أَيُّ النَّاسِ أَشَدُّ بَلَاءً؟!
يوسف العوض
الخطبة الأولى :
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ:عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «إِنَّ أَوَّلَ مَا خَلَقَ اللَّهُ الْقَلَمُ، فَقَالَ لَهُ: اكْتُبْ، قَالَ: رَبِّ، وَمَاذَا أَكْتُبُ؟قَالَ: اكْتُبْ مَقَادِيرَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ» فَاللهُ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ كَتَبَ مَا يَجْرِي عَلَى الْعِبَادِ مِنْ أَقْدَارٍ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَهُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِهِمْ؛ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ-رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «كَتَبَ اللهُ مَقَادِيرَ الْخَلَائِقِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ» .
عِبَادَ اللهِ : وَإِنَّ مِمَّا كَتَـبَهُ اللهُ تَعَالَى عَلَى الْعَبْدِ وَقَدَّرَهُ قَبْلَ أَنْ يُنْشِئَهُ وَيُصَوِّرَهُ: الِابْتِلَاءَاتِ وَالْمَصَائِبَ وَالْأَقْدَارَ الْمُؤْلِمَةَ الَّتِي تَقَعُ عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا؛ لِيَمْتَحِنَ صَبْرَهُ وَرِضَاهُ،وَيَسْمَعَ تَضَرُّعَهُ وَنَجْوَاهُ، فَمَا أَصَابَ الْعَبْدَ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَهُ وَمَا أَخْطَأَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَهُ؛قَالَ اللهُ تَعَالَى: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْنَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ } فَالْمَصَائِبُ وَالْمِحَنُ وَالِابْتِلَاءَاتُ اخْتِبَارٌ لِإِيمَانِ الْعِبَادِ وَصَبْرِهِمْ؛ قَالَ تَعَالَى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ} .
عِبَادَ اللهِ:إِنَّ الْمُؤْمِنَ بِاللهِ حَقَّ الْإِيمَانِ: مَنْ إِذَا أَصَابَتْهُ مُصِيبَةٌ أَظْهَرَ الرِّضَا وَالصَّبْرَ وَاحْتِسَابَ الْأَجْرِ، وَأَحْسَنَ الظَّنَّ بِاللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَمَنَعَ نَفْسَهُ مِنَ الذُّعْرِ وَالْجَزَعِ، وَحَبَسَ جَوَارِحَهُ عَنِ التَّسَخُّطِ وَالْفَزَعِ؛ فَالِابْتِلَاءُ قَدْ يَكُونُ عَلَامَةً عَلَى حُبِّ اللهِ لِلْعَبْدِ؛ فَعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ عِظَمَ الْجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ الْبَلَاءِ،وَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلَاهُمْ، فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا، وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السَّخَطُ».
الخطبة الثانية
عبادَ اللهِ : الْأَنْبِيَاءُ -وَهُمْ صَفْوَةُ اللهِ مِنْ خَلْقِهِ- أَشَدُّ النَّاسِ بَلَاءً؛ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يُوعَكُ، فَوَضَعْتُ يَدِي عَلَيْهِ فَوَجَدْتُ حَرَّهُ بَيْنَ يَدَيَّ فَوْقَ اللِّحَافِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا أَشَدَّهَا عَلَيْكَ! قَالَ:«إِنَّا كَذَلِكَ يُضَعَّفُ لَنَا الْبَلَاءُ، وَيُضَعَّفُ لَنَا الْأَجْرُ» قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ النَّاسِ أَشَدُّ بَلَاءً؟قَالَ: «الْأَنْبِيَاءُ»، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: «ثُمَّ الصَّالِحُونَ، إِنْ كَانَ أَحَدُهُمْ لَيُبْتَلَى بِالْفَقْرِ، حَتَّى مَا يَجِدُ أَحَدُهُمْ إِلَّا الْعَبَاءَةَ يَجُوبُهَا، وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمْ لَيَفْرَحُ بِالْبَلَاءِ،كَمَا يَفْرَحُ أَحَدُكُمْ بِالرَّخَاءِ» يَجُوبُهَا أَيْ يُخَرِّقُهَا لِيَلْبَسَهَا مِنْ شِدَّةِ الْفَقْرِ؛ وَلِذَلِكَ يَنْبَغِي عَلَى مَنْ أُصِيبُ بِشَيْءٍ مِنْ أَقْدَارِ اللهِ الْمُؤْلِمَةِ: أَنْ يُظْهِرَ الرِّضَا لِمَوْلَاهُ.