إدماج المتعايشين مع مرض السّيدا: واجب ديني و حاجة اجتماعية

إدماج المتعايشين مع مرض السّيدا:
واجب ديني و حاجة اجتماعية

بسم الله، و الحمد لله و الصلاة و السلام على سيّدنا محمّد رسول الله و على آله و صحبه و من والاه. أمّا بعد:
فإنّ الله تبارك و تعالى قد خلق الإنسان و كرّمه و أولاه مكانة متميّزة بين سائر مخلوقاته، ليحقّق عمارة الكون، مصداقا لقوله جلّ و علا: " و لقد كرّمنا بني آدم و حملناهم في البرّ و البحر و رزقناهم من الطيّبات و فضَّلناهم على كثير ممّن خلقنا تفضيلا ".
( سورة الإسراء: 70 ).[font="] و يقول تعالى في موضع آخر: " هُوَ أنشأكم من الأرض و استعمركم فيها ".[/font][font="]( سورة هود الآية: 61 )[/font]
و حتى يكون الإنسان في مستوى هذا التكريم، و ليتسنّى له أداءُ هذه الرسالة المدنية النبيلة، فقد أرشده الإسلام إلى العمل و الاجتهاد و الخلق و الابتكار، فجعل حياته عملا دؤوبا و حركة دائمة و تعاملا متواصلا مع الناس، لتوفير مستلزمات حياته، و تحسين مستواها و تطوير وسائل عمله و آلياته و توفير مقوّمات الرفاهة و الصحّة و العافية. فحياة الإنسان قِوامها العبادة و العمل و التقدّم المستمرّ، نتيجة تقدّم العلوم و تطوّر التقنيات و تتابع الاكتشافات و الاختراعات، و تلك حكمة الله تبارك و تعالى و سُنَّتَهُ في الكون. و الإنسان بما يتوفّر عليه من عقلٍ و حكمة، يكون قادرا على حسن توظيف هذا التطوّر لصالحه و على حسن استغلال هذه الوسائل العصرية لفائدته، بما يحقّق رفاهته و سعادته، و يتلاءم و المكانة المتميّزة التي أقرّها الله له..
و ليتمكن الإنسان من أن يحيا حياة كريمة، وجب عليه التحلّي بالرشد و الرصانة و المسؤولية، و أن يحافظ على حياته فلا يصيب نفسه و لا غيره بأذًى و لا يعرّضها للخطر، تنفيذا لقول الحقّ تبارك و تعالى: " و لا تلقوا بِأَيْدِِيكُمْ إلى التهلكة و أحسنوا إنّ اللهَ يُحِبُّ المُحْسنين ".
( البقرة : 195)
و الإسلام أكّد تأكيدا خاصا على حرمة النفس البشرية، فحرّم القتل، كما في قوله تعالى: " و لا تقتلوا النفسَ التي حرّمَ اللهُ إلاّ بالحقّ ".[font="]( سورة الإسراء الآية: 33 ) [/font][font="]. فحماية الذّات البشرية من الواجبات، و هو ما ينّبه إليه رسول الله صلى الله عليه و سلم فيما أخرجه مسلم: " ألا إنَّ اللهَ حرّم عليكم دماءكم و أموالكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا ".[/font][font="] ( صحيح مسلم رقم 3009 )[/font]. و في ذلك إشارةٌ واضحة إلى ضرورة حمايةِ النفس و المحافظة على الحياة، بل إنّ الإسلام جعل المحافظة على النفس مُقَدَّمة على المحافظة على الدّين و في ذلك أكثر من معنى..
و في هذا الإطار شاركت في العديد من المناسبات، في الأيام الدراسية التي نظمتها وزارة الشؤون الدينيّة بالاشتراك مع البرنامج ألأممي الإنمائي حول: إدماج المتعايشين مع مرض السيدا واجب ديني و مطلب وطني.. و كانت لي بالمناسبة مداخلة بعنوان: الوحدة و مقاطعة الناس أبرز ملامح حياة المتعايشين مع السّيدا.. و قد أكّدت فيها أنّه:
لا يختلف اثنان في أهمّية دور الأئمّة الخطباء في المشاركة الفعّالة لمقاومة مرض " السّيدا "، و ذلك لتأثيرهم الإيجابي و الفاعل على الرّأي العام و قدرتهم على توعية روّاد المساجد خصوصا منهم الشباب، بأسباب الإصابة و كيفية الوقاية و العلاج منها، و حثّهم على برامج الفحوص المجانية و السرّية. و كذلك إرشادهم و تشجيعهم للتوجّه إلى مكان العلاج و تعريفهم بالأدوية الضروريّة. مع التأكيد على أنّ تونس لا تواجه أيّ مشكلة فعليّة أو ظاهرة خطيرة تنذر بالفزع في مجال وباء " السّيدا "، حيث لا يشكّل عدد المصابين بهذا الفيروس " صورة الوباء " و ذلك لأنّ الأجهزة المعنية دأبت منذ أوائل التسعينات على رصد هذا المرض. و قام خبراء و مستشارون تونسيون و آخرون من منظمّة الصحّة العالمية، و الصندوق العالمي لمكافحة السل و المالاريا و السيدا الممتد تنفيذه من 2008 إلى 2012برنامج الأمم المتّحدة الإنمائي، بوضع الخطط و البرامج العملية اللاّزمة، و الأخذ في الاعتبار أهمية الكشفالمبكر عن المرض التي تضمن نجاعة التدخل في مستوى الوقاية و العلاج على حدالسواء و أهمية الإعلام و الاتصال و التحسيس و التثقيف الصحي بغاية إحكامالوقاية لدى الفئات التي لها ممارسات محفوفة بالمخاطر..
