَ شَرِيْكَ لَهُ، وَأشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّداً عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ أَعلَى النَّاسِ قَدْراً، وأَنقاهُم صَدْراً، وأَعظَمُهم لِربِّهِ شُكْراً وأَكثَرُهم لهُ ذِكْراً، وأَسلَمُهم قَصْداً وفِكْراً، اللهُمَّ صلِّ وسلِّمْ وبارِكْ علَيهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجمَعينَ، والتَّابِعينَ لهُم بإِحسانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ. 
(( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ )) وبَعْدُ..
عِبَادَ اللهِ : مُنْذُ الْقِدَمِ كَانَ هَذَا الْكَوْنُ الْعَجِيبُ الْمُمْتَدُّ حَوْلنَا مَحَطَّ  تَسَاؤُلِ الْإِنْسَانِ وَفُضُولِهِ، وَمِنْ بَيْنِ الْأسْئِلَةِ: كَيْفَ ظَهَر َهَذَا الْكَوْنُ إِلَى الْوُجُودِ ؟ وهَلْ هُوَ حَادَثٌ أَمْ أَزَلَّيٌّ ؟ وَمَا عُمْرُهُ ؟ هَذِهِ هِي بَعْضُ الْأسْئِلَةِ الَّتِي كَانَتْ دَوْمَاً مَحَلَ جَدَلٍ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَبْدَأِ الْخَلْقِ، وَالْمُلْحِدِينَ الَّذِينَ اِدَّعَوْا عَدَمَ اِحْتِيَاجِ الْكَوْنِ إِلَى خَالِقٍ !! وَقَدْ اِنْتَشَرَ فِي عَصْرِنَا مَرَضُ الْإلْحَادِ وَهُوَ أَحَدُ الْأَمْرَاضِ الْفِكْرِيَّةِ الْفَتّاكَةِ ؛ إِذْ يَفْتِكُ بِالْإيمَانِ وَيُعْمِيَ الْحَوَاسَ عَنْ أدلةِ وَجُودِ الْخَالِقِ الرَّحْمَنِ، وَتَجِدُ الْمَرِيضَ بِهِ يُجَادِلُ فِي الْبَدَيهِيَّاتِ، وَيَجْمَعُ بَيْنَ النَّقِيضَيْنِ، وَيُفْرِّقُ بَيْنَ الْمُتَمَاثِلِينِ وَيَجْعَلُ مِنَ الظَّنِّ عِلْمًا، وَمِنْ الْعِلْمِ جَهلًا وَمِنَ الْحَقِّ بَاطِلًا، وَمِنَ الْبَاطِلِ حَقَّاً!
وَلِذَلِكَ فَإِنَّ التَّفَكُّرَ فِي خَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ أَكْثَرِ الْوَسَائِلِ الَّتِي تَدْعُو إِلَى الْإيمَانِ وَتَزِيدُ الْيَقِينَ لَدَى الْإِنْسَانِ وَتُعَرِّفُهُ بِعَظَمَةِ الْخَالِقِ وَمُدَى عِلْمِهِ وَحكمتِهِ فَاللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ، وَلَمْ يَخْلُقْهُمَا بَاطِلًا وَلَا عَبَثًا، وَلَمْ يَخْلَقْ شَيْئًا سُدًى !! قَالَ اللهُ تَعَاَلى (خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ).
ويقولُ اللهُ تَعَالى : (إنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) فَجَعَلَ اللَّهُ سُبْحَانهُ المُتَفَكِرِينَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مِنَ الذَّاكِرِينَ، وَكَانَ النَّاسُ عَلَى عَهِدَِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَسْأَلُونَ فِي شَتَّى الْأُمُورِ ، رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ إِنّي عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ إِذْ جَاءَهُ قَوْمٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ فَقَال اِقْبَلُوا الْبُشْرَى يا بَنِي تَمِيمٍ قَالُوا بَشَرْتَنَا فَأَعْطِنَا فَدَخَلَ نَاسٌ مِنْ أهْلِ الْيَمَنِ فَقَال اِقْبَلُوا الْبُشْرَى يا أهْلَ الْيَمَنِ إِذْ لَمْ يَقْبَلْهَا بَنُو تَمِيمٍ قَالُوا: قَبِلْنَا, جِئْنَاكَ لِنَتَفَقَّهَ فِي الدِّينِ وَلِنَسْأَلَكَ عَنْ أَوَّلِ هَذَا الْأَمْرِ مَا كَانَ قَالَ:( كَانَ اللَّهُ وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ قَبْلَهُ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ ثُمَّ خَلَقَ السّموَاتِ وَالْأَرْضَ وَكَتَبَ فِي الذِّكْرِ كُلَّ شَيْء).
