إتقان العمل في ضوء القرآن وسنة النبي العدنان

احمد ابوبكر
1439/03/05 - 2017/11/23 09:08AM

عناصر الخطبة:

العنصر الأول: تعريف الإتقان.

العنصر الثاني: الإتقان صفة من صفات الرحمن.

العنصر الثالث: الإتقان شريعة النبي العدنان العنصر الرابع مجالات الإتقان.

 

المجال الأول: إتقان العبادات:

1- إتقان الوضوء.

2- إتقان الصلاة.

3- إتقان الزكاة بإعطائها لمستحقيها.

4- اتقان الصوم بحفظ الجوارح.

5- إتقان الحج.

6- إتقان التعليم.

 

المجال الثاني - إتقان الأعمال الدنيوية

1- الإتقان في التعمير والإنشاء.

2- الإتقان العسكري.

3- إتقان التصنيف والتأليف.

 

الخطبة الأولى

أمة الإسلام:

حديثنا في هذا اليوم الطيب الميمون عن قضية القضايا التي غفلت عنها أمة خير البرايا إنها قضية الإتقان التي ما عرف التاريخ أمة ولا كتاباً يدعو إلى الإتقان مثلما دعا لذلك شرع الرحمن.

 

انظروا عباد الله إلى ما وصلنا إليه وما آل إليه حال الأمة من ضعف وهوان مرد ذلك كله أن الأمة فقدت الإتقان في جميع مناحي الحياة سواء الدينة أو الدنيوية أو الأخروية.

 

إننا أمة اقرأ.. عباد الله أصبحت منتجاتنا أقل جودة ورجعنا إلى الوراء وأمسينا نتهافت على منتجات غيرنا لعلمنا أن بضعتنا غير جيدة.

 

لذا عباد الله كان لزاما وأجل مسمى أن نتكلم عن قضية الإتقان من خلال القرآن وسنة النبي العدنان.

فما معنى الإتقان؟

وما هي مجلاته؟

أعيروني القلوب والأسماع.

 

العنصر الأول: تعريف الإتقان

أمة الإسلام، اتقان العمل هو: أداء العمل دون خلل فيه والالتزام بمتطلبات ذلك العمل من التقيد بضوابط وتقنيات معينة.

وأداؤه في الوقت المحدد دون تأخير.

 

العنصر الثاني: الإتقان صفة من صفات الرحمن:

والإتقان أيها الآباء صفة من صفات رب الأرض والسماء فهو الذي أتقن كل شيء خلقة وأحسن كل شيء أبدعه قال الله تعالى ﴿ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ [النمل: 88] فأحسنه وجوده وأتقنه، والذي يتأمل إتقان الله تعالى لمخلوقاته وكيف انه أعطى كل شيء خلقه ثم هدى لهتف لا إله الا الله.

 

• قصة: يحكى أن رجلا وابنه كانا تحت نخلة في بستان فاراد الولد أن يجادل أباه فقال له: يا أبت انظر إلى هذه النبتة الصغيرة " نبتة البطيخ " تثمر ثمرة كبيرة جدا بينما هذه النخلة على طولها ثمرتها صغيرة...ولا نسبة بينها وبين البطيخة...وكان المفروض أو المعقول أن تكون ثمرة النخلة في عظم البطيخة " لتتناسب مع حجم الشجرة " بينما تكون ثمرة نبات البطيخ في حجم التمرة...فقال له: يا بني " لعل لله حكمة لا نعرفها.

 

ثم استلقى الفتى على ظهره ليستريح واستلقى أبوه إلى جواره...وما إن غفت عين الفتى قليلا حتى سقطت من أعلى النخلة تمرة فأصابت وجهه وآلمته وصاح من أثر ذلك...فقال له أبوه: ماذا بك؟

 

فقال تمرة من فوق النخلة أصابتني فقال الوالد: يا بني " احمد الله أنها لم تكن بطيخة.

 انظر حولك ترى إتقان الرحيم الرحمن: يقول النابلسي – حفظه الله- في قوله تعالى ﴿ أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَاداً * وَالْجِبَالَ أَوْتَاداً * وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجاً * وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتاً * وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاساً * وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشاً * وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِدَاداً * وَجَعَلْنَا سِرَاجاً وَهَّاجاً * وَأَنْزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجاً * لِنُخْرِجَ بِهِ حَبّاً وَنَبَاتاً * وَجَنَّاتٍ أَلْفَافاً  [النبأ : 6- 16].

 

﴿ألم نجعل الأرض مهاداً [ النبأ: 6].

