إذا نزلت مصيبة الموت 20 ربيع الأول 1434 هـ

محمد بن مبارك الشرافي
1434/03/19 - 2013/01/31 20:35PM
إذا نزلت مصيبة الموت 20 ربيع الأول 1434 هـ
الحمد لله الملك الجبار ، الواحد القهار ، كتب الموت على العباد وسيجمعهم إلى يوم المعاد ، لتوفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون ، أحمده سبحانه وأستعينه وأستغفره وأتوب إليه ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، بدأ الخلق ثم يعيده ، لا يعجزه شيء ، وإليه مرجع كل شيء ، لا إله إلا هو الحكيم الخبير ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله كان أتقى خلق الله وأخوف خلق الله وأكثرهم استعداداً للموت وللقاء الله ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وعلى من استن بسنته واهتدى بهداه .
أما بعد : فاتقوا الله أيها المسلمون واستعدوا للموت فهو أمر كتبه الله علينا ولابد من مواجهته طال الزمان أم قصر فإلى الله المشتكى وهو المستعان وعليه التكلان , قال الله تعالى (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ)
أيها المسلمون : إن شريعتنا جاءت بأحكام محكمة بعد أن تنزل مصيبة الموت بالمسلم والمسلمة , سواء أثناء الموت أو بعده , ومعرفتها أمر مهم لأننا على الدوام نودع قريبا ونبكي صديقا وندفن حبيبا .
قد ثبت عن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أنه قال (لَقِّنُوا مَوْتَاكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اَللَّهُ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ , أي : إذا ظهرت علامات الموت على الإنسان فتذكر هذه الكلمة عنده لعله يقولها فتكون آخر كلامه , ومن كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة , ولكن ينبغي أن تقال بلطف وعرض يسير بدون إكراه أو إزعاج لأن من نزل به الموت يعاني من آلامه فلا يضيق عليه بالكلام ولا يكثر عنده الزوار بل يكون عنده أحب الناس إليه فيعرض الشهادة عنده بصوت منخفض مسموع لين .
ثم إذا خرجت روحه فإنه يبادر بغسله وتجهيزه والصلاة عليه ودفنه , ومن الغلط تأخيره , فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ اَلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ (أَسْرِعُوا بِالْجَنَازَةِ, فَإِنْ تَكُ صَالِحَةً فَخَيْرٌ تُقَدِّمُونَهَا إِلَيْهِ, وَإِنْ تَكُ سِوَى ذَلِكَ فَشَرٌّ تَضَعُونَهُ عَنْ رِقَابِكُمْ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ , لكن لا بأس بالتأخير إن كان لمصلحة كالتأخير لوقت ليجتمع الناس ويكثر المصلون على الميت لأن هذا من صالحه , فَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُمَا قال : سَمِعْتُ اَلنَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ (مَا مِنْ رَجُلٍ مُسْلِمٍ يَمُوتُ , فَيَقُومُ عَلَى جَنَازَتِهِ أَرْبَعُونَ رَجُلًا, لَا يُشْرِكُونَ بِاَللَّهِ شَيْئًا, إِلَّا شَفَّعَهُمْ اَللَّهُ فِيهِ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ . فأما التأخير ليوم أو يومين ليجتمع الأقارب من أماكن بعيدة كما جرت العادة في بعض الأمكان فلا شك أن هذا مخالف للهدي النبوي والسنة المحمدية .
