إذا ساءَ فعلُ المرءِ ساءتْ ظنونُه !! 1443/1/19هـ
يوسف العوض
الخطبة الأولى
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى ، وَقَدَّرَ فَهَدَى ، وَأَسْعَدَ وأشْقَى ، وَأَضَلَّ بِحِكْمَتِه وَهَدَى ، وَمَنَعَ وَأَعْطَى ، وَأَشْهَدُ أَنَّ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ الْعَلِيُّ الْأَعْلَى ، وَأَشْهَدُ أَنَّ محمدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ النَّبِيُّ الْمُصْطَفَى ، وَالرَّسُولُ الْمُجْتَبَى ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنِ اهْتَدَى ، أَمَّا بَعْدُ :
إذا سَاءَ فعلُ المرءِ سَاءتْ ظنونُه *** وصَــدَّقَ ما يعتــادُه من تـَــوهُّمِ
وعــادى مُــحبِّيه بقـــولِ عُـــداتِه *** فأصبحَ في دَاجٍ من الشَّكِّ مظلمِ
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ : حُسْنُ الظَّنِّ عُبَادَةٌ قَلْبِيَّةٌ جَلِيلَةٌ لَمْ يُدْرِكْ حَقِّهَا كَثِيرٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَإِنَّهَا تَدُلُّ عَلَى سَلَامَةِ الْعَقِيدَةِ وَسَلَامَةِ الْفِطْرَةِ وتَدْعَمُ رَوَابِطَ الْأُلْفَةِ وَالْإِخْوَةِ بَيْن أَبْنَاءِ الْمُجْتَمَعِ فَلَا تَحْمِلُ الْقُلُوبَ غِلاًّ وَلَا حِقدًا وَلَقَد أَوْجَبَ الْإِسْلَامُ عَلَى الْمُسْلِمِ أَنْ يُحْسِنَ الظَّنَّ بِإِخْوَانِهِ الْمُسْلِمِينَ فَلَا يَحِلُّ لأَحَدٍ مِنْهُمْ أَنْ يَتَّهَمَ غَيْرَه بِفُحْشٍ أَوْ يَنْسِبَ إلَيْهِ الْفُجُورَ أَوْ يُسْنِدَ إلَيْهِ الإخْلاَلُ بِالواجِبِ أَوْ النَّقْصِ فِي الدِّينِ أَوْ الْمُرُوءَةِ أَوْ أَيِّ فَعلٍ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يُنْقصَ مِنْ قَدْرِهِ أَوْ يُحَطَّ مِنْ مَكانَتِهِ ، بَلْ قَدْ أَمَرَ اللَّهُ بِالتَّثَبُّت ؛ وَنَهَى عَنْ تَصْدِيقِ الْوَهْمِ وَالْأَخْذِ بِالْحَدْسِ وَالظَّنِّ وَالتَّعْلِيلِ بِالتَّحْلِيلِ ، فَقَال تعالى : (ولا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَك بِهِ عِلْمٌ إنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مسئولاً ) وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ : عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { حُسْنُ الظَّنِّ حُسْنُ الْعِبَادَةِ } رَوَاهُ أَحْمَدُ ، دَعْا الْإِسْلَامُ النَّاسَ إلَى حُسْنِ الظَّنِّ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ إنَّ الْإِسْلَامَ دِينُ يَدْعُو إلَى حُسْنِِ الظَّنِّ بِالنَّاسِ وَالابْتِعَادِ كُلِّ الْبُعْدِ عَنْ سُوءِ الظَّنِّ بِهِمْ لِأَنَّ سَرَائِرَ النَّاس ودواخلهم لَا يَعْلَمُهَا إلَّا اللَّهُ تَعَالَى وَحْدَهُ قَالَ تَعَالَى : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ ﴾ وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، قَالَ : ( إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ ، فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ ، وَلاَ تَحَسَّسُوا ، وَلاَ تَجَسَّسُوا ، وَلاَ تَحَاسَدُوا ، وَلاَ تَدَابَرُوا ، وَلاَ تَبَاغَضُوا ، وَكُونُوا عِبَادَ اللهِ إِخْوَانًا ) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ والبُخاري وَفِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ، فسوءُ الظَّنِّ يُؤَدِّي إلَى الْخُصُومَاتِ والعداواتِ ، وَتَقَطَّعِ الصِّلَاتِ،قَالَ تَعَالَى:( وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا).
