إطعام الطعام في الصومال
محمد بن إبراهيم النعيم
1438/07/09 - 2017/04/06 10:09AM
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له وليًّا مرشدًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُ الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين وتابعيهم وسلم تسليمًا كثيرًا.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].
أما بعد: فإنَّ خير الحديث كتابُ الله، وخير الهدي هديُ محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
أيها الأخوة في الله
يعتبر الطعام من ضرورات الحياة للإنسان التي لا يمكن العيش بدونه، ولذلك أولى الإسلام هذا الأمر العناية الكاملة، ورغَّب في إطعام الطعام للناس عامة وللفقراء خاصة، واعتبر خيار الناس من فعل ذلك، حيث روى صهيب بن سنان –رضي الله عنه- أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: (خياركم من أطعم الطعام ورد السلام) رواه أحمد.
ولهذا ركز الإسلام بتشريعه على الحث على إطعام الطعام بالذات؛ لأهداف عدة أهمها: القضاء على الجوع والمجاعات التي تصيب المجتمعات البشرية بين آونة وأخرى.
والذي يتأمل التشريع الرباني يجد أن الإسلام بتعاليمه السماوية الفريدة بإمكانه - لو مُكِّن له وقام به أتباعه خير قيام - أن يَحُلَ مشكلة الفقر والجوع والتقليل منها؛ ليس في أوساط المسلمين فحسب؛ بل في أوساط الكافرين أيضا، فكما نجح الإسلام في القضاء على مشكلة الرق حتى ندر وجوده في العالم، فإنه كذلك قَدَّم الحلول الفعالة لظاهرة الفقر والجوع في العالم.
فالإسلام لا يحب الجوع ولا يدعو إليه، وإنما ذمه لأثره السيئ على سلوك الفرد، ولأن المرء إذا عُدِمَ الطعام فقد يسعى للحصول عليه بطرق تمس كرامته؛ مثل ذل السؤال أو السرقة، ولذلك تعوذ منه النبي –صلى الله عليه وسلم-.
فعن أبي هريرة –رضي الله عنه- قال: كان النبي –صلى الله عليه وسلم- يقول: (اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْجُوعِ فَإِنَّهُ بِئْسَ الضَّجِيعُ) رواه أبو داود والنسائي.
ولهذا سنَّ الإسلامُ أبوابا عديدة لإطعام الطعام، فحرّم احتكارَه، وأمر بصدقة الفطر أن تُخرج طعاما عن كل فرد، سواء كان صغيرا أو كبيرا، وجعل بعض الكفارات طعاما يُخرج للمساكين، فأمر العاجز عن صيام رمضان أن يطعم مسكينا عن كل يوم لم يصمه، وأمر من ظاهر أهله أو واقعهم في نهار رمضان أن يطعم ستين مسكينا، وجعل كفارة اليمين إطعام عشرة مساكين، وكفارة بعض الأخطاء في أداء مناسك الحج والعمرة إطعام فقراء الحرم.
كما رغب في تفطير الصائمين، وذبح الأضحية، والعقيقة وإعطاء جزء منها للفقراء، واعتبر شر الولائم تلك التي لا يُدعى إليها الفقراء، وجعل من بر الحج إطعام الطعام حيث روى جابر –رضي الله عنه- أن النبي –صلى الله عليه وسلم- فقال: (بر الحج إطعام الطعام وطيب الكلام) رواه الحاكم.
واعتبر الإسلام أن من خوارم كمال إيمان المرء؛ أن يشبعَ وجاره جائع إلى جنبه، حيث روى أنس بن مالك –رضي الله عنه- أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: (ما آمن بي من بات شبعانا وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم به) رواه الطبراني والبيهقي، ولذلك أمر النبي –صلى الله عليه وسلم- أبا ذر قائلا له: (يا أبا ذر إذا طبخت مرقة فأكثر ماءها وتعاهد جيرانك) رواه مسلم.
