أَيْنَ نَحْنُ مِنَ هَؤُلَاءِ [موافق للتعميم] 2 جُمَادَى الآخِرة 1442هـ

محمد بن مبارك الشرافي
1442/05/29 - 2021/01/13 16:54PM

أَيْنَ نَحْنُ مِنَ هَؤُلَاءِ [موافق للتعميم] 2 جُمَادَى الآخِرة 1442هـ

الْحَمْدُ للهِ الذِي تَعَاظَمَ مَلَكُوتُهُ فَاقْتَدَر، وَتَعَالَى جَبَرُوتُهُ فَقَهَر، أَعَزَّ مَنْ شَاءَ وَنَصَر، وَرَفَعَ أَقْوَامَاً بِحِكْمَتِهِ وَخَفَضَ أَقْوَامًا أُخَر، أَحْمَدُهُ عَلَى نِعِمٍ تَرْبُو عَلَى ذَرَّاتِ الرَّمْلِ وَقَطَرَاتِ الْمَطَر، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ عَلَى رَغْمِ أَنْفِ مَنْ جَحَدَ بِهِ وَكَفَر، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ سَيِّدُ الْبَشَر، الْمُؤَيُّدُ بِمُحْكَمِ الآيَاتِ وَمُعْجِزَاتِ السُّوَر، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ الْقَادَةِ الْخِيَر، وَالسَّادَاتِ الْغُرَر، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا إِلِى يِوْمِ الْمَحْشَر.

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ وَاعْمَلُوا لِلنَّجَاةِ يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيم.

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: إِنَّ مِمَّا يُعَانِي مِنْهُ مُجْتَمَعُنَا فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَحْيَانِ مَا يُسَمَّى بِالدَّعَاوَى الْكَيْدِيَّةِ, وَالتَي لا أَسَاسَ لَهَا فِي الْوَاقِعِ, وَإِنَّمَا الْحَامِلُ عَلَيْهَا الْحِقْدُ وَالْكَرَاهِيَّةُ, وَرُبَّمَا الْحَسْدُ بِسَبَبِ نِعْمَةٍ أَنعَمَ اللهُ بِهَا عَلَى الآخَرِينَ, وَهَذَا وَاللهِ خُلُقٌ ذَمِيمٌ وَتَصَرُّفٌ وَخِيمٌ, وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّءُ إِلَّا بِأَهْلَهِ.

إَنَّكَ لا تَرْضَى هَذَا التَّصَرُّفَ تِجَاهَكَ فَكَيْفَ تَرْضَاهُ لِلْآخَرِينَ؟ إِنَّهُ يُغِيظُكَ وَيَقُضُّ مَضْجَعَكَ أَنْ تُظْلَمَ فِي عِرْضِكَ أَوْ أَهْلِكَ أَوْ مَالِكَ فَكَيْفَ تُرِيدُهُ لِغَيْرِكَ ؟

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ دِينَنَا دِينُ الْعَدْلِ وَالْإِنْصَافِ وَلَيْسَ دِينَ الْحَيْفَ وَالظُّلْمِ, إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ حَرَّمَ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِهِ وَجَعَلَهُ بَيْنَنَا مُحَرَّمًا, وَإِنَّ الظُّلْمَ ظُلَمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.

أَيْنَ نَحْنُ مِنَ الْأَخْلَاقِ السَّامِيَةِ وَالتَّصَرُّفَاتِ الرَّفِيعَةِ, وَالْمُعَامَلَةِ الْعَالِيَةِ التِي كَانَ عَلَيْهَا سَلَفُنَا الصَّالِحُ رَحِمَهُمُ  اللهُ ؟ وَقَبْلَهُمْ نَبِيُّنَا وَقُدْوَتُنَا صَلَوَاتُ رَبِّي وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ. حَيْثُ جَاءَتْ مِنْ أَخْبَارِهِمْ مَا يَعْجَبُ الْإِنْسَانُ لَهَا, إِذَا قَارَنَّا بِهَا أَحْوَالَنَا الْيَوْمَ وَاللهُ الْمُسْتَعَانُ.

عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: كُنْتُ أَمْشِي مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيْهِ بُرْدٌ نَجْرَانِيٌّ غَلِيظُ الحَاشِيَةِ، فَأَدْرَكَهُ أَعْرَابِيٌّ فَجَذَبَهُ جَذْبَةً شَدِيدَةً، حَتَّى نَظَرْتُ إِلَى صَفْحَةِ عَاتِقِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَثَّرَتْ بِهِ حَاشِيَةُ الرِّدَاءِ مِنْ شِدَّةِ جَذْبَتِهِ، ثُمَّ قَالَ: مُرْ لِي مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي عِنْدَكَ، فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ فَضَحِكَ [النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] ، ثُمَّ أَمَرَ لَهُ بِعَطَاءٍ. متفق عليه.

