أي النملتين أنت؟ (خطبة استسقاء تناسب طلاب الثانوية)
سامي بن محمد العمر
1438/02/07 - 2016/11/07 16:34PM
أما بعد:
فيا بُني... أي النملتين أنت؟
أيُّ هذين المثلين تختار أن ينطبق عليك؟
أتلك النملة التي أوردت قومها الهلاك، وكانت سببا في إحراقهم.
أم تلك النملة التي كانت سببا في نجاة قومها وسعادتهم.
أما النملة الأولى ... فنملةٌ قدَّر اللهُ أن تلدغ نبياً من الأنبياء فكانت ردَّة فعله ما حكاه لنا الأئمة في صحاحهم عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ( نزل نبي من الأنبياء تحت شجرة , فلدغته نملة , فأمر بجهازه فأخرج من تحتها , ثم أمر بقرية النمل فأحرقت، فأوحى الله إليه أن: قرصتك نملة ، فأهلكتَ أمةً من الأمم تسبح؟ فهلا نملة واحدة؟).
أما النملة الثانية... فنملةٌ خرجت كباقي النمل تجمع مؤونة الشتاء في وادٍ من الأودية لتتفاجأ بجيش عظيم يدخل من طرف الوادي إنه جيش سليمان عليه السلام.
فماذا فعلت يا ترى؟
لقد قصَّ الله علينا خبرها فقال تعالى : ﴿ وحُشر لسليمان جنوده من الجن والإنس والطير فهم يوزعون * حتى إذا أتوا على واد النمل قالت نملة يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون﴾.
إن النملة التي تفوهت بهذا الكلام .. لأفصحُ وأبلغُ من كثير من العرب.
لقد: أحستْ، وبادرتْ، ونادتْ، ونبهتْ، وأمرتْ، ونهتْ، وأكدتْ، ونصحتْ، وبالغتْ، وبيَّنتْ، وأنذرتْ، وأعذرتْ ، ونفتْ، واعتذرتْ .
أحست... بقرب الخطر عليها وعلى بني جنسها، وهو الهلاك المحقق تحت أقدام هذا الجيش.
فبادرت... لإنقاذ أمتها بالبحث عن حلٍّ لهذه المشكلةِ الكبرى، والبَلِيَّةِ العظمى.
فنادت... (يا) وهي أداة لنداء البعيد، لحرصها على نجاة الجميع؛ البعيد منهم قبل القريب.
ونبهت... بحرف التنبيه (أيُّها) لشد انتباه كُلِّ نملِ الوادي، ولم تقل (يا نمل) بل قالت (يا أيها النمل) حتى لا يتوهم أحدٌ منهم أنها تعني طائفة دون أخرى.
وأمرت... فقالت (ادخلوا) مخاطبةً لهم خطابَ العاقل، ولم تقل (ادخلن) لأنه خطابٌ يحتاجُ لعقلٍ يعي النصيحةَ ويعملُ بها.
ولذا قالت (مساكنكم) ولم تقل (جحوركم) أونحوها... لأنها أرادت باختصار العبارة: ادخلوا جحوركم وتعمقوا فيها، حتى تصلوا إلى الموضع الذي يسكن فيه خوفكم، وتطمئن قلوبكم.
ونهت ... (لا يحطمنكم سليمان وجنوده).
وأكدت ... هذا النهيَ بنون التوكيد في (يحطمنَّكم).
وقد نصحت... لأمتها في بيان الخطر.
وبالغت... في تعميم الحَطْمِ للجميع إن لم يستجيبوا لها.
وبيَّنت... ذاك الذي سيحطمهم، وأنه (سليمان) مقتصرة على اسمه فقط، لأن في ذكرِ مزيدٍ من الألقابِ له؛ أَخْذُ جزءٍ من الوقت، قد يكون استغلاله في الهرب أولى وأنجى، ولكونِ الجميعِ يعرفُ من هو سليمان عليه السلام.
