إعادة صياغة خطبة (النفاق الليبرالي والباطني)

إبراهيم بن صالح العجلان
1433/03/24 - 2012/02/16 19:15PM
تحية طيبة لأحبتي الخطباء ..... موضوع الشيخ الحبيب إبراهيم الحقيل الأخير جدير بالطرح والتكرار ، ولا أخفيكم أني نويت الكتابة عن عظمة النبوة المحمدية ، وحين قرأت موضوع الشيخ بعد الظهر غيرت الطريق ، فاستأذنته في اقتباس خطبته ، وإعادة صياغتها

وها هي بين أيديكم ، مع ملاحظة أن أعادة الصياغة لا يعني التقليل من شأن الخطبة الأصل ، وإنما لكل خطيب طريقته في إقناعه وأسلوبه وإلقاءه .

سدد الله الجميع ، وأكرر شكري لصاحب الفضل الشيخ إبراهيم .


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


إخوة الإيمان :
هل عداءٌ على أمة القرآن أبقى وأنكى من عداء أهل النفاق ؟
هل إيذاءٌ على أمة الإيمان أفظع وأشنع من ألسنة النفاق الحداد ؟
هل عرفت أمتنا في تاريخها كيداً أشد من كيد النفاق الكبُّار ؟
إنه الكيد الذي جرَّع الأمة مرارات من الحسرة والأسى ،( هم العدو فاحذرهم )
إنه العداء الذي يتستر خلف شعارات الولاء والتبعية ( ويحلفون بالله إنهم لمنكم وما هم منكم ولكنهم قوم يفرقون )
إنه العداء الذي يخادعنا دوماً بيمينه وأيمانه بالوقوف في صفنا ، والغيرة على ديننا ( وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلو إلى شياطينهم قالوا إنا معك إنما نحن مستهزؤن )
ألسنتهم تنضح كذباً بالتلبس بلبوس الدين ، وأفعالهم تحكي واقعاً غير ذلك ( إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون )
في حال القوة والغلبة وجناية الثمار فهم معنا ، وولاؤهم لنا ، وإن كانت الأخرى تلونو تلون الحِرباء ، فكانوا عيونا للعداء ( الذين يتربصون بكم فإن كان لكم فتح من الله قالوا ألم نكن معكم وإن كان للكافرين نصيب قالوا ألم نستحوذ عليكم ونمنعكم من المؤمنين )
ولذا حذرنا القرآن الكريم من هذه الطُغمة الباغية الآثمة ، وعرَّاهم وجلاَّهم في مواضع عدة ، وذكر لنا أوصافهم وأفعالهم ومكرهم وتقلباتهم حتى قال حبر الأمة ابن عباس في سورة التوبة : ( هِيَ الْفَاضِحَةُ، ما زَالَتْ تَنْزِلُ: وَمِنْهُمْ، وَمِنْهُمْ، حَتَّى ظَنُّواأَنَّهَا لَنْ تُبْقِيَ أَحَدًا مِنْهُمْ إِلاَّ ذُكِرَ فِيهَا) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَقَالَ ابْنُ القَيِّمِ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى ( كَادَالقُرْآنُ أَنْ يَكُونَ كُلُّهُ فِي شَأْنِهِمْ ).
ورم النفاق الخبيث ظهر في جسد الأمة في أزمنة متفاوتة ، وأشكال متباينه ، فأول ظهور له كان بعد غزوة بدر ، في يوم الفرقان يوم أعزَّ الله فيه أهل الإيمان ،وأذل فيه أهل الكفر والأوثان ، فشرِقَ بهذا العِزِّ من شرِق من مرضى القلوب والريب ، فتحركت عقارب النفاق في قلوب أهلها ، فكادوا للأمة وعادوها ، وكانت تحركاتهم ومشروعاتهم لا تحمل إلا مشروع هدم الإسلام والكيد بالنبي صلى الله عليه وسلم ، ولاستهزاء بالمؤمنين ، والتندر بشعائر الدين ، مع موالاة وارتماء في أحضان اليهود الكافرين ( ألم تر إلى الذين نافقوا يقولون لإخوانهم الذين كفروا من أهل الكتاب لئن أُخرجتم لنخرجن معكم ولا نطيع فيكم أحداً أبداً وإن قوتلتم لننصرنكم )
تربَّع على رأس هذا النفاق العَبثي الهَدْمي عبد الله بن أُبي بن سلول ، عاش في صف المسلمين وتسمَّى باسمهم وظل يرمقهم ويرقبهم ويتحين الثغرات لينفث من خلالها السم النفاقي .
ولم يكد الزمان يغفو إغفاءه إلا وورم نفاقي آخر ينبت في جسد الأمة الإسلامية ، في خلافة الخليفة الصالح عثمان بن عفَّان ، تولى كبر هذا النفاق عبد الله بن سبأ اليهودي أظهر الإسلام وأبطن الكفر ، وأبدى آراء شاذة من الغلو في علي ، وانتقاص الصحابة ، وعقيدة الرجعة ، ومسائل أُخرى يطول حديثها.
بذر هذا السبئي مذهبه الباطني المحدث ، وجاء بعده من زاد عليه وأحدث ، حتى ظهر في التاريخ فرق باطنية عدَّة ، تنتسب للإسلام ، كالنصيرية والإمامية والاسماعيلية وغيرها ، مذاهب تحمل مشروعات عقائدية محرَّفه ، لم يعرفها أهل الإسلام في قرونهم الفاضلة .
إخوة الإيمان : وظل هذا النفاق بنوعيه موجوداً في الأمة عبر تاريخها، لا يمر زمان إلا وتتأذى الأمة من النفاق السلوليِّ المشوِّش،والنفاق السبئي المحرَّف.
وفي عصرنا اليوم نرى امتدادا واضحا لنوعي هذا النفاق في المجتمعات الإسلامية ، فورثت العلمانيةُ والليبرالية النفاقَ السلولي العبثي ، فليس لدى أصحاب من ينتمي لهذه المذاهب مشروع سوى مشروع التشويش ، والتمرد على الشرائع الإلهية ، وتغيير المصطلحات الشرعية ، وإباحة المحرمات والمقدسات تحت لافتة الحريات .
