إقامة الحدود أمان
عبدالرزاق بن محمد النهيان
1438/02/03 - 2016/11/03 08:49AM
الخطبة الأولى:
عباد الله:ما أشد حاجتنا لنزول المطر والغيث؛إذ به الحياة،فلا حياة بدون ماء،ولو أخبرتكم بعمل واحد خيرٍ من مطرٍ يصيبنا أربعين صباحاً أكنتم مُصدّقي؟!
روى الإمام أحمد والنسائي وابن ماجة عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ"حَدٌّ يُعْمَلُ بِهِ فِي الْأَرْضِ خَيْرٌ لِأَهْلِ الْأَرْضِ مِنْ أَنْ يُمْطَرُوا أَرْبَعِينَ صَبَاحًا"حسنه الألباني.
وذكره الإمام ابن حبان تحت عنوان(ذكرُ الأمرِ بإقامة الحدود في البلاد,إذ إقامةُ الحد في بلدٍ يكونُ أعمُّ نفعًا من أضعافهِ القطرُ إذا عمَّته)أي من كثرة المطر إذا عم البلاد.
أجل مَا أَعْظَمَ هَذَا الدِّينَ!وَمَا أَعْظَمَ شَرَائِعَهَ!فَهُوَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيـرٍ؛فَسُبْحَانَ مَنْ نَوَّعَ الْعُقُوبَاتِ فِي دِينِهِ،وَجَعَلَهَا قِصَاصًا وَحُدُودًا وَتَعَازِيرَ؛حَتَّـى تَسْتَوْفِيَ جَـمِيعَ التَّصَرُّفَاتِ الْـخَاطِئَةَ مِنَ الْبَشَرِ؛فَلَا يَبْقَى خَطَأٌ قَوْلِيٌّ أَوْ فِعْلِيٌّ،كَبـُرَ أَوْ صَغُرَ؛إِلَّا وَشَرَعَ الإِسْلَامُ الْعُقُوبَةَ الْمُنَاسِبَةَ لَهُ؛أَعْلَاهَا الصَّلْبُ وَالْقَتْلُ وَالْقَطْعُ،وَأَدْنَاهَا الْعِتَابُ وَاللَّوْمُ،قَالَ تَعَالَى:(إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ).
فَعِنْدَ التَّمَكُّنِ مِنَ الْبُغَاةِ وَالسَّاعِيـنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا؛فَلَا عَفْوَ عَنْهُمْ.
فَتُبَيِّـنُ هَذِهِ الآيَةُ حُكْمًا تَشْرِيعِيًّا أَسَاسِيًّا لِلْمُجْتَمَعِ الْمُسْلِمِ،وَهُوَ حُكْمٌ مُتَعَلِّقٌ بِـحِمَايَةِ الضَّرُورَاتِ الْـخَمْسِ،وَالْمُمْتَلَكَاتِ الْعَامَّةِ وَالْـخَاصَّةِ، وَالتَّحْذِيرِ مِنَ الْـخُرُوجِ عَلَى وَليِّ الأَمْرِ وَالْـجَمَاعَةِ؛وَإِيقَافِ الطَّامعِينَ وَالْمُفْسِدِينَ عِنْدَ حَدِّهِمْ،فَهَذَا الْمُجْتَمَعُ،الْقَائِمُ عَلَى مَنْهَجِ اللهِ،الْمَحْكٌومُ بِشَرِيعَتِهِ،يَـجِبُ أَنْ تُصَانَ فِيهِ الدِّمَاءُ وَالأَعْرَاضُ وَالأَمْوَالُ ،وَالنِّظَامُ الْعَامُّ،وَأَنْ تُوَقَّعَ عَلَى الْمُخِلِّيـنَ بِأَمْنِهِ،الْمُعْتَدِينَ عَلَى حُرُمَاتِهِ الْعُقُوبَاتُ الرَّادِعَةُ والَّتِـي نَصَّ عَلَيْهَا الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ.
