أي حياء هذ ؟!

شايع بن محمد الغبيشي
1445/01/23 - 2023/08/10 15:06PM

أي حياء هذ ؟!

إنّ الحمدَ لله نَحْمَدُهُ ونستعينُهُ ونستغفرُه ونعوذ بالله من شرور أنفسينا وسيئات أعمالنا، من يهدِ اللهُ فلا مضل له ومن يضلل فلا هاديَ له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبدُهُ ورسُولُهُ ــ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسَلَّمَ تسليمًا كثيرًا.

أما بعدُ : فاتقوا الله عبادَ الله حق التقوى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)

أما بعد إخوة الإيمان تأملوا هذا الخبر، عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت: "كنتُ أدخل بيتي الذي دُفِنَ فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي، فأضع ثوبي فأقول: إنما هو زوجي وأبي، فلما دُفِنَ عمرُ معهما فوالله ما دخلتُ إلا وأنا مشدودة عليَّ ثيابي حياءً من عمر" رواه أحمد بسند صحيح. ([1])

أي حياء هذا تعلمنا إياه أمنا عائشة رضي الله، تستحي من رجل في قبره، ما أعظم حياءها!

عباد الله تعلمنا الصديقة رضي الله عنها أن نتحلى بخلق الحياء هذه الخلق العظيم وتلفت انتباهنا إلى أهمية تربية أهلينا عليه، فالحياء رأس مكارم الأخلاق وعلى حسب حياة القلب يكون الحياء فيه.

بالحياء اتصف خيار الخلق، قال صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلَامِ النُّبُوَّةِ: إِذَا لَمْ تَسْتَحِ فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ" رواه البخاري

وقال صلى الله عليه وسلم في وصف موسى عليه السلام: "إِنَّ مُوسَى كَانَ رَجُلًا حَيِيًّا سِتِّيرًا لَا يُرَى مِنْ جِلْدِهِ شَيْءٌ اسْتِحْيَاءً مِنْهُ" رواه البخاري.

ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم أعظمُ الناس حياءً فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَشَدَّ حَيَاءً مِنَ الْعَذْرَاءِ فِي خِدْرِهَا؛ أي: من البكر في سترهاِ" متفق عليه

الحياء مفتاح الخيرات بل هو خيرٌ كله، قال عليه الصلاة والسلام: قال: الْحَيَاءُ كُلُّهُ خَيْرٌ" رواه مسلم،

والحياء من الإيمان، مر النبي صلى الله عليه وسلم على رجل وهو يعاتب أخاه في الحياء، يقول: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "دَعْهُ؛ فَإِنَّ الْحَيَاءَ مِنَ الْإِيمَانِ" متفق عليه.

والحياء الحقيقي يا عباد الله يحفظ على العبد جوارحه أن تقع في معصية الله جلا وعلا فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (اسْتَحْيُوا مِنَ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ. قَالَ قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا لَنَسْتَحْيِي وَالْحَمْدُ لِلَّهِ. قَالَ لَيْسَ ذَاكَ وَلَكِنَّ الاِسْتِحْيَاءَ مِنَ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ أَنْ تَحْفَظَ الرَّأْسَ وَمَا وَعَى وَتَحْفَظَ الْبَطْنَ وَمَا حَوَى وَتَتَذَكَّرَ الْمَوْتَ وَالْبِلَى وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ تَرَكَ زِينَةَ الدُّنْيَا فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدِ اسْتَحْيَا مِنَ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ) رواه الترمذي وحسنه الألباني.

وما عاقب اللهُ قلبًا بأشدَّ من أن يسلب منه الحياء، قال ابن عمر رضي الله عنهما: "إن الحياء والإيمان قُرِنَا جميعاً فإذا رُفِعَ أحدهما رُفِعَ الآخر" اللهم ارزقنا الحياء، اللهم زينا بزينة الإيمان واجعلنا هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين، أقول ما تسمعون واستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَلاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ تَعْظِيمًا لِشَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إِلَى رِضْوانِهِ، صَلَّى اللهُ عَليْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَعْوَانِهِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا. أما بعد:

عباد الله الحياء زينة وجمال لصاحبه، قال النبي صلى الله عليه وسلم: " وَلاَ كَانَ الْحَيَاءُ فِي شَيْءٍ إِلاَّ زَانَهُ"؛ أي: زَيَّنَهُ. رواه الترمذي وصححه الألباني.

قال ابن القيم رحمه الله: "الحياء مادة الحياة للقلب، وهو أصل كل خير، وذهابه ذهاب الخير أجمعه".

عباد الله علينا أن نتحلى بهذا الخلق العظيم ونربي أهلينا عليه حتى تساق إليهم الخيرات ويسعد في الحياة الدنيا وبعد الممات.

ومن صور الحياء ترك الذنوب والمعاصي والحذر كل الحذر من المجاهرة بها فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " كل أمتي معافى إلا المجاهرين، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملا، ثم يصبح وقد ستره الله عليه، فيقول: يا فلان، عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربه، ويصبح يكشف ستر الله عنه "رواه البخاري

ومن صور الحياء التزام المسلمة بالستر والحجاب والبعد عن التبرج والسفور قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صنفان من أهل النار لم أرهما، قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات، رءوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة، ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا» رواه مسلم. فعلينا عباد الله أن ربي أسرنا على الحجاب ونحببهم فيه.

ومن صور الحياء التي ينبغي أن نربي عليه أسرنا أن تبتعد المرأة عن مزاحمة الرجال في الأماكن العامة كالأسواق والمنتزهات والحدائق وأماكن المشي فعَنْ حَمْزَةَ بْنِ أَبِي أُسَيْدٍ الْأَنْصَارِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: وَهُوَ خَارِجٌ مِنَ الْمَسْجِدِ فَاخْتَلَطَ الرِّجَالُ مَعَ النِّسَاءِ فِي الطَّرِيقِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلنِّسَاءِ: «اسْتَأْخِرْنَ، فَإِنَّهُ لَيْسَ لَكُنَّ أَنْ تَحْقُقْنَ الطَّرِيقَ عَلَيْكُنَّ بِحَافَّاتِ الطَّرِيقِ» فَكَانَتِ الْمَرْأَةُ تَلْتَصِقُ بِالْجِدَارِ حَتَّى إِنَّ ثَوْبَهَا لَيَتَعَلَّقُ بِالْجِدَارِ مِنْ لُصُوقِهَا بِهِ » رواه أبو داود وحسنه الألباني

ومن صور الحياء أن يستر المسلم عورته أمام الناس، فعن جرهد، رضي الله عنه قال: جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم عندنا وفخذي منكشفة فقال: «أما علمت أن الفخذ عورة» رواه أبو داود.

ألا ما أحوجنا عباد الله إلى أن نتحلى بهذا الخلق العظيم ونربي أنفسنا وأهلينا عليه، اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت واصرف عننا سيئها فإنه لا يصرف سيئها إلا أنت.



([1]) قال شعيب الأرنؤوط : إسناده صحيح على شرط الشيخين

المرفقات

1691669157_أي حياء هذا !.pdf

المشاهدات 1366 | التعليقات 0