إدخال السرور على المسلم | د. محمد العريفي
مكتب الشيخ د. محمد العريفي
إدخال السرور على المسلم
إنَّ الحمدَ للهِ نحمدُهُ ونستعينهُ ونستغفره، ونعوذُ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهدهِ الله فلا مُضِلَّ له، ومن يُضلِلْ فلا هادِيَ له، وأشهد أن لا إلهَ إلا الله وحده لا شريك له، جلَّ عن الشبيه والمثيل والكُفْءِ والنظير، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وصفيه وخليله وخيرته من خلقه وأمينه على وحيه، أرسله ربُّه رحمةً للعالمين وحجةً على العباد أجمعين، فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله الطيبين وأصحابه الغر الميامين ما اتصلت عينٌ بنظر ووَعَتْ أذنٌ بخبر وسلم تسليما كثيرا أما بعد:
أيها الإخوة المسلمون...
خلق الله تعالى الناس وجعل لهم مشاعرَ مُتنوعة، ما بين فرحٍ وحزن، وما بين ضَحِكٍ وبُكاء، وكتب الله في مُواساة الناس على أحزانهم و إدخال السرور على المسلمين أجرا عظيما، ومن نظر في حال النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وجد أنهم كانوا يتتبعون جميع أبواب الخير لأجل أن يسلكوا منها إلى الأجر والثواب، ومن ذلك إدخال السرور على المسلمين ولقد مدح النبي صلى الله عليه وآله وسلم فاعله فقال عليه الصلاة والسلام: «أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ أَنْفَعَهُمْ لِلنَّاسِ، وَأَحَبُّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ سُرُورٍ تُدْخِلُهُ عَلَى مُسْلِمٍ)) رواه الطبراني في الأوسط.
وقال عليه الصلاة والسلام "أفْضلُ الأعْمالِ إدخالُ السرورِ على المؤمِن" كما عند الطبراني...
وقال صلوات ربي وسلامه عليه وهو يبيِّنُ فضل ذلك لما سئل رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أي الأعمال أفضل؟ قال: "إدخالك السرور على مؤمن؛ أشبعتَ جَوْعَتَهْ، أو كسوتَ عَوْرَتَه، أو قضيتَ له حاجَةً" رواه الطبراني في "الأوسط".
ولما سُئِل بعضُ الصحابة رضي الله تعالى عنهم قيل لهم: ما بقيَ من لذاتك في الدنيا؟
قال: إدخالُ السرورِ على الإخوان.
وقال الإمام مالك رحمه الله تعالى لما سئل قيل له: أي الأعمال تحب؟ قال: إدخال السرور على المسلمين.
وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يحَرص على أن يكون المرء مُدخِلا للسرور على قلوب إخوانه المسلمين وكان يفعل هو صلى الله عليه وسلم ذلك ، و إدخال هذا السرور يكون بحسب قرب ذلك المسلم منك.
فإدخالُك للسرور على أمك وعلى أبيك وعلى زوجتك وعلى أبنائك وعلى إخوانك وأخواتك الأقرب والأقرب كل هذا يزيد الفضل والجزاء، وكلما كان الذي أدخلت عليه السرور أقرب إليك كان الأجر والثواب أعظم قال تعالى : {وَأُوْلُواْ الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللّهِ}.
أيُّها الإخوةُ المؤمنون :
كان عليه الصلاة والسلام يَسلك طُرقا لإدخال السرور على المسلمين.
فمن ادخال السرور على المسلم الهدية ، قال صلى الله عليه وآله وسلم: «تَهَادُوا تَحَابُّوا» رواه البخاري في الأدب المفرد .
وقالت أمُّ خالد : أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِثِيَابٍ فِيهَا خَمِيصَةٌ سَوْدَاءُ، قَالَ:
«مَنْ تَرَوْنَ نَكْسُوهَا هَذِهِ الخَمِيصَةَ»؟ فَأُسْكِتَ القَوْمُ، قَالَ: «ائْتُونِي بِأُمِّ خَالِدٍ» وكانوا يكنون الصغار
فَأُتِيَ بِي النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَلْبَسَنِيهَا بِيَدِهِ، وَقَالَ: «أَبْلِي وَأَخْلِقِي» مَرَّتَيْنِ، فَجَعَلَ يَنْظُرُ إِلَى عَلَمِ الخَمِيصَةِ وَيُشِيرُ بِيَدِهِ إِلَيَّ وَيَقُولُ: «يَا أُمَّ خَالِدٍ هَذَا سَنَا وَيَا أُمَّ خَالِدٍ هَذَا سَنَا» وَالسَّنَا بِلِسَانِ الحَبَشَةِ الحَسَنُ ، رواه البخاري .