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ : فَضْلُ حُسْنِ الظَّنِّ فِى الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ عظيمٌ، فلَيْس أريحُ لِقَلْبِ الْعَبْدِ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ وَلَا أَسْعَدُ لِنَفْسِهِ مِنْ حُسْنِ الظَّنِّ ، فَبِه يَسَلِّمُ مِنْ أَذى الْخَوَاطِرِ المُقلقةِ الَّتِي تُؤْذِي النَّفْسَ ، وَتَكَدَّرُ الْبَال ، وتُتعبُ الْجَسَدَ ، وحُسْنُ الظَّنِّ يُؤَدِّي إلَى سَلَامِةِ الصَّدْرِ وتدعيمِ رَوَابِطِ الْأُلْفَةِ وَالْمَحَبَّةِ بَيْن أَبْنَاءِ الْمُجْتَمَعِ ، فَلَا تَحْمِلُ الصُّدُورَ غِلاًّ وَلَا حِقدًا ، امتثالاً لِقَوْلِه – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( إيَّاكُمْ وَالظَّنَّ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ ، وَلَا تَحَسَّسُوا ، وَلَا تَجَسَّسُوا ، وَلَا تَنَافَسُوا ، وَلَا تَحَاسَدُوا ، وَلَا تَبَاغَضُوا ، وَلَا تَدَابَرُوا ، وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إخوانًا ) وَإِذَا كَانَ أَبْنَاءُ الْمُجْتَمَع بِهَذِهِ الصُّورَةِ الْمُشْرَقَةِ فَإِن أَعْدَاءَهُم لَا يَطْمَعُونَ فِيهِم أبدًا ، وَلَن يَسْتَطِيعُوا أَنْ يَستخدِموا مَعَهُم سِيَاسَتَهُم الْمَعْرُوفَةَ : فرِّقْ تَسُدْ ؛ لِأَنَّ الْقُلُوبَ مُتَآلِفَةٌ ، وَالنُّفُوسَ صَافِيَةٌ .
الخطبة الثانية
الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى إحْسَانِهِ وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِه ،، أَمَّا بَعْدُ ..
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ : إنَّ إحْسَانَ الظَّنِّ بِالنَّاسِ يَحْتَاجُ إلَى كَثِيرٍ مِنْ مُجَاهَدَةِ النَّفْسِ لِحَمْلِهَا عَلَى ذَلِكَ خَاصَّةً وَأَنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِنْ ابْنِ آدَمَ مَجْرَى الدَّمِ وَلَا يَكَادُ يَفْتُرُ عَنْ التَّفْرِيقِ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالتَّحْرِيشِ بَيْنَهُم ، وَأَعْظَمُ أَسْبَابِ قَطْعِ الطَّرِيقِ عَلَى الشَّيْطَانِ هُوَ إحْسَانُ الظَّنِّ بِالْمُسْلِمِينَ ، قَالَ عُمَرُ بْنِ الْخَطَّابِ : " لا يَحِلُّ لامرئٍ مُسْلِمٍ سَمِعَ مِنْ أَخِيهِ كَلِمَةً أَنْ يظنَّ بِهَا سُوءًا ، وَهُوَ يَجِدُ لَهَا فِي شَيْءٍ مِنْ الْخَيْرِ مَخرجًا " وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " ما بَلَغَنِي عَنْ أخٍ مَكْرُوهٌ قطُّ إلَّا أَنْزَلْتَه إِحدى ثَلَاثِ مَنَازِل : إنْ كَانَ فَوْقِي عَرَفْتُ لَهُ قَدْرَه ، وَإِنْ كَانَ نَظِيرِي تَفَضَّلْتُ عَلَيْهِ ، وَإِنْ كَانَ دُونِي لَم أحفل بِه ، هَذِه سِيرَتِي فِي نَفْسِي ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْهَا فَأرْضُ اللَِّه واسعةٌ "، فنَدْعُوا اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَنْ يَجْعَلَنَا وَإِيَّاكُم مِمَّنْ يُحْسِنُ الظَّنَّ بِإِخْوَانِهِ ، إنَّهُ سَمِيعٌ مُجِيبٌ ، وَآخَرُ دَعْوَانَا أَنْ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ .
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا
تعديل التعليق