أيها المسلمون : إن الصلاة على الميت فضلها عظيم , وذلك لما يحصل فيها من المنافع للميت والمصلين , فأما الميت فينتفع بالدعاء وأما المصلون فينتعون بالاعتبار بحال هذا الميت فيستعدون لمواجهة ما صار إليه من ترك الدنيا وأهلها , فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم (مَنْ شَهِدَ اَلْجِنَازَةَ حَتَّى يُصَلَّى عَلَيْهَا فَلَهُ قِيرَاطٌ, وَمَنْ شَهِدَهَا حَتَّى تُدْفَنَ فَلَهُ قِيرَاطَانِ) قِيلَ : وَمَا اَلْقِيرَاطَانِ ? قَالَ : (مِثْلُ اَلْجَبَلَيْنِ اَلْعَظِيمَيْنِ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
وأما صفة الصلاة على الميت : فيقف الإمام عند رأس الرجل وعند وسط المرأة , ويكبر أربع تكبيرات رافعا يديه عند كل تكبيرة , ويفعل المأمومون مثله تماما , لكن تكبيرهم يكون بصوت منخفض وليس كما جرت عادة بعض الناس في صلاة الجنازة حيث يرفعون أصوتهم !!! ثم بعد التكبيرة الأولى يستعيذ بالله ويقرأ الفاتحة ولا يقرأ دعاء الاستفتاح ولا سورة بعدها , ثم يكبر الثانية ويصلي على النبي محمد صلى الله عليه وسلم بأي صيغة وردت , واختار فقهاء الحنابلة رحمهم الله أن تكون كالصلاة التي في تشهد الصلاة , وهذا جيد , ثم يكبر الثالثة ويدعو للميت , وهذا أهم ما في الصلاة وذلك لينتفع الميت بدعاء إخوانه المسلمين , ويكون الدعاء خالصا للميت أي خاصا به , لحديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ اَلنَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ (إِذَا صَلَّيْتُمْ عَلَى اَلْمَيِّتِ فَأَخْلِصُوا لَهُ اَلدُّعَاءَ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ , وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وحسنه الألباني . فيدعو للميت بما وردت به السنة إن كان يحفظه , وإلا دعا له بما بالمغفرة والرحمة الرضوان , ومما وردت به السنة أن يقول : اَللَّهُمَّ اغْفِرْ لِحَيِّنَا وَمَيِّتِنَا وَشَاهِدِنَا وَغَائِبِنَا وَصَغِيرِنَا وَكَبِيرِنَا وَذَكَرِنَا وَأُنْثَانَا , اَللَّهُمَّ مَنْ أَحْيَيْتَهُ مِنَّا فَأَحْيِهِ عَلَى اَلْإِسْلَامِ , وَمَنْ تَوَفَّيْتَهُ مِنَّا فَتَوَفَّهُ عَلَى اَلْإِيمَانِ , اَللَّهُمَّ لَا تَحْرِمْنَا أَجْرَهُ وَلَا تُضِلَّنَا بَعْدَه , اَللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ وَارْحَمْهُ وَعَافِهِ وَاعْفُ عَنْهُ , وَأَكْرِمْ نُزُلَهُ وَوَسِّعْ مُدْخَلَهُ , وَاغْسِلْهُ بِالْمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ , وَنَقِّهِ مِنْ اَلْخَطَايَا كَمَا نَقَّيْتَ اَلثَّوْبَ اَلْأَبْيَضَ مِنَ الدَّنَسِ , وَأَبْدِلْهُ دَارًا خَيْرًا مِنْ دَارِهِ , وَأَهْلًا خَيْرًا مِنْ أَهْلِهِ, وَأَدْخِلْهُ اَلْجَنَّةَ, وَقِهِ فِتْنَةَ اَلْقَبْرِ وَعَذَابَ اَلنَّارِ .
فإن كانت الجنازة لامرأة ذكرها بصيغة التأنيث : اللهم اغفر لها ... الخ , وإن كان جمعا دعا لهم بصيغة الجمع : اللهم اغفر لهم وارحمهم ... الخ , فإن كان المصلى عليه فرطا أي طفلا لم يبلغ دعا لوالديه , سواء كان قد عاش أم سقط ميتا من بطن أمه فلا فرق لأن من لم يبلغ لا تكتب عليه سيئات , فعن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (والطفل يصلى عليه , ويدعى لوالديه بالمغفرة والرحمة) رواه الخمسة وصححه الألباني , ولا بأس أن يقول ما ورد عن بعض السلف مثل : اللهم اجعله ذخرا لوالديه وفرطا وأجرا وشفيعا مجابا , اللهم ثقل به موازينهما وأعظم به أجورهما , وألحقه بصالح سلف المؤمنين , واجعله في كفالة إبراهيم , وقه برحمتك عذاب الجحيم .
ثم بعد الدعاء يكبر التكبيرة الرابعة , ويقف بعدها قليلا ثم يسلم تسليمة واحدة عن يمينه , وإن سلم تسليمتين كالصلاة فلا بأس لورود السنة بمثل هذا .
ثم تحمل الجنازة على الأعناق إن تيسر وإن حملت على السيارات فلا بأس ويسرع بها إسراعا لا يضر بها , ولا يطاف بها في الطرقات كما جرت عادت بعض الناس ممن جهل السنة وخالفها , ثم يدخل الميت من قبل رجلي القبر إن تيسر ويقول من يدخله القبر عند إدخاله : بسم الله وعلى ملة رسول الله , وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا, عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ (إِذَا وَضَعْتُمْ مَوْتَاكُمْ فِي الْقُبُورِ, فَقُولُوا : بِسْمِ اللَّهِ, وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَصَحَّحَهُ الألباني . ولا بأس أن يدخل المرأة من ليس من محارمها .
