إثم القاتلِ عمدًا وعِظَمُ أجرِ من عفا-8-7-1437هـ
محمد بن سامر
1437/07/08 - 2016/04/15 16:06PM
[align=justify] أما بعد: فقدْ حرَّمَ الإسلامُ القتلَ وسفكَ الدماءِ بغيرِ حقٍ، وعظَّم عقوبةَ ذلكَ أشدَّ التعظيمِ؛ فقالَ-سبحانه وتعالى-: [ومنْ يقتلْ مؤمنًا متعمدًا فجزاؤُهُ جهنمُ خالدًا فيها وغضبَ اللهُ عليهِ ولعنَهُ وأعدَّ له عذابًا عظيمًا]، وقال: [والذينَ لا يدعونَ معَ اللهِ إلهًا آخرَ ولا يقتلونَ النفسَ التي حرَّمَ الله ُإلا بالحقِّ]، وقالَ: [ولا تقتلوا النفسَ التي حرَّمَ اللهُ إلا بالحقِّ ذلكمْ وصاكمْ بهِ لعلكمْ تعقلونَ]، وقالَ الرسولُ-صلى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلمَّ-: "لزوالُ الدنيا أهونُ على اللهِ مِن قتلِ امرئٍ مسلمٍ"، وقالَ: "اجتنبوا السبعَ الموبقاتِ..."-الموبقاتُ: الذنوبُ الكبيرةُ العظيمةُ المهلكةُ، وذكرَ منها: "وقتلَ النفسِ التي حرَّمَ اللهُ إلا بالحقِّ"، وقالَ: "ما يزالُ الرجلُ في فُسحةٍ من دينهِ، مالمْ يُصِبْ دمًا حرامًا"، والمعنى أنه مهما عملَ الإنسانُ من عملٍ غيرِ القتلِ العمدِ للنفسِ المعصومةِ، فإن بابَ التوبةِ والرجوعِ والإصلاحِ والتطهيرِ مفتوحٌ، أمَّا القتلُ فلا يستطيعُ القاتلُ إعادةَ روحِ المقتولِ إلى جسدهِ، وقدْ رأى بعضُ أهل العلمِ الكبارِ أنَّ القاتلَ عمدًا ليسَ له توبةٌ.
يتبينُ مما سبقَ عِظَمُ القتلِ العمدِ للنفسِ المعصومةِ، ولذلكَ شرعَ اللهُ لنا القِصاصَ فيه، لردعِ من تحدثُه نفسُه بهِ، وشرعَ الديةَ في القتلِ الخطأِ، وفي القتلِ العمدِ إذا تنازلَ أولياءُ الدمِ عن القصاصِ؛ فقالَ-تعالى-: [ولكم في القصاصِ حياةٌ يا أولي الألبابِ لعلكمْ تتقونَ]، وقالَ: [وكتبنا عليهمْ فيها أنَّ النفسَ بالنفسِ والعَيْنَ بالعَيْنِ والأَنْفَ بالأَنْفِ والأُذُنَ بالأُذُنِ والسِنَّ بالسِنِّ والجروحَ قِصاصٌ]، وقالَ: [يا أيها الذينَ آمنوا كُتِبَ عليكمْ القصاصُ في القتلى الحرُّ بالحُرِّ والعبدُ بالعبدِ والأنثى بالأنثى فمن عُفِيَ له من أخيهِ شيءٌ فاتباعٌ بالمعروفِ وأداءٌ إليهِ بإحسانٍ ذلكَ تخفيفٌ من ربِكم ورحمةٌ...]، قالَ الشيخُ عبدالرحمنُ بن سعدي-رحمه اللهُ- في تفسيرِ هذهِ الآيةِ:" يمتنُ اللهُ-تعالى-على عبادهِ المؤمنينَ بأنه فرضَ عليهم القِصاصَ في القتلى؛ أي المساواةَ فيهِ، وأنْ يُقتلَ القاتلُ على الصفةِ التي قُتِلَ عليها المقتولُ؛ إقامةً للعدلِ والقسطِ بينَ الناسِ"، وقال: "وفي هذه الآيةِ دليلٌ على الأصلَ وجوبُ القَوَدِ في القتلِ-والقَوَدُ: معاقبةُ الجاني بمثلِ ذنبهِ، كالقِصاصِ في القتلِ-ودلَّ على أنَّ الديةَ بدلٌ عنه؛ فلهذا قالَ: [فمن عُفِيَ له من أخيهِ شيءٌ]، أي عفا أولياءُ المقتولِ عن القاتلِ كلُّهم أو بعضُهم؛ فاختاروا الديةَ وتنازلَوا عن القِصاصِ؛ فإنهُ يَسقطُ القِصاصُ وتجبُ الديةُ" انتهى كلامه بتصرفٍ يسيرٍ فيه.