ثم لو كان الأمر مقتصراً على مرور نبيِّ الله سليمانَ عليه السلام لهان؛ ولكن ... معه جنودُهُ، وبكثرتهم واندفاعهم وعدم اكتراثهم بكم؛ سيشكلون الخطر الأكبر.
وفي استخدامها للفظ (لا يحطمنكم) وهو الكسر والتهشيم، إشعارٌ بأنَّ جسمَ النملةِ يحتوي على مادةٍ تُشبه الزجاج؛ تتحطم مثله تماماً، وهو ما أثبته بعض الباحثين اليوم.
وهي بعد هذا قد أتمت إنذارَهَا لقومِها، وبقي من بلاغتها أن تعتذرَ نيابةً عن هذا الجيش الداخلِ بقوةٍ إلى بطنِ الوادي، بأنَّ أفرادَهُ (لا يشعرون ) بكم حقيقةً، فهم إذاً غيرُ قاصدين إيذاءَكم، ولا متعمدينَ إهلاكَكَم.
أيها الأبناء الأعزاء... اعلموا أن بعض شبابنا اليوم، حين يقتحمون حمى الله ومحارمه، ويتجرَّؤون على فِعْلِ ما يُغضبه، فإنهم يُلقون بأنفسِهِم وأمتِهِم إلى نفسِ المصيرِ الذي نتَجَ من فعلِ النملةِ الأولى... قال الله تعالى ( وإذا أردنا أن نهلك قرية؛ أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميراً)
ولا شك أن قلةَ الأمطارِ، وإجدابَ الأرضِ نوعٌ من أنواعِ عقوبةِ الله ِالشاملةِ، ولذا قال مجاهدٌ رحمه الله في قوله تعالى: {ويلعنهم اللاعنون} هي البهائم؛ إذا أجدبت الأرض، قالت: هذا من أجل عصاة بني آدم، لعن الله عصاة بني آدم!.
إن الواجب عليكم – أيها الشباب – أن تتمثلوا حال النملةِ الثانيةِ؛ التي أفادتنا بفعلها ذاك دروساً وفوائدَ، منها:
1- أن نُقدم المصلحةَ العامةَ للأمةِ على مصالحنا الشخصيةِ، ورغباتِنا وأهوائِنا، فلئن كان بمقدور النملةِ أن تأويَ إلى جانبٍ عالٍ من الوادي فتنجوَ من الجيش؛ فإنها لم تفعل.
ولئن هممتَ يوماً أن تعصيَ اللهَ مع علمِكَ بنتيجةِ ذلك على أمتِكَ؛ فلعلك أن لا تفعلَ ، حتى لا تكونَ النملةُ خيراً منك!.
2- أن لا نحتقرَ أنفسنا في نفعِ أمتنا، ولو كَثُر فينا الصالحون، فلا تقُلْ لِمَ أُصلي الاستسقاء وهناك من يصلي غيري؟ ولِمَ أُلِحُّ في الدعاء وهناك من هو أتقى مني؟
ولو قالت النملة ذلك عند قدوم الجيش لما نجا أحدٌ!
ذكر ابن قدامة - رحمه الله - في كتاب التوابين:
أنه لحق بني إسرائيل قحطٌ على عهد موسى - عليه السلام - فاجتمعَ الناسُ إليه فقالوا: يا كليمَ الله! ادعُ لنا ربك أن يسقينا الغيثَ؛ فقام معهم وخرجوا إلى الصحراء، وهم سبعون ألفاً أو يزيدون؛ فقال موسى - عليه السلام -:
إلهي! اسقنا غيثك، وانشر علينا رحمتك، وارحمنا بالأطفال الرُّضع، والبهائم الرُّتع، والمشايخ الرُّكع، فما زادت السماء إلا تقَشُّعاً والشمس إلا حرارةً.