فَعَلىَ كُلِّ مَنْ يَعِيشُ فِيهِ أَنْ يُـحَافِظَ عَلَى هَذِهِ النِّعْمَةِ الَّتـي يُسْبِغُهَا عَلَيْهِ رَبُّهُ عَزَّ وَجَلَّ،وَأَنْ يَرْعَى حُقُوقَ الآخَرِينَ كَلَّهَا مِنْ أَرْوَاحٍ وَأَمْوَالٍ وَأَعْرَاضٍ،وَأَنْ يُـحَافِظَ عَلَى سَلَامَةِ وَأَمْنِ الْمُجْتَمَعِ الَّذِي يَعِيشُ فِيهِ آمِنًا سَالِمًا مِنْ أَطْمَاعِ الْمُعْتَدِينَ،وَفَوْضَى الْـخَارِجِيـنَ، وَإِفْسَادِ الْمَوْتُورِينَ. أَيُّهَا المُسْلِمُونَ:لَقَدْ كَانَ الْعَرَبُ فِي جَاهِلِيَّتِهِمْ يُعَظِّمُونَ الثَّأْرَ وَالِانْتِقَامَ، وَيُقَدِّمُونَهُ عَلَى الْعَفْوِ أَوِ الْقِصَاصِ،فَلَمَّا جَاءَ اللهُ تَعَالَى بِالْإِسْلَامِ أَلْغَى بِهِ رُسُومَ الْجَاهِلِيَّةِ وَثَارَاتِهَا،وَشَرَعَ الْقِصَاصَ الْعَادِلَ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ القِصَاصُ فِي القَتْلَى﴾ففِي اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ بَسْطٌ لِلْعَدْلِ،وَتَسْكِينٌ لِثَوْرَةِ النُّفُوسِ،وَشِفَاءٌ لِلصُّدُورِ،وَقَطْعٌ لِأَسْبَابِ الثَّأْرِ وَالِانْتِقَامِ،وَبِذَا يَحِلُّ الْأَمْنُ،وَيَزُولُ الْخَوْفُ،وَتُوأَدُ الْفَوْضَى، وَيَرْضَى ذَوُو الْقَاتِلِ وَذَوُو المَقْتُولِ،وَفِي إِقَامَةِ الْحُدُودِ تطهير للمجتمع الإسلامي من جرائم الحدود وهي الزنا والسرقة وقطع الطريق والقذف والبغي وشرب الخمر والردة عن الإسلام،وجرائم القتل العمد،وجرائم التعازير،كما أن من أهدافها تحقيق العدالة والمساواة على وجه الأرض قال تعالى:(تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ).
ومن أهدافها أيضاً:أن من أقيم عليه حد أو قصاص أو تعزير في هذه الدنيا بسبب جريمة توجب ذلك،فهو كفارة لهذا الذنب الذي اقترفه،لما روى عُبَادَةَ بنِ الصَّامِتِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ"بَايِعُوني عَلَى أَلاَّ تُشرِكُوا بِاللهِ شَيئًا،وَلا تَسرِقُوا وَلا تَزنُوا،وَلا تَقتُلُوا أَولادَكُم،وَلا تَأتُوا بِبُهتَانٍ تَفتَرُونَهُ بَينَ أَيدِيكُم وَأَرجُلِكُم،وَلا تَعصُوا في مَعرُوفٍ،فَمَن وَفَى مِنكُم فَأَجرُهُ عَلَى اللهِ،وَمَن أَصَابَ مِن ذَلِكَ شَيئًا فَعُوقِبَ بِهِ في الدُّنيَا فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ، وَمَن أَصَابَ مِن ذَلِكَ شَيئًا ثُمَّ سَتَرَهُ اللهُ عَلَيهِ في الدُّنيَا فَهُوَ إِلى اللهِ: إِن شَاءَ عَفَا عَنهُ وَإِن شَاءَ عَاقَبَهُ "فَبَايَعنَاهُ عَلَى ذَلِك. فالخير كل الخير في استيفاء القصاص وإقامة الحدود،وَلَوْ شَرِقَ بِهَا الْكُفَّارُ وَالمُنَافِقُونَ،وَلَوْ وَصَمُوهَا بِالْوَحْشِيَّةِ وَالْهَمَجِيَّةِ،وَلَوْ زَعَمُوا أَنَّ الْعَالَمَ قَدْ تَغَيَّرَ،وَلَا يُنَاسِبُهُ إِقَامَةُ الْقِصَاصِ وَالْحُدُودِ فِيهِ؛فَإِنَّ الْإِجْرَامَ هُوَ الْإِجْرَامُ،وَالِاعْتِدَاءَ هُوَ الْاِعْتِدَاءُ،بَلْ إِنَّ أَمْنَ الْبَشَرِ بَاتَ يَتَقَلَّصُ بِسَبَبِ الْقَوَانِينِ الْوَضْعِيَّةِ الَّتِي زَعَمُوا بِهَا حِفْظَ حُقُوقِ الْإِنْسَانِ،بَيْنَمَا هُمْ يَحْفَظُونَ حُقُوقَ المُجْرِمِينَ، وَيَتَغَافَلُونَ عَنْ ضَحَايَاهُمْ. وَاللهُ تَعَالَى قَدْ أَمَرَنَا بِالتَّسْلِيمِ لِحُكْمِهِ ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ بارك الله لي ولكم،،،،
الخطبة الثانية:
عباد الله:إنّ المجتمع الذي تُقام فيه الحدودُ تجدهُ أكثرَ المجتمعاتِ أمنًا وأقلَّها فتنًا؛وها نحن في هذه الأزمان الرهيبة:قد علم القاصي والداني والمحبِّ والمبغضِ أن هذه البلاد بحمد الله تَعَالَى آمنة مطمئنة؛فسُبُلها آمنة،ومُدُنُها على كِبَرِها آمنة،وقُراها على بُعدها آمنة،عَمَّ الأمن الحاضر والباد،وغمر المدر والوبر،والجريمة على قلّتها قد ضُيّق عليها الخناق،وُوُقف لها بالمرصاد.
