أين ابن عمك ؟ من مشكاة النبوة (6)
حسام بن عبدالعزيز الجبرين
الحمد لله الخبيرِ الرقيبِ العليم ، الأكرمِ الجميلِ العظيم {وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ اللّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ }النحل18 وأشهد إلا إله إلا الله وحده لا شريك له رؤوفٌ حكيمٌ حليم ، وأشهد أن نبينا محمدًا عبد الله ورسوله ،المصطفى المختار صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه الأخيار أما بعد : فأوصيكم ونفسي بتقوى الله ، ومجاهدة النفس والشيطان لنيل درجة الإيمان والإحسان { لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ }النحل30
عباد الرحمن : أخبار السيرة النبوية ترطّب جفاف النفس وتزيد الإيمان وتُنير بصيرة المسلم ، فتعالوا إلى موقف نبوي من السيرة العطِرة ، ثم نقف مع بعض فوائده .
فعن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه قال : " ما كانَ لِعَلِيٍّ اسْمٌ أحَبَّ إلَيْهِ مِن أبِي تُرَابٍ، وإنْ كانَ لَيَفْرَحُ به إذَا دُعِيَ بهَا، جَاءَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بَيْتَ فَاطِمَةَ عَلَيْهَا السَّلَامُ، فَلَمْ يَجِدْ عَلِيًّا في البَيْتِ، فَقَالَ: أيْنَ ابنُ عَمِّكِ فَقَالَتْ: كانَ بَيْنِي وبيْنَهُ شيءٌ، فَغَاضَبَنِي فَخَرَجَ فَلَمْ يَقِلْ عِندِي، فَقَالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لِإِنْسَانٍ: انْظُرْ أيْنَ هو ، فَجَاءَ فَقَالَ: يا رَسولَ اللَّهِ هو في المَسْجِدِ رَاقِدٌ، فَجَاءَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وهو مُضْطَجِعٌ، قدْ سَقَطَ رِدَاؤُهُ عن شِقِّهِ فأصَابَهُ تُرَابٌ، فَجَعَلَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَمْسَحُهُ عنْه وهو يقولُ: قُمْ أبَا تُرَابٍ، قُمْ أبَا تُرَابٍ. " أخرجه الشيخان .
الوقفة الأولى : تواصل النبي صلى الله عليه وسلم مع ابنته في بيت الزوجية وتعاهدها بالزيارة ، فلم يقف عند حقِّه كأب ينبغي أن يكون هو المقصود بالزيارة ، وإنما كان يبادر بزيارتها في بيتها ، كما كانت هي أيضا تزوره في بيته في مشهد من تعاطي العطف الأبوي بين المصطفى صلى الله عليه وسلم وسيدة نساء العالمين رضي الله عنها .
الوقفة الثانية : الأدب العالي والذوق الرفيع لدى فاطمة رضي الله عنها حينما عبّرت عما جرى بينها وبين زوجها بتعبيرٍ لطيفٍ مجمل " كانَ بَيْنِي وبيْنَهُ شيءٌ ، فَغَاضَبَنِي، فَخَرَجَ " ولم تسترسل بذكر التفاصيل ولم تعرِّج على تحديد المسؤولية في الخطأ ، وإنما جعلته أمرا مشتركا " كانَ بَيْنِي وبيْنَهُ شيءٌ".
أيها الأحبة : إن الزوجة عندما تجعل لسانها نافذةً مفتوحةً على بيتها في كل صغيرةٍ وكبيرةٍ فإنها تفقد خصوصيتها وتوسّع دائرة مشاكلها ولا تتحكم في التداعيات التي تنتج من دخولِ أطرافٍ عديدةٍ في مشكلة صغيرة.
الوقفة الثالثة : تجاوب النبي صلى الله عليه وسلم مع الإجمال بترك الاستفصال ! ؛ فلم يسأل فاطمة ما الذي جرى بينكما ؟ولم يُحْوِجها إلى سردِ تفاصيلِ ما جرى ، وإنما تجاوز ذلك بالبحث عن زوجها الذي خرج غاضبا !
فالتعامل مع المشاكل الزوجية العابرة دون الدخول فيها يجعلها صغيرة عابرة !
الوقفة الرابعة : تَعَامُلُ النبي صلى الله عليه وسلم مع زوج ابنته الذي غاضبها بأبوّة حانية تشعره أن أبوة النبي صلى الله عليه وسلم شاملة لهما جميعا ؛ فهو صلى الله عليه وسلم الذي يأتي إليه وهو نائم ويمسح بيده الشريفة التراب عن جنبه ويلاطفه : " قُمْ أبَا تُرَابٍ، قُمْ أبَا تُرَابٍ " وهي ملاطفة تؤنس النفس ، فقد كنّاه كنية مأخوذة من حالته ولم يعاتب على مغاضبته لابنته مع رفيع منزلتها عنده !
نفعني الله وإياكم بالكتاب والسنة ، وبما فيهما من الآي والحكمة واستغفروا الله إنه كان غفارا
الحمد لله ...
أما بعد : فمن الوقفات مع القصة السابقة : الحكمة في تصرّف علي رضي الله عنه في التعامل مع بعض الخلافات الزوجية والتي يكون الغضب حاضرا فيها ، فإن خروجَه من البيت وقيلولته في المسجد قاطعٌ لتواصلِ الكلام وبعْدٌ عن الخصام وفرصةٌ لتهدأ المشاعر ، ويسكن الغضب وتعود النفوس إلى طبيعتها من المودة والرحمة.
الوقفة السادسة : فضيلة عليٍ رضي الله عنه وعلو منزلته عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ حيث أنه سأل عنه ثم مشى إليه ومسح التراب عن جنبه وكناّه ولم يعاتبه في شيء.
الوقفة السابعة : بقي أثر هذه الملاطفة عذبا في نفس عليٍ رضي الله عنه واستمر سروره بها غامرا فكان أحب ما يدعى به " أبو تراب " قال سهل بن سعد رضي الله عنه : " ما كانَ لِعَلِيٍّ اسْمٌ أحَبَّ إلَيْهِ مِن أبِي تُرَابٍ، وإنْ كانَ لَيَفْرَحُ به إذَا دُعِيَ بهَا " .
وبعد : إنّ الصلاةَ على النبيِ هدايةٌ *** فلتتخذ منها لدينك سُلّما
ترقى بها عند الإله فرددوا *** صلى الإله على النبي وسلّما
المرفقات
1615470464_أين ابن عمك.docx