إثبات أن الكسوف تخويف بسبب الذنوب

إثبات أن الكسوف تخويف بسبب الذنوب

مناقشة لرأي القرضاوي والمسند في الكسوف

إبراهيم بن محمد الحقيل

الحمد الله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين..
(اللهم رَبَّ جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَإِسْرَافِيلَ فَاطِرَ السماوات وَالأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أنت تَحْكُمُ بين عِبَادِكَ فِيمَا كَانُوا فيه يَخْتَلِفُونَ أهدنا لِمَا اخْتَلَفْتُ فيه مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِكَ انك تَهْدِى من تَشَاءُ إلى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)

أما بعد:فإن من تعظيم الله تعالى وإجلاله تعظيم شريعته، والوقوف عند نصوصها، والحذر من تغيير معانيها إذا لم توافق الأهواء، أو لم تدركها العقول، أو انقدح في الأذهان ما قد يبدو من تعارض بينها وبين العلوم الأخرى، والتسليم المطلق للشريعة، والإذعان لنصوصها، وتجريد المتابعة لمبلغها عليه الصلاة والسلام [وَأَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا البَلَاغُ المُبِينُ] {المائدة:92}.
وقد وقفت على كلام لفضيلة الشيخ الداعية: يوسف القرضاوي سدده الله تعالى ينفي فيه أن يكون الكسوف لأجل التخويف، ثم على كلام لسعادة الدكتور: عبد الله المسند سدده الله تعالى ينفي فيه علاقة الكسوف بالذنوب، وفي ظني أن الأخوين الكريمين قد أخطئا فيما قالا، وتكلّفا في ردِّ معاني النصوص بسبب توهم انقدح في ذهنيهما، فجعلاه حاكماً في هذه القضية؛ مما أدى إلى تعطيل كثير من الأحاديث الواردة في الكسوف، وإفراغ هذه الآية الكونية العظيمة من المعاني البليغة التي قصدها الشارع الحكيم جل وعلا حين شرع صلاة الكسوف لها، والكلام على ما أخطئا فيه أرتبه في جوانب:
الجانب الأول: نفي التخويف بالكسوف، فقد شكك الشيخ القرضاوي في ثبوت جملة «يخوف الله تعالى بهما عباده» التي وردت في حديث الكسوففقال: وفي ثبوت هذه الزيادة كلام أشار إليه الإمام البخاري نفسه.... إلى أن قال: وكثير من أئمة الحديث يرفض مثل هذه الرواية التي يخالف فيها الراوي من هم أوثق منه أو أكثر عددًا، وتوصف هذه الزيادة حينئذ بالشذوذ، فتخرج عن حد الحديث الصحيح . وهنا يلتقط المشككون هذه الكلمة وأمثالها «يخوف الله بهما عباده» أو «ادعوا الله وصلوا حتى ينجلي» ليقولوا: مم التخويف ؟ ولماذا الدعاء؟ لماذا الصلاة؟ والكسوف أمر طبيعي؟
والجواب عما ذكره من أوجه:
أولاً: أن القرضاوي يريد تضعيف جملة «يخوف الله بهما عباده» في حديث أبي بكرة رضي الله عنه([1])؛ لأنها هي الطريق التي تكلم عليها البخاري، وأشار إليها القرضاوي.
والظاهر ثبوتها؛ لأن هذه الرواية يرويها الحسن عن أبي بكرة، وعن الحسن رواها أشعث ومبارك ويونس، فذكرها الأولان، وأما يونس فاختلف عليه: فذكرها بعض تلامذته وسكت عنها آخرون، وعليه فتقدم رواية الاثنين على الواحد، هذا إذا سلمنا بأن الصحيح من رواية يونس عدم ذكرها.
ثانياً:لو سلمنا -تنزلاً- بشذوذها في حديث أبي بكرة رضي الله عنه، فإنها ثابتة من طرق أخرى عن غير أبي بكرة:
1-فرواها البخاري من حديث أبي موسى رضي الله عنه موصولة([2])، ومعلقة بصيغة الجزم قد بوب بها.([3])
2- ورواها مسلم من حديث عائشة رضي الله عنها.([4])
3- ورواها مسلم من حديث أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه.([5])
ثالثاً: أن مبنى نفي الشيخ القرضاوي كون الكسوف تخويفاً ردّ رواية:«يخوف الله بهما عباده» رغم ثبوتها عن أربعة من الصحابة رضي الله عنهم، ولو تنزّلنا لما ذكر فإنها ليست الدليل الوحيد على ثبوت التخويف بالكسوف، إذ دل على ذلك أدلة منها:
1- قوله صلى الله عليه وسلم:«إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ فإذا رَأَيْتُمُوهُمَا فَصَلُّوا وَادْعُوا حتى يُكْشَفَ ما بِكُمْ»([6])وفي رواية:«فإذا رأيتموهما فادعوا الله وصلوا حتى ينجلي» ([7])وفي رواية:«فَافْزَعُوا إلى الصَّلَاةِ».([8])
وفي ما يُعمل عند حدوث الكسوف من عبادات متنوعة طلبٌ من الله تعالى أن يكشفه، وإذا كان الكسوف لا يوجب الخوف فلماذا جُعلت غاية هذه العبادات كشفه وانجلاءه؟!