وورث النفاقَ السبئي الفرقُ الباطنية ، والتي أصبح لها اليوم صوت مرفوع ، وإعلام مسموع ، ودول تحتمي بحماها ، نفاق يحمل مشروعه العقدي والتوسعي في بلاد المسلمين ، يرفع شعار الممانعة والمقاومة ، وتاريخه ينطق أنهم ليس لهم فتوحات تذكر ، ولا تحرير للمقدسات يشكر ، وإنما جهادهم طعنات وغدرات على أهل السنة ، واستباحة دمائهم وأعراضهم .
عباد الله : وكما تشابهت قلوب أهل الكتاب ، تشابهت أيضاً قلوب أهل النفاق وأهدافهم ، فيوجد بين نوعي النفاق السلولي والسبئي من التوافق والاشتراك ما لا يخفى :
ــــ فإذا كانت الفرق الباطنية قد سبت وشتمت ولعنت خير جيل ، فإن العلمانية اليوم تنضح مؤلفاتها بالطعن في جيل الصحابة وانتقاصهم ، وسء الأدب معهم ، ولم ننس طعن واتهام أحد الكتاب قبل سنوات في صحيفة الرياض حين وصف الصديق رضي الله عنه ، والذي له من الفضل والفضائل ما لا يخفى ، فقال عنه ما نصًّه: "ولعل أول وأهم واقعة تاريخية عبرت عن ميلاد فكرة التكفير في الإسلام هي حروب الردة التي خاضها الخليفة أبو بكر الصديق في مطلع عهده " أ.ه
وطار بهذا الكلام المواقع الشيعية حينها .
ــــ إذا كانت الفرق الباطنية قد استباحة المحرمات وشرعنتها باختراع روايات عن آل البيت في حلِّها ، فإن العلمانية اليوم قد استباحت المحرمات تَحْتَ رَايَاتِ الحُرِّيَّات ، مع البحث في التراث لنصوصٍ لاَتُؤْمِنُ بِهَا وَلا تُعَظِّمُهَا، وَلَكِنْ لِتُشَرِّع َمُنْكَرَهَا فِي النَّاسِ!
ـــ إذا كانت الفرق الباطنية قد انتحلت التقية ، وجعلتها من صميم دينها ، فإنَّ أرباب النفاق السلولي يظهرون في مجتمعهم ما لا يبطنون ، فهنا تسمع من عبارات الالتزام بالإسلام والاحتكام للشرع ، وهناك أو في اللقاءت مع الصحف الأجنبية تقرأ السخرية بالأحكام ، وانتقاص الشعائر ، فالحجاب عادة بدوية ، والحدود عقوبات ماضوية ، والنصوص التراثية غير ملزمة لنا في عصر العلم والتكنولوجبا ، والفهم للنص يختلف من زمن إلى زمن ،،، إلى غير ذلك من الهراء الذي جَبُنوا أن يتفهوا به هنا .
ـــ وتشترك طائفتا النفاق أيضاً : في استفزاز مشاعر المسلمين ، بِالطَّعْنِ فِي مُقَدَّسَاتِهِمْ، وَالاعْتِدَاءِ عَلَى حُرُمَاتِ دِينِهِمْ ، والتأليب على رموز الإسلام وعلمائه وقاماته.
ـــ ويشتركون أيضاً : في استهداف المذهب السني السلفي ، ووصفه بالأوصاف المنفِّره ، فالإعلام الباطني يصف أهل السنة الموحدين بالوهابيين والتكفيريين ، أما في الإعلام العلماني فيوصفون بالمتشددين المتطرفين والأصوليين .
ـــ ومن أبرز التشابه بين الفريقين : دورهما الكبير والمشبوه مع الغرب في اختراق المجتمعات السنية وإضعافها ، وَلَوْلاَ النِّفَاقُ السَّبَئِيُّ فِي طَهْرَانَ لَمَا احْتُلَّتِ العِرَاقُ وَأَفْغَانِسْتَانُ،كما نطق به غير واحد من ساسة إيران .
وَالاِخْتِرَاقُ الغَرْبِيُّ لِلْمُجْتَمَعَاتِ الإِسْلامِيَّةِ ودعمها للمرجفين المنسلخين مَا عَادَ يَخْفَى عَلَى أَحَدٍ،
التمويل الغربي لمراكز البحوث التي تهتم بالطعن في الإسلام وإعادة صياغته ونشر الأفكار المنحرفة والإلحادية حديث مذاع .
هذه الاختراقات الغربية للمجتمعات الإسلامية السنية إنما كانت عن طريق اليد النفاقية ، وهي هي التي خَرَّجَتْ بِامْتِيَازٍ الزَّنَادِقَةَ وَالمُرْتَدِّينَ الَّذِينَ يَشْتُمُونَ اللهَ تَعَالَى وَرُسُلَهُ عَلَيْهِمُ السَّلامُ وَيَزْدَرُونَ دِينَهُ .
عباد الله :
وغاية هذا العداء النفاقي واحدة وَهِيَ القَضَاءُ عَلَى الإِسْلامِ السني الحَقِّ، وَإِحْلالُ إِسْلامٍ آخَرَ مَحِلَّهُ،إِمَّا لِيبْرَالِيٌّ لاَ أَمْرَ فِيهِ وَلاَ نَهْيَ، وَلاَ حُدُودَ وَلا حُرُمَاتٍ سِوَى الحُرِّيَّةِ وَالهَوَى، وَإِمَّا بَاطِنِيٌّ يُعَبَّدُ فِيهِ النَّاسُ لِبَشَرٍ مِثْلِهِمْ، وَيَبْذُلُونَ لَهُمْ أَعْرَاضَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ،وَيَسْفِكُونَ دِمَاءَهُمْ لِأَجْلِ مَجْدِهِمْ وَعِزَّتِهِمْ .
هذه بعض صور التوافق والتشابه بين النفاقين ، والواقع والأحداث تثبت وتشهد أنه حقيقة لا خيال ، وواقع ليس مؤمراة .
وإن حصل بين الفريقين تصادم واختلاف فهو تصادم سياسي لا عقائدي .
حَمَى اللهُ تَعَالَى المُسْلِمِينَ مِنْ شَرِّهِمْ، وَرَدَّ عَلَيْهِمْ كَيْدَهُمْ، آمِينَ
أقول قولي هذا....
المشاهدات 2681 | التعليقات 2