ولقد كان النبي –صلى الله عليه وسلم- يُدرِّب أصحابه رضي الله عنهم على إطعام الطعام ويحثهم عليه، فسأل بعضهم ذات يوم فقال: (من أصبح منكم اليوم صائما)؟ قال أبو بكر: أنا، قال: (فمن تبع منكم اليوم جنازة)؟ قال أبو بكر: أنا، قال: (فمن أطعم منكم اليوم مسكينا) ؟ قال أبو بكر: أنا، قال: (فمن عاد منكم اليوم مريضا)؟ قال أبو بكر: أنا، فقال رسول الله r (ما اجتمعن في امرئ إلا دخل الجنة) رواه مسلم.
واعلموا أيها الأخوة أن من أحب الأعمال إلى الله تعالى أن تطرد الجوع عن أخيك المسلم، نعم!
فقد روى عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: (أحب الناس إلى الله أنفعهم، وأحب الأعمال إلى الله عز وجل؛ سرورٌ تدخله على مسلم، أو تكشف عنه كربة، أو تقضي عنه دينا، أو تطرد عنه جوعا ....) رواه الطبراني وابن أبي الدنيا.
لذلك حرص السلف على إطعام الطعام واعتبروه من أفضل القربات، وبالغ بعضهم وفضَّله على عتق الرقاب.
إن إطعام الجائعين ضرورة شرعية ملحة سيُسأل عنها الإنسان ويحاسب عليها، ألا تروا أن الكفار عللوا أن من أسباب دخولهم النار أنهم لم يطعموا المسكين؟
ذكر ذلك لنا ربنا فقال: }مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ{42} قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ{43} وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ{44} وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ{45}{ [المدثر: 42-45]، وعلل بعضهم الآخر دخولهم النار؛ بأنهم لم يحضُّوا غيرهم على إطعام المساكين؛ لا لأنهم لم يطعموهم فحسب، فأطعمهم الله تعالى صديد أهل النار، قال تعالى: }خُذُوهُ فَغُلُّوهُ{30} ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ{31} ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاسْلُكُوهُ{32} إِنَّهُ كَانَ لا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ{33} وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ{34} فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ{35} وَلا طَعَامٌ إِلاَّ مِنْ غِسْلِينٍ{36} لا يأكله إلا الخاطئون {37}{ [الحاقة: 30-36].
ومن يقل أنه لا يوجد في هذا العصر من يموت جوعا، فهو قاصر الرأي، ولم يخرج من إطار بيئته ليعرف أن هناك أكثر من ثمانمئة مليون جائع في العالم يتضورون جوعا كثير منهم مسلمون، وقد ذكرت بعض الهيئات الخيرية الإسلامية أنهم وقفوا على عدة قرى في بعض الدول الأفريقية ضربها القحط وعُدم فيها الطعام؛ قد تحولت بأكملها إلى النصرانية؛ لأن الهيئات الصليبية تسابقت إليهم بالطعام والإنجيل. وها هي القنوات الفضائية قد نشرت لنا بالصور الحية والمفجعة: المجاعة التي حلت بإخواننا في الصومال. بث مباشر وحي لأطفال يحتضرون من الجوع، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
فليكن حالنا الحض على إطعام الطعام لوجه الله تعالى، لا نريد جزاء ولا شكورا، لعل وعسى أن يدخلنا ربنا الجنة بسلام، ويهب لنا تلك القصور الشاهقة التي يُرى ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها.
فقد روى أبو مالك الأشعري –رضي الله عنه- أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قال:(إن في الجنة غُرَفاً يُرى ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها، أعدها الله عز وجل لمن أطعم الطعام، وأدام الصيام، وصلى بالليل والناس نيام) رواه أحمد.
أقول قولي هذا واستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين، فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين على فضله وإحسانه، كفانا وأوانا وأطعمنا وسقانا، فله الحمد والشكر على نعمه التي لا تُحصى، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له،له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله البشير النذير، والسراج المنير، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم باحسان وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد
فاتقوا الله واطعموا إخوانكم الذين يموتون جوعا في الصومال.