2- قوله صلى الله عليه وسلم:«إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَا يَخْسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ ولا لِحَيَاتِهِ وَلَكِنَّهُمَا آيَتَانِ من آيَاتِ الله يُرِيهِمَا عِبَادَهُ»([9])وفي رواية:«هذه الْآيَاتُ التي يُرْسِلُ الله لَا تَكُونُ لِمَوْتِ أَحَدٍ ولا لِحَيَاتِهِ»([10])فهذا نص صريح على أن كسوف الشمس وخسوف القمر آيتان، ولذلك تسمى صلاة الكسوف صلاة الآيات([11])، كما سماها بذلك ابن عباس وعائشة([12])وعبد الله بن عمرو([13])رضي الله عنهم، وبوّب بذلك ابن حبان([14])وقد قال الله تعالى: [وَمَا نُرْسِلُ بِالآَيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا] {الإسراء:59} فإذا جمعنا بين الآية القرآنية، وبين كون الكسوف والخسوف آيتين كونيتين أرسلهما الله تعالى للعباد بنص الحديث؛ تبين أن التخويف من حِكم الكسوف والخسوف المنصوص عليها، فلا مجال لردها.
3- فزع النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث أبي مُوسَى رضي الله عنه قال:«خَسَفَتْ الشَّمْسُ في زَمَنِ النبي صلى الله عليه وسلم فَقَامَ فَزِعًا يَخْشَى أَنْ تَكُونَ السَّاعَةُ»([15])والفزع له موجب وهو خوف العذاب الذي سببه العصيان.
ومن مظاهر فزعه عليه الصلاة والسلام:
أ- أنه أسرع إلى الصلاة، قال أبو بَكْرَةَ رضي الله عنه:«خَسَفَتْ الشَّمْسُ وَنَحْنُ عِنْدَ النبي صلى الله عليه وسلم فَقَامَ يَجُرُّ ثَوْبَهُ مُسْتَعْجِلًا»([16])قال ابن رجب رحمه الله تعالى:«لأنه قام عجلاً دهشاً»([17])ومعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم يحب الأناة ويدعو إليها وقد تخلق بها، فلولا وجود ما يستوجب العجلة لما عجل، وقد نقل الرواة صلاته في العيد والاستسقاء وغيرها، وما ذكروا أنه استعجل فيها، أو فزع لها.
ب- أنه صلى الله عليه وسلم أخطأ فلبس رداء بعض نسائه، وهذا يدل على اشتغال فكره بهذا الأمر العظيم، واستعجاله في رفعه بالعبادة، قالت أَسْمَاءَ رضي الله عنها:«كَسَفَتْ الشَّمْسُ على عَهْدِ النبي صلى الله عليه وسلم فَفَزِعَ فَأَخْطَأَ بِدِرْعٍ حتى أُدْرِكَ بِرِدَائِهِ بَعْدَ ذلك»([18]) قال القاضي عياض رحمه الله تعالى:«أي: أنه لاستعجاله غلط في ثوبه واختلط عليه بغيره فليس درعاً لبعض نسائه وهو القميص»([19]) وقال النووي رحمه الله تعالى:«معناه أنه لشدة سرعته واهتمامه بذلك أراد أن يأخذ رداءه فأخذ درع بعض أهل البيت سهواً ولم يعلم ذلك؛ لاشتغال قلبه بأمر الكسوف، فلما علم أهل البيت أنه ترك رداءه لحقه به إنسان».([20])
ت- أنه أطال الصلاة طولاً غير معهود، وهو الذي يخفف الصلاة، ويأمر بتخفيفها، لولا أن هذا الأمر عظيم يستوجب الطول ويحتاج العباد إلى رفعه، قال ابن عباس رضي الله عنهما:«فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلًا نَحْوًا من قِرَاءَةِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ»([21])وقال جابر رضي الله عنه:«فَأَطَالَ الْقِيَامَ حتى جَعَلُوا يَخِرُّونَ»([22])وقالت أَسْمَاءَ رضي الله عنهما:«فَقُمْتُ حتى تَجَلَّانِي الْغَشْيُ فَجَعَلْتُ أَصُبُّ فَوْقَ رَأْسِي الْمَاءَ»([23])وفي رواية قالت:«فَقُمْتُ معه فَأَطَالَ الْقِيَامَ حتى رَأَيْتُنِي أُرِيدُ أَنْ أَجْلِسَ ثُمَّ أَلْتَفِتُ إلى الْمَرْأَةِ الضَّعِيفَةِ فَأَقُولُ هذه أَضْعَفُ مِنِّي فَأَقُومُ، فَرَكَعَ فَأَطَالَ الرُّكُوعَ ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَأَطَالَ الْقِيَامَ حتى لو أَنَّ رَجُلًا جاء خُيِّلَ إليه أَنَّهُ لم يَرْكَعْ».([24])
ث- قوله صلى الله عليه وسلم:«فإذا رَأَيْتُمْ ذلك فَادْعُوا اللَّهَ وَكَبِّرُوا وَصَلُّوا وَتَصَدَّقُوا»([25]) وفي رواية:«فإذا رَأَيْتُمْ شيئاً من ذلك فَافْزَعُوا إلى ذِكْرِهِ وَدُعَائِهِ وَاسْتِغْفَارِهِ».([26])
وهذه العبادات العظيمة هي في مواجهة الأمر العظيم، فالتكبير يشرع في المواطن الكبار، وعند الخوف ومواجهة الأعداء للربط على القلوب وتثبيتها. والصلاة طمأنينة واسترواح من الهم والغم؛ ولذا كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر صلى، والصدقة تطفئ غضب الرب، وتدفع نقمته، والاستغفار يرفع العذاب كما في قوله تعالى [وَمَا كَانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ] {الأنفال:33} والدعاء ينفع مما نزل وما لم ينزل؛ فمن تأمل أمر النبي صلى الله عليه وسلم في حال الكسوف بالصلاة والتكبير والصدقة والدعاء والاستغفار، والاستمرار على ذلك حتى ينجلي علم أن هذا الأمر مخوف، خلافاً لمن ينفي ذلك.
وبهذا يتبين أن ما حصل للنبي عليه الصلاة والسلام من الخوف في حادثة الكسوف متواتر تواتراً معنوياً، ولو كان هذا الخوف اجتهاداً خاطئاً من النبي عليه الصلاة والسلام لما أقره الله تعالى عليه، بل لنهاه عنه كما نهاه عن الحزن على المشركين، والضيق بما يقولون، وكما نهى سبحانه وتعالى موسى عليه السلام عن الخوف في قصته مع السحرة، فإذا استحضرنا أمر الاقتداء به عليه الصلاة والسلام: تعيّن مشروعية الخوف عند الكسوف.
وبهذا يُرد على ما قد يُسره بعضهم ويعلنه آخرون من احتمال كون النبي عليه الصلاة والسلام خاف كل هذا الخوف؛ لأنه لم يعلم أن الكسوف ظاهرة كونية اعتيادية؛ إذ الجواب عليهم: أن الله تعالى قد علم ذلك وقدّره، وأقرّ نبيه صلى الله عليه وسلم على الخوف بسببه، وعلى كل ما صدر عنه من تشريعات في شأن الكسوف.
الجانب الثاني: قال الشيخ القرضاوي وفقه الله تعالى: ولم يرد فيما اتفقت عليه الروايات الصحيحة أن هذا الكسوف كان نتيجة لغضب من الله على الناس. كيف، وقد حدث ذلك بعد أن جاء نصر الله والفتح ودخل الناس في دين الله أفواجًا، وانتشر نور الإسلام في كل ناحية من جزيرة العرب، فلو كان الكسوف يحدث من غضب الله لحدث ذلك في العهد المكي، حين كان الرسول وأصحابه يقاسون أشد ألوان العنت والاضطهاد والإيذاء، وحين أخرجوا من ديارهم وأموالهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله.....اهـ
والجواب عن ذلك من أوجه ثلاثة:
الأول: أن من لازم هذا القول أن التخويف لا يكون إلا بالكسوف فقط، وهذا لم يقل به أحد، وقد أخاف الله تعالى كفار مكة بآيات كثيرة ذكرها العلماء في دلائل النبوة، وإذا كان ذلك كذلك بطل هذا اللازم في كون التخويف بالكسوف وقع في العهد المدني، ولم يقع في العهد المكي.
الثاني: أن الله تعالى قضى بأن تنزل صلاة الكسوف في آخر حياة النبي صلى الله عليه وسلم حين تظهر العقيدة، ويجرد التوحيد؛ ذلك أن صلاة الكسوف من العبادات العملية، وكثير منها تأخر تشريعها.
الثالث: إما أن يكون التخويف بالكسوف عاماً للمؤمنين والمشركين، وإما أن يكون خاصاً بالمؤمنين؛ لأنهم هم أهل الصلاة والعبادة:
فإن كان عاماً فمعلوم أن أهل مكة كانوا مستكبرين، وقد كذبوا النبي صلى الله عليه وسلم وهو بينهم، وحاربوا أتباعه، قال الله تعالى فيهم [وَإِذْ قَالُوا اللهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ] {الأنفال:32} ومن كان هذا دعاؤهم فلن تنفع فيهم آيات التخويف؛ ولذا قال الله تعالى فيهم [وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آَيَةٍ مِنْ آَيَاتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ] {الأنعام:4}وقد حقّ عليهم العذاب لولا أن النبي صلى الله عليه وسلم لما خيّره ربه سبحانه فيهم اختار إمهالهم وقال:«بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ الله من أَصْلَابِهِمْ من يَعْبُدُ الله وَحْدَهُ لَا يُشْرِكُ بِهِ شيئاً»([27])
وإن كان خاصاً بالمؤمنين فالصواب أن حالهم في أول الإسلام كان أحسن من حالهم في آخر حياة النبي صلى الله عليه وسلم؛ حيث الثبات والصبر على أذى المشركين، وضعف النصير من الناس، وقلة ذات اليد، والهجرتان إلى الحبشة ثم إلى المدينة؛ ولذلك أثنى الله تعالى على السابقين منهم، ومنزلة أهل بدر ليست كمنزلة من بعدهم، ومن جاهد قبل الفتح وأنفق ليس كمن جاهد بعده وأنفق. بل إن النبي صلى الله عليه وسلم لما اتسعت الدنيا على أصحابه في آخر حياته بسبب الفتوح حذرهم من زينتها، وخافها عليهم، فيكون مسوغ التخويف في آخر حياة النبي صلى الله عليه وسلم أولى منه في أول الدعوة بهذا الاعتبار، ولا سيما أن الفتوح اتسعت بعد ذلك اتساعاً كبيراً.
الجانب الثالث: قال الشيخ القرضاوي وفقه الله تعالى: وبهذا يتضح لنا أن ما شرعه الإسلام من صلاة ودعاء وذكر لله عند انكساف الشمس والقمر لا يعني بالضرورة أن الكسوف نتيجة لغضب من الله تعالى، وأن الصلاة لرفع هذا الغضب، وإن فُهم ذلك من كلام بعض العلماء ممن فسر هذه الظاهرة الكونية، حسبما انتهى إليها علمه في زمنه، ولكن أفهام العلماء - وخصوصاً في مثل هذه الأمور - ليست حجة على الدين، فالدين إنما يؤخذ من كتاب الله، وما بينه من سنة نبيه، وما عدا ذلك فكل واحد يؤخذ من كلامه ويترك.اهـ
والجواب عن ذلك من جهين:
الأول: دل القرآن على أن إرسال الآيات هو للتخويف، ودلت السنة على أن الكسوف من الآيات، والنتيجة: أن الكسوف من آيات التخويف، فوجب على من يدعو للكتاب والسنة محتجاً بهما في طرح كلام العلماء السابقين أن يأخذ بهما.
الثاني: أن نفي التخويف في الكسوف والخسوف لا يستند لا إلى الكتاب ولا إلى السنة، بل النصوص على خلافه، وإنما ألجأ إلى الوقوع فيه توهم أن انتظام الكسوف والخسوف، ومعرفة الفلكيين له تنافي التخويف به، وليس كذلك، وسيأتي بيان ذلك لاحقاً.
الجانب الرابع: قال الدكتور المسند حفظه الله تعالى: سادت بعض من المفاهيم الخاطئة ومنها:
أولاً: الاعتقاد بأنه ليس للكسوف والخسوف دورة ثابتة!
ثانياً: الاعتقاد بأنه بالإمكان أن يحدث الكسوف في أي وقت من الشهر وأنه غير مرتبط بوقت الاستسرار!!، وأيضاً أن الخسوف ربما يقع في أي ليلة من الشهر وأنه غير مرتبط بليالي الإبدار!!.
ثالثاً: الاعتقاد بأن هناك علاقة ارتباطية بين حوادث الكسوف والخسوف من جهة والمعاصي والفتن من جهة أخرى!!.
والمشكلة تكمن في أن هذه المفاهيم الثلاثة تُربط بالشريعة!! وبصورة تُحمل النصوص مالا تحتمل، وتأصل مفاهيم غير صحيحة، وتنسب إلى الشريعة ما ليس منها وهي بريئة منها.اهـ
والجواب عن ذلك:
أما المفهومان الأولان فصحيحان من جهة أن الكسوف والخسوف له دورة ثابتة، وأنه لا يحدث في أي وقت من الشهر، وإنما في الاستسرار والإبدار، وهما غلط من جهة تصوير أن هذا الاعتقاد سائد عند أهل العلم؛ فإن علماء الشريعة يثبتون انتظام دورة الكسوف والخسوف، وإمكان معرفتهما بالحساب ويردون على من ينفي ذلك، ومع ذلك يثبتون أنها آيات تخويف. قال شيخ الإسلام ابن تيمية:«وكسوف الشمس إنما يكون وقت استسرار القمر آخر الشهر، وخسوف القمر إنما يكون ليالي الإبدار: الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر، كما أن الهلال قد يكون ليلة الثلاثين أو الحادي والثلاثين هذا الذي أجرى الله به عادته في حركات الشمس والقمر ».([28]) وقال ابن القيم رحمه الله تعالى:«فلا يكون انكسافهما سبباً لموت ميت ولا لحياة حي، وإنما ذلك تخويف من الله لعباده أجرى العادة بحصوله في أوقات معلومة بالحساب كطلوع الهلال وإبداره وسراره».([29]) وقال ابن دقيق العيد رحمه الله تعالى:«ربما يعتقد بعضهم أن الذي يذكره أهل الحساب ينافي قوله «يخوف الله بهما عباده» وليس بشيء؛ لأن لله أفعالاً على حسب العادة، وأفعالاً خارجة عن ذلك، وقدرته حاكمة على كل سبب، فله أن يقتطع ما يشاء من الأسباب والمسببات بعضها عن بعض، وإذا ثبت ذلك فالعلماء بالله لقوة اعتقادهم في عموم قدرته على خرق العادة، وأنه يفعل ما يشاء إذا وقع شيء غريب؛ حدث عندهم الخوف لقوة ذلك الاعتقاد، وذلك لا يمنع أن يكون هناك أسباب تجري عليها العادة إلى أن يشاء الله خرقها».([30])
فهاهم أولاء علماء الأمة يقررون ذلك قبل حضارتنا المعاصرة بقرون كثيرة، ويذكرون أن الكسوف والخسوف لا يكون في غير وقته المعتاد المعلوم بالحساب، فصنيع الدكتور المسند بأن هذه المفاهيم الخاطئة سائدة غلط، وكأنه يصور أهل العلم في وقتنا يقولون به، وعامتهم لا يقول بذلك، وهذه فتاواهم ودروسهم وكتبهم منشورة، يقرون فيها بأن الكسوف والخسوف لا يكون إلا وقت الاستسرار والإبدار، كما يقرون بمعرفة أهل الحساب له، وأرجو أن لا يكون الدكتور المسند قد قصد بإيراده هذا قبل ذكره ارتباط الكسوف بالذنوب تجهيل أهل العلم بأمر يعلمه الناس وهو معرفة وقت الكسوف بالحساب، ثم جرهم إلى أمر لا يعلمونه وهو نفي علاقته بالذنوب، فيكون هذا الصنيع من قبيل التدليس والخداع.