وَهَذَا أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يَعْفُو عَمَّنَ قَذَفَ ابْنَتَهُ عَائِشَةَ الصِّدِّيقَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا, فَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ : قَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ: وَكَانَ يُنْفِقُ عَلَى مِسْطَحِ بْنِ أُثَاثَةَ لِقَرَابَتِهِ مِنْهُ وَفَقْرِهِ: وَاللَّهِ لاَ أُنْفِقُ عَلَى مِسْطَحٍ شَيْئًا أَبَدًا، بَعْدَ الَّذِي قَالَ لِعَائِشَةَ مَا قَالَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ {وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}، قَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ: بَلَى وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لِي، فَرَجَعَ إِلَى مِسْطَحٍ النَّفَقَةَ الَّتِي كَانَ يُنْفِقُ عَلَيْهِ، وَقَالَ: وَاللَّهِ لاَ أَنْزِعُهَا مِنْهُ أَبَدًا.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: وَهَذَا الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللهُ لَمَّا وَقَعَتْ فِتْنَةُ الْقَوْلِ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ حُبِسَ وَجُرْجِرَ، وَضُرِبَ وَاضْطُهِدَ وَأُوذِيَ أَشَدَّ الأَذَى، حَتَّى كَانَ يُضْرَبُ وَسْطَ نَهَارِ رَمَضَانَ فِي الْحَرِّ وَهُوَ صَائِمٌ حَتَّى يَفْقِدَ وَعْيَهُ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ يُنْقَلُ إِلَى مَوْضِعِهِ فِي السّجْنِ وَآثَارُ الدِّمَاءِ قَدْ لَطَّخَتْ ثِيَابَهُ، وَهُوَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ ! إِمَامُ أَهْلُ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ -رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ وَأَرْضَاهُ- إِمَامُ زَمَانِهِ وَمَعَ ذَلِكَ لَمْ يَنْتَصِرْ لِنَفْسِهِ، وَلَمْ يَغْضَبْ لِنَفْسِهِ، وَكَانَ يَقُولُ بَعْدَ ذَلِكَ: كُلَّ مَنْ ذَكَرَنِي فَفِي حِلٍّ، وَيَقُولُ: وَقَدْ جَعَلْتُ أَبَا إِسْحَاقٍ -يَعْنِي الْخَلِيفَةَ الْمُعْتَصِمَ وَهُوَ الذِي ضَرَبَهُ وَجَلَدَهُ- فِي حِلٍّ، وَرَأَيْتُ اللهَ يَقُولُ {وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ}.

فَهَذِهِ هِيَ الْأَخْلَاقُ التِي يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَحَلَّى بِهَا, لِنَنَالَ رِضَا اللهِ عَزَّ وَجَلَّ, وَنَكْسَبَ مَحَبَّةَ النَّاسِ, وَأَمَّا التَّشَفِّي وَالْأَحْقَادُ وَالْمَكَائِدُ فَوَالله لا تُكْسِبُكَ حَسَنَاتٍ فِي آخِرَتِكَ وَلا تَعِيشُ مُرْتَاحًا فِي دُنْيَاكَ, وَإِنَّمَا هُوَ الْغَمُّ وَالْحِقْدُ وَالْحَسَرَاتُ.

 فَالْإِمَامُ أَحْمَدُ بَعْدَمَا أُوذِيَ هَذَا الْأَذَى لَمْ يَفْتَحْ مَلَفَّاتٍ مِنَ الْأَحْقَادِ، وَسِجَلَّاتٍ مِنَ الْعَدَاوَةِ، وَيَقُولُ: فُلَانٌ هُوَ الْمُتَسَبِّبُ، وَفُلانٌ هُوَ الذِي سَعَى فِي الْمَوْضُوعِ، وَفُلانٌ خَذَلَنِي، وَفُلانٌ قَصَّرَ فِي حَقِّي، وَفَلانٌ لَمْ يَسْعَ فِي خَلاصِي مِنْ أَسْرِ هَؤُلاءِ، وَفُلانٌ مَا زَارَنِي بَعْدَ السِّجْنِ, ثُمَّ يَذْهَبُ يَرُدُّ لَهُ الصَّاعَ صَاعَيْنِ وَيَكِيدُ لَهُمْ وَيُحَاوُلُ إِيَذاءَهُمْ وَإِيصَالَ الشَّرِّ لَهُمْ, لا وَاللهِ بَلْ عَامَلَهُمْ بِالْعَكْسِ, قَالَ اللهُ تَعَالَى { وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ}.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: وَهَذَا شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ رَحِمَهُ اللهُ, أُوذِيَ وَرُمِيَ بِالْعَظَائِمِ، وَكَفَّرَهُ عُلَمَاءُ وَأَفْتَوْا السُّلْطَانَ بِقَتْلِهِ، حَتَّى ضَرَبَ بَعْضُهُمْ عَلَى صَدْرِهِ, وَقَالَ: اقْتُلْهُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَدَمُهُ فِي عُنُقِي، دَمُهُ حَلَالٌ.