و يذكر من مصادر مطّلعة أن كلفة علاج مرض " السيدا " الذي تمكنت تونس من السيطرة على نسقتطوره تبلغ حوالي 18 ألف دينار للمريض الواحد علما و أنّ العدد الجملي للمرضىفي تونس هو في حدود 1500 حالة..
و إنّي أنتهز هذه الفرصة لأدعو المعنيين بتنظيم هذا البرنامج إلى مراعاة خصوصيّة مجتمعنا التّونسي و الحفاظ على عاداته و تقاليده و احترامها في مجال التوعية و العلاج و الوقاية من المرض. كما أدعو إلى سنّ قوانين و تشريعات تؤدّي أو تهدف إلى مكافحة مرض فقدان المناعة المكتسبة، و قبول المتعايشين و إدماجهم في المجتمع و عدم رفضهم و دراسة أحوالهم و تقديم الدّعم المادي و الأدبي لهم و معالجة آثار الوصمة التي يلحقها المجتمع بهم..
كما أطالب بضرورة تقصّي العوامل الاجتماعية و الثقافيّة و الاقتصادية الدّافعة إلى الإصابة بهذا المرض و الأمراض الجنسيّة الأخرى، و التعامل معها بالإرشاد و التوعية و الوصول إلى كافّة فئات المجتمع لتوصيل رسالة التوعية و الوقاية من السّيدا و علاجه..
و إنّي أحمد الله تبارك و تعالى و أشكره أن أتاح لي فرصة متابعة ورشات العمل التي نظّمت بصفاقس و بتونس و غيرهماببادرة من " الجمعية التونسية للوقايةمن تعاطي المخدرات " حول موضوع حقوقالمتعايشين مع مرض " السيدا "، و المشاركة في أشغال هذا اليوم الدّراسي حول نفس الموضوع و بمشاركة رجال الدّين.. و بناءً على ما قيل و أثير في هذه المناسبتين القيّمتين، فإنّي اقترح ضرورة التصدّي لكافّة الأشكال و الممارسات و القوانين و السياسات التي تؤدّي إلى المساعدة أو المساهمة أو تهيئة الأجواء أو تحضير الأرضية المناسبة لانتشار هذا الوباء الخطير الذي يستنزف أموالا طائلة يمكن توظيفها في ميادين أخرى المجموعة الوطنية في أمسّ الحاجة إليها.. و لتكن الأسرة هي الصّرح الأساسي القادر على الإحاطة و التأطير و المراقبة لمنع انتقال هذا المرض الفيروسي الخطير، و الذي يمكن أن يصيبنا من الكميّة الهائلة للجراثيم و الفيروسات المحيطة بنا من كلّ جانب و التي يصعب رؤيتها بالعين المجرّدة، و عدم القدرة على رؤيتها لا ينفي وجودها..
و أقترح باعتماد مواد علمية تعليميّة لمواجهة السّيدا من حيث المقاومة و المكافحة و كيفية التعرّف على أضرار هذا المرض، و إضافتها إلى المناهج التعليميّة و خاصّة المراحل الإعداديّة و الثانويّة و الجامعيّة، حيث لا أحد في مأمن من انتقال فيروس فقدان المناعة المكتسبة خصوصا عن طريق الجروح الدّامية التي لا تعالج بسرعة و بطريقة ناجعة..
و أقترح أن تتولّى كلّ مؤسّسة اقتصادية كبرى تبنّي أحد المتعايشين و ذلك برعايته و إدماجه و تحمّل مصاريف علاجه و أدوية التصبير التي يحتاجها.. و ذلك أحسن ألف مرّة من الأموال الخيالية التي تقدّمها هذه المؤسّسات إلى فرق الكرة..