الجانب الخامس: أن المفهوم الذي ذكره الدكتور المسند ضمن المفاهيم الخاطئة السائدة هو: الاعتقاد بأن هناك علاقة ارتباطية بين حوادث الكسوف والخسوف من جهة والمعاصي والفتن من جهة أخرى! ثم أكد ذلك بقوله: (بعض) الفضلاء من الفقهاء والعلماء -غفر الله لهم جميعاًـ يربطون بين حوادث الكسوف والخسوف وجوداً وعدماً كثرة وقلة بالمعاصي والفتن!! ثم ذكر أن الربط بين الكسوف والذنوب يترتب عليه مفاهيم خاطئة، أسوقها وأجيب عن كل واحده عقبها، وهي:
أولاً: أن كثرة المعاصي تستدعي كثرة حوادث الكسوف والخسوف، وقلة المعاصي تستوجب قلتها!
وجواب ذلك: أن هذا اللازم فاسد؛ لأنه مبني على أن الكسوف والخسوف هو آية التخويف الوحيدة، ولم يقل به أحد، وهو خلاف قول الله تعالى [وَمَا نُرْسِلُ بِالآَيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا] {الإسراء:59} وقوله تعالى [وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ] {المدَّثر:31} والجنود قد يعذِّبون وقد يخوِّفون، وقد أرسل الله تعالى جملة من الآيات لفرعون وجنده لتخويفهم، فلما لم يخافوا أغرقهم كما قال تعالى [فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالجَرَادَ وَالقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آَيَاتٍ مُفَصَّلَاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ] {الأعراف:133} ثم قال سبحانه بعد ذلك بآيات [فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي اليَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ] {الأعراف:136} فقد تكثر الذنوب ويكون التخويف بالكسوف وغيره، وقد تقل الذنوب ولا يكون التخويف إلا بالكسوف، فيكون أكثر مما قبله، ولله سبحانه الحكمة في آياته.
قال الدكتور: ثانياً: أن حوادث الكسوف والخسوف في هذا العصر أكثر من العصور التي قبله! ثم أكد الدكتور هذا اللازم بقوله: طالع الجدول المرفق والذي يصدق ما ذكره علماء الشرع والفلك أن للكسوف والخسوف دورة معروفة لم تكثر في هذا العصر عما كانت عليه من قبل مع أن المعاصي والفتن في أول القرن الماضي أقل منها في آخر القرن.
وجواب ذلك من وجهين:
الأول: فساد هذا اللازم؛ لأنه مبني على أن الكسوف هو آية التخويف الوحيدة، وقد أجبت سابقاً عن ذلك.
الثاني: أن زعم الدكتور كثرة الذنوب والفتن في هذا القرن بالنسبة للقرن الماضي مع أن الكسوف في القرن الماضي كان أكثر...أقول: هذه مجازفة بشعة لا تقبل من مثله؛ لأنه لا يمكن لأحد أن يحصي الذنوب والفتن في الأرض إلا الله تعالى، فأنى له أن يحكم بذلك، ويُلزم غيره به؟! مع العلم أنه في القرن الماضي وقعت الحربين الكونيتين الأولى(1914م) والثانية(1937م) وقتل فيهما ملايين الناس بلا ذنب اقترفوه، والقتل من أعظم الذنوب، مع ما ترتب على ذلك من التشريد والإفقار، وهتك الأعراض، وقطع السبيل، وخراب العمران في كثير من الدول آنذاك، وكان في القرن الماضي أيضاً الاستعمار البغيض على كثير من بلاد المسلمين، ونشأت فيه دولة المذهب الشيوعي الإلحادي بالثورة البلشفية(1917م) وسقطت الخلافة الإسلامية العثمانية(1924م) واحتل اليهود بيت المقدس(1948م)، وفيه نشأت القومية العربية(1917م) وأسست الأحزاب الاشتراكية والبعثية في بلاد المسلمين (1946م) وظهرت الوجودية الإلحادية(1905) ورسخت كثير من النظريات الإلحادية التي ثبت بطلانها بعد ذلك.
قال الدكتور: ثالثاً: أننا لو افترضنا جدلاً وجود عباد أتقياء أنقياء أصفياء لا يعصون الله ما أمرهم فإن حوادث الكسوف والخسوف تعدم بناءً على المعادلة السابقة!
والجواب عن ذلك: أن هذا افتراض غير صحيح لأنه غير واقع؛ إذ إن الخير والشر، والطاعة والمعصية، والإيمان والكفر باقيان إلى آخر الزمان، وسيأتي مزيد نقض لهذا الإيراد في ذكره للازم الخامس والجواب عنه.