فقل لي بربك:ما الذي خَصَّنا بهذه النعمةَ دونَ أكثرِ العباد؟ وما الذي فضّلنا دون أكثر البلاد؟
إنه توحيد الله تَعَالَى فحسب،فبلادنا بحمد الله من مظاهر الشرك سالمة ولمنائره هادمة،قال تعالى:(الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ) .
زادَ اللهُ هَذِهِ الْمَمْلَكَةَ ثَبَاتَاً وَتَمَسُّكَاً بِدِينِ اللهِ الْحَقِّ،وَأَصْلَحَ قَادَتَهَا وَعَلَى رَأْسِهِمْ خَادِمَ الْحَرَمَيْنِ الشَّرِيفَيْنِ وَنُوَابَهُ حَفِظَهُمُ اللهُ وَرَزَقَهُمُ الْبِطَانَةَ الصَّالِحَةَ التِي تَحُثُّهُمْ وَتُشَجِّعُهُمْ عَلَى الْحَقِّ وَالْعَدْلِ وَعَلَى التَّمَسُّكِ بِكِتَابِ اللهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.ثم صلوا وسلموا،،،
عباد الله:ما أشد حاجتنا لنزول المطر والغيث؛إذ به الحياة،فلا حياة بدون ماء،ولو أخبرتكم بعمل واحد خيرٍ من مطرٍ يصيبنا أربعين صباحاً أكنتم مُصدّقي؟!
روى الإمام أحمد والنسائي وابن ماجة عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ"حَدٌّ يُعْمَلُ بِهِ فِي الْأَرْضِ خَيْرٌ لِأَهْلِ الْأَرْضِ مِنْ أَنْ يُمْطَرُوا أَرْبَعِينَ صَبَاحًا"حسنه الألباني.
وذكره الإمام ابن حبان تحت عنوان(ذكرُ الأمرِ بإقامة الحدود في البلاد,إذ إقامةُ الحد في بلدٍ يكونُ أعمُّ نفعًا من أضعافهِ القطرُ إذا عمَّته)أي من كثرة المطر إذا عم البلاد.
أجل مَا أَعْظَمَ هَذَا الدِّينَ!وَمَا أَعْظَمَ شَرَائِعَهَ!فَهُوَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيـرٍ؛فَسُبْحَانَ مَنْ نَوَّعَ الْعُقُوبَاتِ فِي دِينِهِ،وَجَعَلَهَا قِصَاصًا وَحُدُودًا وَتَعَازِيرَ؛حَتَّـى تَسْتَوْفِيَ جَـمِيعَ التَّصَرُّفَاتِ الْـخَاطِئَةَ مِنَ الْبَشَرِ؛فَلَا يَبْقَى خَطَأٌ قَوْلِيٌّ أَوْ فِعْلِيٌّ،كَبـُرَ أَوْ صَغُرَ؛إِلَّا وَشَرَعَ الإِسْلَامُ الْعُقُوبَةَ الْمُنَاسِبَةَ لَهُ؛أَعْلَاهَا الصَّلْبُ وَالْقَتْلُ وَالْقَطْعُ،وَأَدْنَاهَا الْعِتَابُ وَاللَّوْمُ،قَالَ تَعَالَى:(إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ).