 

يوجد أماكن بالقطر اسمها وعر واللجاة في الجنوب والشرق كلها صخر فلو أن الأرض كلها هكذا نموت من الجوع، فالله عز وجل لحكمة بالغة ترك بعض الأماكن صخرية فربنا عزّ وجل قال:

﴿ وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا [ النبأ: 8].

 

ذكراً وأنثى فلو أن الله خلق كل الناس ذكوراً أول شيء هل نبقى نحن موجودين؟ لا نجد أنفسنا إذ لا وجود لنا فينتهي النوع البشري، جهاز التناسل يسمونه جهاز حفظ بقاء النوع فلولا التزاوج لما بقي الإنسان قال تعالى:

﴿وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا [النبأ: 8].

 

بل لو جعل المرأة غير محببة، فالله عزّ وجل جعلَ هذا الميل الطبيعي، قال الله:

﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآَبِ  [آل عمران: 14]

 

لولا هذا الميل الطبيعي لما تزوج أحد ولأصبح الزواج عبئاً، ولولا هذا الشيء الذي جعله الله في قلب الرجل ولولا هذا الميل الطبيعي الذي وضعه الله في قلب الرجل ما تزوّج إنسان قال الله ﴿أَلَمْ نَجْعَلْ الأَرْضَ مِهَادًا * وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا * وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا * وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا  [النبأ: 6-9].

 

من الذي جعل النوم؟ يقول لك: تعبت اشتغلت طيلة 12 ساعة، نمت ثماني ساعات فاستيقظت مثل الحصان صحيح، هذه الأعصاب وهذه الخلية العصبية عبارة عن نواة واستطالة تتصل باستطالة أخرى وهكذا، فالخلايا العصبية عند النوم تتباعد فالسيالة العصبية الكهربائية إذا سارت تجد الطريق مقطوعاً وهذا هو النوم، فالله جعلَ ترتيباً رائعاً جداً، أما لو كان المنبه قوياً جداً إذا واجه إنسان ساقية لا يمكنه قطعها، أما لو يتبعه عدو يريد النجاة منه يقطعها بسبب الخوف الشديد، هذا الصوت إن كان مزعجاً جداً عندئذٍ هذه السيالة تقفز من خلية لأخرى فيصحو الإنسان، يستيقظ الإنسان على الصوت القوي ولو أنه قد نام الآن، اليقظة هي عملية اقتراب هذه الأعصاب وتباعدها النوم قال الله:

﴿وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا * وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا [النبأ: 8- 10]

ستراً ﴿وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا [النبأ: 11]

للعمل.﴿وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا  [النبأ: 9]

سبع سموات طباق.﴿وَجَعَلْنَا سِرَاجًا وَهَّاجًا  [النبأ: 13]

يا أخي بردنا، فهل تعلم ما معنى البرد؟ البرد المطلق 350 تحت الصفر، فلو لم يكن هناك شمس لكانت الحرارة 350 تحت الصفر، فإذا كانت الحرارة صفراً فمعنى ذلك أن هناك شمساً، فلولاها لكانت 350 درجة تحت الصفر قال الله:

﴿ وَجَعَلْنَا سِرَاجًا وَهَّاجًا * وَأَنزَلْنَا مِنْ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجًا * لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَبَاتًا* وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا [ النبأ: 13-16].

 

راسك عبد الله: كم فيها من آيات على قدرة رب الأرض والسماوات: هذا الدماغ، إتقانه إلى أقصى الحدود أي أربعة عشر مليار خلية سمراء للمحاكمة والتخيّل والتصور والذاكرة ومركز للسمع وآخر للبصر وثالث للحركة ورابع للتوازن عالم قائم بذاته، وهناك عمى يصيب دماغ الإنسان والعين سليمة مئة في المئة، لكن مركز الرؤية في الدماغ يتعطل، أربعة عشر مليار خلية سمراء في الدماغ تستند إلى مئة وأربعين مليار خلية استنادية لم تُعرف وظيفتها حتى الآن، والشيء المدهش أن خلايا الدماغ بل أن الخلايا القشرية في الدماغ مستعصية على مرض السرطان لم يسجل الطب حتى الآن حالة ورم خبيث في هذه المنطقة، لأن هذه المنطقة منطقة المحاكمة والتفكّر، فربنا سبحانه وتعالى كرّمها وشرّفها وحصّنها، وهذا الدماغ حساس إلى درجة قصوى لابد من أن يُحاط بسائل، وهذا السائل يقيه الصدمات، فأية صدمة تصيبه توزع على مُجمل مساحته، من جعل هذا الترتيب؟ ومن جعل هذه الرقبة تدور 170 درجة؟ ومن جعل هذا الدماغ في هذه الحجرة المحصنة؟ ومن جعل هذه الحجرة ذات مفاصل مكسّرة ثابتة؟ لو أن هناك صدمة عنيفة أصابت الدماغ فهناك مجال لتداخل هذه السطوح أقل من ميلي واحد، وهذا المجال يمتص الصدمة قال تعالى:﴿ صنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ﴾.

 

العنصر الثالث الإتقان شريعة النبي العدنان:

اعلموا أمة الإسلام أن الله تعالى حثكم على الإتقان فقال -عز وجل-: ﴿ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ  (البقرة: 195). هذا الإحسان، هو الإتقان والإحكام، وهذه القضية وهي تجويد شيء وإحسانه وإتقانه من المطالب الشرعية العظيمة في ديننا، والمتأمل في التكاليف والفرائض ة الأوامر يجدها مبنية على أساس محمك ألا وهو الإتقان الذي هو سمة أهل الإيمان.

 

الإتقان في كل شيء حتى وأنت تقوم بالذبح نْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: حَفِظْتُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَصْلَتَيْنِ، قَالَ: " إِنَّ اللهَ تَبَارَكَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذِّبْحَةَ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ، وَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

 

عن عاصم بن كليب عن أبيه قال: شَهدت مَعَ أَبِي جَنَازَة شَهِدَهَا رَسُوْلُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَأَنَا غُلاَمٌ أَعْقِلُ وَأَفْهَمُ، فَانتُهي بِالْجَنَازَةِ إِلَى الْقَبْرِ وَلَمْ يمكَّن لَهَا.

 

قَالَ: فَجَعَلَ رَسُوْلُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: ((سَوّوا لَحْدَ هَذَا)).

 

حَتَّى ظَنَّ النَّاسُ أَنَّهُ سُنَّة، فَالْتَفَتَ إِلَيْهِم فَقَالَ: ((أَمَا إِنَّ هَذَا لاَ يَنْفَعُ الْمَيِّتَ وَلاَ يَضُرُّهُ، وَلَكِنَّ اللهَ يُحِبُّ مِنَ الْعَامِلِ إِذَا عَمِلَ أَنْ يُحْسِن)) وفي لفظٍ (( ولكن أن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه )) أخرجه البيهقي في شعب الإيمان.

 

عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ إِذَا عَمِلَ أَحَدُكُمْ عَمَلا أَنْ يُتْقِنَهُ».

 

وإذا عمل أي عمل من الأعمال أتقن ذلك العمل، ولا من أجل أن يأخذ الجزاء من الناس، ليس من أجل أن يترقى، ولكن ابتغاء مرضات الله سبحانه وتعالى.

 

أي عمل، لأن النكرة عملاً في هذا السياق سياق الشرط تفيد العموم، ولذلك فإن الله -سبحانه وتعالى- يحب من سلوك المؤمن الإتقان.

 

العنصر الرابع مجالات الإتقان:

والإتقان كما ذكرت لكم عباد الله في كل شيء في الأعمال والأقوال وهاك بيان ذلك أخي الحبيب.

المجال الأول: إتقان العبادات:

فالناظر في العبادات التي أمرنا بها يجد أن أساسها الإتقان والله –سبحانه- لا يقبل عملا لم يتقنه صاحبة:

1- إتقان الوضوء: وإتقانه يكون بإسباغه أما من لا يكمل الوضوء ويترك جزء من الأعضاء فهذا لم يتقن الوضوء وهو متوعد بالويل والثبور.

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: تَخَلَّفَ عَنَّا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي سَفَرٍ سَافَرْنَاهُ، فَأَدْرَكَنَا وَقَدْ أَرْهَقَتْنَا الصَّلَاةُ -صَلَاةُ الْعَصْرِ- وَنَحْنُ نَتَوَضَّأُ، فَجَعَلْنَا نَمْسَحُ أَرْجُلَنَا، فَنَادَى بِأَعْلَى صَوْتِهِ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا: "وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ مِنَ النَّارِ". أخرجه البخاري.

 

2- إتقان الصلاة بالخشوع إتقانها يكون بإتمام أركانها والاطمئنان فيها والإتيان بالخشوع فيها و قد مدح الله تعالى أهل الإتقان في الصلاة فقال سبحانه -﴿ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ  [المؤمنون: 1، 2].

 

أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، في قوله: ﴿ الذين هم في صلاتهم خاشعون ﴾ يقول: خائفون ساكنون.

 

أما من لم يتقنها ولم يتم أركانها فتلك صلاة المنافق وهي مردودة في وجهه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَخَلَ الْمَسْجِدَ، فَدَخَلَ رَجُلٌ فَصَلَّى ثُمَّ سَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرَدَّ عَلَيْهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ"، حَتَّى فَعَلَ ذَلِكَ ثَلَاثَ مِرَارٍ، فَقَالَ الرَّجُلُ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا أَعْلَمُ غَيْرَ هَذَا.

 

فَقَالَ: "إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلَاةِ فَكَبِّرْ، ثُمَّ اقْرَأْ بِمَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ، ثُمَّ ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَعْتَدِلَ قَائِمًا، ثُمَّ اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا، وَافْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلَاتِكَ كُلِّهَا". البخاري (6251)، ومسلم (397) (46).

 

عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ، قَالَ: دَخَلْتُ مَعَ حُذَيْفَةَ الْمَسْجِدَ فَرَأَى رَجُلًا يُصَلِّي لَا يُتِمُّ رُكُوعَهُ وَلَا سُجُودَهُ فَقَالَ لَهُ حُذَيْفَةُ: " مُنْذُ كَمْ صَلَّيْتَ؟.

 

" قَالَ: مُنْذُ أَرْبَعِينَ سَنَةً، فَقَالَ لَهُ حُذَيْفَةُ: " مَا صَلَّيْتَ وَلَوْ مُتَّ مُتَّ عَلَى غَيْرِ الْفِطْرَةِ الَّتِي فَطَرَ اللهُ عَلَيْهَا مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّ الرَّجُلَ قَدْ يُخَفِّفُ صَلَاتَهُ، وَيُتِمُّ رُكُوعَهَا وسُجُودَهَا "شعب الإيمان.

 

ويقول سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه:إن الرجل ليشيب في الاسلام ولم يكمل لله ركعة واحدة!!

قيل: كيف يا أمير المؤمنين قال: لا يتم ركوعها ولا سجودها.

 

ويقول الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله: يأتي على الناس زمان يصلون وهم لا يصلون،وإني لأتخوف أن يكون الزمان هو هذا الزمان"

فماذا لو أتيت إلينا يا إمام لتنظر أحوالنا؟؟؟.

 

2- إتقان الزكاة بإعطائها لمستحقيها:

بإخراجها إلى مستحقيها وفي وقتها ومن أفضل ماله ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ [البقرة: 267].

 

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " قَالَ رَجُلٌ لَأَتَصَدَّقَنَّ اللَّيْلَةَ بِصَدَقَةٍ، فَخَرَجَ بِصَدَقَتِهِ فَوَضَعَهَا فِي يَدِ زَانِيَةٍ، فَأَصْبَحَ النَّاسُ يَتَحَدَّثُونَ تَصَدَّقَ عَلَى زَانِيَةٍ، فَقَالَ اللهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ عَلَى زَانِيَةٍ، لَأَتَصَدَّقَنَّ اللَّيْلَةَ بِصَدَقَةٍ، فَخَرَجَ بِصَدَقَتِهِ، فَوَضَعَهَا فِي يَدِ غَنِيٍّ، فَأَصْبَحُوا يَتَحَدَّثُونَ تَصَدَّقَ اللَّيْلَةَ عَلَى غَنِيٍّ، فَقَالَ اللهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ عَلَى غَنِيٍّ، لَأَتَصَدَّقَنَّ اللَّيْلَةَ بِصَدَقَةٍ، فَخَرَجَ بِصَدَقَتِهِ، فَوَضَعَهَا فِي يَدِ سَارِقٍ، فَأَصْبَحُوا يَتَحَدَّثُونَ تَصَدَّقَ اللَّيْلَةَ عَلَى سَارِقٍ، فَقَالَ اللهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ عَلَى زَانِيَةٍ وَعَلَى غَنِيٍّ وَعَلَى سَارِقٍ، فَأُتِيَ فَقِيلَ لَهُ: أَمَّا صَدَقَتُكَ فَقَدْ قُبِلَتْ أَمَّا الزَّانِيَةُ، فَلَعَلَّهَا تَسْتَعِفُّ بِهَا عَنْ زِنَاهَا، وَلَعَلَّ الْغَنِيَّ يَعْتَبِرُ، فَيُنْفِقُ مِمَّا أَعْطَاهُ اللهُ تَعَالَى، وَلَعَلَّ السَّارِقَ يَسْتَعِفُّ بِهَا عَنْ سَرِقَتِهِ "، رواه مسلم.

