إِضَاعَةُ الْوَقْتِ أَشَدُّ مِنَ الْمَوتِ
محمد البدر
الْخُطْبَةُ الأُولَى:
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا ، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا ، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ , وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾.﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللَّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾.﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا(70)يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾.
عِبَادَ اللَّهِ:قَالَ تَعَالَى:﴿إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً﴾.وَقَالَ تَعَالَى:﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا﴾.
وَقَالَ تَعَالَى:﴿وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا(1)وَالقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا﴾.وَقَالَ تَعَالَى:﴿وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى(1)وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى﴾.وَقَالَ تَعَالَى:﴿وَالضُّحَى(1)وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى ﴾.وَقَالَ تَعَالَى:﴿وَالعَصْرِ(1)إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ(2)إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾.وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ سَأَلْتُ النَّبِيَّﷺأَيُّ الْعَمَلِ أَحَبُّ إِلى اللهِ قَالَ:«الصَّلاةُ عَلى وَقْتِها»مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.قيمة الوقت في الإسلام عظيمة؛لذا أقسم الله بأجزائه وعلاماته في الآيات التي ذكرناها سابقاً.وَقَالَﷺفي الحديث مبينًا اهمية الوقت«اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ:شَبَابَكَ قَبْلَ هِرَمِكَ، وَصِحَّتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ، وَغِنَاكَ قَبْلَ فَقْرِكَ، وَفَرَاغَكَ قَبْلَ شُغْلِكَ، وَحَيَاتَكَ قَبْلَ مَوْتِكَ»صَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ.فاغتنم يا عِبَدَ اللَّهِ وقتك قبل فوات الأوان ،فأوقاتنا هي رأس أموالنا قَالَﷺ«رَكْعَتَانِ خَفِيفَتَانِ مِمَّا تَحْقِرُونَ وَتَنْفِلُونَ، يَزِيدُهُمَا هَذَا فِي عَمَلِهِ، أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ بَقِيَّةِ دُنْيَاكُمْ»صَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ.فَوَقْتُ الْإِنْسَانِ هُوَ عُمُرُهُ فِي الْحَقِيقَةِ، فَالْوَقْتُ أَغْلَى مِنْ الذَهَبٍ وَالْفِضَّةِ وَ الأَلْمَاسِ وَمِنْ كُلِّ المَعَادِنِ الثَّمِينَةِ ، وَهُوَ يَمُرُّ أَسْرَعَ مِنَ السَّحَابِ وَقَدِيمًا قِيلَ أن الْوَقْتُ كَالسَّيْفِ إِنْ لَمْ تَقْطَعْهُ قَطَعَكَ ،والناجحون في الدنيا هم المستغلون لأوقاتهم، وكذلك السابقون في الآخرة هم أهل اليقظة قَالَ ابنُ القيِّمِ- رَحِمَهُ اللهُ:إِضَاعَةُ الْوَقْتِ أَشَدُّ مِنَ الْمَوتِ؛ لِأَنَّ إِضَاعَةَ الوقْتِ تَقطَعُ عنِ اللهِ والدَّارِ الآخِرَة،والموتُ يقطعُكَ عنِ الدُّنيا وأهْلِها.إلخ.
عِبَادَ اللَّهِ:فينبغي علينا أن نستغل اوقات الفراغ فيما ينفع في الحياة الدنيا ويزيد في درجات الآخرة تمهيداً لبلوغ الجنة ونيل رضى الرحمن مثل:حفظ كتاب الله تعالى وتعلمه وقراءته وإقرائه لمن استطاع ،وطلب العلم، من خلال الاستماع إلى دروس ومحاضرات أهل العلم الربانيين الموثوق في علمهم امثال الشَّيخِ ابْنِ بَاز وَالعُثِيْمِيْن وَ الأَلْبَانِيِّ وَ الفَوْزَان وَ آلِ الشَّيْخِ و غيرهم ،وقراءة الكتب النافعة ذات العقيدة الصحيحة.إلخ،وذكر الله تعالى والمذكور في الكتاب والسنة ،فهو لا يكلف جهداً ولا مالاً،والإكثار من النوافل،واغتنام الأوقات في طاعة الله، والدعوة إلى الله بالموعظة الحسنة والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والنصيحة لولاة أمر المسلمين في السر وللمسلمين كافة بحسب الحال،وزيارة الأقارب وصلة الأرحام لما فيها من زيادة بالعمر، وسعة في الرزق ،وعيادة المريض ، واتباع الجنائز، وان يشفع شفاعة حسنة يقضي بها حاجة أخيه، وطلب الرزق بالبيع والشراء،أو بالعمل المباح لطلب الرزق، واغتنام الأوقات الفاضلة للدعاء،ومنها بين الأذان والإقامة، وبعد الصلوات، وفي الثلث الأخير من الليل، وبعد صلاة الفجر حتى تشرق الشمس، وتفقد المحتاجين من الجيران والأرامل واليتامى والمساكين وهكذا يكون ليله ونهاره محفوظين فيما ينفعه في الدنيا والآخرة إلى غير هذا من وجوه الخير.