وَكَانَ مِنَ أَلَدِّ أَعْدَائِهِ الذِينَ أَفْتَوْا بِقَتْلِهِ، وَبِحِلِّ دَمِهِ، رَجُلٌ مِنْ فُقَهَاءِ الْمَالِكِيَّةِ يُقَالُ لَهُ (ابْنُ مَخْلُوفٍ)، فَمَاتَ ابْنُ مَخْلُوفٍ هَذَا فِي حَيَاةِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ ابْنِ تَيْمِيَّةَ رَحِمَهُ اللهُ, فَعَلِمَ بِذَلِكَ ابْنُ الْقَيِّمِ تِلْمِيذُ شَيْخِ الْإِسْلَامِ، فَجَاءَ يُهَرْوِلُ إِلَى شَيْخِ الْإِسْلَامِ يُبَشِّرُهُ بِمَوْتِ أَكْبَرِ أَعْدَائِهِ، وَأَلَدِّ أَعْدَائِهِ وَهُوَ ابْنُ مَخْلُوفٍ، يَقُولُ لَهُ: أَبْشِرْ قَدْ مَاتَ ابْنُ مَخْلُوفٍ، فَمَاذَا صَنَعَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ ؟ هَلْ سَجَدَ سَجْدَةَ الشُّكْرِ وَقَالَ: الْحَمْدُ اللهِ الذِي خَلَّصَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ شَرِّهِ؟

لَمْ يَقْلُ ذَلِكَ, وَلَمْ يَفْرَحْ وَيَتَشَفَّ بِمَوْتِ عَدُوِّهِ, بَلْ يَقُولُ ابْنُ الْقَيِّمِ رَحِمَهُ اللهُ: فَنَهَرَنِي وَتَنَكَّرَ لِي، وَاسْتَرْجَعَ وَقَالَ: إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، ثُمَّ قَامَ مِنْ فَوْرِهِ إِلَى بَيْتِ أَهْلِهِ فَعَزَّاهُمْ، وَقَالَ: إِنِّي لَكُمْ مَكَانَهُ، وَلا يَكُونُ لَكُمْ أَمْرٌ تَحْتَاجُونَ فِيهِ إِلَى مُسَاعَدَةٍ إِلَّا وَسَاعَدْتُكُمْ فِيهِ، فَسُرُّوا بِهِ وَدَعْوَا لَهُ.
فَمَنْ مِنَّا يَصْنَعُ ذَلِكَ أَيُّهَا الْإِخْوَةُ ؟ مَنْ مِنَّا يَذْهَبُ إِلَى أَهْلِ خَصْمِهِ إِذَا مَاتَ وَيُعَزِّيهِمْ وَيَقولُ: لا تَكُونُ لَكُمْ حَاجَةٌ إِلَّا كُنْتُ لَكُمْ مَكَانَهُ، وَيُواسِيهِمْ، مَنْ مِنَّا يَصْنَعَ ذَلِكَ ؟

إِنَّمَا أَصْحَابُ النُّفُوسِ الْكَبِيرَةِ الذِينَ يَصْنَعُونَ ذَلِكَ، وَاللهِ لَوْ تَحَلَّيْنَا بِهَذِهِ الْأَخْلَاقِ لَاسْتَطَعْنَا أَنْ نَكْسَبَ كَثِيرًا مِنَ الْقُلُوبِ، لَكِنَّنَا قَدْ نَلْعَنُ هَؤُلاءِ الذِينَ نَخْتَلِفُ مَعَهُمْ سَبْعِينَ لَعْنَةً، وَنَتَعَامَلُ مَعَهُمْ بِالتَّعَامُلِ الصَّلْفِ الْحَادِّ؛ فَنَكُونُ بِهَذَا أَشِدَّاءَ عَلَى أَهْلِ الْإِيمَانِ، وَاللهُ وَصَفَ أَصْحَابَ نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, بِأَنَّهُمْ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ، وَاللهُ يَقُولُ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ}. أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ الْعَظِيمَ لِي وَلَكُمْ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم!

