إكْمَالا لِبِنَاءِ الكَعْبَةِ آيَةٌ وَنِعْمَةٌ 29/11/1442هـ

خالد محمد القرعاوي
1442/11/27 - 2021/07/07 05:02AM
إكْمَالا لِبِنَاءِ الكَعْبَةِ آيَةٌ وَنِعْمَةٌ 29/11/1442ه
الحمدُ اللهِ العَليِّ الأَعْلَى، أَشهد ألَّا إلَهَ إلَّا اللهُ وَحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ؛ له الأَسمَاءُ الحُسنى، وَأَشهَدُ أنَّ مُحَمَّدَاً عبدُ اللِه وَرَسُولُهُ المُصطَفى؛ صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَليهِ وَعلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنْ اهْتَدى. أمَّا بَعدُ: فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ وَأطِيعُوهُ، واحْمَدُوهُ على هذا الدِّينِ العَظِيمِ وَالكِتَابِ المُبينِ، أيُّها المُؤمِنُونَ: حَدِيثُنا عَنْ نَبَأٍ عَظيمٍ! انْتَظَرَتْهُ المَخلُوقَاتُ، وَغيَّر تَأريخَ البَشَرِيَّةِ! فَقَدْ بَدَأَ الحَدَثُ مِن حِينِ هَاجَرَ إبراهيمُ الخليلُ عليهِ السَّلامُ بِهَاجَرَ وابنَها إِسمَاعِيلَ، إلى البُقعَةِ المُبَارَكَةِ! وَشَبَّ الغُلامُ وَتَزَوَّجَ وَغَابَ عَنْهُم إبرَاهِيمُ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ غَابَ وَرَجَعَ إلى ابْنِهِ بِحِمْلٍ ثَقِيلٍ وَعَمَلٍ مُضْنٍ وَشَاقٍّ، فَقَالَ يَا إِسْمَاعِيلُ إِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي بِأَمْرٍ قَالَ فَاصْنَعْ مَا أَمَرَكَ رَبُّكَ قَالَ وَتُعِينُنِي؟ قَالَ وَأُعِينُكَ قَالَ فَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي أَنْ أَبْنِيَ هَاهُنَا بَيْتًا وَأَشَارَ إِلَى أَكَمَةٍ مُرْتَفِعَةٍ عَلَى مَا حَوْلَهَا وكانُ عُمْرُ ابراهيمَ آنذاكَ مِائَةَ سَنَةٍ وإسمَاعِيلُ ثَلاثونَ سَنَةً عِنْدَ ذَلِكَ رَفَعَا الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ فَجَعَلَ إِسْمَاعِيلُ يَأْتِي بِالْحِجَارَةِ وَإِبْرَاهِيمُ يَبْنِي حَتَّى إِذَا ارْتَفَعَ الْبِنَاءُ جَاءَ بِهَذَا الْحَجَرِ فَوَضَعَهُ لَهُ فَقَامَ عَلَيْهِ وَهْوَ يَبْنِي وَيَقُولاَنِ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ, وأَقَامَا البِنَاءَ وَرَفَعَاهُ إلاَّ مَوضِعَ الحَجَرِ الأَسوَدِ فقد رُوي أنَّ الذي أتى بهِ جِبريلُ عليه السَّلامُ, أَمَّا المَقَامُ فقد ثَبَّتَ اللهُ مَوضِعَ قَدَمَيْ إبراهيمَ لِيكُونَ آيةً وعبرَةً, فَلَمَّا فَرَغَ إبراهيمُ من البِنَاءِ جَاءَهُ جِبريلُ فَأَراهُ المَنَاسِكَ كُلَّها ثُمَّ قَالَ أَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالحَجِّ, قَال ومَا يُبلِّغُ صَوتِي؟ قالَ أذِّن وَعَلَينَا البَلاغُ! فَأسَمعَ اللهُ صوتَهُ مَا بَينَ السَّمَاءِ والأَرضِ ومَن في الأَصلابِ والأرحامِ، قَالَ نَبِيُّنا صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ:(أفلا تَرونَ النَّاسَ يَجِيئُونَ مِن أَقصَى الأَرضِ يُلبُّونَ). وهكذا تَمَّ البناءُ، وقامَ الصَّرحُ الشَّامِخُ، وكانَ قِبلَةً لِلمسلمينَ، قالَ اللهُ تَعَالى:(إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ). عبادَ اللهِ: لقد بقيَ البيتُ بِحمدِ اللهِ شامِخَاً تَعَاقَبَتْهُ أُمَمٌ ودُولٌ حتى