الخطبة الثانية
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعد وعلى آله وصحبه ، أما بعد فيا إخوة الإيمان :
إن المواجهة الفكرية مع حزب النفاق بنوعيه ، وجهادهم بالكلمة والحجة والبرهان ، والاحتساب عليهم بفضح تلبيساتهم وأطروحاتهم لهو من أعظم ألوان الجهاد الشرعية المأمور بها ( يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ) ، خصوصاً والطرف الآخر يملك من الإعلام وقوة التأثير ما لا يخفى،وفي أبناء المسلمين من السطحية والتعلق بالتوافه ما يجعلهم يغترون بمنطقهم ومغرياتهم ولحن قولهم(وفيكم سمَّاعون لهم)
فكونوا يا أهل الإيمان من أُولي البقية المصلحين الذين ينهون عن الفساد الفكري والأخلاقي ، فشرفنا والله وعزُّنا وبقاؤنا وخيريتُنا هي في التناصح والأمر بالمعروف بالحكمة ، والنهي عن المنكر باللين والموعظة الحسنة .
أما إذا اختار الإنسان طريق القعود والابتعاد عن الاحتساب الفكري فلا يكن عثرةً في وجه إخوانه المصلحين
فليت شعري من لم يكن بالحق مقتنعاً **** يُخلِ الطريق ولا يُوهن من اقتنعا
وأسوأ حالاً من القاعدين من جادل عن أهل الريب والنفاق والزندقة والإلحاد وحامى عنهم إما كرهاً في أهل الخير ، وإما بسبب عواطف وضعت في غير محلها ، والله تعالى يقول : (هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَنْ يُجَادِلُ اللهَ عَنْهُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا )
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه


بارك الله فيك