عِبَادَ اللَّهِ:الصَّحَابَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ومن بعدهم يقدرون الوقت ويحافظون عليه قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ«مَا نَدِمْتُ عَلَى شَيْءٍ نَدَمِي عَلَى يَوْمِ غَرَبَتْ شَمْسُه نَقَصَ فِيهِ أَجْلِي، وَلَمْ يَزْدَدْ فِيهِ عَمَلِي».وَقَالَ الحَسَنُ البصريُّ رَحِمَهُ اللهُ: «أَدْرَكْتُ أَقْوَامًا كَانُوا عَلَى أَوْقَاتِهِمْ أَشَدَّ مِنكُمْ حِرْصًا عَلَى دَرَاهِمِكُمْ وَدَنَانِيرِكُمْ ».
أَقُولُ قَوْلِي هَذَا..
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:
الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ, وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى نَبِيِّنَا وَإِمَامِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ تَبِعَهُم بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
عِبَادَ اللَّهِ: ينبغي لنا أن نحافظ على وقتنا واستثماره فيما ينفع:فأي فراغ في يومك ينبغي أن يستغل في الحق؛ لأنه لو لم يمتلئ بالحق سيمتلئ بالباطل، ونفسك إن لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل؛ لذلك يقَولَ تَعَالَى:﴿وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ﴾.وَقَالَ تَعَالَى:﴿سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ﴾.وَقَالَ تَعَالَى:﴿إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ﴾.وَقَالَ تَعَالَى:﴿وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ﴾فإِيَّاكَم وَالتَّسْوِيفَ.قَالَ الحَسَنُ البصريُّ رَحِمَهُ اللهُ:مَا أَطَالَ عَبْدٌ الْأَمَلَ إِلَّا أَسَاءَ الْعَمَلَ.وَقَالَ القُرطُبِيُّ رَحِمَهُ اللهُ:الأمل يُكْسِلُ عن العمل ويورث التراخي والتواني، وَيُعْقِبُ التشاغل والتقاعس، وَيُخْلِدُ إلى الأرض وَيُمِيلُ إلى الهوى". وَقَالَ الحَسَنُ البصريُّ رَحِمَهُ اللهُ:إِيَّاكَ وَالتَّسْوِيفَ؛ فَإِنَّكَ بِيَوْمِكِ وَلَسْتَ بِغَدِكَ إلخ، فكل علمائنا كانوا حريصين جداً على عدم تضييع أي لحظة من لحظات الحياة،كانوا يستغلون الفراغات واللحظات فتسمع ان الكثير من طلاب العلم أخذوا الفوائد وإجابة بعض الأسئلة من خلال مشي الشيخ من بيته إلى المسجد او من المسجد إلى بيته ومن نماذج استغلال الوقت ان الشيخ ابْنِ بَاز رَحِمَهُ اللهُ -سُئِلَ اثناء خروجه من المسجد والمطر ينزل-عن السنة وقت نزول المطر فحسر عن رأسه وتعرض للمطر وقال هكذا السنة.ثم اعلموا أن الله أمركم بالصلاة والسلام على نبيِّه، فقال في محكم التنزيل:﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾.اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيد، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيد. وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن صحابته أجمعين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين،اللّهمّ أعِزّ الإسلامَ والمسلمين، وأذِلَّ الشِّركَ والمشركين، ودمِّر أعداءَ الدّين،واحفظ اللّهمّ ولاةَ أمورنا، وأيِّد بالحق إمامنا ووليّ أمرنا، اللّهمّ وهيّئ له البِطانة الصالحة الناصحة الصادِقة التي تدلُّه على الخير وتعينُه عليه، واصرِف عنه بطانةَ السوء يا ربَّ العالمين، واللهم وفق جميع ولاة أمر المسلمين لما فيه صلاح الإسلام والمسلمين يا ذا الجلال والإكرام.﴿رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾.
عِبَادَ اللَّهِ:اذكروا الله يذكركم ، واشكروه على نعمه يزدكم ﴿وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴾.
المرفقات
1666823878_إِضَاعَةُ الْوَقْتِ أَشَدُّ مِنَ الْمَوتِ.pdf
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا
تعديل التعليق