 

الخُطْبَةُ الثَّانِيَّةُ

الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ, وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى نَبِيِّهِ الْمُصْطَفَى وَرَسُولِهِ الْمُجْتَبَى وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ بِهُدَاهُمُ اهْتَدَى.

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ الظُّلْمَ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ, وَأَنَّ الْمَكْرَ السَّيِّءَ لا يَحِيقُ إِلَّا بِأَهْلِهِ, فَاحْذَرُوا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ مِنْ إِيذَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا, وَاتَّقُوا اللهَ فِي أَنْفُسِكُمْ وَإِخْوَانِكُمْ, قَالَ اللهُ تَعَالَى { وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا}, وَقَالَ جَلَّ وَعَلَا {وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ}.

وعَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم (مَنْ خَاصَمَ فِي بَاطِلٍ وَهُوَ يَعْلَمُهُ, لَمْ يَزَلْ فِي سَخَطِ  اللهِ حَتَّى يَنْزِعَ عَنْهُ) رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ وَوَافَقَهُ الذَّهَبِيُّ وَالْأَلْبَانِيُّ رَحِمَهُمُ اللهُ.

فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ وَلا يُؤْذِيَنَّ أَحَدٌ أَخَاهُ, وَعَامِلُوا النَّاسَ كَمَا تُحِبُّونَ أَنْ يُعَامِلُوكُمْ, وَاعْلَمُوا أَنَّ الْأَخْلَاقَ الْفَاضِلَةَ أَوَّلُ مَنْ يَنْتَفِعُ بِهَا صَاحِبُهَا, فَيَرْتَاحُ فِي دُنْيَاهُ وَيَغْنَمُ فِي أُخْرَاهُ.

ثُمَّ إِنَّ الوَاجِبَ عَلَى مَنْ عَلِمَ أَنَّ أَحَدًا مِنْ إِخْوَانِهِ يَعْمَلُ الْمَكَائِدَ لِلآخَرِينَ وَيَسْعَى فِي إِيذَائِهمْ فَالوَاجَبَ أَنْ يُنَاصِحَه وَيُخَوِّفَهُ بِاللهِ ويُحَذِّرَهُ مِنْ الظُّلْمِ وِمِنْ سُوءِ عَاقِبةِ فِعْلِه, فَهَذَا هُوَ شَأْنُ المسْلِمينَ فِي مُنَاصَحَةِ بَعْضِهِمْ البَعْضِ, وَاللهُ المسْتَعَانُ.

اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْالُكَ العَفْوَ وَالعَافِيَةَ فِي الدِّنْيَا وَالآخِرَةِ, اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْالُكَ العَفْوَ وَالعَافِيَةَ فِي دِينِنِا وِدُنْيَانَا وَأَهَالِينَا وَأَمْوَالِنَا، اللَّهُمَّ اسْتُرْ عَوْرَاتِنَا وَآمِنْ رَوْعَاتِنَا، اللَّهُمَّ احْفَظْنَا مِنْ بَينِ أَيْدِينَا وَمِنْ خَلْفِنَا، وَعَنْ أَيْمَانِنَا وَعَنْ شِمَائِلِنَا وَمِنْ فَوْقِنَا، وَنَعُوذُ بِعَظَمَتِكَ أَنْ نُغْتَالَ مِنْ تَحْتِنَا, اللَّهُمَّ إنا نَعَوذُ بك مِنْ جَهْدِ الْبَلَاءِ وَدَرَكِ الشَّقَاءِ وَسُوءِ الْقَضَاءِ وَشَمَاتَةِ الْأَعْدَاء, اللَّهُمَّ إنا نَعَوذُ بك مِنْ زَوالِ نِعمتِك وتَحوُّلِ عَافِيتِك وفُجْأَةِ نِقمَتِك وجَميعِ سَخطِكِ, اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لَنا دِينَنَا الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنا وَأَصْلِحْ لَنا دُنْيَانا الَّتِي فِيهَا مَعَاشُنا وَأَصْلِحْ لَنَا آخِرَتَنا الَّتِي فِيهَا مَعَادُنا وَاجْعَلْ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لِنا فِي كُلِّ خَيْرٍ وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لَنَا مِنْ كُلِّ شَرٍّ, اَللَّهُمَّ أَعِنَّا عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ.

المرفقات

1610556872_أَيْنَ نَحْنُ مِنَ هَؤُلَاءِ [موافق للتعميم] 2 جُمَادَى الآخِرة 1442هـ.doc

المشاهدات 3027 | التعليقات 0