إصلاح الباطن في رمضان

إبراهيم بن صالح العجلان
1442/09/03 - 2021/04/15 23:24PM

إصلاح الباطن في رمضان 4/9/ 1442هـ

إخوة الإيمان:

وأشرقت أَيَّامُهُ الْمَعْدُودَاتُ بِخَيْرَاتِهَا وَعَطَايَاهَا، وَبَهَائِهَا وَجَلَالِهَا، مبشرةً أَهْلَ الْإِيمَانِ بالخير والتقى، والنور والهدى، (شهر رمضان الذي أُنزل فيه القرآن هدى للناس وبيِّناتٍ من الهدى والفرقان).

إطلالةُ شهرِنا الكريمِ فرحةٌ وتَحميدٌ، وخِتَامُه تكبيرٌ وتَمْجيدٌ، وما بينهما نورٌ في الصدورِ، وطُمأنينةٌ في القلوبِ.

كم هم موفَّقون، أولئك الذين خططوا لأنفسهم مع رمضان، أن يكون لهم عمل صالح وقربان.

فهذا  دخل عليه رمضان فلازم مصحفه، وذاكَ قد عزم على قيام ليلِه كلِّه مع إمامه، وثالثٌ قد استعدَّ للبذلِ والإنفاق، لإطعامِ البطونِ الجائعة، وتفريج الكربات والحوائج الجائحة.

وهذه أبوابٌ من البِرِّ عظيمة، تُصبُّ لها الحسنات صبَّاً، إنْ صحَّتْ لصحابها النيةُ والاقتداء.

لنتجاوز هذه الفضائل، ولِنَقِفَ مع عملٍ صالحٍ أبرُّ وأتقى، وأزكى وأبقى، هو: إصلاح القلب في رمضان.

فما أحوج هذه القلوب التي غزَتْها الشهوات والشبهات أن تَتعاهدَ وتُغسَل لتذوق حقاً طعمَ رمضان، وتعيشَ صدقاً روحانيةَ رمضان.

ألا ما أسعدنا أن نعيش رمضان وقلوبنا تتلألأ بياضاً وطِيبة وطهارة

ذلك العمل الصالح، رصيد يبقى لصاحبه (يوم لا مال ولا بنون إلا من أتى

 الله بقلب سليم).

الكلُّ يطمح في رمضان لمغفرة الرحمن، وصاحبُ القلبِ السليمِ أقربُ وأحرى من غَيرِه بالرحمةِ والغفران، فالله جل جلاله لا ينظر إلى الصورِ

 والأشكال ، وإنما ينظرُ إلى مستودعِ القلوب، ومكنوناتِ الصدور.

شهرُ رمضانَ الذي أنزل فيه القرآنُ يحتاجُ إلى قلوب سليمة لتعيش مع هذا القرآن، يحتاج إلى قلوب نقية، تقلِّبها آيات الوعيد، فينبضُ لها القلب خاشعاً، وترتدُّ لها الجلود مُقشعرَّة، تعظيماً وإجلالاً لله الواحد القهار.

يحتاج إلى صدور تهفو لآيات الوعد، فتطير القلوب شوقاً لما عند الله ( وما عند الله خير للأبرار).

شهر القرآن يحتاج إلى قلوب تَتَدَبَّر وتتعقَّل معانيَ القرآن، تدبٌّرٌ يُنتجُ عملاً، وأولُّ عمل يورثه تدبُّر القرآن هو عمل القلب، بتعظيمه لمقام ربه، وخوفه ورجائه،  وهذا هو حقُّ كلام الله، أن نعمل به في بواطننا في تعظيم ربنا، وأن نعمل به في ظواهرنا في الاستجابة لأمر خالقنا.

صاحبُ القلبِ السليمِ أهنأُ الناسِ عيشاً وأجراً في رمضان، فهذه المضغة البيضاء التي يحملها بيت جنبيه قد انعكس أثرُها على الجوارح، فلا لَغْوَ يلفظه الفَمُ، ولا خيانةَ يرسلها الطرف، ولا فُحْشَ تُصغي له الأذان، ولا شُحَّ تقبضه اليد، ولا خَنا تمشي له القدم، فهذه جوارحٌ قد استقامتْ وما مالتْ باستقامة القلب قبل ذلك، وصدق من لا ينطق عن الهوى: (ألا وإنَّ في الجسدِ مضغةً إذا صَلَحَتْ صَلَحَ الجسدُ كلُّه ، وإذا فَسدتْ فَسَدَ الجسدُ كلُّه، ألا وهي القلب).

