أيهما أشد:مرض الأجساد أم مرض الفؤاد؟

الخطبة الأولى:
أيها المسلمون:روى الذهبي في ســير أعــلام النبلاء أن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه مرض،فعاده عثمان، رضي الله عنه وقال : ما تشتكي؟قال:ذنوبي،قال:فما تشتهي؟قال:رحمة ربي، قال :ألا آمر لك بطبيب؟ قال:الطبيب أمرضني،قال:ألا آمر لك بعطاء؟قال:لا حاجة لي فيه. ما أشد حاجتنا لهذا الشعور !
أن نستشعر ذنوبنا ونتذكرها،من ذا الذي ما ساء قط؟!
ومن له الحسنى فقط؟!
هذا عبدالله بن مسعود رضي الله عنه يستشعر ذنوبه ويتذكرها ويخاف منها!
ومن يكون عبدالله بن مسعود؟!
الإمامُ الحبرُ فقيه الأمة، أبو عبدالرحمن الهُذلي المكيُّ المهاجري البَدْري، حليف بني زهرة، كان من السابقين الأولين، ومن النجباء العاملين، شهد بدرًا،والمشاهد كلها وهاجر الهجرتين.
لازم النبي صلى الله عليه وسلم ، وكان صاحب نعليه وطهوره، وسواكه، ووساده، وسره، وحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم بالكثير، وبعد الهجرة آخى النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين سعد بن معاذ، وقال عن نفسه: لقد رأيتني سادس ستة، وما على ظهر الأرض مسلم غيرنا.
وقال أيضاً: والله الذي لا إله غيره، ما أنزلت سورة من كتاب الله إلا أنا أعلم أين نزلت، ولا أُنزلت آية من كتاب الله إلا أنا أعلم فيم أُنزلت، ولو أعلم أحداً أعلم مني بكتاب الله تبلغه الإبل لأتيته، وقال أيضاً: والله لقد أخذت مِنْ فِيْ رسول الله صلى الله عليه وسلم بضعاً وسبعين سورة، والله لقد علم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أني مِنْ أعلمهم بكتاب الله وما أنا بخيرهم.
وقد وردت أحاديث كثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم تبين فضله ومكانته العظيمة، روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أبي موسى رضي الله عنه قال: "قَدِمْــتُ أَنـَا وَأَخِـي مِـنَ الـْيَـمَنِ فَـمَكَـثـْـنَا حِينًا ومَا نَرَى ابْنَ مَـسْـعـُودٍ وَأُمّـَهُ إِلَّا مِـنْ أَهْـلِ بـَـيـْتِ رَسُــــــــولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ كَثْرَةِ دُخُولِهِمْ وَلُزُومِهِمْ لَهُ".
وروى البخاري في صحيحه من حديث عبد الرحمن ابن يزيد - رضي الله عنه - قال: سَأَلْنَا حُذَيْفَةَ عَنْ رَجُلٍ قَرِيبِ السَّمْتِ وَالْهَدْيِ مِنَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى نَأْخُذَ عَنْهُ؟ فَقَالَ: مَا أَعْرِفُ أَحَدًا أَقْرَبَ سَمْتًا وَهَدْيًا وَدَلًّا بِالنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مِنِ ابْنِ أُمِّ عَبْدٍ. وكان - رضي الله عنه - من فقهاء الصحابة وقرائهم، روى البخاري ومسلم من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"خُذُوا الْقُرْآنَ مِنْ أَرْبَعَةٍ:مِنِ ابْنِ أُمِّ عَبْدٍ،- فَبَدَأَ بِهِ - وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ،وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ،وَسَالِمٍ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ".
وكان الصحابة يتعجبون من دقة ساقيه، فأخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - بمنزلته عند ربه، فروى الإمام أحمد في مسنده من حديث ابن مسعود - رضي الله عنه -: أَنَّهُ كَانَ يَجْتَنِي سِوَاكًا مِنَ الْأَرَاكِ، وَكَانَ دَقِيقَ السَّاقَيْنِ، فَجَعَلَتِ الرِّيحُ تَكْفَؤُهُ فَضَحِكَ الْقَوْمُ مِنْهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم -: "مِمَّ تَضْحَكُونَ؟" قَالُوا: يَا نَبِيَّ اللَّهِ مِنْ دِقَّةِ سَاقَيْهِ، فَقَالَ: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَهُمَا أَثْقَلُ فِي الْمِيزَانِ مِنْ أُحُدٍ".
له أقوال عظيمة منها: أنه كان يقول إذا قعد: "إنكم في ممر الليل والنهار، في آجال منقوصة، وأعمال محفوظة، والموت يأتي بغتة، من زرع خيراً يوشك أن يحصد رغبة، ومن زرع شراً يوشك أن يحصد ندامة، ولكل زارع مِثلُ ما زرع، لا يَسبقُ بطيء بحظه، ولا يُدرِكُ حريص ما لم يُقدَّر له، فمن أُعطي خيراً، فالله أعطاه، ومن وُقي شراً، فالله وقاه، المُتَّقُون سادة، والفقهاء قادة، ومجالستهم زيادة".
مات بالمدينة ودفن بالبقيع سنة اثنين وثلاثين من الهجرة .
عباد الله:لقد استشعر هذا الصحابي الجليل ذنوبه وأيقن أن المرض الحقيقي ليس هو المرض الذي يحسه في جسده وأعضائه وإنما المرض الحقيقي هو مرض القلب وقسوته ووحشته وتعلقه بغير ربه.
بارك الله لي ولكم،،،،

الخطبة الثانية:
عباد الله: إن الواجب علينا أن نُحس دائماً بهذا الإحساس ونتذكر أخطائنا وذنوبنا ونفكر دائما في محوها وغفرانها حتى لا تُثبّت في سجلات أعمالنا،وأن نستغفر الله منها قبل أن تخذلنا عند موتنا أو نحاسب عليها أمام ربنا ونندم عليها يوم لا تنفع الحسرة والندامة{يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى * يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي}.
ثم صلوا وسلموا،،،
المشاهدات 1596 | التعليقات 2

الله يفتح عليك شيخ عبدالرزاق وينفع بك ولا حرمنا الله الأسوة بأولئك الأطهار وشرف الاقتداء بهم والحشر معهم.


منكم نتعلم يا شيخ زياد ، زادني الله وإياك إيماناً وتقوى وعملاً وهدى وسداداً ورضا