أنا لن أسرد لحضرتكم فضل الصدقة، فكلكم يعرف ذلك، وإنما أحببت أن أذكر نفسي أولا وأذكركم بإخواننا في الصومال، أن لا ننساهم في صدقتنا ودعائنا، وأننا حين نرى مأساة شعب كامل يموت جوعا لا تكفي منا الحوقلة ولا الاسترجاع، وإنما ينبغي أن نبذل أي شيء في سبيل إنقاذهم، لأننا قد نسأل عنهم يوم القيامة، خصوصا أن موائدنا تزخر بأنواع الطعام الذي يرمى بعضه لكثرته. ألم يقل الله لنا ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ، ألا ننفق قليلا لننقذ إخواننا من المجاعة التي حلت بهم.
فكلكم يعرف أن الله تعالى قد غفر لزانية؛ لأنها سقت كلبا كاد يموت من العطش، فكيف بمن يسقي آدمي، بل بمن يسقي ويطعم مسلما يموت من الجوع؟ إنه لألم عظيم لا يوصف أن يرى الأب أو الأم أطفالها يموتون بين يديها الواحد تلو الآخر من الجوع وهي لا تملك أن تقدم لهم شيئا لأنها تنتظر مثلهم الموت جوعا.
إن المسلم لا يدري أيبكي على أوضاع المسلمين في سوريا، أم في ليبيا، أم في اليمن، أم في الصومال، نسأل الله برحمته أن ينقذ إخواننا في كل مكان.
اللهم قنا شح أنفسنا وأعنا على بذل المعروف الذي يرضيك عنا، اللهم اكشف كرب إخواننا في الصومال، اللهم أطعم جائعهم، واسق عطشاهم. يا من يجيب دعوة المضطرين، يا من إليك المشتكى وإليك المنتهى، وإليك المفزع والرجا، ارحم حال إخواننا في كل مكان، اللهم كن لهم معينا ونصيرا، اللهم أحينا على أحسن الأحوال التي ترضيك عنا، اللهم ارزقنا الثبات حتى الممات، اللهم أصلح لنا ديننا، اللهم احفظ علينا أمننا واستقرارنا، وأصلح ولاة أمرنا،
إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له وليًّا مرشدًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُ الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين وتابعيهم وسلم تسليمًا كثيرًا.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].
أما بعد: فإنَّ خير الحديث كتابُ الله، وخير الهدي هديُ محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
أيها الأخوة في الله
يعتبر الطعام من ضرورات الحياة للإنسان التي لا يمكن العيش بدونه، ولذلك أولى الإسلام هذا الأمر العناية الكاملة، ورغَّب في إطعام الطعام للناس عامة وللفقراء خاصة، واعتبر خيار الناس من فعل ذلك، حيث روى صهيب بن سنان –رضي الله عنه- أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: (خياركم من أطعم الطعام ورد السلام) رواه أحمد.
ولهذا ركز الإسلام بتشريعه على الحث على إطعام الطعام بالذات؛ لأهداف عدة أهمها: القضاء على الجوع والمجاعات التي تصيب المجتمعات البشرية بين آونة وأخرى.
والذي يتأمل التشريع الرباني يجد أن الإسلام بتعاليمه السماوية الفريدة بإمكانه - لو مُكِّن له وقام به أتباعه خير قيام - أن يَحُلَ مشكلة الفقر والجوع والتقليل منها؛ ليس في أوساط المسلمين فحسب؛ بل في أوساط الكافرين أيضا، فكما نجح الإسلام في القضاء على مشكلة الرق حتى ندر وجوده في العالم، فإنه كذلك قَدَّم الحلول الفعالة لظاهرة الفقر والجوع في العالم.
فالإسلام لا يحب الجوع ولا يدعو إليه، وإنما ذمه لأثره السيئ على سلوك الفرد، ولأن المرء إذا عُدِمَ الطعام فقد يسعى للحصول عليه بطرق تمس كرامته؛ مثل ذل السؤال أو السرقة، ولذلك تعوذ منه النبي –صلى الله عليه وسلم-.