وفي صحيح مُسلم عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول: (كَتَبَ اللَّهُ مَقَادِيرَ الْخَلَائِقِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ) .
ودَعْوَةُ الْبَعْضِ إِلَى عَدَم السُّؤَالِ عَنْ قِصَّةِ الْخَلْقِ وَاِعْتِبَارِهَا مِنَ الْمَحْظُورَاتِ خَطَأٌ وَلَا يُوجُدُ تَعَارُضٌ بَيْنَ الْمُنْجَزَاتِ الْعِلْمِيَّةِ الْحَديثَةِ والإكْتِشَافَاتِ وَالنَّظَرِيَاتِ الَّتِي تَبْحَثُ فِي نَشْأةِ وَأَصْلِ الْكَوْنِ و بَيَنَ الدِّيْنِ ! فَالدِّينُ يَدْعُو إِلَى الْعِلْمِ وَالتَّعَلُّمِ والإكتشافِ وَالتَّفْكِيرِ وَقَدْ قَال سُبْحَانهُ (وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْيدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ وَالْأَرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ) فالْآيَةُ الْكَرِيمَةُ تُوَافِقُ نَظَرِيَّاتِ الْعُلَمَاءِ عَنْ تَوَسُّعِ الْكَوْنِ وَتُمَدِّدِهِ اللَّاَنِهَائِيِّ وَتَقَولُ نَظَرِيَاتُ الْعُلَمَاءِ بِأَنَّ أَصْلَ الْكَوْنِ حَدَثَ مِنْ إنفجارٍ كَبِيرٍ  لِمَادَّةٍ ذَاتِ كَثَافَةٍ عَالِيَةٍ وَأَنَّهُ يَتَمَدَّدُ مُنْذُ ذَلِكَ الْحَيْنِ بِلَا تَوَقُّفٍ وَفِي كُلِّ الإتِجَاهَاتِ قالَ تَعالى ( أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا-ملتصقتين- فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ ) وَقَدْ تَكَوَّنَتْ الْمَجَرَّاتُ وَالْكَوَاكِبُ عَلَى مَرِّ مَلَاَيِينِ السِّنِينَ و الزَّمَنُ نِسبيٌّ فَلَا يَتَعَارَضُ مَعَ قَوْل ِاللَّهِ تَعَالَى( وَهُوَ الَّذِي خلقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَلَئِنْ قُلْتَ إِنّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلا سِحْرٌ مُبِين)وَقدْ جَاءَ ذِكْرُ الْيَوْمِ عِنْدَ اللَّهِ بِألْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعْدُوَنَ ! وَالْجَدِيرُ بِالذَّكَرِ أَنَّ نَظَرِيَّةَ الإنفجارِ الْعَظِيمِ تَتَحَدَّثُ عَنْ نشأةِ الْكَوْنِ وَخَلْقِهِ وَكَذَلِكَ تَتَحَدَّثُ بِأَنَّ الْكَوْنَ سَيَنْتَهِي كَمَا بَدَأَ أَيّ بِعَوْدَةِ الْكَوْنِ إِلَى نَفْسِ النُّقْطَةِ ثَانِيَةً، وَقَدْ قَال تَعَالَى(يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ ) هذا يَا عِبَادَ اللهِ بالنسبةِ للحياةِ بوجهٍ عامٍ أمَّا بالنسبةِ للإنْسَانِ بوجهٍ خاصٍ فَقَد قالَ اللهُ تَعالَى: (مَا أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنفُسِهِمْ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا) فالآيةُ السابقةُ تُؤكِّدُ هذا الارتباطَ بَل تُؤكِّدُ أنَّ الكونَ خُلقَ للحَياةِ وأنَّ الكَونَ والحَياةَ خُلقا للإنْسَانِ ونَفْسُ المَعْنَى نَجِدُهُ فِي قَولِه تعَالى: (خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ تَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ خَلَقَ الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ  وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ  وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ  وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ  وَعَلَى اللهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَائِرٌ وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ هُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَّكُم مِّنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ يُنبِتُ لَكُم بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنَابَ وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ  وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ) فالْآيَةُ الْكَرِيمَةُ تَدُلُّ عَلَى رَبْطِ خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بِخَلْقِ الْحَيَاةِ عَامَّةً وَالْإِنْسَانِ خَاصَّةً وَتَدُلُّ أيضًا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَخَّرَ مَا فِي الْكَوْنِ جَمِيعًا لِلْإِنْسَانِ المَأمُورِ بِالعِبَادةِ وَ التَوحِيدِ ( وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَ الْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ) فاللهُمَّ أحْينَا مُسْلِمِينَ وأَمِتْنَا مُسْلِمِينَ ..