جَعَلَ اللهُ لِبلادِنا ووُلاتِنا شَرَفَ خِدْمَةَ الحرمينِ الشَّريفينِ، فكانَ مَصْدَرَ عزٍّ لها، وَبَرَكَةٍ عليها، فَجَزَى اللهُ خيراً كلَّ مَنْ أَخْلَصَ وَبَنَى وَبَارَكَ في جُهُودِهِمْ. يا مُؤمِنُونَ: بِنَاءُ الكَعْبَةِ فِيهِ امتِثَالٌ لأَمْرِ اللهِ وَتَحْقِيُقُ العُبودِيَّةِ للهِ وَحَدْهُ. بِنَاءُ الكَعْبَةِ، يُذَكِّرُنا بِالمرأَةِ الصَّالِحَةِ وَكيفَ أَنَّ دَورَهَا بِنَاءُ الأجْيَالِ وَمَصْنَعُ الرِّجَالِ. بِنَاءُ الكَعْبَةِ، يَرْبِطُ النَّاسَ بِدينٍ واحدٍ وقبلَةٍ واحِدَةٍ، فَيزْدَادُونَ تآلُفاً واتِّحاداً وقوَّةً:(وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ). بِنَاءُ البَيتِ، يُذَكِّرُنَا بِفَضْلِ الصَّلاةِ فِيهِ فَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «وَصَلَاةٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَفْضَلُ مِنْ مِائَةِ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ». وَأَنَّ الطَّوافَ فِيهِ يَعْدِلُ عِتْقَ رَقَبَةٍ. قَالَ ابنُ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (مَا رَفَعَ رَجُلٌ قَدَمًا وَلَا وَضَعَهَا: إِلَّا كُتِبَتْ لَهُ عَشْرُ حَسَنَاتٍ، وَحُطَّ عَنْهُ عَشْرُ سَيِّئَاتٍ، وَرُفِعَ لَهُ عَشْرُ دَرَجَاتٍ). أَحَادِيثٌ حَسَنَةٌ. بِنَاءُ البَيتِ: يُذَكِّرُنَا بِوُجُوبِ تَعْظِيمِهِ وَتَحْرِيمِ الإلحادِ فيهِ بِأيِّ مَعْصِيَةٍ كَانَتْ، وَأَنْ يُطَهَّرَ البَيتُ وَمَا حَولَهُ مِنْ مَظَاهِرِ الفِسْقِ والمُجُونِ. وَهَذَا بِحَمْدِ اللهِ مَا يَعْمَلُ عَليهِ الْمُسْلِمُونَ. أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ واستغفرُ اللهَ لي ولكم فاستغفروهُ إنَّهُ هو الغفور الرَّحيمُ.
الخُطْبَةُ الثَّانِيةُ: الحمدُ لله منَّ عَلَينَا بِمَوَاسِمِ الخَيرَاتِ، أَشْهَدُ ألاَّ إلَهَ إلاَّ اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لَهُ جَزِيلُ الهِبَاتِ، وَأَشْهَدُ أنَّ مُحمَّداً عبدُ اللهِ وَرَسُولُهُ سَبَّاقٌ إلى الخَيرَاتِ، صلَّى الله وسلَّمَ وبَارَكَ عليه وعلى آلِهِ وأَصحابِهِ والتَّابِعينَ لهم بإحسانٍ إلى يوم الْمَمَاتِ. أمَّا بعدُ: فَاتَّقوا اللهَ يا مؤمنونَ، فمن اتَّقى اللهَ وَقَاهُ وحَفِظهُ ورَعَاهُ. يَا عَبْدَ اللهِ: أَعْظَمُ عَمَلٍ تُقُومُ بِهِ طَاعَةُ اللهِ تَعالى، فَقَدْ قَالَ المَولَى: مَن جَاء بِٱلْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا . يَا مُؤمِنُونَ: يَومَانِ وَتَدْخُلُ علينَا أَفْضَلُ أَيَّامِ العَامِ على الإطلاق! فهل نتَّخِذُ مِنْها مَيدَانَاً لِلتَّنافُسِ؟ أَم يَأْخُذُنَا التَّسويفُ والتَّكَاسَلُ؟ كَفَاها شَرَفَاً أنْ أَقسَمَ اللهُ بها فَقَالَ: وَالْفَجْر*وَلَيَالٍ عَشْرٍ .واللهُ تعالى لا يُقسِمُ إلاَّ بِأَعظَمِ مَخلُوقَاتِه! إنَّها عَشَرَةُ أَيَّامٍ فَقَطْ. فَوَقْتُهَا قَصِيرٌ لا تَحْتَمِلُ التَّسْوِيفَ وَلا التَّقْصِيرَ. عبادَ اللهِ: ومن فَضَائِلِها أَنَّ اللهَ أَكْمَلَ فِيهَا الدِّينَ، وَأَنْزَلَ بِشَارِتَهُ لِلمؤمِنينَ فَقَالَ: ٱلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلإسْلاَمَ دِينًا .