أحبّتي في الله،
إنّ حياة الإنسان كما نلاحظ تطوّرت بتطوّر الوسائل التي يستعملها و يستخدمها، و هذه الوسائل العصرية، و إن كانت قد عزّزت رفاهية الإنسان و يسّرت عليه الكثير من شؤونه، فهي لا تخلو من مخاطر، إن نحن لم نحسن استعمالها، فالكهرباء و الغاز مثلا أصبحا بالنسبة إلى العائلة من الضروريات في البيت، لما لهما من عديد المزايا و الفوائد، إلاّ أنّ سوء الاستعمال، أو الإهمال أو عدم الانتباه عند الاستعمال، يجعل من هذين المرفقين خطرا مُحْدقا يهدّد حياة الإنسان..
[font="]و كذلك بالنسبة إلى وسائل النقل التي تنوّعت و تعدّدت و انتشرت، وهو مظهر من مظاهر التنمية الاجتماعية و التطوّر الحياتي في بلادنا، و نعمة من نعم الله علينا، تقتضي منّا الشكرَ و الثناءَ على المُنْعَمْ بها " و أمَّا بنعمة ربّك فحدّث ". [/font]( سورة الضحى الآية: 11 )..
و ليس من المعقول أبدا أن تتحوّل هذه النعمة، نقمة على الإنسان و داءً يَنْخُرُ المجتمع..
هذا هو واقعنا، هذا هو الإخطبوط الذي يستنزف اقتصادنا، هذا الإخطبوط هو ظاهرة حوادث الطرقات و الأمراض المستعصية و المزمنة و المعدية، هذه الظّاهرة التي أصبحت تورق العيون و تشغل البال، كيف لا و قد أصبحت هذه الظّاهرة سببا هامّا من أسباب الوفاة، و سببا من أسباب الإعاقة و السقوط البدني المستمر، و الدائم، و لا حول و لا قوّة إلاّ بالله.. و لتعلموا أيّها الأخوة أنّ الوفيات في بلادنا بسبب هذا الإخطبوط تُعدّ من أرفع النسب في العالم..
إنّ الأمر إذا كما تلاحظون خطير، خاصّة إذا علمنا أنّ الحقّ تبارك و تعالى يقول في محكم التنزيل: " من قتل نفسا بغير نفسٍ أو فسادٍ في الأرضِ فكأنّما قتل الناسَ جميعا و من أحياها فكأنّما أحيا النّاسَ جميعا ". ( سورة المائدة الآية: 32 ) و يقول سبحانه في موضعٍ آخر: " و الذين يؤذون المؤمنين و المؤمنات بغير ما اكتسبوا فقَدِ احتملوا بُهْتانا و إثما مُبينا ". ( سورة الأحزاب الآية: 58 )..

هذا كلّه نعلمه، و نحسّ به في كل لحظة من حياتنا اليومية، و الجميع منكبّ على إيجاد الحلول الجدّية و الكفيلة بإيقاف هذا الاستنزاف الذي نعيشه في كامل تراب البلاد خصوصا في المدن الكبرى.. لكن هناك استنزاف آخر خطير جدّا، يمكن أن يجتاز حدود بلادنا بدون رخصة رسمية، و يعمل في شعبنا ما لا تقدر عليه حوادث الطرقات، و لا حوادث الغاز و الكهرباء، أو حوادث الحرائق و الفيضانات و غيرها من الكوارث الطبيعية التي يقدّرها الحقّ تبارك و تعالى في سابق علمه و على مرادٍ منه..
هذا الاستنزاف الخطير هو توريد الأمراض المعدية الخطيرة و القاتلة من الخارج، كأن تسافر مجموعة من المواطنين إلى بعض الدول الأخرى، و تعود مصابة بمرض أو بفيروس معد خطير يأتي على الجميع في بلادنا.. يصيب الصغير قبل الكبير، و السليم قبل العليل، و القويّ قبل الضعيف.. نسأل الله السلامة و العافية..
و الدّولة مطالبة، كما تحمي الحدود من أي تسرّب غير قانوني، كتهريب المخدّرات، و العملات الأجنبية المزيّفة، و تهريب البضاعة غير المرخّصة و أيّ نوع آخر من البضاعة التي تشكّل خطرا على المجتمع. فهي مطالبة بالعمل المكثّف و اليقظة التامّة لمنع توريد الأمراض و الفيروسات الخطيرة و المعدية القاتلة.. هذا ما نستطيع أن نقوله في هذا الموضوع الهام..
فيروس السّيدا هو مرض فقدان المناعة المكتسبة، ينتقل بواسطة السوائل البشرية، و العلاقات الجنسيّة المشبوهة و غير الشرعيةّ.. و ينتقل الفيروس عن طريق الإبر الخاصّة بالحقن الملوّثة.. كما أنّ اللّواط يجرّ إلى المرض بدون انتقال الفيروس..