فأوحى الله إليه: إنَّ فيكم عبداً يُبارزني منذ أربعين سنةً بالمعاصي؛ فَنَادِ في الناس حتى يخرجَ من بين أظْهُرِكم فَبِهِ مَنعْتُكم.
فقال: موسى: إلهي وسيدي! أنا عبدٌ ضعيفٌ، وصوتي ضعيفٌ، فأين يبلغُ وهم سبعون ألفاً أو يزيدون؟ فأوحى اللهُ إليه: منكَ النداءُ ومني البلاغ.
فقام منادياً وقال: يا أيها العبدُ العاصي الذي يبارز الله منذ أربعين سنة! اخرجْ من بين أظهرنا فبِك مُنعنا المطر.
فنظر العبدُ العاصي ذات اليمين وذات الشمال فلم يرَ أحداً خرَجَ؛ فعلم أنه المطلوب فقال في نفسه: إنْ أنا خرجت من بين هذا الخلقِ افتُضِحتُ على رؤوس بني إسرائيل، وإن قعدتُ معهم منعوا لأجلي! فأدخل رأسه في ثيابه نادماً على فعاله، وقال:
إلهي وسيدي! عصيتك أربعين سنة وأمهلتني، وقد أتيتك طائعاً فاقبلني، فلم يَستَتِمَّ الكلامَ حتى ارتفعت سحابةٌ بيضاء فأمطرت كأفواهِ القِرب.
فقال موسى: إلهي وسيدي! بماذا سقيتنا وما خرج من بين أظهرنا أحدٌ؟ فقال: يا موسى! سقيتكم بالذي به منعتكم.
فقال موسى: إلهي! أرني هذا العبدَ الطائعَ فقال: يا موسى! إني لم أفضحه وهو يعصيني أأفضحه وهو يطيعني؟!
أيها الابن المبارك:
أرأيت كيف أن التوبة المحبوبة إلى الله لها أثرٌ عجيبٌ في تغيُّرِ الأحوال، وتبدُّلِ الأوضاع!
ولذا فإني أدعوك ونفسي - الآن - لتوبة نصوح ، يمحو الله بها ذنوبنا ويستر بها عيوبنا، ويرحم بها أمتنا ..
إلى توبةٍ نقلعُ فيها فوراً عن ذنوبنا، ونندمُ على ما أسلفنا منها، ونعزمُ أن لا نعود لمثلها، ونردُّ ما علينا من الحقوق لأصحابها.
** قال الله تعالى حكاية عن نوح عليه السلام: (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا)
** ولما أجدب الناس في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، استسقى بالعباس رضي الله عنه لقرابته من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال العباس :
اللهم إنه لم ينزل بلاء إلا بذنب، ولم يكشف إلا بتوبة، وقد توجه القوم بي إليك لمكاني من نبيك، وهذه أيدينا إليك بالذنوب ونواصينا إليك بالتوبة، فاسقنا الغيث، فأرخت السماء حتى أخصبت الأرض وعاش الناس.
اللهم أنت الله لا إله إلا أنت.. أنت الغني ونحن الفقراء.. أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين.
اللهم أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين. اللهم أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين.
اللهم لا تحرمنا خير ما عندك بشرِّ ما عندنا، اللهم إنا خلقٌ من خلقِك.. فلا تمنع عنا بذنوبنا فضلك يا ذا الجلال والإكرام..
اللهم أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، واجعل ما أنزلت علينا قوةً لنا وبلاغًا إلى حين..
اللهم إنه لم ينزل بلاءٌ إلا بذنب ولم يُكْشَفْ إلا بتوبة.. وهذه أيدينا إليك بالذنوب ونواصينا إليك بالتوبة فاسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين..
اللهم اسقنا غيثًا مغيثًا هنيئًا مريئًا غدقًا مجلّلا سحًّا طبقًا نافعًا غير ضار عاجلًا غير آجل.. اللهم لتُحُيي به البلاد وتَسْقِي به العباد ولِتَجْعَله بلاغًا للحاضر والباد.