وربما أهدي اليه صلى الله عليه وسلم لبن أو طعام أو تمر وربما أهدى هو صلى الله عليه وسلم إلى الآخرين .
فالهدية باب من أبواب إدخال السرور.
مر بعض السلف رحمهم الله تعالى على أطفال يلعبون فمضى واشترى جوزا، والجوز نوع من الحلويات عندهم التي يفرح بها الأطفال فجعل يوزعها على الأطفال ثم مضى فقيل له:
لم فعلت ذلك؟ قال أكسب أجرا ويفرحون بمال يسير.
فكانوا يتعبدون لله تعالى ليس فقط بأنواع العبادات من صلاة وصوم وصدقة وذكر لله بل كانوا يتقربون إلى الله في تعاملهم من الآخرين فيسلكوا أفضل السبل لإسعاد الناس وإدخال السرور عليهم طلبا للثواب عند الله جل وعلا، فما أجمل لو دخلت على أختك زائرا فأهديت إلى أبنائها شيئا أو دخلت على صديقك فاشتريت شيئا وأهديته إليهم كل هذا له فضل لما فيه من إدخال السرور على الآخرين.
و الابتسامة من إدخال السرور ؛ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "تَبَسُّمُكَ فِي وَجْهِ أَخِيكَ لَكَ صَدَقَةٌ" رواه أحمد والترمذي ،
و قال جرير بن عبد الله البجلي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: مَا حَجَبَنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُنْذُ أَسْلَمْتُ، وَلاَ رَآنِي إِلَّا تَبَسَّمَ فِي وَجْهِي" متفق عليه.
أيُّها الأحبة الكرام :
ومن إدخال السرور على المسلم قضاءُ الحاجات ، قال صلى الله عليه وسلم: (( وَلِأَنْ أَمْشِيَ مَعَ أَخٍ لِي فِي حَاجَةٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَعْتَكِفَ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ، يَعْنِي مَسْجِدَ الْمَدِينَةِ، شَهْرًا)) رواه الطبراني في المعجم الأوسط.
وأقبل رجل يوما إلى عبدالله بن عباس رضي الله عنهما وكان ابن عباس معتكفا في المسجد فأراده في حاجة فخرج معه عبد الله بن عباس ليقضي حاجته التي أرادها منه ، فقال له الرجل: "ألستَ مُعتكِفًا"؟ والمعتكف يلزم المسجد لطاعة الله ولا يخرج منه فإن خرج منه انقطع اعتكافه،
قال:" ألستَ مُعتكِفاً"؟
قال:" بلى ، لكني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وذكر الحديث أن من خرج وقضى حاجة أخيه أحب إليه من أن يعتكف في مسجده ثم قال ابن عباس رضي الله عنهما: إنا نرى أن للجاهِ زكاةً كما أن للمالِ زكاة.
أيُّها الإخوةُ المؤمنون :
زيارةُ المرضى من إدخال السرور على المسلم ، ومن عجيب ما قرأتُ في بعض كتب التاريخ أن بعض الخلفاء السابقين كان يُعطي بعضَ الناس أجوراً ويوظفهم في لجنة اسمها "مُؤْنِسُ الـمَرضى والغُرَباء" فيذهبون إلى المستشفيات ويزورون المرضى وإذا رأوا غُرباء قد جاءوا إلى البلد سواء في سوق أو في غيره أقبلوا إليهم وآنَسوهم وخدَموهم ليدخلوا السرور عليهم، فكان يصرف أموالا لهؤلاء بمسمى مؤنس المرضى والغرباء حرصاً منه على إدخال السرور على الآخرين .
ومن إدخال السرور الكلمةُ الطَّيِّبة، قال عليه الصلاة والسلام: «وَالْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ» رواه مسلم ، وقال صلى الله عليه وسلم: «اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ» وقال : ((فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ)) رواه البخاري ومسلم ، وربنا جل وعلا يقول:{وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا} يعني الكلام الطيب، ويقول جل وعلا مُبيِّنا فضل ذلك وهو يختار لعباده أن يتكلموا بأحسن الكلام :{وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} يعني يختار أطيبَ الكلمات ثم يتكلم بها.