 

3-اتقان الصوم بحفظ الجوارح:

و يكون بإتمامه وعدم الإخلال بشروطه وأن تصوم الجوارح والأركان عما حرم الرحمن قَالَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: «إِذَا صُمْتَ فَلْيَصُمْ سَمِعُكَ وَبَصَرُكَ وَلِسَانُكَ عَنِ الْكَذِبِ وَالْمَحَارِمِ، وَدَعْ أَذَى الْخَادِمِ، وَلْيَكُنْ عَلَيْكَ وَقَارٌ وَسَكِينَةٌ يَوْمَ صِيَامِكَ، وَلَا تَجْعَلْ يَوْمَ فِطْرِكَ وَصَوْمِكَ سَوَاءً».

 

3- إتقان الحج:

يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: ﴿وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ [البقرة:196] أتموا الحج والعمرة لله إذا بدأتم فيهما، فأتموهما ولا تنقضوهما، هذا قول من الأقوال، وهكذا كل عبادة إذا شرعت فيها لا ينبغي لك أن تنقضها وأن تتركها، بل كما قال ربنا: ﴿ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ ﴾ [محمد:33].

 

4- إتقان التعليم:

والعملية التعليمية بحاجة ماسة إلى إتقان المعلم والمربي ولقد تصدر النبي – صلى الله عليه وسلم – قائمة معلمي الدنيا لان الذي علمه هو الله تعالى فقد كان له أسلوب في تعليم أصحابه أسلوب محكم متقن لا يدع السامع حتى يفهمه ويلقنه.

 

وإليك بيان ذلك:

 تكرار الأمر أو النهي ثلاث مرات حتى يعي السامع وينتبه الغافل ويتعلم الجاهل.

 

عن النعمانِ بنِ بَشيرٍ، قال: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «اعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلادِكُمْ» يقولُها ثلاثًا. أخرجه أحمد، عَنْ وَابِصَةَ بْنِ مَعْبَدٍ، أَنَّهُ كَانَ يَقُومُ فِي النَّاسِ يَوْمَ الْفِطْرِ، وَالْأَضْحَى وَيَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَهُوَ يَقُولُ: «أَيُّهَا النَّاسُ أَيُّ يَوْمٍ أَحْرَمُ؟» فَقَالَ النَّاسُ: هَذَا الْيَوْمُ، وَهُوَ الْيَوْمُ الْأَعْظَمُ، ثُمَّ قَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ أَيُّ شَهْرٍ أَحْرَمُ؟» قَالَ النَّاسُ: هَذَا، قَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ أَيُّ بَلَدٍ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ حُرْمَةً؟» قَالَ النَّاسُ: هَذَا، قَالَ: «فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ، وَأَمْوَالَكُمْ، وَأَعْرَاضَكُمْ مُحَرَّمَةٌ عَلَيْكُمْ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ؟» قَالُوا: نَعَمْ، فَرَفَعَ يَدَيْهِ فَقَالَ: «اللَّهُمَّ اشْهَدْ» يَقُولُهَا ثَلَاثًا، قَالَ: «لِيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ مِنْكُمُ الْغَائِبَ» فَقَالَ وَابِصَةُ: «وَإِنَّا شَهِدْنَا وَغِبْتُمْ وَنَحْنُ نُبَلِّغُكُمْ».

 

• ضرب المثال لتقريب المعاني الى ذهن المتعلم:

عنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَالَ: «إِنَّ مِنَ الشَّجَرِ شَجَرَةً لَا يَسْقُطُ وَرَقُهَا وَإِنَّهَا مَثَلُ الرَّجُلِ الْمُسْلِمِ حَدِّثُونِي مَا هِيَ؟» قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: فَوَقَعَ النَّاسُ فِي شَجَرِ الْبَوَادِي وَوَقَعَ فِي نَفْسِي أَنَّهَا النَّخْلَةُ قَالَ: فَاسْتَحْيَيْتُ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا هِيَ؟ قَالَ: هِيَ النَّخْلَةُ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: فَحَدَّثْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِالَّذِي وَقَعَ فِي نَفْسِي، قَالَ عُمَرُ: لَأَنْ تَكُونَ قُلْتَهَا أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ لِي كَذَا وَكَذَا ".

 

• تعليمه - صلى الله عليه وسلم- أصحابه العلم والعمل معاً:

ومن روائع الإتقان في العملية التعلمية أن يتعلم الطالب العلم والعمل معا وللأسف يتخرج الطالب من الكلية وينال الشهادة ولكنه لا يستطيع أن يطبق ما قام به لأنه تعلم علما نظريا بعيد عن العمل.