هذا الوضع المقلق و الواقع المعقّد جاء نتيجة:
* انتشار العديد من السّلوكيات غير الصحيّة..
* العلاقات الجنسيّة خارج إطار الزواج..
* تبادل الإبر لحقن المخدّرات..
* معاقرة الخمرة.. الجروح الدموية التي لا تعالج بسرعة تنقل المرض..
* تأثير الفرد بسلوك الآخرين خصوصا الشباب الذي يبدأ دائما بالتقليد و التجربة..
المصافحة لا تنقل عمليا الفيروس.. كذلك القبلة لا تنقل عمليا الفيروس.. المسابح خلافا لما أشيع فإنّها لا تنقل الفيروس.. التنفّس لا ينقل الفيروس.. المصاب لا ينقل الفيروس إلاّ بواسطة الجماع غير العازل أو بانتقال الدّم و السوائل..
* في كلمة لا أحد في مأمن من انتقال فيروس السّيدا خصوصا عن طريق الجراثيم و الجروح..
الوقـــاية
* الأسرة هي الصّرح الأساسي القادر على الإحاطة و التأطير و المراقبة لمنع انتقال هذا المرض الفيروسي الخطير، و الذي يمكن أن يصيبنا من الكميّة الهائلة للجراثيم و الفيروسات المحيطة بنا من كلّ جانب و التي يصعب رؤيتها بالعين المجرّدة، و عدم القدرة على رؤيتها لا ينفي وجودها..
* تفادي العلاقات الجنسيّة خارج إطار الزواج..
* استعمال " الرّفال " لتفادي انتقال السوائل الحاملة للفيروس..
* التقصّي المبكر للفيروس بالنسبة لمن هم عرضة لإمكانية النقل أو الإصابة..
* التحليل المخبري للدمّ، وهو التحليل الحيني في بضع دقائق..
أيّها النّاس: المشكلة الكبيرة و المعظلة الضخمة تتمثل في الإنسان الجاهل بحمله الفيروس وهو ناقل له..
كيف العمـل.. و كيف الإدماج ؟..
1) الإحاطة الاجتماعية و الثقافية و الاقتصادية بالمتعايش..
2) المساعدة العلاجية الدوائيّة..
3) تمكينه من حمية غذائيّة مساندة..
4) إحاطة نفسية تمكنه من الاندماج بسرعة و التغلّب على العزلة و كلّ شكل من أشكال الإبعاد و الإقصاء.. و تمكينه من مهنة تمكنه من استرجاع الثقة في نفسه و في محيطه، و هذا يساعد كثيرا على التصبير..
العلاج الدّوائــي
يتمثّل في علاج ثلاثي مركّب يوقف تطوّر المرض، و يسمّى هذا: التصبير، و علاج متوفّر و مجاني في المؤسّسات العمومية المختصّة، و يستعمل تحت الرّقابة الطبيّة المشدّدة.. و يستعمل في حالات استعجاليّة.. إذ لا يمكن لأيّ كان أن يذهب إلى الصيدلي ليتحصّل على هذا الدّواء..
أيها النّاس تمسّكوا بعرى الإيمان التي ليس لها انفصام، و اعتصموا بحبل الله و كونوا ممن كان له بحبل الله اعتصام.. ألا و إنّ الإيمان بالله يشرح الصدور، ألا و إنّ الإيمان بالله يسهّل صعاب الأمور..
أقول قولي هذا و استغفر الله لي و لجميع المسلمين..



الشيخ محمّد الشاذلي شلبي
الإمام الخطيب
جامع عثمان بن عفّان- الطيران
[font="] تـــونس [/font][font="] [/font]
المشاهدات 2602 | التعليقات 1

نفع الله بأخينا الكريم المسلمين

نعم ليس للإنسان الفضل على نفسه أو كان له الخيار أن يعيش كيفما يريد بالوضع الذي يريد بل الكل يعيش بتدبير من الله تعالى يدبر الله فيه أمره وينفذ فيه حكمه ويجري عليه سننه وابتلاءه لذا على كل مسلم أن يدرك أن ما أصاب غيره وكان منه معافى أن ذلك فضل من الله عليه لا اختيارا منه وبالتالي هو مطالب بشكر الله تعالى والقرب من المبتلين والتعايش معهم فما نزل بهم لم يكن من أنفسهم بل بتقدير الله لذا ينبغي التعايش مع أصحاب البلوى تقديرا ورفقا بهم وإيمان بأمر الله فيهم وتجافيك عنهم يعني ضعف في إيمانك بقدر الله الذي لا مفر منه