اللهم....
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
فيا بُني... أي النملتين أنت؟
أيُّ هذين المثلين تختار أن ينطبق عليك؟
أتلك النملة التي أوردت قومها الهلاك، وكانت سببا في إحراقهم.
أم تلك النملة التي كانت سببا في نجاة قومها وسعادتهم.
أما النملة الأولى ... فنملةٌ قدَّر اللهُ أن تلدغ نبياً من الأنبياء فكانت ردَّة فعله ما حكاه لنا الأئمة في صحاحهم عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ( نزل نبي من الأنبياء تحت شجرة , فلدغته نملة , فأمر بجهازه فأخرج من تحتها , ثم أمر بقرية النمل فأحرقت، فأوحى الله إليه أن: قرصتك نملة ، فأهلكتَ أمةً من الأمم تسبح؟ فهلا نملة واحدة؟).
أما النملة الثانية... فنملةٌ خرجت كباقي النمل تجمع مؤونة الشتاء في وادٍ من الأودية لتتفاجأ بجيش عظيم يدخل من طرف الوادي إنه جيش سليمان عليه السلام.
فماذا فعلت يا ترى؟
لقد قصَّ الله علينا خبرها فقال تعالى : ﴿ وحُشر لسليمان جنوده من الجن والإنس والطير فهم يوزعون * حتى إذا أتوا على واد النمل قالت نملة يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون﴾.
إن النملة التي تفوهت بهذا الكلام .. لأفصحُ وأبلغُ من كثير من العرب.
لقد: أحستْ، وبادرتْ، ونادتْ، ونبهتْ، وأمرتْ، ونهتْ، وأكدتْ، ونصحتْ، وبالغتْ، وبيَّنتْ، وأنذرتْ، وأعذرتْ ، ونفتْ، واعتذرتْ .
أحست... بقرب الخطر عليها وعلى بني جنسها، وهو الهلاك المحقق تحت أقدام هذا الجيش.
فبادرت... لإنقاذ أمتها بالبحث عن حلٍّ لهذه المشكلةِ الكبرى، والبَلِيَّةِ العظمى.
فنادت... (يا) وهي أداة لنداء البعيد، لحرصها على نجاة الجميع؛ البعيد منهم قبل القريب.
ونبهت... بحرف التنبيه (أيُّها) لشد انتباه كُلِّ نملِ الوادي، ولم تقل (يا نمل) بل قالت (يا أيها النمل) حتى لا يتوهم أحدٌ منهم أنها تعني طائفة دون أخرى.
وأمرت... فقالت (ادخلوا) مخاطبةً لهم خطابَ العاقل، ولم تقل (ادخلن) لأنه خطابٌ يحتاجُ لعقلٍ يعي النصيحةَ ويعملُ بها.
ولذا قالت (مساكنكم) ولم تقل (جحوركم) أونحوها... لأنها أرادت باختصار العبارة: ادخلوا جحوركم وتعمقوا فيها، حتى تصلوا إلى الموضع الذي يسكن فيه خوفكم، وتطمئن قلوبكم.
ونهت ... (لا يحطمنكم سليمان وجنوده).
وأكدت ... هذا النهيَ بنون التوكيد في (يحطمنَّكم).
وقد نصحت... لأمتها في بيان الخطر.
وبالغت... في تعميم الحَطْمِ للجميع إن لم يستجيبوا لها.
وبيَّنت... ذاك الذي سيحطمهم، وأنه (سليمان) مقتصرة على اسمه فقط، لأن في ذكرِ مزيدٍ من الألقابِ له؛ أَخْذُ جزءٍ من الوقت، قد يكون استغلاله في الهرب أولى وأنجى، ولكونِ الجميعِ يعرفُ من هو سليمان عليه السلام.