 

تأملوا عباد الله المنهج النبوي في تعليم أصحابه:

قد اتبع هذا الأسلوب في التعليم، وهو شرط منهجي في بيان القصد من العلم للمتعلم، وحمله على العمل بمقتضى ما يتعلمه، فعن عثمان وابن مسعود وأبي بن كعب أن رسول الله ص: «كان يقرئهم العشر فلا يجاوزها إلى عشر أخرى حتى يتعلموا ما فيها من العمل، فيعلمنا القرآن والعمل جميعا»، يشهد لذلك ما رواه أحمد عن أبي عبدالرحمن زيد بن خالد الجهني أنه قال: «حدثنا من كان يقرئنا من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم- أنهم كانوا يقترئون من رسول الله - صلى الله عليه وسلم- عشر آيات فلا يأخذون في العشر الأخرى حتى يعلموا ما في هذه من العلم والعمل، قالوا فعلمنا العلم والعمل»، فالرسول - صلى الله عليه وسلم- بهذا الأسلوب التعليمي، كان يعطيهم القدوة الحسنة، فالمعلم المربي لا يجوز لـه إلا أن يكون قدوة في العلم والعمل لتلاميذه وطلابه.

 

المجال الثاني - إتقان الأعمال الدنيوية:

وهذا يشمل جميع الأعمال والحرف التي يقوم بها الفرد فالعمل الذي يقوم به المرء أمانة وسيسأله الله تعالى عنها يوم القيامة فمن اخذ الأجر حاسبه الله تعالى على العمل،و لقد ضرب لنا القران الكريم صورا لإتقان الأعمال نكر منها.

 

1- الإتقان في التعمير والإنشاء:

كثيرا ما نسمع عن انهيار مبنى حديث البناء أو تصدع جسر (كوبري) قبل تسليمه.

ترى ما هو السبب في ذلك الانهيار؟

اذا بحثنا لوجدنا أن ذلك سببه عدم الإتقان الذي غاب عن المهندس والمقاول الذي قام بالإنشاء.

و لقد ضرب الله تعالى مثالا فريدا في الانشاء والتعمير الا وهو إتقان ذي القرنين- في بنائه السد.

 

﴿ حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْماً لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً*قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدّاً  ما أخذ منهم قرشاً ﴿ قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ  (الكهف:94-95).

 

فقد استخدم ذو القرنين اعلى مواصفات التقنية في البناء والإحكام لذلك السد يقول العلامة ابن كثير – رحمه الله -: وأما السد فقد بناه ذو القرنين من الحديد والنحاس وساوى به الجبال الصم الشامخات الطوال، فلا يعرف على وجه الأرض بناء أجل منه ولا أنفع للخلق منه في أمر دنياهم. فلو قيل ما هو أنفع بنيان في العالم، فهو سد القرنين، لأنه لو لم يكن موجوداً لخرجوا على الناس وأفسدوا الدنيا، فلا الأهرامات، ولا تمثال الحرية، ولا برج إيفل، ولا البرجين التوأم، ولا الفنادق الشامخات، أكثر بنيان فيه فائدة للبشرية، ما هو سد العالي ولا السد الواطي، هو سد ذي القرنين.

 

أقول هذا القول، وأستغفر الله العظيم الكريم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب؛ فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما.

أما بعد:

• الإتقان في حياة نبي الله سليمان عليه السلام:

و تأملوا إلى قمة التقدم والإتقان الذي شيد به سليمان عليه السلام ذلك القصر ﴿ قيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ (هذا القصر كله أرضه وسقفه وجدرانه) مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ  [النمل:44]

 

قال ابن كثير رحمه الله: وذلك أن سليمان، عليه السلام أمر الشياطين فبنوا لها قصرًا عظيما من قوارير، أي: من زجاج، وأجرى تحته الماء، فالذي لا يعرف أمره يحسب أنه ماء، ولكن الزجاج يحول بين الماشي وبينه.( هذا من باب الإقحام في الدعوة، والإبهار للكفار حتى يستسلموا ويدخلوا في دين الواحد القهار ) فلما شاهدت ما شاهدت علمت أن هذا نبي، تابت ورجعت إلى الله قائلة ﴿ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ .

 

• قصة:

(تعطلت ماكينة ضخمة متطورة في سفينة تجارية كبيرة؛ فقام أصحاب السفينة بإحضار خبراء لإصلاحها واحدا وراء الآخر، ولكن دون جدوى ولا نتيجة ولعدة أيام، ولم يعرف أحد من هؤلاء الحرفيين ما هي العلة في عطل ذلك المحرك الضخم المطور!!، وبالطبع فإن تعطل مثل هذه السفينة الضخمة عن العمل يؤدي إلى خسارة آلاف الدولارات يومياً وبلا مبالغة؛ لذا قام أصحاب السفينة باستدعاء خبير قد تجاوز الستين من العمر، والذي قضى عمره في إصلاح محركات السفن الضخمة، وجاء معه بحقيبة كبيرة مليئة بالعدد والأدوات، وكان أول ما فعله عند وصوله مباشرة هو تفحصه للماكينة الضخمة بدقة من أعلاها لأسفلها، وكان هناك اثنان من ملاك السفينة يتابعون هذا الخبير العالمي بشغف، ويتمنون في أنفسهم أن يعرف العلة في عطل ذلك المحرك العنيد العاصي على الإصلاح!!. بعد أن انتهى هذا الرجل من تفحص الماكينة أو المحرك اتجه إلى حقيبة معداته وأخرج منها مطرقة صغيرة وطقطق برقة على مكان معين من سطح المحرك فعلى صوته بالحركة مجلجلاً، لقد دار المحرك الضخم العنيد بعد عناء، وبعد تعطل لمدة أسبوعين كاملين عن العمل، خسر خلاله أصحاب السفينة العملاقة عشرات الآلاف من الدولارات، قام ذلك الخبير بإصلاح ذلك المحرك بهدوء بوضع المطرقة في مكانها وتأكد ملاك السفينة من إصلاح ذلك المحرك بعد أن قامت تلك السفينة برحلة تجارية تجريبية قصيرة نسبياً في عرض البحر بنجاح. بعد أسبوع استلموا فاتورة من ذلك الخبير المخضرم بعشرة آلاف دولار قيمة الإصلاح!!؛ فصرخ ملاك السفينة العملاقة قائلين (بينهم وبين أنفسهم): ماذا فعل هذا الشائب العجوز ليطلب هذا المبلغ الضخم؟! وقاموا على الفور بإرسال رسالة له يطلبون فيها فاتورة مفصلة عن تكاليف الإصلاح؟!؛ ماذا تتوقعون عن رده عليهم؟!، لقد أرسل لهم فاتورة كتب فيها تفاصيل التكاليف: الكشف على المحرك خمسمائة دولار. الضرب بالمطرقة على موضع الخلل عشرة دولارات. معرفة مكان الطرق بالمطرقة 9490 دولاراً. المجموع: عشرة آلاف دولار أمريكي فقط لا غير. هذا هو ثمن الخبرة النادرة والهمة العالية، والتي قد يضطر بعض أصحاب رؤوس الأموال إلى دفع الكثير والكثير ليستفيدوا من تلك الخبرة النادرة فيما يخصهم!!).

 

• القصة الثانية: (كان هناك نجار تقدم به العمر، وطلب من رئيسه في العمل وصاحب المؤسسة أن يحيله على التقاعد ليعيش بقية عمره مع زوجته وأولاده. فرفض صاحب العمل طلب النجار ورغّبه بزيادة مرتبه إلا أن النجار أصر على طلبه!! فقال له صاحب العمل إن لي عندك رجاءً أخيراً وهو أن تبني منزلاً أخيراً وأخبره أنه لن يكلفه بعمل آخر ثم يحال للتقاعد فوافق النجار على مضض وبدأ النجار العمل ولعلمه أن هذا البيت هو الأخير فلم يحسن الصنعة واستخدم مواداً رديئة الصنع وأسرع في الإنجاز دون الجودة المطلوبة..!! وكانت الطريقة التي أدى بها العمل نهاية غير سليمة لعمر طويل من الإنجاز والتميز والإبداع!! وعندما انتهى النجار العجوز من البناء سلّم صاحب العمل مفاتيح المنزل الجديد وطلب السماح له بالرحيل، إلا أن صاحب العمل استوقفه وقال له: إن هذا المنزل هو هديتي لك نظير سنين عملك مع المؤسسة فآمل أن تقبله مني!! فصعق النجار من المفاجأة لأنه لو علم أنه يبني منزل العمر لما توانى في الإخلاص في الأداء والإتقان في العمل).

 

لقد ندم المقاول كثيرا على تفريطه؛ لأنه لو علم أنه يبني منزلا لنفسه لما تردد أن يضع فيه كامل عصارة خبرته، وأفضل الأدوات والمعدات، ولأعطاه ما يستحقه من وقت.