ثم يوجهه إلى القبلة على جنبه الأيمن , ثم يهال عليه التراب , وينبغي أن يشارك كل من حضر في الدفن فيحثي ثلاث حثيات , ثم يستغفر للميت ويدعو له بالثبات .
عَنْ عُثْمَانَ رضي الله عنه قَالَ : كَانَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا فَرَغَ مِنْ دَفْنِ الْمَيِّتِ وَقَفَ عَلَيْهِ وَقَالَ (اِسْتَغْفِرُوا لِأَخِيكُمْ وَسَلُوا لَهُ التَّثْبِيتَ , فَإِنَّهُ الْآنَ يُسْأَلُ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ , وَصَحَّحَهُ الْحَاكِم ُوالألباني
أسأل أن يغفر لي ولكم ويحسن لنا الختام وأن يقينا شر أنفسنا والشيطان , وأن يلهمنا رشدنا , والله تعالى أعلم وأحمكم والحمد لله رب العالمين .
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ , وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ .
أَمَّا بَعْدُ : فاتقوا الله أيها المسلمون واعلموا أن كثيرا من البدع بل والشرك حصل بسبب القبور وأهلها , فأول شرك وقع في الأرض كان ناتجا عن الغلو في الصالحين من قوم نوح , وأول شرك وقع في أمة محمد صلى الله عليه وسلم كان بسبب الشيعة وما أحدثوه من الغلو في القبور وتعظيم الصالحين والبناء على قبورهم , فالواجب معرفة الشرع في هذه المسألة وغيرها والوقوف مع الدليل وسؤال أهل العلم عما أشكل .
أيها المسلمون : إن السنة جاءت بأن لا يرفع القبر عن الأرض إلا قدر شبر , وذلك بأن يقتصر على التراب الذي خرج حين حفر القبر , رواه البيهقي عن جابر رضي الله عنه , وصححه ابن حبان وغيره , وأما رفع القبور أو البناء عليها أو تجصيصها أو الكتابة عليها فكل ذلك محرم ومن أسباب الغلو فيها ومما يجر إلى عبادة أصحابها من دون الله , ولا حول ولا قوة إلا بالله , عن جابر رضي الله عنه قال : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجصص القبر ، وأن يقعد عليه ، وأن يبنى عليه . وعن أبي الهياج الأسدي قال : قال لي عليُّ رضي الله عنه : ألا أبعثُك على ما بَعَثني عليه رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم ؟ أن لا تدعَ صُورَة إِلا طَمستَها ، ولا قَبرا مُشْرِفا إِلا سَوَّيتَهُ , أَخرجهما مسلم .
فاللهم إنا نسألك علما نافعا وعملا صالحا , اللهم فقهنا في دينك واجعلنا ممن يستمع القول ويتبع أحسنه , اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا ابتاعه , وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه , ولا تجعله ملتبسا علينا فنضل , اَللَّهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا دِيننا اَلَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنا , وَأَصْلِحْ لَنَا دُنْيَانا اَلَّتِي فِيهَا مَعَاشُنا , وَأَصْلِحْ لَنَا آخِرَتَنا اَلَّتِي إِلَيْهَا مَعَادُنا , وَاجْعَلْ اَلْحَيَاةَ زِيَادَةً لَنَا فِي كُلِّ خَيْرٍ , وَاجْعَلْ اَلْمَوْتَ رَاحَةً لَنَا مِنْ كُلِّ شَرٍّ , اَللَّهُمَّ اِنْفَعْنَا بِمَا عَلَّمْتَنَا , وَعَلِّمْنَا مَا يَنْفَعُنَا, وَارْزُقْنَا عِلْمًا يَنْفَعُنَا , اللَّهُمَّ أَصْلِحْ وُلاةَ أُمُورِنَا وَأَصْلِحْ بِطَانَتَهُم وأَعْوَانَهَم يَارَبَّ العَالـَمِينَ , اللهم أصلح أَحْوَالَ الـُمسْلِمِينَ في كُلِّ مَكَانٍ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَاحِمِينَ , اَللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ , وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ , كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ , وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ , وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ , كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ فِي اَلْعَالَمِينَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ , وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ .
المرفقات

إِذَا نَزَلَتْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ 20 ربيع الأول 1434 هـ.doc

إِذَا نَزَلَتْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ 20 ربيع الأول 1434 هـ.doc

المشاهدات 2887 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا