إجرام بشار

الخطيب المفوه
1433/07/11 - 2012/06/01 07:21AM






إجرام بشار

خطبة ألقيت في جامع أبي عبيدة بحي الشفا
ألقاها : د / سعد بن عبد العزيز الدريهم .
بسم الله الرحمن الرحيم
إِنَّ الحمدَ لله، نحمدُه ونستعينُه ونستغفرُه، ونعوذُ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا . من يهده الله؛ فَلا مُضلَّ له ، ومن يضلل؛ فلا هاديَ له، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهدُ أن محمداً عبده ورسوله .
أما بعدُ: فإنَّ أصدقَ الحديث كتابُ الله، وخيرَ الهدي هديُ محمدٍ e، وشرَّ الأمور مُحـدثاتُها، وكلَّ محدثة بدعة، وكلَّ بدعة ضلالة، وكلَّ ضلالة في النار.
أيها الأحبة في الله ، يبدو أن الليالي والأيام باتت تتبارى في إسماعنا وإيقافنا على المؤلم من الأحداث ، فكل يوم يتجدد يقول : إن ما عندي أكثر إيلاماً وقسوة ، وفي ظل ذلك بدأنا ننتقل من سيء إلى أسوأ ، حتى أضحت حياتنا منغصة بتلك الوقائع المؤلمة ، وأضحت نفوسنا تحمل مع الألم الخجل ؛ إذ لا حول لها ولا قوة في رفع الألم وتبديد تلك المنغصات ، ولا أعظم أيها الأحبة في الله ، من قهر الرجال بأن يُنَالَ منك ولا تستطيع أن تنتصر ..
إنك عندما ترى تلك الحال ، لتتمنى باطن الأرض ! كم هي مؤلمة تلك الأحداث التي تنقلها لنا وسائل الإعلام ، وتتفنن في سرد تفاصيلها موثقة بالصور الثابتة والمتحركة ، وقد كنا في السابق نعاني من جبروت العدى ، ولا نرى القسوة إلا من خلال تقاسيم وجوههم القاسية ؛ فلم تمض بنا الأيام حتى أرتنا من بني قومنا العرب من هو أشد قسوة وأكثر جرماً ، حتى لو قسنا ظلم القريب لوجدناه أكثر فضاضة من العدو ، فرحماك يا ربنا ، لقد سئمنا حالنا ومللنا جلادينا ، فالطف بنا يا قوي عزيز .
أيها الأحبة في الله ، لقد استيقظنا في أحد أيام أسبوعنا هذا على حادث جلل أقضنا ، بل وأقض العالم أجمعه ، وأضحى حديثه ، ذلكم أيها الجمع الكريم ، هو حادث مجزرة الحوله في سوريا ، والتي كان وقودها الأطفال والنساء، فكم كان حادثاً مروعاً ! وكم كان منظره مؤلماً وموجعاً للنفوس ، وأنت ترى الأطفال وقد تناثرت أجسادهم وقد نحروا ؛ لتتساءل أي نفوس فعلت هذا الإجرام ؟! هل هي نفوس مثلنا من لحم ودم ؟ وهل لها خَلْق كخلقنا وقلوب كقلوبنا ؟ تدور في نفسك تلك الأسئلة وتأخذ حيزاً من تفكيرك ؛ لأن تلك الحادثة الشنعاء تتبرأ منها الكائنات : البهائم العجماوات بل وحتى الجمادات ، قسوة لا تفوقها قسوة ، بل تلك القلوب كالحجارة أو أشد قسوة ؛ لقد طغى وبغى من فعل ذلك ، ومن تدرج حتى بلغ تلك المنزلة من الظلم فقد أُذِن في هلاكه ، وهو قريب جداً ، اللهم يا ودود يا ودود يا ذا الجلال والإكرام يا حليم يا عليم يا علي يا عظيم يا ذا الجلال والإكرام ، اللهم أهلك بشاراً وحزبه وفرقته ، وأرنا فيهم عجائب قدرتك يا قوي يا عزيز .
أيها الأحبة في الله ، هنا كلمات سأتلوها عليكم ؛ فشنفوا الآذان لها ، ولنا أن نتكلم حولها بعد تلاوتها . قال خطيب العرب في أحد المؤتمرات متحدثاً عن أطفال غزة : كَيفَ يُمْكِنُ لَنَا أَنْ نُقَدِّمَ الرَّدَ المُنَاسِبَ عَلَى الجَرَائِمِ وَنَحْنُ نَرَى جُثَثَ الأَطْفَالِ وَأَشْلَاءَهُمْ تَتَنَاثَرُ فِي كُلِّ مَكَانٍ ، وَنَلْمَحُ فِي عُيُونِ مَنْ بَقِيَ مِنْهُمْ حَيًّا مَلَامِحَ الذُّعْرِ الَتِي تَخْتَلِطُ بِالرَّجَاءِ فِي أَنْ تَمْتَدَّ إِلَيهِمْ يَدٌ جَسُورَةٌ تُنْقِذُهُمْ مِنْ مَصِيرِهِمُ المَحْتُومِ بَعْدَ أَنْ افْتَقَدُوا الأَمَانَ . وَبِمَا أَنَنَا أَصْحَابُ ذَاكِرَةٍ غَنِيَّةٍ لِأَنَنَا أَهْلُ التَّارِيخِ وَمَالِكُو الأَرْضِ ، فَسَنَعِدُهُمْ بِأَنَنَا سَنَبْقَى نَتَذَكَرُ، وَالأَهَمُّ مِنْ ذَلِكَ هُوَ أَنَنَا سَنَحْرِصُ عَلَى أَنْ يَتَذَكَّرَ أَبْنَاؤُنَا أَيْضًا سَنُخَبِئُ لَهُمْ صُوَرَ الأَطْفَالِ ، وَجُرُوحَهُمُ المَفْتُوحَةَ ، وَدِمَاءَهُمُ النَازِفَةَ فَوقَ أَلْعَابِهِمْ ، وَسَنُخْبِرُهُمْ عَنِ الشُهَدَاءِ وَالثَكَالَى وَالأَرَامِلِ وَالمُعَاقِينَ ، وَسَنَشْرَحُ لَهُمْ بِأَنَّ مَنْ يَفْقِدُ ذَاكِرَةَ المَاضِي سَيَفْقِدُ المُسْتَقْبَلَ ، وَسَنُعَلِّقُ عَلَى جُدْرَانِ غُرَفِهِمْ لَوحَةً نَكْتُبُ عَلَيهَا شِعَارًا لِكُلِّ طِفْلٍ قَادِمٍ إِلَى الحَيَاةِ يَقُولُ لَهُ : لاَ تَنْسَ ؛ لِيَكُبُرَ الطِفْلُ، وَيَقَولَ لَهُمْ : لَنْ أَنْسَى وَلَنْ أَغْفِرَ ؛ إِنَّ مَا يَقُومُونَ بِهِ وَمَا يَرْتَكِبُونَهُ مِنْ جَرَائِمَ حَرْبٍ لَنْ يُنْتِجَ لَهُمْ سِوَى أَجْيَالٍ قَادِمَةٍ أَشَدَّ عِدَاءً ، وَهَذَا يَعْنِي أَيضًا أَنَّهُمْ يَحْفِرُونَ بَأَيدِيهِمْ قُبُورًا لِأَبْنَائِهِم وَأَحْفَادِهِم ، لَقَدْ زَرَعُوا الدِّمَاءَ وَلَنْ يَحْصِدُوا غَيرَهَا.انْتَهَى كَلَامُه .
أتدرون أيها الجمع الكريم ، من قائل تلك الكلمات ؛ إنه من قتل أطفال الحوله ؛ إنه بشار النجس ، يتغنى بأطفال غزة ، وهاهو يفني أطفال سوريا ؛ ولكن ما قاله هو أحرى الناس به ، وسيرى سوء المصير إن شاء الله ؛ إن هذا أيها الجمع ، قمة النفاق السياسي معززاً بالمكر الباطني النصيري ؛ إن هؤلاء النجس من النصيرية الرافضة رزقوا قولاً ، ولكنهم في الوقت نفسه رزقوا فعلاً بخلافه ومكراً ، وما تمكن الكفر من بلاد المسلمين إلا من خلال طوائف الكفر من الرافضة ، فهم في حال ضعفهم يلجأون إلى التقية ، وعندما تقوى شوكتهم تجدوهم يعملونها في المسلمين ، فيالخستهم وحقارتهم ..
إنك أيها المحب ، عندما ترى الطفل أو ترقبه ، تجد نفسك تفيض رحمة تجاهه ، ولو لم تكن تعرفه ، فهم زينة الحياة ، وهم بهجتها ، وما زانت الحياة إلا بوجودهم ، فكيف إذا كان هذا الطفل ابنك أو ابنتك إنها الرحمة والشفقة، بل إن رحمتهم توجب الجنة ، بل إن من قواعد القتال في الإسلام ألا يقتل طفل أو امرأة ، ولو قاتلوا ثم هربوا فإنهم لا يلاحقون ، ومن قتل طفلاً أو امرأة فإنه يعاقب ، وحياة النبي r حافلة بالرحمة بالأطفال ، فكان يلاعبهم ، وكان يحملهم في الصلاة ، وعندما صعد أحد الأطفال ظهره وهو ساجد تأخر حتى نزل عن ظهره خشية أن يؤذيه ، فالإسلام كله رحمة بالأطفال ، ومن لم يرحم الأطفال فليس من الإسلام في شيء ، والأطفال هم أحباب الله، فمن أحبهم كان بسبب من الله ، ومن آذاهم أو أفناهم لا ريب أنه ليس من الله في شيء ..
وفعلة هذا الخبيث بشار ليست بدعاً ، فقد سبقه أبناء مذهبه في السابق ، فقد قام الحسين القرمطي بإفناء قرى الشام تذبيحاً ، وهي القرى التي تسمعون بذكرها هذه الأيام ، لا يرقبون في مؤمن إلاً ولا ذمة ، وهكذا أهل الرفض على اختلاف طوائفهم ، فقلوبهم مجمعة على إفناء أهل السنة والنيل منهم ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً ، نسأل الله أن ينتقم منهم وأن يرينا فيهم عجائب قدرته .
أقول قولي هذا، واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب؛ فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.