قال الدكتور: رابعاً: أن وقوع الكسوف العظيم يوم وفاة ابن الرسول صلى الله عليه وسلم الموافق 29 شوال من عام 10هـ كان بسبب كثرة الذنوب في المدينة.
قد سبق الجواب عن هذا باستفاضة في مناقشة قول الشيخ القرضاوي، فيراجع هناك.
قال الدكتور: خامساً: ظاهرة الكسوف والخسوف لا تقع في الكواكب والأجرام الأخرى لعدم وجود بشر يذنبون.
والجواب عن ذلك: إنْ صح وقوع الكسوف والخسوف في الكواكب الأخرى فإن هذا الإيراد مبني على أن الغرض الوحيد من ظاهرة الخسوف والكسوف في الكون كله هو التخويف، ولم يقل بهذا الحصر أحد من أهل العلم، ولله تعالى حكم عدة في آياته ومخلوقاته، يعرف الناس بعضها بالنص أو بالاستنباط أو بالتجربة، ويخفى عليهم غيرها، وقد تكون ظاهرة الكسوف والخسوف في الأرض للتخويف فقط، وفي غيرها من الكواكب لحكم أخرى لا نعلمها، وقد تكون في الأرض للتخويف ولغيره من الحكم التي لا يعلمها إلا الله تعالى. بيد أن التخويف منصوص عليه في القرآن والسنة، والدكتور المسند لا ينكره لكن ينكر تعلق هذا التخويف بالذنوب وسيأتي مناقشته في ذلك لاحقاً.
قال الدكتور: سادساً: إبطال ما يعرف بـ (دورة ساروس)([31])والتي ثبت صحتها.
والجواب عن ذلك: أن هذا اللازم غير صحيح؛ لأن جهة الخلق والشرع واحدة، قال الله تعالى [أَلَا لَهُ الخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللهُ رَبُّ العَالَمِينَ] {الأعراف:54} فلو كان مصدر الخلق غير مصدر الشرع لصح هذا اللازم، وكثير ممن أشكل عليهم أمر الكسوف، أشكل عليهم بسبب أنه يُعرف بالحساب، وله دورة ثابتة لا تتخلف كالليل والنهار، وفصول العام، مع إخبار النبي صلى الله عليه وسلم أنه آية يخوف الله تعالى بها عباده، فمنهم من أبطل التخويف، ومنهم من أقره لكن جعل التخويف بلا سبب، ولو تأمل هؤلاء علم الله تعالى المحيط بكل شيء، وقدرته سبحانه على كل شيء؛ لعلموا أنه سبحانه يجري الكسوف والخسوف لتخويف العباد، ولا يخرج ذلك عن دورته الاعتيادية. كما أنه سبحانه وتعالى يجعل الآية الواحدة من آياته الكونية في زمن واحد، ومكان واحد: رحمة لقوم، وابتلاءً لقوم، وعذاباً لقوم، وتخويفاً لقوم، ولا يكون في ذلك تناقض ولا تعارض، وأعجب من ذلك: أنه سبحانه يقلب آية الرحمة كالمطر فيجعلها عذاباً كما عذب به عاداً، وهو الحكيم العليم القدير.
أليس الله تعالى قد علم أعمال العباد قبل أن يخلقهم، وعلم بحوادث الكسوف والخسوف قبل خلق الشمس والقمر، وقدّر ذلك كله وكتبه عنده؟! فما المانع عقلاً أن يجعل سبحانه الكسوف في دورته المعتادة عند كثرة ذنوب العباد؟! على أننا ذكرنا من قبل أن الكسوف ليس هو آية التخويف الوحيدة.
فإن قيل: لا يمنع العقل ذلك، لكن نحتاج إلى دليل شرعي يدل عليه.
فالجواب: أنه قد دل الدليل على أن من حِكم الكسوف والخسوف التخويف، فلا يُعدل عن ذلك لمجرد توهم تعارضه مع الدورة الكونية لحركة الأرض والشمس والقمر.
ثم قال الدكتور المسند: هذه جملة من اللوازم (المنكرة والعجيبة) تلزم من يقول بالارتباط بين الذنوب وحوادث الكسوف والخسوف.اهـ
قلت: تم الجواب عنها بحمد الله تعالى، وتبين فساد هذه اللوازم، والله تعالى أعلم.
الجانب السادس: أن الدكتور المسند يثبت التخويف بالكسوف والخسوف، ولكنه ينفي ارتباط ذلك بالذنوب؛ فيقول حفظه الله تعالى: ونبينا صلى الله عليه وسلم نفى أن يكون موت ابنه إبراهيم سبب الكسوف آنذاك، وفي الوقت نفسه لم يربط الكسوف بذنوب ومعاصي الناس، بقدر أن الظاهرة آية عظيمة مخيفة وتذكير من الخالق لخلقه أن يفزعوا إليه بالصلاة والصدقة والاستغفار والتكبير وعمل الصالحات وترك المنكرات.
ثم قال بعد ذلك: وعليه أقول: إن القول بأن حوادث الكسوف والخسوف كثرت في هذا العصر بسبب المعاصي والفتن قول يحتاج إلى دليل شرعي أو حتى حسي، إذ إن الواقع المشاهد والمرصود لحوادث الكسوف والخسوف دلّ على خلاف ما ذكر. وكما أن عدد هذه الحوادث غير مرتبط بموت أحد أو حياته كما دلت على ذلك النصوص، أيضاً كثرة الكسوف وقلته ليست مرتبطة بالمعاصي والذنوب؛ كما هو الحال في بعض الحوادث الأرضية التي يمكن إيجاد ربط بينها وبين ذنوب البشر على ما دل عليه الشرع والواقع، والله أعلم.
وذكر الدكتور في استنتاجاته: أن هذه الحوادث الكونية قدرها الخالق المالك المدبر بهذا التوازن وبهذا القدر وبهذا النظام لعلة بينها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله:«يخوف الله بهما عباده» سواء كثرت الذنوب أم قلّت، على الرغم من كون وقت وقوع الكسوف أو الخسوف معلوماً مسبقاً، والتخويف يكون لعباده الصالحين ولعباده العاصين ولعباده الكافرين أيضاً.
وقال أيضاً: الذين يثبتون العلاقة بين المعاصي والكسوف والخسوف هم المطالبون بدليل صحيح وصريح ، أما من ينفي فهو على الأصل وهو العدم حتى يقوم الدليل، ومع ذلك أقول: الدليل الشرعي هو عدم وجود الدليل، والله أعلم؟
والجواب عن ذلك من أوجه خمسة:
الأول: حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم للكسوفوجاء فيه:«ثُمَّ نَفَخَ في آخِرِ سُجُودِهِ فقال: أُفْ أُفْ ثُمَّ قال: رَبِّ أَلَمْ تَعِدْنِي أَنْ لَا تُعَذِّبَهُمْ وأنا فِيهِمْ أَلَمْ تَعِدْنِي أَنْ لَا تُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ» وفي رواية:«فَجَعَلْتُ أَقُولُ: أَلَمْ تَعِدْنِي أَنْ لا تُعَذِّبَهُمْ وَأَنَا فِيهِمْ، رَبِّ أَلَمْ تَعِدْنِي أَنْ لا تُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرِونَكَ».([32])
فربط النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث بين الكسوف وبين العذاب، ومعلوم أن سبب العذاب هو الذنوب، فهو نص صريح في ارتباط الكسوف بالذنوب.
الثاني: حديث أبي مُوسَى رضي الله عنه قال:«خَسَفَتْ الشَّمْسُ في زَمَنِ النبي صلى الله عليه وسلم فَقَامَ فَزِعًا يَخْشَى أَنْ تَكُونَ السَّاعَةُ»([33]) ويقوي ذلك ذكره صلى الله عليه وسلم للجنة والنار في خطبة الكسوف، وهما مظهران من مظاهر يوم القيامة.
ومعلوم أن الساعة لا تقوم إلا حيث تكثر الذنوب على أيدي شرار الخلق؛ كما قال صلى الله عليه وسلم:«من شِرَارِ الناس من تُدْرِكْهُمْ السَّاعَةُ وَهُمْ أَحْيَاءٌ» وفي رواية:«لَا تَقُومُ السَّاعَةُ إلا على شِرَارِ الناس»([34])
وهذا من خوف النبي صلى الله عليه وسلم من الذنوب، وعدم أمنه من مكر الله تعالى؛ فإن الأنبياء عليهم السلام أكثر الناس رجاء لله تعالى، وخوفاً منه، فبان بخشيته صلى الله عليه وسلم أن تكون الساعة وهي لا تقوم إلا على شرار الناس ارتباط الكسوف بالذنوب.
الثالث: قوله صلى الله عليه وسلم في خطبة الكسوف:«يا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ، والله ما من أَحَدٍ أَغْيَرُ من الله أَنْ يَزْنِيَ عَبْدُهُ أو تَزْنِيَ أَمَتُهُ يا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ والله لو تَعْلَمُونَ ما أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا وَلبَكَيْتُمْ كَثِيرًا».([35])
فذكر صلى الله عليه وسلم غيرة الله تعالى مقرونة بذكر الزنا وهو من كبائر الذنوب؛ تحذيراً منه وتخويفاً، ثم ذكر ما يعلم صلى الله عليه وسلم وأنهم لو علموه لضحكوا قليلاً، ولبكوا كثيراً، وما يعلمه صلى الله عليه وسلم هو دقة الحساب، وشدة العذاب، والموجب لذلك هو المعاصي والذنوب، فكيف يذكر صلى الله عليه وسلم ذلك في خطبة الكسوف ثم يدعي من يدعي أنه لا علاقة بين الكسوف والذنوب؟!
الرابع: حديث عَائِشَة رضي الله عنها قالت:«أَخَذَ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي فأراني الْقَمَرَ حين طلع فقال: تعوذي بِالله من شَرِّ هذا الْغَاسِقِ إذا وَقَبَ».([36]) فذكر النبي صلى الله عليه وسلم أن في القمر شراً، كما أن فيه خيراً، وأمر بالاستعاذة من شره، وهذا يدل على أنه سبب للتخويف والعذاب بأمر الله تعالى.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:«والاستعاذة إنما تكون مما يحدث عنه شر، وأمر صلى الله عليه وسلم عند انعقاد أسباب الشر بما يدفع موجبها بمشيئتة الله تعالى وقدرته من الصلاة والدعاء والذكر والاستغفار والتوبة والإحسان بالصدقة والعتاقة؛ فإن هذه الأعمال الصالحة تعارض الشر الذي انعقد سببه كما في الحديث».([37])
الخامس: أن من لازم إثبات التخويف بالكسوف مع عدم ر
المرفقات