ووردَ أن الرسولَ-صلى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلمَّ-قالَ: "ألا إنَّ قتيلَ الخطأِ قتيلُ السوطِ والعصا، فيه مئةٌ من الإِبِلِ مغلظةٌ، أربعونَ منها في بطونِها أولادُها".
وشرعَ العفوَ عن القِصاصِ في القاتلِ-دونَ ديةٍ-ورغَّب فيه، وبيَّنَ فضلَه؛ فقالَ-تعالى-: [فمن عُفِيَ له من أخيهِ شيءٌ]، وقالَ: [وأنْ تعفو أقربُ للتقوى]، وبيَّنَ أنه يعاملُ عبدَه بالإحسانِ والرحمةِ، إذا أحسنَ العبدُ إلى غيرهِ من خلقِ اللهِ ورحمَهم؛ فقالَ-تعالى-: [فمنْ عفا وأصلحَ فأجرُه على اللهِ]، فلمْ يحددْ حدًا لهذا الأجرِ، لأنه أجرٌ عظيمٌ لا يعلمُه إلا اللهُ، وقالَ: [وإنْ تعفُوا وتصفحُوا وتغفِروا فإنَّ اللهَ غفورٌ رحيمٌ]، وقالَ: [...ولْيعفوا ولْيَصفحُوا ألا تحبونَ أنْ يغفرَ اللهُ لكمْ واللهُ غفورٌ رحيمٌ]، وقال الرسولُ-صلى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلمَّ-: "ما نقصتْ صدقةٌ من مالٍ، وما زادَ اللهُ عبدًا بعفوٍ إلا عزًا، وما تواضعَ أحدٌ للهِ إلا رفعَهُ"، وقال على المنبرِ: "ارحموا تُرحموا، واغفِروا يغفِرِ الله ُ لكمْ"، وقال: "ما من رجلٍ يُجرَحُ في جسدِه جِراحةً فيتصدقُ بها، إلَّا كفَّرَ اللهُ عنه مثلَ ما تصدَّق به".
واعلموا أنَّ من الخيرِ العظيمِ والإحسانِ السعيَ في طلبِ العفوِ من أولياءِ القاتلِ أو إقناعِهم بقبولِ الديةِ، لأنَّ العفوَ من أفضلِ ما يَتقربُ به الإنسانُ إلى اللهِ، ولأنَّه أفضلُ من القِصاصِ إذا لم يترتبْ على ذلك مفسدةٌ، كأنْ يكون القاتلُ فاجرًا معتديًا ظالمًا، يُخشى إذا عُفيَ عنه أن يتمادى في فجورِه واعتدائِه وظلمِه، فهذا قتلُه أفضلُ من العفوِ عنه أو قبولِ الديةِ فيه.
أما بعدُ: فإنه لا يجوزُ الزيادةُ على الديةِ المحددةِ شرعًا وهي مئةٌ وعشرونَ من الإبل الوسطِ لا الغاليةِ ولا الرخيصةِ، أو ما يعادلُها من المالِ، فقدْ وردَ أنَّ الرسولَ-صلى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلمَّ-قالَ: "من أُصيبَ بقتلٍ أو خبلٍ فإنهُ يجبُ إحدى ثلاثٍ: إمَّا أن يقتصَ، وإمَّا أنْ يعفو، وإمَّا أنْ يأخذَ الديةَ، فإنْ أرادَ الرابعةَ فخذوا علي يديهِ، ومن اعتدى بعدَ ذلكَ فله عذابٌ أليمٌ"، والرابعةُ هنا الزيادةُ في القتلِ بقتلِ القاتلِ وغيرِه ممن لا ذنبِ له-كما يقع في بعض المجتمعاتِ العربية-أو الزيادةُ في الديةِ عما شرعهُ اللهُ.