فعن أبي هريرة –رضي الله عنه- قال: كان النبي –صلى الله عليه وسلم- يقول: (اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْجُوعِ فَإِنَّهُ بِئْسَ الضَّجِيعُ) رواه أبو داود والنسائي.
ولهذا سنَّ الإسلامُ أبوابا عديدة لإطعام الطعام، فحرّم احتكارَه، وأمر بصدقة الفطر أن تُخرج طعاما عن كل فرد، سواء كان صغيرا أو كبيرا، وجعل بعض الكفارات طعاما يُخرج للمساكين، فأمر العاجز عن صيام رمضان أن يطعم مسكينا عن كل يوم لم يصمه، وأمر من ظاهر أهله أو واقعهم في نهار رمضان أن يطعم ستين مسكينا، وجعل كفارة اليمين إطعام عشرة مساكين، وكفارة بعض الأخطاء في أداء مناسك الحج والعمرة إطعام فقراء الحرم.
كما رغب في تفطير الصائمين، وذبح الأضحية، والعقيقة وإعطاء جزء منها للفقراء، واعتبر شر الولائم تلك التي لا يُدعى إليها الفقراء، وجعل من بر الحج إطعام الطعام حيث روى جابر –رضي الله عنه- أن النبي –صلى الله عليه وسلم- فقال: (بر الحج إطعام الطعام وطيب الكلام) رواه الحاكم.
واعتبر الإسلام أن من خوارم كمال إيمان المرء؛ أن يشبعَ وجاره جائع إلى جنبه، حيث روى أنس بن مالك –رضي الله عنه- أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: (ما آمن بي من بات شبعانا وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم به) رواه الطبراني والبيهقي، ولذلك أمر النبي –صلى الله عليه وسلم- أبا ذر قائلا له: (يا أبا ذر إذا طبخت مرقة فأكثر ماءها وتعاهد جيرانك) رواه مسلم.
ولقد كان النبي –صلى الله عليه وسلم- يُدرِّب أصحابه رضي الله عنهم على إطعام الطعام ويحثهم عليه، فسأل بعضهم ذات يوم فقال: (من أصبح منكم اليوم صائما)؟ قال أبو بكر: أنا، قال: (فمن تبع منكم اليوم جنازة)؟ قال أبو بكر: أنا، قال: (فمن أطعم منكم اليوم مسكينا) ؟ قال أبو بكر: أنا، قال: (فمن عاد منكم اليوم مريضا)؟ قال أبو بكر: أنا، فقال رسول الله r (ما اجتمعن في امرئ إلا دخل الجنة) رواه مسلم.
واعلموا أيها الأخوة أن من أحب الأعمال إلى الله تعالى أن تطرد الجوع عن أخيك المسلم، نعم!
فقد روى عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: (أحب الناس إلى الله أنفعهم، وأحب الأعمال إلى الله عز وجل؛ سرورٌ تدخله على مسلم، أو تكشف عنه كربة، أو تقضي عنه دينا، أو تطرد عنه جوعا ....) رواه الطبراني وابن أبي الدنيا.
لذلك حرص السلف على إطعام الطعام واعتبروه من أفضل القربات، وبالغ بعضهم وفضَّله على عتق الرقاب.
إن إطعام الجائعين ضرورة شرعية ملحة سيُسأل عنها الإنسان ويحاسب عليها، ألا تروا أن الكفار عللوا أن من أسباب دخولهم النار أنهم لم يطعموا المسكين؟
ذكر ذلك لنا ربنا فقال: }مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ{42} قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ{43} وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ{44} وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ{45}{ [المدثر: 42-45]، وعلل بعضهم الآخر دخولهم النار؛ بأنهم لم يحضُّوا غيرهم على إطعام المساكين؛ لا لأنهم لم يطعموهم فحسب، فأطعمهم الله تعالى صديد أهل النار، قال تعالى: }خُذُوهُ فَغُلُّوهُ{30} ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ{31} ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاسْلُكُوهُ{32} إِنَّهُ كَانَ لا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ{33} وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ{34} فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ{35} وَلا طَعَامٌ إِلاَّ مِنْ غِسْلِينٍ{36} لا يأكله إلا الخاطئون {37}{ [الحاقة: 30-36].