ومن ذلك الصدقة على المحتاج، كما بيّن النبي صلى الله عليه وسلم فضلها في أحاديث كثيرة، وكما قال جل وعلا: {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} فهو ليس مالك ولا مال أبيك، إنما هو مال الله جعله بين يديك، قال جل وعلا: {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} وما أجمل أن يكون من إدخال السرور التعامل مع بعض الباعة الضعفاء، بإدخال السرور عليهم ،
واعلم أنك ما تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله تعالى إلّا رزقك الله تعالى خيرا منها، فأنت تتعامل مع رب كريم { وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِين } و من كرم الله جل وعلا إذا تصدق عبده بدرهم عوضه الله بمثله عشرا إلى سبعمائة ضعف، كما بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم ذلك في أحاديث كثيرة.
أيُّها الإخوةُ الكرام :
إدخال السرور أبواب متنوعه ، ومسالك متعددة فمنها السؤال عن الغائب...فمن كان يحافظ على الجماعة في المسجد ،ولكنه غائب أياما فإن اتصلت به فسألته عن حاله دخل السرور إلى قلبه، أو لو كنتم في منتدى أو غيره ، ثم غاب أحد الأعضاء فكتبت موضوعا تسأل عنه وتدعو له وتذكر أنك فقدته وفقدت مواضيعه ثم قرأها ذلك العضو لاستبشر بذلك ودخل السرور إلى قلبه ، فهذه أبواب للخير يستطيع الإنسان أن يُحصّلها دون عناءٍ أو جُهد ...
أيها الكرام الأفاضل:
كان النبي صلى الله عليه وسلم حريصا على أن يدخل السرور على الآخرين، ومن نظر في سروره صلى الله عليه وسلم للناس وممازحته لهم وجد أن لذلك أسبابا منها :
أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يمزح أحيانا للتحبب إلى الآخرين فعن أَنس بن مالك:
أنَّ رجلاً من أَهل البادية - يقال له: زاهر بن حَرام - كان يُهدي للنبيّ - صلى الله عليه وسلم - الهدية من البادية، فيجهزه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إِذا أَرادَ أَن يخرجَ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:" إن زاهرًا باديتنا، ونحن حاضروه".
قال: فأَتاه النبيّ - صلى الله عليه وسلم - وهو يبيع متاعَه، فاحتضنه من خلفِه، والرَّجل لا يبصره، فقال: أَرسلني، من هذا؟! فالتفت إِليه، فلمّا عرفَ أنّه النبيّ - صلى الله عليه وسلم -؛ جعل يلزقُ ظهرَه بصدرِه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من يشتري هذا العبد؟ ". فقال زاهر: إِذن والله تجدني يا رسولَ الله! كاسدًا، فقال: "لكنّك عند الله لَسْتَ بكاسدٍ"؛ أو قال - صلى الله عليه وسلم -: "بل أَنتَ عند الله غالٍ" رواه أحمد والبزار وابن حبان.
فكان يتحبب إليهم بالمِزاح معهم .
وربما كان صلى الله عليه وسلم يمزح للمواساة ؛ قال عليه الصلاة والسلام يوما: «مَالِي أَرَى أَبَا عُمَيْرٍ حَزِينًا؟»
وأبو عمير هذا ليس رجلاً كبيراً ولا شيخاً عظيما، ولكنه غلام صغير عمره خمس سنوات ، أخ لأنس بن مالك من أمه، وهو ابن لأبي طلحة ، يقول صلى الله عليه وسلم: «مَالِي أَرَى أَبَا عُمَيْرٍ حَزِينًا؟»
قالوا يا رسول الله: كان له عصفور يلعب به فمات العصفور، فأقبل صلى الله عليه وسلم إليه يمازحه ، ويقول له: « يا أَبَا عُمَيْرٍ، مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ» رواه البخاري ومسلم.
(النغير: يعني العصفور الصغير ) فكان صلى الله عليه وسلم يلاطفه ويمازحه بذلك والصبي يضحك ويقول مات يا رسول الله مات يا رسول الله.
وربما مزح النبي صلى الله عليه وسلم للتربية كما روى الطبراني عن خَوَّاتِ بْنِ جُبَيْرٍ رضي الله تعالى عنه: قال خرج النبي صلى الله عليه وسلم يوما في بعض أطراف المدينة قال وكنت قد خرجت في حاجة فمررت بنساء فوقفت معهن أتحدث قال فمر النبي صلى الله عليه وسلم بي ، قال خَوَّات ما تفعل ها هنا؟
(يعني ما الذي يوقفك مع النساء)
قلت يا رسول الله إن لي جملا شارِدًا فأنا خرجت أبحث عنه ثم مضى من بين أيديهم فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم من غدٍ في طريق من طرق المدينة قال ، يا خَوَّاتُ مَا فَعَلَ شِرَادُ جَمَلِكَ؟
يقول فقلت: يا رسول الله لا يزال شارِدًا.