وعن وائلِ بنِ حُجرٍ-رضيَ اللهُ عنهُ-قال: "كُنتُ عندَ النبيِّ-صلى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلمَّ-إذْ جيءَ برجلٍ قاتلٍ في عُنُقِه النِّسْعةُ-والنِّسْعةُ سَيرٌ مضفورٌ من الجلدِ يُربطُ به-،قالَ: فدعا وليَّ المقتولِ فقالَ: أتعفو؟ قال: لا، قالَ: أفتأخذُ الديةَ؟ قال: لا، قالَ: أفتقتلُ؟-يعني أتطلبُ مني أن أقتلَه؟-، قالَ: نعمْ، قالَ: اذهبْ به-يعني: قدْه لنقتله-"، ثم أعادَ عليه الكلامَ ثلاثَ مراتٍ، وهو لا يريدُ سوى القتلِ-فلما أعادَ عليه الكلامَ في المرةِ الرابعةِ قالَ: "أمَا إنَّك إنْ عفوتَ عنهُ يبوءُ بإثمِه وإثمِ صاحبِه-يعني: يجازيه اللهُ بقتلهِ جزاءً عادلًا مساويًا لإثمه وإثمِ المقتولِ، قالَ وائلٌ: فعفا عنهُ، أنا رأيتُه يجرُ النِّسْعةُ"، فخيَّر الرسولُ-صلى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلمَّ-أولياءَ الدمِ بين ثلاثةِ أمورٍ فقط: العفوِ أو الديةِ المعروفةِ المحددة ِ شرعًا أو القِصاصِ، ولم يُصلحْ بينهم على غير هذا، فدلَّ على أنَّ الزيادةَ في قتلِ غير القاتلِ أو الزيادةَ في الديةِ غيرُ جائزٍ، وأنَّ ما يفعلُه بعضُ أولياءِ الدمِ، من المبالغةِ في طلبِ الديةٍ مقابلَ العفوِ عن القاتلِ، تزيدُ عن الديةِ المحددةِ في الإسلامِ بمراتٍ كثيرةٍ، تصلُ إلى الملايينِ أو عشراتِ الملايينِ، فهو مخالفٌ لشرعِ اللهِ، لأنَّ فيه إرهاقٌ لأسرةِ القاتلِ وأقاربِه وجماعتِه، يصلُ إلى حدِ التعجيزِ والمستحيلِ، مما يجعلُهم يشحذون الناسَ فيُذِلُّونَ أنفسهُم، وفيه فتحٌ لبابِ الشرِ بالمتاجرةِ بدماءِ الناسِ والوساطةِ في ذلكِ، وفيه تطميعٌ كثيرٌ للناسِ، يُنسيهُم العفوَ الحقيقيَ، الذي يكونُ بشيمةٍ وشهامةٍ ورجولةٍ، وطلبِ الأجرِ العظيمِ من اللهِ، الذي يدومُ ويبقى عندَه-سبحانهُ-، العفوَ الصادقَ الذي لا يكونُ من أجلِ دنيا زائلةٍ، أو مظاهرَ مزيفةٍ، وفي المبالغةِ في الديةِ فرقةٌ وقطيعةٌ بين أولياءِ الدمِ لاختلافهمْ في المبلغِ المطلوبِ، وإذا رضيَ بعضُهم به، أسقطَ حقَّ غيرهِ من الورثةِ في القِصاصِ، واكتفوا بنصيبِهم من الديةِ المحددةِ الشرعيةِ، وفي المبالغةِ في الديةِ نشرٌ لجمعِ التبرعاتِ العشوائيةِ، وظهورٌ لسماسرةِ الصلحِ الذينَ يَفرضونَ الصلحَ مقابلَ نسبةٍ لهم.