 
الخطبة الثانية :
الْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالْعَاقِبَةُ للمتقينَ وَلَا عُدْوَانَ إلا عَلَى الظَّالِمِينَ، وَالصَّلَاَةُ وَالسّلَامُ عَلَى رَسُولِهِ الْأَمِيْنِ وَعَلى آله وَصَحِبِهِ الْغُرِّ الْمَيَامِين وَعَلَى التَّابِعِينَ لَهُمْ بِإحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.. أَمَّا بَعْدُ:
أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ: السَّمَاءُ الَّتِي نَرَاهَا وَالْكَوَاكِبُ الَّتِي نُشَاهِدُهَا وَالنُّجُومُ التِي تَسِيرُ فِيهَا، وَالْكَائِنَاتُ التِي تَعْمُرُهَا وَالْأَرْضُ الَّتِي نَسْكُنُهَا وأَحْيَاءٌ تَسْكُنُ سَطْحَهَا وَأَحْيَاءٌ تَسْبَحُ فِي أَجْوَائِهَا وَأَحْيَاءٌ تَعِيشُ فِي مَائِهَا وَأَحْيَاءٌ تَخْتَبِئُ فِي كُهُوفِهَا وَأُمَمٌ لَا يُحْصِيهَا إلا اللَّهُ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ ! وَلَا يُدْرِكُ كُنْهَ الْعجَائبِ إلا المَوْلَى السَّمِيعُ البَصِيرُ ! 
وَكُلُّ خَلِيقَةٍ مِنهَا أُمَمٌ وَشُعُوبٌ وَقَبَائِلُ لَهَا أَعمَارٌ تَأْكُلُهَا، وَبُيُوتٌ تَسْكُنُهَا ثُمَّ تَبِيدُ !! وَكُلُّ إِنْسَانٍ وَكُلُّ حَيَوَانٍ وكُلُّ طَائِرٍ وكُلُّ زَاحِفَةٍ وكُلُّ حَشَرةٍ وكُلُّ دُودَةٍ وكُلُّ نَْبتَةٍ وكُلُّ شَجَرَةٍ ،  لَا  ، بَلْ كُلُّ جَنَاحٍ فِي يَرَقَةٍ وَكُلُّ وَرَقَةٍ فِي زَهْرَةٍ وكُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْ تِلْكَ آيَةٌ فِي خَلْقِهَا وَآيَةٌ فِي شَكْلِهَا وَآيَةٌ فِي مَنَافِعهَا ! 
وَالْخَلَائِقُ الَّتِي تَعْمُرُ هَذِهِ الْأَرْضَ مِنَ الْأَحْيَاءِ نَبَاتَا وَحَيَوَانًا، وَإِنْسَا وَجِنًّا، وَطَيْرَا وَسَمَكًا، وَزَوَاحِفُ وَحَشَرَاتٌ وَغَيْرُهَا ! هَذِهِ الْخَلَائِقُ لَا يُحْصِيهَا وَلَا يَعْلَمُهَا إلا اللَّهُ وَحِدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ! 
وَهَذِهِ الْأَرْضُ الْمَمْدُودَةُ، وِهَادٌ وَبِطَاحٌ وَسُهُولٌ وَجِبَالٌ، وَأَنْهَارٌ وَوِدْيَانٌ وَبِحَارٌ وَبُحَيْرَاتٌ، وَجَنَّاتٌ وَعُيُونٌ وَغُدْرَانٌ وَتُرَابٌ وَأَحْجَارٌ وَمَعَادِنُ لَهَا أَحَوَالٌ، فَمِنهَا مَا يَجْرِي، وَمِنهَا مَا يُثْمِرُ وَمِنهَا مَا لَا يُحْصَيَ مَنَافِعُهُ إلا اللَّهُ فَسُبْحَانَ:(الذِي خَلَقَ فَسَوَّى وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى). 
 وَلَا يُدْرِك هَذِهِ الْعجَائبَ إلا الْقَلْبُ الْعَامِرُ بِالْإيمَانِ وَالْيَقِينِ، فَاليَقِينُ سَكِينَةٌ وَرَاحَةٌ وَالشَكُ خَرَابٌ وَ دَمَارٌ وصَدَقَ اللّهُ فِي قَوْلِهِ (فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ ) فهذا هُوَ الخلاَّقُ العظيمُ وهذا خَلْقُهُ وهذه قُدْرَتُهُ وهذه آيَاتُهُ  ( هَٰذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ ) ..
نَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يَرْزُقَنَا وَإِيَّاكُمْ مَعْرِفَتَهُ وَأَنْ يَحْفَظَ لَنَا دِينَنَا وَأَنْ يُثَبِّتَنَا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آله وَصَحْبهُ أَجَمْعَيْنَ.
المشاهدات 1839 | التعليقات 0