ثم لو كان الأمر مقتصراً على مرور نبيِّ الله سليمانَ عليه السلام لهان؛ ولكن ... معه جنودُهُ، وبكثرتهم واندفاعهم وعدم اكتراثهم بكم؛ سيشكلون الخطر الأكبر.
وفي استخدامها للفظ (لا يحطمنكم) وهو الكسر والتهشيم، إشعارٌ بأنَّ جسمَ النملةِ يحتوي على مادةٍ تُشبه الزجاج؛ تتحطم مثله تماماً، وهو ما أثبته بعض الباحثين اليوم.
وهي بعد هذا قد أتمت إنذارَهَا لقومِها، وبقي من بلاغتها أن تعتذرَ نيابةً عن هذا الجيش الداخلِ بقوةٍ إلى بطنِ الوادي، بأنَّ أفرادَهُ (لا يشعرون ) بكم حقيقةً، فهم إذاً غيرُ قاصدين إيذاءَكم، ولا متعمدينَ إهلاكَكَم.
أيها الأبناء الأعزاء... اعلموا أن بعض شبابنا اليوم، حين يقتحمون حمى الله ومحارمه، ويتجرَّؤون على فِعْلِ ما يُغضبه، فإنهم يُلقون بأنفسِهِم وأمتِهِم إلى نفسِ المصيرِ الذي نتَجَ من فعلِ النملةِ الأولى... قال الله تعالى ( وإذا أردنا أن نهلك قرية؛ أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميراً)
ولا شك أن قلةَ الأمطارِ، وإجدابَ الأرضِ نوعٌ من أنواعِ عقوبةِ الله ِالشاملةِ، ولذا قال مجاهدٌ رحمه الله في قوله تعالى: {ويلعنهم اللاعنون} هي البهائم؛ إذا أجدبت الأرض، قالت: هذا من أجل عصاة بني آدم، لعن الله عصاة بني آدم!.
إن الواجب عليكم – أيها الشباب – أن تتمثلوا حال النملةِ الثانيةِ؛ التي أفادتنا بفعلها ذاك دروساً وفوائدَ، منها:
1- أن نُقدم المصلحةَ العامةَ للأمةِ على مصالحنا الشخصيةِ، ورغباتِنا وأهوائِنا، فلئن كان بمقدور النملةِ أن تأويَ إلى جانبٍ عالٍ من الوادي فتنجوَ من الجيش؛ فإنها لم تفعل.
ولئن هممتَ يوماً أن تعصيَ اللهَ مع علمِكَ بنتيجةِ ذلك على أمتِكَ؛ فلعلك أن لا تفعلَ ، حتى لا تكونَ النملةُ خيراً منك!.
2- أن لا نحتقرَ أنفسنا في نفعِ أمتنا، ولو كَثُر فينا الصالحون، فلا تقُلْ لِمَ أُصلي الاستسقاء وهناك من يصلي غيري؟ ولِمَ أُلِحُّ في الدعاء وهناك من هو أتقى مني؟
ولو قالت النملة ذلك عند قدوم الجيش لما نجا أحدٌ!
ذكر ابن قدامة - رحمه الله - في كتاب التوابين:
أنه لحق بني إسرائيل قحطٌ على عهد موسى - عليه السلام - فاجتمعَ الناسُ إليه فقالوا: يا كليمَ الله! ادعُ لنا ربك أن يسقينا الغيثَ؛ فقام معهم وخرجوا إلى الصحراء، وهم سبعون ألفاً أو يزيدون؛ فقال موسى - عليه السلام -:
إلهي! اسقنا غيثك، وانشر علينا رحمتك، وارحمنا بالأطفال الرُّضع، والبهائم الرُّتع، والمشايخ الرُّكع، فما زادت السماء إلا تقَشُّعاً والشمس إلا حرارةً.
فأوحى الله إليه: إنَّ فيكم عبداً يُبارزني منذ أربعين سنةً بالمعاصي؛ فَنَادِ في الناس حتى يخرجَ من بين أظْهُرِكم فَبِهِ مَنعْتُكم.