[/align]
يتبينُ مما سبقَ عِظَمُ القتلِ العمدِ للنفسِ المعصومةِ، ولذلكَ شرعَ اللهُ لنا القِصاصَ فيه، لردعِ من تحدثُه نفسُه بهِ، وشرعَ الديةَ في القتلِ الخطأِ، وفي القتلِ العمدِ إذا تنازلَ أولياءُ الدمِ عن القصاصِ؛ فقالَ-تعالى-: [ولكم في القصاصِ حياةٌ يا أولي الألبابِ لعلكمْ تتقونَ]، وقالَ: [وكتبنا عليهمْ فيها أنَّ النفسَ بالنفسِ والعَيْنَ بالعَيْنِ والأَنْفَ بالأَنْفِ والأُذُنَ بالأُذُنِ والسِنَّ بالسِنِّ والجروحَ قِصاصٌ]، وقالَ: [يا أيها الذينَ آمنوا كُتِبَ عليكمْ القصاصُ في القتلى الحرُّ بالحُرِّ والعبدُ بالعبدِ والأنثى بالأنثى فمن عُفِيَ له من أخيهِ شيءٌ فاتباعٌ بالمعروفِ وأداءٌ إليهِ بإحسانٍ ذلكَ تخفيفٌ من ربِكم ورحمةٌ...]، قالَ الشيخُ عبدالرحمنُ بن سعدي-رحمه اللهُ- في تفسيرِ هذهِ الآيةِ:" يمتنُ اللهُ-تعالى-على عبادهِ المؤمنينَ بأنه فرضَ عليهم القِصاصَ في القتلى؛ أي المساواةَ فيهِ، وأنْ يُقتلَ القاتلُ على الصفةِ التي قُتِلَ عليها المقتولُ؛ إقامةً للعدلِ والقسطِ بينَ الناسِ"، وقال: "وفي هذه الآيةِ دليلٌ على الأصلَ وجوبُ القَوَدِ في القتلِ-والقَوَدُ: معاقبةُ الجاني بمثلِ ذنبهِ، كالقِصاصِ في القتلِ-ودلَّ على أنَّ الديةَ بدلٌ عنه؛ فلهذا قالَ: [فمن عُفِيَ له من أخيهِ شيءٌ]، أي عفا أولياءُ المقتولِ عن القاتلِ كلُّهم أو بعضُهم؛ فاختاروا الديةَ وتنازلَوا عن القِصاصِ؛ فإنهُ يَسقطُ القِصاصُ وتجبُ الديةُ" انتهى كلامه بتصرفٍ يسيرٍ فيه.
ووردَ أن الرسولَ-صلى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلمَّ-قالَ: "ألا إنَّ قتيلَ الخطأِ قتيلُ السوطِ والعصا، فيه مئةٌ من الإِبِلِ مغلظةٌ، أربعونَ منها في بطونِها أولادُها".
وشرعَ العفوَ عن القِصاصِ في القاتلِ-دونَ ديةٍ-ورغَّب فيه، وبيَّنَ فضلَه؛ فقالَ-تعالى-: [فمن عُفِيَ له من أخيهِ شيءٌ]، وقالَ: [وأنْ تعفو أقربُ للتقوى]، وبيَّنَ أنه يعاملُ عبدَه بالإحسانِ والرحمةِ، إذا أحسنَ العبدُ إلى غيرهِ من خلقِ اللهِ ورحمَهم؛ فقالَ-تعالى-: [فمنْ عفا وأصلحَ فأجرُه على اللهِ]، فلمْ يحددْ حدًا لهذا الأجرِ، لأنه أجرٌ عظيمٌ لا يعلمُه إلا اللهُ، وقالَ: [وإنْ تعفُوا وتصفحُوا وتغفِروا فإنَّ اللهَ غفورٌ رحيمٌ]، وقالَ: [...ولْيعفوا ولْيَصفحُوا ألا تحبونَ أنْ يغفرَ اللهُ لكمْ واللهُ غفورٌ رحيمٌ]، وقال الرسولُ-صلى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلمَّ-: "ما نقصتْ صدقةٌ من مالٍ، وما زادَ اللهُ عبدًا بعفوٍ إلا عزًا، وما تواضعَ أحدٌ للهِ إلا رفعَهُ"، وقال على المنبرِ: "ارحموا تُرحموا، واغفِروا يغفِرِ الله ُ لكمْ"، وقال: "ما من رجلٍ يُجرَحُ في جسدِه جِراحةً فيتصدقُ بها، إلَّا كفَّرَ اللهُ عنه مثلَ ما تصدَّق به".
واعلموا أنَّ من الخيرِ العظيمِ والإحسانِ السعيَ في طلبِ العفوِ من أولياءِ القاتلِ أو إقناعِهم بقبولِ الديةِ، لأنَّ العفوَ من أفضلِ ما يَتقربُ به الإنسانُ إلى اللهِ، ولأنَّه أفضلُ من القِصاصِ إذا لم يترتبْ على ذلك مفسدةٌ، كأنْ يكون القاتلُ فاجرًا معتديًا ظالمًا، يُخشى إذا عُفيَ عنه أن يتمادى في فجورِه واعتدائِه وظلمِه، فهذا قتلُه أفضلُ من العفوِ عنه أو قبولِ الديةِ فيه.