ثُمَّ ارْتَحَلْنَا فَجَعَلَ لَا يَلْحَقُنِي فِي الْمَسِيرِ إِلَّا قَالَ: «السَّلَامُ عَلَيْكَ أَبَا عَبْدِ اللهِ مَا فَعَلَ شِرَادُ ذَلِكَ الْجَمَلِ؟»
فَلَمَّا رَأَيْتُ ذَلِكَ تَعَجَّلْتُ إِلَى الْمَدِينَةِ، واجْتَنَبْتُ الْمَسْجِدَ وَالْمُجَالَسَةَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
فَلَمَّا طَالَ ذَلِكَ تَحَيَّنْتُ سَاعَةَ خَلْوَةِ الْمَسْجِدِ، فَأَتَيْتُ الْمَسْجِدَ فَقُمْتُ أُصَلِّي،
وَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ بَعْضِ حُجَرِهِ فَجْأَةً فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ وطَوَّلْتُ رَجَاءَ أَنْ يَذْهَبَ ويَدَعُنِي ، فَقَالَ: «طَوِّلْ أَبَا عَبْدِ اللهِ مَا شِئْتَ أَنْ تُطَوِّلَ فَلَسْتُ قَائِمًا حَتَّى تَنْصَرِفَ» ،
فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: وَاللهِ لَأَعْتَذِرَنَّ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولَأُبْرِئْنَ صَدْرَهُ، فَلَمَّا قَالَ: «السَّلَامُ عَلَيْكَ أَبَا عَبْدِ اللهِ مَا فَعَلَ شِرَادُ ذَلِكَ الْجَمَلِ؟» فَقُلْتُ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا شَرَدَ ذَلِكَ الْجَمَلُ مُنْذُ أَسْلَمَتُ، فَقَالَ: «رَحِمَكَ اللهُ» ثَلَاثًا ثُمَّ لَمْ يُعِدْ لِشَيْءٍ مِمَّا كَانَ .
أيها الأحبة الكرام :
كان صلوات ربي وسلامه عليه يدخل السرور على الآخرين فإذا مزحوا معه تفاعل معهم ولم يكن يتكبر مع من أراد أن يمازحه ويتصنع الرزانة عليه والثقل، كلا ، بل كان يتلطف معهم...
خرج عليه الصلاة والسلام يوما في بعض أسفاره فكان في خيمة صغيرة، فأقبل عوف بن مالك وكان رجلا بدينا فاستأذن على النبي صلى الله عليه وسلم من خارج خيمته فأذن له النبي صلى الله عليه وسلم
قال: ادخل
فقال عوف مازحًا:قال أدخلُ كُلِّي أم بَعضي؟
فضحِكَ النبي صلى الله عليه وسلم وعلم أنه يَمزح قال: "ادْخُلْ كُلَّك" رواه الإمام أحمد.
وفي حديث سماك بن حرب عند مسلم قال سألت جابر بن سمرة
قلت:أكنتم تجالسون النبي صلى الله عليه وسلم ؟
قال: نعم، كنا نجالسه وكنا نتحدث بشيء من أمر الجاهلية فنضحك ويلتفت إلينا ويَتَبَسَّمُ صلى الله عليه وسلم ملاطفًا لأصحابه .
أيها الأحبة الكرام :
من عظيم إدخال السرور على المسلمين... أنه كلما كان هذا المسلم أو المسلمة أكثر التصاقًا بك من أم وأب أو زوجة أو أبناء أو إخوة وأخوات وأقارب وزملاء وأصدقاء، كلما كان أقرب إليك رَحِمًا كانت ممازحته وملاطفته والتفاعل معه وإدخال السرور عليه أعظم أجرا عند رب العالمين .
أسأل الله جل وعلا أن يرزقنا وإياكم جميعا حسن الخلق وأن يعيذنا من سوء الأخلاق... أقول ما تسمعون وأستغفر الله الجليل العظيم لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبةالثانية
الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلّى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وإخوانه وخلانه ومن سار على نهجه واقتفى أثره واستن بسنته إلى يوم الدين ، أما بعد:
أيها الإخوة الكرام:
كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على مثل ما هو عليه من الحرص على إدخال السرور على المسلمين فكان ابن عمر رضي الله تعالى عنهما يمازح جارية عنده يملكها ويقول لها خلقني خالق الكرام وخلقك خالق اللئام فتبكي وهي لا تدري ماذا يقصد والله جل وعلا هو الذي خلق الكل خلق الكرام واللئام وكان بعدما تتأثر يمازحها ويلاطفها إدخالا للسرور عليها...