فَعِنْدَ التَّمَكُّنِ مِنَ الْبُغَاةِ وَالسَّاعِيـنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا؛فَلَا عَفْوَ عَنْهُمْ.
فَتُبَيِّـنُ هَذِهِ الآيَةُ حُكْمًا تَشْرِيعِيًّا أَسَاسِيًّا لِلْمُجْتَمَعِ الْمُسْلِمِ،وَهُوَ حُكْمٌ مُتَعَلِّقٌ بِـحِمَايَةِ الضَّرُورَاتِ الْـخَمْسِ،وَالْمُمْتَلَكَاتِ الْعَامَّةِ وَالْـخَاصَّةِ، وَالتَّحْذِيرِ مِنَ الْـخُرُوجِ عَلَى وَليِّ الأَمْرِ وَالْـجَمَاعَةِ؛وَإِيقَافِ الطَّامعِينَ وَالْمُفْسِدِينَ عِنْدَ حَدِّهِمْ،فَهَذَا الْمُجْتَمَعُ،الْقَائِمُ عَلَى مَنْهَجِ اللهِ،الْمَحْكٌومُ بِشَرِيعَتِهِ،يَـجِبُ أَنْ تُصَانَ فِيهِ الدِّمَاءُ وَالأَعْرَاضُ وَالأَمْوَالُ ،وَالنِّظَامُ الْعَامُّ،وَأَنْ تُوَقَّعَ عَلَى الْمُخِلِّيـنَ بِأَمْنِهِ،الْمُعْتَدِينَ عَلَى حُرُمَاتِهِ الْعُقُوبَاتُ الرَّادِعَةُ والَّتِـي نَصَّ عَلَيْهَا الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ.
فَعَلىَ كُلِّ مَنْ يَعِيشُ فِيهِ أَنْ يُـحَافِظَ عَلَى هَذِهِ النِّعْمَةِ الَّتـي يُسْبِغُهَا عَلَيْهِ رَبُّهُ عَزَّ وَجَلَّ،وَأَنْ يَرْعَى حُقُوقَ الآخَرِينَ كَلَّهَا مِنْ أَرْوَاحٍ وَأَمْوَالٍ وَأَعْرَاضٍ،وَأَنْ يُـحَافِظَ عَلَى سَلَامَةِ وَأَمْنِ الْمُجْتَمَعِ الَّذِي يَعِيشُ فِيهِ آمِنًا سَالِمًا مِنْ أَطْمَاعِ الْمُعْتَدِينَ،وَفَوْضَى الْـخَارِجِيـنَ، وَإِفْسَادِ الْمَوْتُورِينَ. أَيُّهَا المُسْلِمُونَ:لَقَدْ كَانَ الْعَرَبُ فِي جَاهِلِيَّتِهِمْ يُعَظِّمُونَ الثَّأْرَ وَالِانْتِقَامَ، وَيُقَدِّمُونَهُ عَلَى الْعَفْوِ أَوِ الْقِصَاصِ،فَلَمَّا جَاءَ اللهُ تَعَالَى بِالْإِسْلَامِ أَلْغَى بِهِ رُسُومَ الْجَاهِلِيَّةِ وَثَارَاتِهَا،وَشَرَعَ الْقِصَاصَ الْعَادِلَ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ القِصَاصُ فِي القَتْلَى﴾ففِي اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ بَسْطٌ لِلْعَدْلِ،وَتَسْكِينٌ لِثَوْرَةِ النُّفُوسِ،وَشِفَاءٌ لِلصُّدُورِ،وَقَطْعٌ لِأَسْبَابِ الثَّأْرِ وَالِانْتِقَامِ،وَبِذَا يَحِلُّ الْأَمْنُ،وَيَزُولُ الْخَوْفُ،وَتُوأَدُ الْفَوْضَى، وَيَرْضَى ذَوُو الْقَاتِلِ وَذَوُو المَقْتُولِ،وَفِي إِقَامَةِ الْحُدُودِ تطهير للمجتمع الإسلامي من جرائم الحدود وهي الزنا والسرقة وقطع الطريق والقذف والبغي وشرب الخمر والردة عن الإسلام،وجرائم القتل العمد،وجرائم التعازير،كما أن من أهدافها تحقيق العدالة والمساواة على وجه الأرض قال تعالى:(تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ).