الخطبة الثانية
وعن وائلِ بنِ حُجرٍ-رضيَ اللهُ عنهُ-قال: "كُنتُ عندَ النبيِّ-صلى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلمَّ-إذْ جيءَ برجلٍ قاتلٍ في عُنُقِه النِّسْعةُ-والنِّسْعةُ سَيرٌ مضفورٌ من الجلدِ يُربطُ به-،قالَ: فدعا وليَّ المقتولِ فقالَ: أتعفو؟ قال: لا، قالَ: أفتأخذُ الديةَ؟ قال: لا، قالَ: أفتقتلُ؟-يعني أتطلبُ مني أن أقتلَه؟-، قالَ: نعمْ، قالَ: اذهبْ به-يعني: قدْه لنقتله-"، ثم أعادَ عليه الكلامَ ثلاثَ مراتٍ، وهو لا يريدُ سوى القتلِ-فلما أعادَ عليه الكلامَ في المرةِ الرابعةِ قالَ: "أمَا إنَّك إنْ عفوتَ عنهُ يبوءُ بإثمِه وإثمِ صاحبِه-يعني: يجازيه اللهُ بقتلهِ جزاءً عادلًا مساويًا لإثمه وإثمِ المقتولِ، قالَ وائلٌ: فعفا عنهُ، أنا رأيتُه يجرُ النِّسْعةُ"، فخيَّر الرسولُ-صلى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلمَّ-أولياءَ الدمِ بين ثلاثةِ أمورٍ فقط: العفوِ أو الديةِ المعروفةِ المحددة ِ شرعًا أو القِصاصِ، ولم يُصلحْ بينهم على غير هذا، فدلَّ على أنَّ الزيادةَ في قتلِ غير القاتلِ أو الزيادةَ في الديةِ غيرُ جائزٍ، وأنَّ ما يفعلُه بعضُ أولياءِ الدمِ، من المبالغةِ في طلبِ الديةٍ مقابلَ العفوِ عن القاتلِ، تزيدُ عن الديةِ المحددةِ في الإسلامِ بمراتٍ كثيرةٍ، تصلُ إلى الملايينِ أو عشراتِ الملايينِ، فهو مخالفٌ لشرعِ اللهِ، لأنَّ فيه إرهاقٌ لأسرةِ القاتلِ وأقاربِه وجماعتِه، يصلُ إلى حدِ التعجيزِ والمستحيلِ، مما يجعلُهم يشحذون الناسَ فيُذِلُّونَ أنفسهُم، وفيه فتحٌ لبابِ الشرِ بالمتاجرةِ بدماءِ الناسِ والوساطةِ في ذلكِ، وفيه تطميعٌ كثيرٌ للناسِ، يُنسيهُم العفوَ الحقيقيَ، الذي يكونُ بشيمةٍ وشهامةٍ ورجولةٍ، وطلبِ الأجرِ العظيمِ من اللهِ، الذي يدومُ ويبقى عندَه-سبحانهُ-، العفوَ الصادقَ الذي لا يكونُ من أجلِ دنيا زائلةٍ، أو مظاهرَ مزيفةٍ، وفي المبالغةِ في الديةِ فرقةٌ وقطيعةٌ بين أولياءِ الدمِ لاختلافهمْ في المبلغِ المطلوبِ، وإذا رضيَ بعضُهم به، أسقطَ حقَّ غيرهِ من الورثةِ في القِصاصِ، واكتفوا بنصيبِهم من الديةِ المحددةِ الشرعيةِ، وفي المبالغةِ في الديةِ نشرٌ لجمعِ التبرعاتِ العشوائيةِ، وظهورٌ لسماسرةِ الصلحِ الذينَ يَفرضونَ الصلحَ مقابلَ نسبةٍ لهم.
[/align]
المرفقات
إثم القاتلِ عمدًا وعِظَمُ أجر من عفا-8-7-1437ه.docx
إثم القاتلِ عمدًا وعِظَمُ أجر من عفا-8-7-1437ه.docx
إثم القاتلِ عمدًا وعِظَمُ أجر من عفا-8-7-1437ه.pdf
إثم القاتلِ عمدًا وعِظَمُ أجر من عفا-8-7-1437ه.pdf