وكذلك أبو موسى رضي الله عنه كان له مزاح مشهور مع الصحابة ولم يكونوا يتكبرون عن مثل ذلك لما فيه من إدخال السرور على الآخرين...
بل قد شُرع لنا في ديننا من العبادات والتصرفات مافيه تخفيف للحزن عند الآخرين .
ألم يُشرَعْ عندنا في الدين التعزية؟
قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ سِتٌّ» وذكر منها صلوات ربي وسلامه عليه ((وَإِذَا مَاتَ فَاتَّبِعْهُ)) رواه مسلم.
فإذا تَبِعْتَ الميت خففتَ الحزنَ عن أهله وأدخلتَ السرورَ عليهم ...
وكان صلى الله عليه وسلم يعزي من يموت له أحد من أصحابه لأجل أن يخفف الحزن عنه ولأجل أن يدخل عليه السرور بل حتى في الأخلاق والتعامل مع الآخرين نُهِي عن عدد من التصرفات لأجل ألّا يُذهب السرور أو أن يدخل الحزن .
جاء عند البخاري ومسلم أنه صلى الله عليه وسلم قال: «إِذَا كُنْتُمْ ثَلَاثَةً» (يعني إذا كنتم ثلاثة في مكان في سيارة في بيت في غير ذلك) «إِذَا كُنْتُمْ ثَلَاثَةً، فَلَا يَتَنَاجَى اثْنَانِ دُونَ صَاحِبِهِمَا»
لماذا؟ قال: «فَإِنَّ ذَلِكَ يُحْزِنُهُ»
أي حتى لا يحزن ويظن أنكم تغتابونه أو تحتقرونه فلا يستحق أن يستمع إلى حديثكم قال: «فَلَا يَتَنَاجَى اثْنَانِ دُونَ صَاحِبِهِمَا، فَإِنَّ ذَلِكَ يُحْزِنُهُ»
فهذا الدين جاء بالسرور والفرح سواء للعبد مع نفسه أو مع الآخرين ..
اللهمَّ اجعلنا من الصادقين ووفِقنا لفعلِ الخيراتِ وتركِ المنكراتِ وحُبِّ المساكين ، اللهمَّ اغفِرْ لنا ولآبائِنا وأمهاتِنا اللهمَّ من كانَ منهم حياً فمتِّعْهُ بالصحةِ على طاعتِك واخْتِمْ لنا ولَه بخير ومن كان منهم مَيِّتاً فَوَسِّعْ له في قَبْرِهِ وضاعِفْ له حسناتِه وتَجاوزْ عن سيئاتِه واجمعْنا بهِ في جنَّتِك يا رَبَّ العالمين اللهمَّ أصْلِحْ أحوالَ المسلمين في كُلِّ مكان
اللهُمَّ فَرِّجْ هَمَّ الـمَهْمومين، ونَفِّسْ كَرْبَ الـمَكْروبين واقْضِ الدَّينَ عنِ الـمَدينين ، واشْفِ مَرْضَى الـمـُسلِمين .
اللهمّ لا تدع لنا في مقامنا هذا ذنباً إلا غفرته ، ولا همّاً إلا فرّجْته ، ولا دَيناً إلا قضيته ، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا مبتلى إلا عافيته ، ولا عقيماً إلا ذرية صالحةً رزقته، ولا ولداً عاقّاً إلا هديته وأصلحته يا ربَّ العالمين .
اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل، ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول أو عمل، اللهم إنا نسألك الجنة لنا ولوالدينا، ولمن له حق علينا، وللمسلمين أجمعين.
اللهمَّ صلِّ على محمدٍ وعلى آلِ محمدٍ كما صليتَ على إبراهيمَ وعلى آلِ إبراهيمَ وبارِكْ على محمدٍ وعلى آلِ محمدٍ كما باركتَ على إبراهيمَ وعلى آلِ إبراهيمَ إنكَ حميدٌ مجيد ،
عباد الله إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ فاذكروا الله يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون .
سبحانَ ربِّك رَبِّ العِزَّةِ عمَّا يَصفونَ وسلامٌ على المرسلينَ والحمدُ للهِ رَبِّ العالمين.
المرفقات
السرور-على-المسلم
السرور-على-المسلم
السرور-على-المسلم-2
السرور-على-المسلم-2