إثبات أن الكسوف تخويف بسبب الذنوب نسخة حواشيها في كل صفحة.doc

إثبات أن الكسوف تخويف بسبب الذنوب نسخة حواشيها في كل صفحة.doc

إثبات أن الكسوف تخويف بسبب الذنوب نسخة للنشر في المنتديات.doc

إثبات أن الكسوف تخويف بسبب الذنوب نسخة للنشر في المنتديات.doc

المشاهدات 4870 | التعليقات 4

[align=center]جزيت خيراً شيخنا وبارك الله فيما كتبت يداك[/align]


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أحسنت ما شئت ، وجزيت شيخنا أعظم الجزاء و أكرمه و أجزله ، وأشدد يدك بهذا البيان العلمي المؤصل أخي القارئ فهو مع مقالة الدكتور محمد المسند في هذا الرابط :
من أفضل ما كتب في موضوعها و أدقه و أجمعه .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته


جزى الله الشيخين الكريمين : إبراهيم الحقيل ومحمد المسند خيرًا على ما بيناه من حق وما فنداه من شبهات وما رداه من باطل .
والحق أن المسألة ليست مسألة إقناع عقلي ورد علمي بقدر ما هي مسألة تقوية للإيمان وترسيخ لواجب الامتثال .
إن الأمر إيمان بالغيب قبل كل شيء ، واللَّه ـ تعالى ـ بدأ بذلك في بيان صفات المتقين حيث قال : " الَّذِينَ يُؤمِنُونَ بِالغَيبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقنَاهُم يُنفِقُونَ "
فمن آمن بالغيب صلَّى وأنفق وصدَّق بكل ما جاء في كتاب الله أو صح عن رسوله .
وما وصل أبو بكر الصديق ـ رضي الله عنه ـ إلى ما وصل إليه من حب الله ـ تعالى ـ ورسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وبلوغ مرتبة الصديقية إلا بقوة الإيمان والامتثال ، وكلامه المأثور عندما أخبر بقصة الإسراء فقال : إن كان قد قال فقد صدق . يبين لنا مدى الإيمان الذي وصل إليه وبلغه ، فما هو بمجادل ولا مناقش في الأمر وقد حصل ولا معمل عقله فيه قبولا أو ردًّا ، وإنما المسألة : هل قال ذلك وثبت عنه أم لا ؟

وما دام قد قاله فقد صدق وانتهى الأمر . فرضي الله عنه ما كان أصدق إيمانه !!
إن هؤلاء المتعالمين وأولئك المتشبعين بما لم يعطوا بحاجة إلى أن يجددوا إيمانهم ويتعلموا أي شيء هو الإسلام ليتعاملوا مع النصوص بما تستحقه من تعظيم ، أما التكبر والتعالي والغرور وظن السوء فهو الذي أرداهم فيما سقطوا فيه من رد النصوص أو تحريف الكلم عن مواضعه .

ولو وعوا " وما أوتيتم من العلم إلا قليلا " لكفتهم معرفة بأقدارهم ويقينًا بعجزهم ووقوفًا عند حدودهم .

ولكنه الجهل العميق ، ولله الأمر من قبل ومن بعد .


يرفع للمناسبة
كسوف الأربعاء 13/7/1432هـ