فقال: موسى: إلهي وسيدي! أنا عبدٌ ضعيفٌ، وصوتي ضعيفٌ، فأين يبلغُ وهم سبعون ألفاً أو يزيدون؟ فأوحى اللهُ إليه: منكَ النداءُ ومني البلاغ.
فقام منادياً وقال: يا أيها العبدُ العاصي الذي يبارز الله منذ أربعين سنة! اخرجْ من بين أظهرنا فبِك مُنعنا المطر.
فنظر العبدُ العاصي ذات اليمين وذات الشمال فلم يرَ أحداً خرَجَ؛ فعلم أنه المطلوب فقال في نفسه: إنْ أنا خرجت من بين هذا الخلقِ افتُضِحتُ على رؤوس بني إسرائيل، وإن قعدتُ معهم منعوا لأجلي! فأدخل رأسه في ثيابه نادماً على فعاله، وقال:
إلهي وسيدي! عصيتك أربعين سنة وأمهلتني، وقد أتيتك طائعاً فاقبلني، فلم يَستَتِمَّ الكلامَ حتى ارتفعت سحابةٌ بيضاء فأمطرت كأفواهِ القِرب.
فقال موسى: إلهي وسيدي! بماذا سقيتنا وما خرج من بين أظهرنا أحدٌ؟ فقال: يا موسى! سقيتكم بالذي به منعتكم.
فقال موسى: إلهي! أرني هذا العبدَ الطائعَ فقال: يا موسى! إني لم أفضحه وهو يعصيني أأفضحه وهو يطيعني؟!
أيها الابن المبارك:
أرأيت كيف أن التوبة المحبوبة إلى الله لها أثرٌ عجيبٌ في تغيُّرِ الأحوال، وتبدُّلِ الأوضاع!
ولذا فإني أدعوك ونفسي - الآن - لتوبة نصوح ، يمحو الله بها ذنوبنا ويستر بها عيوبنا، ويرحم بها أمتنا ..
إلى توبةٍ نقلعُ فيها فوراً عن ذنوبنا، ونندمُ على ما أسلفنا منها، ونعزمُ أن لا نعود لمثلها، ونردُّ ما علينا من الحقوق لأصحابها.
** قال الله تعالى حكاية عن نوح عليه السلام: (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا)
** ولما أجدب الناس في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، استسقى بالعباس رضي الله عنه لقرابته من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال العباس :
اللهم إنه لم ينزل بلاء إلا بذنب، ولم يكشف إلا بتوبة، وقد توجه القوم بي إليك لمكاني من نبيك، وهذه أيدينا إليك بالذنوب ونواصينا إليك بالتوبة، فاسقنا الغيث، فأرخت السماء حتى أخصبت الأرض وعاش الناس.
اللهم أنت الله لا إله إلا أنت.. أنت الغني ونحن الفقراء.. أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين.
اللهم أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين. اللهم أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين.
اللهم لا تحرمنا خير ما عندك بشرِّ ما عندنا، اللهم إنا خلقٌ من خلقِك.. فلا تمنع عنا بذنوبنا فضلك يا ذا الجلال والإكرام..
اللهم أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، واجعل ما أنزلت علينا قوةً لنا وبلاغًا إلى حين..
اللهم إنه لم ينزل بلاءٌ إلا بذنب ولم يُكْشَفْ إلا بتوبة.. وهذه أيدينا إليك بالذنوب ونواصينا إليك بالتوبة فاسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين..
اللهم اسقنا غيثًا مغيثًا هنيئًا مريئًا غدقًا مجلّلا سحًّا طبقًا نافعًا غير ضار عاجلًا غير آجل.. اللهم لتُحُيي به البلاد وتَسْقِي به العباد ولِتَجْعَله بلاغًا للحاضر والباد.
اللهم....
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.