 

2- الإتقان العسكري:

الكفاءة العسكرية ضرورة شرعية ومطلب قومي لا ينبغي إغفاله لذا اهتم القران الكريم بقضية الإتقان في الحياة العسكرية وخاصة عند خوض الحروب الحاسمة فذكر الله لنا قصة طالوت -عليه السلام-.

 

ومصداق ذلك في كتاب الله تعالى، ما كان من إعطائه سبحانه القيادة لطالوت عليه السلام، وقد علل ذلك صراحة بأنه سبحانه زاده بسطة في العلم والجسم. وليس يخفى على أحد أن المقصود بالعلم هنا ليس هو العلم الشرعي فقط، وإنما أيضًا العلم بأمور الحرب والقيادة والإدارة، وغير ذلك مما يلزم القائد العسكري من معارف وعلوم. وتصديق ذلك أنه كان من الممكن أن تُعطى هذه القيادة للنبي ذاته، والذي هو أعظم الناس - بلا شك - تفوقًا في مجال العلم الشرعي، وهو يوحى إليه، لكن النبي لم يقد الجيش في المعركة، وإنما قال للملأ من بني إسرائيل: ﴿ وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ  [البقرة: 247] فهذا مجال تفوقه، وذاك سبب قيادته.

 

عمرو بن العاص رضي الله عنه:

ولما ولَّى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحابي الجليل عمرو بن العاص رضي الله عنه إمارة سرية ذات السلاسل، ووضع تحت إمرته عظماء الصحابة وسابقيه إلى الإسلام. فإنه لم يفعل ذلك لأنه كان يرى أن عمرو بن العاص أكثر منهم علمًا بأمور الشرع والدين، وإنما لأنه صلى الله عليه وسلم كان يرى أنه أعلمهم بأمور الحرب، وفنون القتال والنزال والمناورة، وهو الذي لم يكن قد مضى على إسلامه بعد أكثر من خمسة شهور فقط. ومن ثم تجده صلى الله عليه وسلم وقد قال في وضوح: "لقد وليته لأنه أبصر بالحرب".

 

وتتجلى قمت الإتقان والتخطيط العسكري في حفر النبي – صلى الله عليه وسلم – للخندق هو وأصحابه الكرام حتى أن ذلك الجيش الجرار المؤلف من قبائل العرب ولديهم أحنك القواد واشجع الفرسان لم يستطيعوا أن يجدوا فيه ثغرة واحدة،إنه الإتقان.

 

3- إتقان التصنيف والتأليف:

ومن دروب الإتقان إتقان التصنيف والتأليف:

قال أبو عبيد كنت في تصنيف هذا الكتاب ( غريب الحديث ) أربعين سنة، وربما كنت أستفيد الفائدة من أفواه الرجال فأضعها في الكتاب، فأبيت ساهراً فرحاً مني بتلك الفائدة، وأحدكم يجيء فيقيم عندي أربعة أشهر، خمسة أشهر، فيقول: قد أقمت الكثير.

 

الإمام أحمد بإتقانه للمسند قال عنه ابن الجوزي: طاف أحمد بن حنبل الدنيا مرتين حتى جمع المسند.

 

وابن عبد البر مكث ثلاثين سنة في تأليف كتابه "التمهيد"، ولذا جاء على هذا الوضع من الإتقان والتحرير والدقة.

 

الدعاء:

• اللهم صلِّ وسلِّمْ وبارِكْ على عبدك ورسولك محمدٍ صاحب الوجه الأنور والجبين الأزهر، وارض اللهمّ عن خلفائه الأربعة -أبي بكر وعمر وعثمان وعلي- وعن سائر صحابة نبيك محمدٍ -صلى الله عليه وسلم- وعن التابعين وتابعي التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وجودك وكرمك يا أرحم الراحمين.

 

• اللهم أعز الإسلام والمسلمين. اللهم أعز الإسلام والمسلمين. اللهم أعز الإسلام والمسلمين واخذل الشرك والمشركين.. اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك وعبادك المؤمنين، اللهم آت نفوسنا تقواها وزكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها، اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين.

 

• اللهم وفق ولي أمرنا لما تحبه وترضاه من الأقوال والأعمال يا حي يا قيوم، اللهم أصلح له بطانته يا ذا الجلال والإكرام.

 

• اللهم فرج هم المهمومين من المسلمين، ونفس كرب المكروبين وأقضي الدين عن المدينين وأشف مرضانا ومرضى المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين.

 

• ربنا آتنا في الدنيا حسنةً وفي الآخرة حسنةً وقنا عذاب النار.

 

• سبحان ربنا رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.



  المصدر: الألوكة
المشاهدات 822 | التعليقات 0