الحمد لله على إحسانه ، ونشكره على توفيقه وامتنانه ، ونصلي ونسلم على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وأصحابه وإخوانه ، وسلم تسليماً .
أما بعدُ :
فيا أيها الأحبة في الله ، نسمع بتطاير الأشلاء والقتلى في الحروب من حولنا ، ولكننا بتنا نعاين ذلك في السلم وفي بلدنا ، وذلك جراء تلك الحوادث المروعة ، وهذا كائن بسبب من الاستخدام السيئ لوسائل النقل من السيارات، فهناك سرعة تفني عوائل بأكملها ، حتى أضحى قتلى السيارات ألوفاً مؤلفة ، وهناك لعب بالسيارات تفحيطاً وتفنناً ، وهذا أكثر إتلافاً وترويعاً ، ولعلكم أيها الجمع الكريم ، قد وقفتم في أسبوعكم هذا على بعض من نتاج التفحيط ، وهو ذلك الحادث الذي أودى بحياة أربعة من الشباب ، وكم كان المنظر مؤلماً أجساد تتطاير وأشلاء تتمزق ، كم كان مؤلماً ومؤثراً في النفوس التي تبتغي العبرة والعظة ، وهذا الحادث سلسة في حوادث التفحيط المروعة ، فأنت عندما تدير محرك البحث في المواقع الالكترونية ، ستجد من مثيلاته الكثير والكثير ، وهي رادعة لكل من فكر في تقمص الدور أو السعي إليه .
وخطورة هذا التهور المسمى تفحيطاً ليس قاصراً على من يمارسونه ، بل إنه ليصل إلى المتفرجين ، فكم رأينا من السيارات المفحطة من التهمت العشرات من المتفرجين في مناظر يصعب تصورها لو لم تكن نقلت لنا صوتاً وصورة ، وهذا يتطلب منا حكومة وشعباً الوقوف أمام هذه الظاهرة لاجتثاثها ؛ لوقف نزيف أرواح الشباب ، وهم عدة الأمة وذخيرتها ، ولو تأملنا أيها الجمع ، لوجدنا أن أيام الامتحانات تكثر فيها هذه الظاهرة ؛ خاصة عند المدارس ؛ لأن من أهداف المفحطين جلب الصغار لأهدافهم الشريرة وإغوائهم ؛ لذا عليكم مراقبة الأبناء بعد خروجهم من قاعات الاختبار لئلا يحضروا تجمعات التفحيط ، ولئلا يكونوا هدفاً لأولئك الأشرار ولسيارتهم المتهورة ، وبتكاتف الناس وتأزرهم تقمع أعتى العادات ، والله أسأل أن يحفظ شبابنا وشباب المسلمين ، وأن يرينا فيمن أراد بهم الشر عجائب قدرته ؛ إنه قوي عزيز .
المشاهدات 2619 | التعليقات 1

جزاكم الله كل خير