إصلاح الباطن يعني أن يتقلَّبَ القلبُ في أعمالٍ خَفيَّات، من الإخلاص والتوكل والخوف والمراقبة، إلى غير ذلك من الأعمال السِّرية التي لا يراها الناس ، والتي يجزي عليها ربُّ الناسِ الجزاءَ الأخيرَ والأوفى.

إصلاح الباطن يعني أن يُنفضَ من القلب نبضات الكِبْر، وعقارب الحسد، وخطرات الغرور والاستعلاء، وأفران الغلِّ والشحناء.

إصلاح الباطن يعني أن يكون لدى العبدُ إحساسٌ مُرْهَف، على تفريطه في طاعة الله، فشبح التقصير لا يغادر خواطره، وباطنه يلومه ويناديه أن يسعى للآخرة حق سعيها.

فهذه الملاومة والمحاسبة سبب رئيسي للإقلاع عن المعاصي، وتجفيف منابعها، إذ لا أفسدَ على صلاحِ القلبِ من المعاصي الظاهرة، فهي تمُرِضُ القلوبَ وتزرعُ فيها النُّكَتَ السوداء.

وأهل القلوب السليمة أهلٌ لتوفيق الله تعالى، ولذا جعل سبحانه أهلَ جنتِه سرائرَهم بيضاء، لا غل فيها ولا بغض ولا شحناء (ونزعنا ما في صدورهم من غل تجري من تحتهم الأنهار وقالوا الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله )

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ......

 

الخطبة الثانية

أما بعد ، فيا إخوة الإيمان، لماذا الحديث عن إصلاح الباطن؟

لأنَّ خطايا القلوب آثامٌ موجِعة، تذهب فضل الصيام، وثواب القيام، وتأكُل الحسنات، وتفسد فضل القربات، يقول عليه الصَّلاة والسَّلام: (ثلاثٌ مهْلِكات: شحٌّ مطاع، وهوًى متَّبع، وإعجاب المرء بنفسه)؛ رواه الطبراني، وحسَّنه الألباني.

ويقول صلَّى الله عليه وسلَّم: (دبَّ إليْكم داء الأُمم قبلَكم: الحسَد والبغضاء، هي الحالقة، لا أقول: تحلق الشَّعْر، ولكن تَحْلِقُ الدِّين)؛ رواه الإمام أحمد والترمذي.

يا أهل الإيمان: لنفتحْ صفحةَ مصارحةٍ، وليسائل كل واحد منَّا نفسه:     

ما حالُنا مع خبايا القلب وما يُكنُّه الضمير؟

هل تفقَّد كلُّ واحدٍ منَّا باطنَه، فرأى بمنظار بصيرتِه أدواءً جاثمة في قيعان قلْبه؟.

مَن منَّا وقف مع نفسه مذعورًا ؛ لأنه استشعر داء العُجْب والكبر يدبُّ في قلبه؟

مَنْ منَّا مَنْ صارح نفسه في لحظة مُحاسَبة وخلوة عن دبيب الحسَد الذي يتحرك بين جوانحه؟

هل تفقَّدنا القُلُوب من شهوة الرياء وحب الظهور؟ وهل تفقدنا الصدور من خَطَراتِ الاستعلاء ونبضات الغرور؟.

الفرَح بأخطاء الآخَرين ونشرها للتشفِّي، آفة عصرية، ومرضٌ قلْبي.

تنقُّصُ الآخرين، وتقْزيم جهودهم، عيبٌ يُورث التَّعالي، ليقول صاحبه بلسان الحال: أنا خيرٌ من أولئك.

احتقار الغير لنسبِه أو فاقته، أو لونه أو منطقته كبر مشين، والكبر بطر الحق وغمط الناس.

وأخيراً يا من أدركتم رمضان: جدِّدوا القلوب مع رمضان، وعلِّقوها بالملك الرحمن، املئوا جوانحكم بحب الله وخشيته والتوكل عليه ورجائه، فما عولج فساد البواطن بمثل الإخلاص والصيام والقرآن، وتلك هي أعمال رمضان.

ومن طلب لنفسه الصلاح والزكاة، فلا ينس حق الله تعالى في الزكاة، (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها)، وكما يسعى المسلم لفقه أحكام الزكاة ومعرفة أهلها، كذلك ليحرص أيضاً للبحث عن مستحقيها، وإن تعذر عليه، فليدفعها عبر الوسائل الآمنة، من الجمعيات الخيرية الموثوقة، أو بإعطائها للقوي الأمين، لإيصالها للمبتغين، من فقراء ومساكين... صلوا بعد ذلك على خير المرسلين، وحبيب رب العالمين.

المرفقات

1618529047_إصلاح الباطن في رمضان1.docx

المشاهدات 1637 | التعليقات 0