ومن يقل أنه لا يوجد في هذا العصر من يموت جوعا، فهو قاصر الرأي، ولم يخرج من إطار بيئته ليعرف أن هناك أكثر من ثمانمئة مليون جائع في العالم يتضورون جوعا كثير منهم مسلمون، وقد ذكرت بعض الهيئات الخيرية الإسلامية أنهم وقفوا على عدة قرى في بعض الدول الأفريقية ضربها القحط وعُدم فيها الطعام؛ قد تحولت بأكملها إلى النصرانية؛ لأن الهيئات الصليبية تسابقت إليهم بالطعام والإنجيل. وها هي القنوات الفضائية قد نشرت لنا بالصور الحية والمفجعة: المجاعة التي حلت بإخواننا في الصومال. بث مباشر وحي لأطفال يحتضرون من الجوع، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
فليكن حالنا الحض على إطعام الطعام لوجه الله تعالى، لا نريد جزاء ولا شكورا، لعل وعسى أن يدخلنا ربنا الجنة بسلام، ويهب لنا تلك القصور الشاهقة التي يُرى ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها.
فقد روى أبو مالك الأشعري –رضي الله عنه- أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قال:(إن في الجنة غُرَفاً يُرى ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها، أعدها الله عز وجل لمن أطعم الطعام، وأدام الصيام، وصلى بالليل والناس نيام) رواه أحمد.
أقول قولي هذا واستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين، فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين على فضله وإحسانه، كفانا وأوانا وأطعمنا وسقانا، فله الحمد والشكر على نعمه التي لا تُحصى، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له،له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله البشير النذير، والسراج المنير، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم باحسان وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد
فاتقوا الله واطعموا إخوانكم الذين يموتون جوعا في الصومال.
أنا لن أسرد لحضرتكم فضل الصدقة، فكلكم يعرف ذلك، وإنما أحببت أن أذكر نفسي أولا وأذكركم بإخواننا في الصومال، أن لا ننساهم في صدقتنا ودعائنا، وأننا حين نرى مأساة شعب كامل يموت جوعا لا تكفي منا الحوقلة ولا الاسترجاع، وإنما ينبغي أن نبذل أي شيء في سبيل إنقاذهم، لأننا قد نسأل عنهم يوم القيامة، خصوصا أن موائدنا تزخر بأنواع الطعام الذي يرمى بعضه لكثرته. ألم يقل الله لنا ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ، ألا ننفق قليلا لننقذ إخواننا من المجاعة التي حلت بهم.
فكلكم يعرف أن الله تعالى قد غفر لزانية؛ لأنها سقت كلبا كاد يموت من العطش، فكيف بمن يسقي آدمي، بل بمن يسقي ويطعم مسلما يموت من الجوع؟ إنه لألم عظيم لا يوصف أن يرى الأب أو الأم أطفالها يموتون بين يديها الواحد تلو الآخر من الجوع وهي لا تملك أن تقدم لهم شيئا لأنها تنتظر مثلهم الموت جوعا.
إن المسلم لا يدري أيبكي على أوضاع المسلمين في سوريا، أم في ليبيا، أم في اليمن، أم في الصومال، نسأل الله برحمته أن ينقذ إخواننا في كل مكان.
اللهم قنا شح أنفسنا وأعنا على بذل المعروف الذي يرضيك عنا، اللهم اكشف كرب إخواننا في الصومال، اللهم أطعم جائعهم، واسق عطشاهم. يا من يجيب دعوة المضطرين، يا من إليك المشتكى وإليك المنتهى، وإليك المفزع والرجا، ارحم حال إخواننا في كل مكان، اللهم كن لهم معينا ونصيرا، اللهم أحينا على أحسن الأحوال التي ترضيك عنا، اللهم ارزقنا الثبات حتى الممات، اللهم أصلح لنا ديننا، اللهم احفظ علينا أمننا واستقرارنا، وأصلح ولاة أمرنا،