ومن أهدافها أيضاً:أن من أقيم عليه حد أو قصاص أو تعزير في هذه الدنيا بسبب جريمة توجب ذلك،فهو كفارة لهذا الذنب الذي اقترفه،لما روى عُبَادَةَ بنِ الصَّامِتِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ"بَايِعُوني عَلَى أَلاَّ تُشرِكُوا بِاللهِ شَيئًا،وَلا تَسرِقُوا وَلا تَزنُوا،وَلا تَقتُلُوا أَولادَكُم،وَلا تَأتُوا بِبُهتَانٍ تَفتَرُونَهُ بَينَ أَيدِيكُم وَأَرجُلِكُم،وَلا تَعصُوا في مَعرُوفٍ،فَمَن وَفَى مِنكُم فَأَجرُهُ عَلَى اللهِ،وَمَن أَصَابَ مِن ذَلِكَ شَيئًا فَعُوقِبَ بِهِ في الدُّنيَا فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ، وَمَن أَصَابَ مِن ذَلِكَ شَيئًا ثُمَّ سَتَرَهُ اللهُ عَلَيهِ في الدُّنيَا فَهُوَ إِلى اللهِ: إِن شَاءَ عَفَا عَنهُ وَإِن شَاءَ عَاقَبَهُ "فَبَايَعنَاهُ عَلَى ذَلِك. فالخير كل الخير في استيفاء القصاص وإقامة الحدود،وَلَوْ شَرِقَ بِهَا الْكُفَّارُ وَالمُنَافِقُونَ،وَلَوْ وَصَمُوهَا بِالْوَحْشِيَّةِ وَالْهَمَجِيَّةِ،وَلَوْ زَعَمُوا أَنَّ الْعَالَمَ قَدْ تَغَيَّرَ،وَلَا يُنَاسِبُهُ إِقَامَةُ الْقِصَاصِ وَالْحُدُودِ فِيهِ؛فَإِنَّ الْإِجْرَامَ هُوَ الْإِجْرَامُ،وَالِاعْتِدَاءَ هُوَ الْاِعْتِدَاءُ،بَلْ إِنَّ أَمْنَ الْبَشَرِ بَاتَ يَتَقَلَّصُ بِسَبَبِ الْقَوَانِينِ الْوَضْعِيَّةِ الَّتِي زَعَمُوا بِهَا حِفْظَ حُقُوقِ الْإِنْسَانِ،بَيْنَمَا هُمْ يَحْفَظُونَ حُقُوقَ المُجْرِمِينَ، وَيَتَغَافَلُونَ عَنْ ضَحَايَاهُمْ. وَاللهُ تَعَالَى قَدْ أَمَرَنَا بِالتَّسْلِيمِ لِحُكْمِهِ ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ بارك الله لي ولكم،،،،
الخطبة الثانية:
عباد الله:إنّ المجتمع الذي تُقام فيه الحدودُ تجدهُ أكثرَ المجتمعاتِ أمنًا وأقلَّها فتنًا؛وها نحن في هذه الأزمان الرهيبة:قد علم القاصي والداني والمحبِّ والمبغضِ أن هذه البلاد بحمد الله تَعَالَى آمنة مطمئنة؛فسُبُلها آمنة،ومُدُنُها على كِبَرِها آمنة،وقُراها على بُعدها آمنة،عَمَّ الأمن الحاضر والباد،وغمر المدر والوبر،والجريمة على قلّتها قد ضُيّق عليها الخناق،وُوُقف لها بالمرصاد.
فقل لي بربك:ما الذي خَصَّنا بهذه النعمةَ دونَ أكثرِ العباد؟ وما الذي فضّلنا دون أكثر البلاد؟
إنه توحيد الله تَعَالَى فحسب،فبلادنا بحمد الله من مظاهر الشرك سالمة ولمنائره هادمة،قال تعالى:(الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ) .
زادَ اللهُ هَذِهِ الْمَمْلَكَةَ ثَبَاتَاً وَتَمَسُّكَاً بِدِينِ اللهِ الْحَقِّ،وَأَصْلَحَ قَادَتَهَا وَعَلَى رَأْسِهِمْ خَادِمَ الْحَرَمَيْنِ الشَّرِيفَيْنِ وَنُوَابَهُ حَفِظَهُمُ اللهُ وَرَزَقَهُمُ الْبِطَانَةَ الصَّالِحَةَ التِي تَحُثُّهُمْ وَتُشَجِّعُهُمْ عَلَى الْحَقِّ وَالْعَدْلِ وَعَلَى التَّمَسُّكِ بِكِتَابِ اللهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.ثم صلوا وسلموا،،،