يَا مُؤمِنُونَ: في أيَّامِ العَشرِ تَجتَمِعُ أُمَّهاتُ العِبادَاتِ! فَفِيها صَلَوَاتٌ وَصَدَقَاتٌ، وَصَومُ تَطوُّعٍ، وَحَجٌّ إلى البَيتِ الحَرَامِ! فيها الذِّكرُ والتَّلبيةُ، والتَّكبيرُ والدُّعاءُ، فيها التَّقرُّبُ إلى اللهِ بِذَبْحِ الأَضَاحِي! وهذا شرفٌ لَها ولا يَتَأَتَّى في غِيرِها. فَهِيَ أَفْضَلُ أيَّامِ الدُّنْيا عَلى الإطلاقِ، كمَا وَصَفَها المُصطَفى عَلَيهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ فَقَالَ: «مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الأَيَّامِ». يَعْنِى أَيَّامَ الْعَشْرِ. قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلاَ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ: «وَلاَ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ إِلاَّ رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيءٍ». صَحَّحَهُ الإمَامُ الألبَانِيُّ.
فَيَا عِبَادَ اللهِ عَظِّمُوا هَذِهِ الأَيَّامَ فَهِيَ مِنْ شَعَائِرِ اللهِ، وَهِيَ الأَيَّامُ المَعْلُومَاتُ. وَاسْتَقْبِلُوهَا بِالتَّوبَةِ الصَّادِقَةِ النَّصُوحِ، وَأَكْثِرُوا فِيهَا مِنْ ذِكرِ اللهِ، فَهُوَ شِعَارُ هَذِهِ الأيَّامِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَأكثِرُوا فِيهنَّ مِنَ التَّهليلِ والتَّكبِيرِ والتَّسْبِيحِ». قُولوا: اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ لا إِلَهَ إلاَّ اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ وللهِ الحَمْدُ. أَحيُوهَا في مَكَانٍ. وَيُسنُّ الإكثارُ مِنْ صيَامِهَا، فقد كَانَ رَسُولُنا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ تِسْعًا مِنْ ذِي الْحِجَّةِ، وَيَوْمَ عَاشُورَاءَ، وَثَلاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ. عبادَ اللهِ: وَمِن أَفْضَلِ أَعمَالِها التَّقرُّبُ إلى اللهِ بِذَبْحِ الأَضَاحِي، وَقَدْ أَرْشَدَنَا نَبِيُّنا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُضَحِيَ أَنَّهُ لا يَأْخُذُ مِنْ شَعْرِهِ وَلا بَشَرَتِهِ شَيئَاً مِنْ حِينِ دُخُولِ العَشْرِ. فالَّلهُمَّ تَقبَّل مِنَّا صَالِحَ القَولِ والعَمَلِ، وَتُب علينا إنَّكَ أنتَ التَّوابُ الرَّحيمُ، اللَّهُمَّ إِنِّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ وفُجَاءَةِ نِقْمَتِكَ وجَمِيعِ سَخَطِكَ اللَّهمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنَ الفِتَنِ ما ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ، اللَّهُمَّ أدم علينا نعمةَ الأمنِ والإيمانِ، وأصلحْ لنا وُلاتَنَا وهيئ لِهُم بِطَانةً صَالحةً نَاصِحَةً واجعلهم رَحمةً على رعاياهم. وَوفِّقْهُمْ لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، وَانْصُرْ جُنُودَنَا واحفظ حُدُودَنا والمُسلمينَ أجمَعينَ. واغفر لنا ولِوالدينا والمسلمينَ. ربَّنا آتنا في الدنيا حَسَنَةً وفي الآخرة حَسَنَةً وقِنَا عذابَ النَّارِ. وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ .
 
 
 
 
المشاهدات 531 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا