أينتقص الدين وأنا حي... خطبة قديمة

عبدالله يعقوب
1433/03/24 - 2012/02/16 20:21PM
أما بعد أيها الناس :
فإن دين الإسلام دين عظيم آدابه شاملة وتعاليمه كاملة. فرضه الله على العباد رحمة بهم وتخفيفاً، وجعل فيه مبادئ وقيماً عظيمة، وأسساً وأركاناً قويمة. من اتبعه اهتدى، ومن تركه ضلَّ وعلى نفسه اعتدى. (ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين).
بعث الله نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم فأكمل به المنة وأتم به النعمة. فصلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله إلى يوم الدين.
أخرج عليه الصلاة والسلام هذه الأمةَ بإذن ربه من الجهالةِ إلى الهداية، ومن الظلماتِ إلى النور. وفتح الله به أعيناً عمياً وآذانا صماً وقلوباً غلفاً.
اختار ربُ العالمين له رجالاً يقومون بهذا الدين ويذبون عن حياضه فكانت لهم السابقةُ بالحسنى، والمنزلةُ العظمى، والقدمُ الراسخة في الإسلام.
قال تعالى: (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآَزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا).
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ نَظَرَ فِي قُلُوبِ الْعِبَادِ فَوَجَدَ قَلْبَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْرَ قُلُوبِ الْعِبَادِ فَاصْطَفَاهُ لِنَفْسِهِ فَابْتَعَثَهُ بِرِسَالَتِهِ ثُمَّ نَظَرَ فِي قُلُوبِ الْعِبَادِ بَعْدَ قَلْبِ مُحَمَّدٍ فَوَجَدَ قُلُوبَ أَصْحَابِهِ خَيْرَ قُلُوبِ الْعِبَادِ فَجَعَلَهُمْ وُزَرَاءَ نَبِيِّهِ يُقَاتِلُونَ عَلَى دِينِهِ) أخرجه أحمد.
سطَّرَ أولئك الرجالُ الأفذاذُ حروفَ التاريخِ بمدادٍ من نور.
أفعالٌ وأقوالٌ لم يسمع بها التاريخ من قبل ولن يسمع بمثلها من بعد.
حلف الزمانُ ليأتين بمثله حنثتْ يمينُك يا زمانُ فكفِّر
وكم نحن عباد الله بحاجة في ذا الزمان لقراءة سيرهم وأخبارهم لنرتوي من معينها، وننهل من شريعتها
فتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم إن التشبهَ بالكرامِ فلاحُ
عباد الله.. لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وارتدت العرب، فقال بعضهم: نصلي ولا نزكي، وقال بعضهم: لا نصلي ولا نزكي، قال عمر بن الخطاب: أتيت أبا بكر الصديق، أتيته ولا آلوه نصحا، فقلت: يا خليفة رسول الله، تألّف الناس وارفق بهم، فقال : يا عمر، أجبّار في الجاهلية، خوّار في الإسلام، فبماذا أتألفهم أبشعر مفتعل أو بشعر مفترى؟ قُبض النبي صلى الله عليه وسلم وارتفع الوحي، وتم الدين، أو ينقص الدين وأنا حي. فوالله لو منعوني عِقالاً مما كانوا يعطون رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم عليه. قال: فقاتلنا معه فكان والله رشيد الأمر.
رحمة الله عليك أيها الصديق الأكبر.
والله لا ينتقص الدين وأنت حي.
وما انتقص الدين إلاَّ لما خلفت خلوفٌ.. يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ.. وَيَفْعَلُونَ مَا لَا يُؤْمَرُونَ.
لم ترض رحمك الله ورضي عنك بمنع الزكاة وتركها، وقاتلت من فرّق بين الصلاة والزكاة.
فكيف بك لو رأيت حالنا اليوم وقد تُركت الصلاة ومُنعت الزكاة، وانتُقص الدين. ولا حول ولا قوة إلا بالله.
كيف بك أيها الصديق الأكبر والخليفة الأعظم لو رأيت أمةَ الإسلام اليوم وهي في أدنى أمم الأرض. فلا حول ولا طول ولا قوة.

حالها:
ويقضى الأمر حين تغيب تيم ولا يستأمرون وهم شهود
يُنتقص الدينُ من أقلام صحفيةٍ مأجورة مأزورة. دأبت على محاربة الفضيلة، ونشر الرذيلة. تفرح بالخيانة وتأبى العفة والأمانة.
أقلام آثمة خاطئة، تكتب مقالات وأعمدة في صحف صفراء.
تفرح بالدياثة والخنا، والفجور والعفن الأخلاقي.
رأينا من يكتب مؤيداً للسفور ونزع الحجاب.
رأينا من يكتب مؤيداً لقيادة المرأة للسيارة.
رأينا من يكتب ساخراً هازئاً بالدين وشعائره.
رأينا من يكتب مشجعاً للشباب للانخراط في برامج نحر العفاف كستار أكاديمي وغيره. أو يدعو للاحتفالات المحرمة بين الجنسين. وتبادل الحب والغرام فيما يسمى عيد الحب.
رأينا من يكتب وليس لقلمه وكتابته أي مضمون جادٍ أو هدف سام. سوى أنه من أصحاب الأقلام المسمومة التي تحارب الفضيلة.
رأينا كتباً ومؤلفات يُسب فيها ربُ العالمين، ويسخر فيها بسيد الأنبياء والمرسلين، وصحابته الغر الميامين.
فلا إله إلا الله... ما أحوج الأمة اليوم إلى مثل وقفة أبي بكر.
وما أحوج الأمة اليوم إلى مثل وقفة عمر مع صبيغ... وإليكم الخبر.
عن سليمان بن يسار، أن رجلا من بني تميم يقال له: صبيغ بن عسل قدم المدينة، وكانت عنده كتب، فجعل يسأل عن متشابه القرآن، فبلغ ذلك عمر رضي الله عنه، فبعث له، وقد أعد له عراجين النخل، فلما دخل عليه جلس فقال له: من أنت؟ قال: أنا عبدالله صبيغ، فقال عمر: وأنا عبد الله عمر، ثم أهوى إليه فجعل يضربه بتلك العراجين حتى شجَّه، فجعل الدم يسيل على وجهه، فقال: حسبك يا أمير المؤمنين، فقد والله ذهب الذي كنت أجد في رأسي.
ما أحوج الأمة إلى دِرَّة عمر لنخرج بها الوساوس من الرؤوس.
كم يتكلم في الدين، ويفتى بخلاف شرع رب العالمين.. أناسٌ ما عرف عنهم سوى اللعب واللهو. بل التخليط والتغريب. والله المستعان.
عباد الله .. في عهد نبينا صلى الله عليه وسلم تجرأ أحدُ الناس وقال للنبي صلى الله عليه وسلم وهو يقسم قسماً : يا محمد اعدل!! ... يا محمد اعدل!!
سبحان الله... أيقال لنبي الله اعدل؟
لك ولأمك الويل..
ومن يعدل إذاً في الأرض كلها إن لم يعدل محمد صلى الله عليه وسلم.
أليس رسولُ ربِ السماء، الذي أنزل الميزان ليقوم الناس بالقسط.
هذه الكلمة حركت الغيرةَ الصادقةَ عند أصحابِ محمد صلى الله عليه وسلم، وهبَّ عمرُ بن الخطاب وخالدُ بن الوليد يستأذنان في ضرب عنق الرجل لأجل تلك الكلمة. نعم... لأجل كلمةٍ واحدةٍ فقط.
ولمَّا قال عبدالله بن أبيّ بن سلول: ليخرجن الأعز منها الأذل. استأذن عمرُ بن الخطاب في ضرب عنقه أيضاً، إذ كيف يتجرأ ويتفوه بهذه الكلمة الخبيثة الفاجرة في حق رسول الهدى صلى الله عليه وسلم.
أيها الناس: إن الذب عن الإسلام والدفاع عن حياضه، ونصرة الدين ونبي الإسلام واجب مقدس، وفرض محتم. خاصة ونحن في أيامنا هذه نشهد تطاولاً جديداً على نبينا صلى الله عليه وسلم.
حيث لم يكتف أولئك الأوغاد الفجرة في الصحف الدنمركية بما اقترفته أيديهم حين رسموا رسولَ الهدى والرحمة صلى الله عليه وسلم في صور غير جيدة قبل سنتين.
بل أعادوا الكرَّة ونشروا الرسومات السيئة، ولكن ليس من خلال صحيفة واحدة فقط. بل نشروها في سبع عشرة صحيفة. فعلى أي شيء يدل هذا؟
ألا يدل هذا على تأصّل الشر والإجرام والحقد في نفوس أولئك القوم فظهر هذا الشر والحقد على هيئة رسومات، (وما تخفي صدورهم أكبر).
ألا يدل هذا على أن كلَّ الاجراءات.. الهزيلة.. الضعيفة.. التي قام بها المسلمون تجاه تلك الدولة النصرانية الحاقدة لم تجدِ شيئاً.
ألا نحتاج إلى وقفة مراجعة صادقة نعيد فيها تقييم الموقف مرة أخرى.
ألا يجب الآن وجوباً شرعياً أن تقطع كافة أشكال التعاون والتواصل مع تلك الدولة الفاجرة ومن دار في فلكها، ولو أدى ذلك إلى ما أدى.
فحبيبنا صلى الله عليه وسلم أحب إلينا من أسماعنا وأبصارنا وفلذات أكبادنا.
نعم.. تلك الدولة الفاجرة تصدر الأجبان والألبان.
ولكن.. أيكون طعام البطون مقدم على حبيب القلوب محمد صلى الله عليه وسلم.
هذا النبي الكريم بلغ من شفقته لأمته أنه تلا قولَ الله عز وجل في إبراهيم: (رب إنهن أضللن كثيرا من الناس فمن تبعني فإنه مني)، وقولَ عيسى عليه السلام: (إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم) فرفع صلى الله عليه وسلم يديه وقال: اللهم أمتي أمتي، وبكى. فقال الله عز وجل: يا جبريل اذهب إلى محمد - وربك أعلم - فسله ما يبكيك؟ فأتاه جبريل فسأله، فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم بما قال، فقال الله: يا جبريل اذهب إلى محمد فقل: إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوءك. رواه مسلم.
فيا أيها المسلم ما منزلة نبيك صلى الله عليه وسلم في حياتك؟
هل تحبه؟ هل تجله؟ هل تتبعه؟ هل تنصره؟ هل توقره؟
أهي كلمات ترددها فقط ؟!
أم هو الحب والاتباع، والتأسي والتوقير والنصرة؟
عباد الله.. وممن سار على نهج أولئك الرجال الأفذاذ في الذود عن الدين والذب عن حياضه المعتصم العباسي يوم عمورية.
لما خرج ملك الروم، وفعل في بلاد الإسلام ما فعل، بلغ الخبر إلى المعتصم، فلما بلغه ذلك استعظمه، وكبر لديه، وبلغه أن امرأة هاشمية صاحت، وهي أسيرة في أيدي الروم: وامعتصماه! فأجابها وهو جالس على سريره: لبيكِ لبيك! ونهض من ساعته، وصاح في قصره: النفير النفير، ثم ركب دابته، وجيّش الجيوش إلى عمورية وحاصرها حتى افتتحها ثم هدم قلاعها وسواها بالأرض، حتى جعلها قاعاً صفصفاً.. فرحمه الله وعفا عنه.
فأين أمثال المعتصم اليوم، والأمة تنحر في كبريائها وشرفها.
أين أمثال المعتصم اليوم، والأمة تشيع وتودع كرامتها وعزتها.
أين أمثال المعتصم اليوم، وأبناء فلسطين ينادون صبح مساء.. وامعتصماه.
ينادون.. واغوثاه.. وإسلاماه.. لكن...
رُب وامعتصماه انطلقتْ ***
ملء أفواه الصبايا اليتم
لامست أسماعهم لكنها ***
لم تلامس نخوة المعتصم
المعتصم يغار على شرف امرأة مسلمة، ونحن لا نغار على مقام نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم ، ولا تزال جميع العلاقات قائمة مع الدول الآثمة!
المعتصم يهب لنجدة ونصرة امرأة واحدة، ونحن لا تعمل فينا مواجع وصيحات وآهات اخواننا شيئاً.
ألا تبا تباً وسحقاً سحقاً لهذه الذلة والضعة والهوان.
من يهن يسهل الهوان عليه ما لجرح بميت إيلام
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم...


الخطبة الثانية:
عباد الله..
إن الدين أمانة في أعناقنا
الله الله في الإسلام، لا يؤتى الدين من قبلكم.. لا ينتقص الدين وأنتم تنظرون، لا ينتقص الدين وأنتم تسمعون، لا ينتقص الدين وفيكم عين تطرف، لا ينتقص الدين وبين جنبيك نَفَسٌ يتردد.
قم لله، ولله وحده، بحق هذا الدين. احفظ الإسلام من قبلك.
أدِ فرائض الله. (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة)، انصر دين الله، مُر بالمعروف وانه عن المنكر، أتقن ما يوكل إليك من عمل.
وتذكر أمر ووصية حبيبك صلى الله عليه وسلم: (كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته).
وصلوا وسلموا..
المشاهدات 4487 | التعليقات 3

بسم الله الرحمن الرحيم
جزيت خير الجزاء تحتاج إلى إعادة صياغة ..


بارك الله فيك شيخنا أبا معاذ
*خطبك كما عهدنا رائعة مرصعة بالنصوص والشواهد نفع الله بها
*حبذا شيخنا لوترفقون الخطبة في ملف واستفد من ملف خطبتي عن الدعاء الموجودة في الملتقى فالملف مصمم على هيئة أوراق الخطب_نصف صفحة_ بحيث تطبع على الوضع الأفقي .


شكراً للأخ الكريم أبي محمد الطائفي
والشكر موصول للشيخ خالد الذيابي


وهذه الخطبة بعد التعديل وإعادة الصياغة بما يناسب الحال
نسأل الله القبول...


أما بعد أيها الناس: فإن دينَ الإسلام..
دينٌ عظيم كامل، وشرعٌ قويم شامل.
فرضه الله على العباد.. وأظهره على سائر البلاد.
جعل فيه مبادئ وقيماً عظيمة، وأسساً وأركاناً قويمة.
من اتبعه اهتدى، ومن تركه ضلَّ وعلى نفسه اعتدى.
(ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة منالخاسرين).
بعث الله نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم فأكمل به المنة، وأتم به النعمة.
وأخرج هذه الأمةَ بإذن ربه من الجهالةِ إلى الهداية، ومن الظلماتِ إلى النور، وفتح الله به أعيناً عمياً وآذانا صماً وقلوباً غلفاً.
فصلوات ربي وسلامه عليه.. وعلى آله وأصحابه إلى يوم الدين.
ثم خلف من بعده رجالٌ عظماء.. وأئمةٌ حنفاء.. ملئوا الدنيا ريحاً وعبيراً.. وألقاً وضياءً ونوراً.. قاموا بهذا الدين.. وذبوا عن حياضه، فكانت لهم السابقةُ بالحسنى، والمنزلةُ العظمى، والقدمُ الراسخة في الإسلام، قال تعالى: (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآَزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا).
وعَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: "إِنَّ اللَّهَ نَظَرَ فِي قُلُوبِ الْعِبَادِ فَوَجَدَ قَلْبَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْرَ قُلُوبِ الْعِبَادِ فَاصْطَفَاهُ لِنَفْسِهِ فَابْتَعَثَهُ بِرِسَالَتِهِ ثُمَّ نَظَرَ فِي قُلُوبِ الْعِبَادِ بَعْدَ قَلْبِ مُحَمَّدٍ فَوَجَدَ قُلُوبَ أَصْحَابِهِ خَيْرَ قُلُوبِ الْعِبَادِ فَجَعَلَهُمْ وُزَرَاءَ نَبِيِّهِ يُقَاتِلُونَ عَلَى دِينِهِ" أخرجه أحمد.
سطَّرَ أولئك الرجالُ الأفذاذُ حروفَ التاريخِ.. بمدادٍ من نور...
أفعالٌ وأقوالٌ لم يسمع بها التاريخ من قبل.. ولن يسمع بمثلها من بعد..

حلف الزمانُ ليأتين بمثله *** حنثتْ يمينُك يا زمانُ فكفِّر

وكم نحن بحاجة في هذه الأزمان.. لقراءة سيرهم وأخبارهم، لنرتوي من معينها، وننهل منشريعتها...
فتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم *** إن التشبهَ بالكرامِ فلاحُ

عباد الله.. لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وارتد من ارتد من العرب، فقال بعضهم: نصلي ولا نزكي، وقال بعضهم: لا نصلي ولا نزكي.
قال عمر بن الخطاب: أتيتَ أبا بكر الصديق، أتيته ولا آلوه نصحاً، فقلت: يا خليفة رسول الله، تألّف الناس وارفق بهم.
فقال : يا عمر.. أجبّار في الجاهلية، خوّار في الإسلام، فبماذا أتألفهم؟ أبشعرٍ مفتعل أو بشعرٍ مفترى؟ قُبض النبي صلى الله عليه وسلم، وارتفع الوحي، وتم الدين، أوَ يُنقصُ الدينُ وأنا حي...
فوالله لو منعوني عِقالاً مما كانوا يعطون رسولَ الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم عليه.
قال عمر: فقاتلنا معه فكان والله رشيد الأمر.

رحمةُ الله عليك أيها الصديقُ الأكبر.. ورضي عنك..
وصدقت وبررت.. والله لا يُنتقصُ الدينُ وأنت حي.
وما انتقص الدينُ.. إلاَّ لما خلفتْ خُلوفٌ.. يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ.. وَيَفْعَلُونَ مَا لَايُؤْمَرُونَ...
لم ترض رحمك الله ورضي عنك بمنع الزكاة وتركِها، وقاتلتَ من فرّق بين الصلاة والزكاة... فكيف بك لو رأيت حالنا اليوم.. وقد ترك أقوامٌ الصلاة.. ومنع آخرون الزكاة، وانتُقص الدين، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

كيف بك أيهاالصديقُ الأكبر.. والخليفةُ الأعظم.. لو رأيت أمةَ الإسلام اليوم. وهي في أدنى أمم الأرض. فلا حولَ ولا طَوْلَ ولا قوة. حالها:
ويقضى الأمر حين تغيب تيم *** ولا يستأمرون وهم شهود

يُنتقص الدينُ من أقلامٍ مأجورةٍ مأزومة.. دأبتْ على محاربة الفضيلة، ونشر الرذيلة.. تفرح بالخيانة..وتأبى العفة والأمانة..
تنضح فسقاً وفجوراً وعمالةً وخيانة.. للدين والوطن.
تُكتب مقالاتٌ وأعمدةٌ في صحف بائسة.. ومواقع مشبوهة.. وصفحات على الشبكات موبؤة..
رأينا من يكتب ساخراً بالدين وشعائره..
رأينا من يكتب مؤيداً للسفور والاختلاط المحرم..
رأينا من يكتب مشجعاً للشباب للانخراط في برامج نحر العفاف كستار أكاديمي وغيره. أو يدعو للاحتفالات المحرمة بين الجنسين. وتبادل الحب والغرام فيما يسمى عيد الحب.
رأينا من يكتب وليس لقلمه وكتابته أيَّ مضمون جادٍ أو هدفٍ سام. سوى أنه من أصحاب الأقلام المسمومة التي تحارب الفضيلة.
رأينا كتباً ومؤلفات يُسبُ فيها ربُ العالمين، ويُسخر فيها بسيد الأنبياء والمرسلين، وصحابته الغر الميامين..

فلا إله إلاالله.. ما أحوج الأمةَ اليوم.. إلى مثل أبي بكر في وقفته تلك.


وما أحوج الأمةَ اليوم إلى مثل عمر الفاروق.. وما صنعه مع صَبيغ.. وإليكم الخبر.
عن سليمان بن يسار.. أن رجلا من بني تميم يقال له: صَبيغ قدم المدينة، وكانت عنده كتب، فجعل يسأل عن متشابه القرآن، فبلغ ذلك عمرَ رضي الله عنه، فبعث له، وقد أعد له عراجينَ النخل، فلما دخل عليه جلس، فقال له: من أنت؟ قال: أنا عبدُ الله صبيغ، فقال عمر: وأنا عبدُ الله عمر، ثم أهوى إليه فجعل يضربه بتلك العراجين حتى شجَّه، فجعل الدمُ يسيل على وجهه، فقال: حسبك يا أمير المؤمنين، فقد والله ذهب الذي كنت أجد في رأسي. رواه الدارمي.


ما أحوج الأمة إلى دِرَّة عمر.. لنخرج بها الوساوس من الرؤوس.

كم يَتكلم في الدين، ويفتي بخلاف شرع رب العالمين.. أناسٌ ما عُرف عنهم سوى اللعبُ واللهو... والتخليطُ والتغريب. والله المستعان.

عباد الله.. إن الذبَ عن الإسلام، والدفاعَ عن حياضه، ونُصرةَ الدينِ ونبيِ الإسلام.. واجبٌ مقدس، وفرضٌ محتم.. خاصةً ونحن في أيامنا هذه نشهد تطاولاً جديداً على نبينا صلى الله عليه وسلم.
ولم يكن التطاول هذه المرة.. من قبل الصحف الدنمركية..
بل من بعض بني جلدتنا.. وممن يتكلمون بألسنتنا..
تطاولوا على أسوتنا وقدوتنا وحبيبنا عليه الصلاة والسلام..
همزاً... ولمزاً... وتعريضاً... وتلويحاً.. حتى قال أحدهم في تحدٍ صارخ: (لنْ أصلي عليك).. والله تعالى يقول: (يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً).. ويتجرأ هذا ويقول: (لنْ أصلي عليك)..
ويقول وبئس ما قال: (أحب فيك أشياء وأكره فيك أشياء).. فتىً غِرٌ ساذج.. يتطاول على مقام نبينا صلى الله عليه وسلم، ويقول (أكره فيك أشياء).. أخبروني بربكم.. هل من رجل عاقل رشيد يكره ما يأتيه من نبيه صلى الله عليه وسلم.. أتراه يكره العفة والحياء.. أم يكره الصلاة والصيام.

ويأتي آخر من أفراد العصابة ليقول: (إذا كنت تحب الله وتريد استمراره في حياتنا.. فشكك فيه). ويقول: (حتى الله لا نؤمن به.. ما لم ينسجم مع أخلاقنا). أي أخلاق.. وأي مبادئ وقيم.. يتحدثون عنها وهم يشككون في وجود الله. ولا حول ولا قوة إلا بالله.

أيها الناس.. إن نابتة السوء هذه.. التي ظهر عوارها.. وكشف حالها.. وبان خبثها.. هذه النابتة تعرضت بالتشكيك في وجود الله، والعياذ بالله.
وتعرضت بالسخرية من الأحكام الشرعية.. وقالت بتحريف القرآن..
وثبت انتماء بعض أفرادها لمنظمات يهودية.. حضوراً ومشاركة في طقوسها وشعائرها..
وثبت أن لهم لقاءات مع مسؤولين في بعض السفارات الأجنبية..
يوفرون لهم الدعم والتأييد والغطاء المعنوي وربما المادي.
فعلى أي شيء يدل هذا؟
ألا يدل هذا على تأصّل الشر والانحراف في نفوس أولئك القوم فظهر هذا الشر والحقد على هيئة كلمات آثمة وعبارات خاطئة (وما تخفي صدورهم أكبر).
ألا يدل هذا.. على أن كلَّ الاجراءات.. الهزيلة.. الضعيفة.. تجاه نابتة السوء هذه.. وتجاوزاتها الإعلامية.. لم تجدِ شيئاً.. ولنْ تجديَ شيئاً.
ألا نحتاج إلى وقفة مراجعة صادقة.. نعيد فيها تقييم الموقف مرة أخرى.
ألا يجب الآن وجوباً شرعياً.. أن يؤخذ على أيدي هؤلاء السفهاء بمنعهم من الكتابة في الصحافة.. والظهور في وسائل الإعلام المختلفة.. وتقديمهم للمحاكمة الشرعية.. وفضح كل من يقف وراءهم.. حمايةً لجناب الدين.. وحراسةً للفضيلة.. ووقايةً لأفراد المجتمع من الانحراف الفكري والعقدي.
ألا يجب الآن أن نفيق من سباتنا.. وندع اللهو واللعب جانباً..
فمقدساتنا تهان.. ومسلماتنا الشرعية يستهزأ بها.. ونحن في غينا سادرون!
حبيبنا صلى الله عليه وسلم.. أحب إلينا من أسماعنا وأبصارنا وفلذات أكبادنا... هذا النبي الكريم بلغ من شفقته لأمته أنه تلا قولَ الله عز وجل في إبراهيم: (رب إنهن أضللن كثيرا من الناس فمن تبعني فإنه مني)، وقولَ عيسى عليه السلام: (إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم) فرفع صلى الله عليه وسلم يديه وقال: اللهم أمتي أمتي، وبكى. فقال الله عز وجل: يا جبريل اذهب إلى محمد - وربك أعلم - فسله مايبكيك؟ فأتاه جبريل فسأله، فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم بما قال، فقال الله: يا جبريل اذهب إلى محمد فقل: إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوءك. رواه مسلم.

فيا أيها المسلم ما منزلة نبيك صلى الله عليه وسلم في حياتك؟

هل تحبه وتجله؟ هل تنصره وتوقره؟
أهي كلمات ترددهافقط ؟!

أم هو الحب والاتباع، والتأسي والتوقير والنصرة؟

اللهم اجعلنا من أتباع نبيك صلى الله عليه وسلم.. حقاً وصدقاً.
الذابين عن شرعه، المقتدين بهديه، القائمين بسنته وشريعته..
وأوردنا حوضه، واسقنا شربة هنيئة مريئة لا نظمأ بعدها أبداً..
أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة.. فتوبوا إليه واستغفروه إنه هو التواب الرحيم.




الخطبة الثانية:
عباد الله.. إن من الفرائض والواجبات المتحتمات.. معرفةُ نبي الإسلام بالأدلة والبراهين الصادقة..
فهل من رجوعٍ لكتب السنة المشرفة.. والسيرة العطرة.. لنتعرف على نبينا صلى الله عليه وسلم بشكل أكبر وأكثف.
هل من حضور لدورات ودروس في هذا المجال.
هل من قراءات ولقاءات في محيط الأسرة والأهل لنقرأ سوياً في هديه وسيرته وسنته، ولو لقاء واحد في الأسبوع..
هل من تواصٍ وتسابق وتنافس في التعرف على أفضل وأكمل رجل عرفه العالم..
هل من متابعة للقنوات الإعلامية النظيفة الرصينة.. التي تزيدك حباً وإجلالاً لنبيك صلى الله عليه وسلم..
ألم يحن الوقت للبعد عن القنوات الإعلامية المسيئة للدين والسنة.

أيها الناس.. إن الدين أمانة في أعناقنا..
الله الله في الإسلام، لا يؤتى الدين من قبلكم..
لا ينتقص الدين وأنتم تنظرون...
لا ينتقص الدين وأنتم تسمعون..
لا ينتقص الدين وفيكم عين تطرف.
لا ينتقص الدين وبين جنبيك نَفَسٌ يتردد..
قم لله،ولله وحده، بحق هذا الدين..
احفظ الإسلام من قبلك... أدِ فرائض الله.. (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة)، انصر دين الله، مُر بالمعروف وانه عن المنكر، أتقن ما يوكل إليك من عمل.. وتذكر وصية حبيبك صلى الله عليه وسلم: (كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته).

وصلوا وسلموا.. على الهادي البشير.. والسراج المنير..
فقد أمركم ربكم فقال: (إن الله وملائكته يصلون على النبي...)
اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك سيدنا محمد..
وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين، الأئمة المهدين، أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر الصحابة أجمعين، والتابعين لهم، وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين، وارض عنا معهم بمنك وكرمك وإحسانك ورحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداءك أعداء الدين. واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين.
اللهم يا ذا الملك والملكوت، يا ذا القوة والجبروت..
يا ذا الحول والقوة، يا من لا يُغلب جنده، ولا يُخلف وعده..
اللهم يا من عزَّ وارتفع، وذلَّ لسطوته كل شيء وخضع..
اللهم يا قوي.. يا علي.. يا أعلى.. يا متعال..
يا عزيز.. يا كبير.. يا محيط..
يا قاهر.. يا متين.. يا منتقم..
أهلك بشار وأعوانه من الرافضة الصفويين والبعثيين.
اللهم أنزل عليهم عذابك ورجزك إله الحق.
اللهم سلط عليهم يداً من الحق حاصدة.
اللهم أحصهم عدداً واقتلهم بدداً ولا تغادر منهم أحداً.
اللهم سلط عليهم جنداً من جندك، سلط عليهم ما نزل من السماء، وما خرج من الأرض، واجعلهم شيعاً وأحزاباً متناحرة، اللهم اشدد وطأتك عليهم.
اللهم إنهم قد أفسدوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد،
فصب عليهم يا ربنا سوط عذاب.

اللهم أنج المستضعفين من المؤمنين في سوريا وفي كل مكان.
اللهم احقن دماءهم وصُن أعراضهم واحفظ أموالهم وديارهم من كل معتد ظلوم يا رب العالمين.
اللهم ارحم ضعفهم، واجبر كسرهم، وتول أمرهم يا أرحم الراحمين.
اللهم ارفع راية الجهاد واقمع أهل الزيغ والفساد والعناد، وانشر رحمتك على العباد والبلاد يا من له الدنيا والآخرة وإليه المعاد.
اللهم ولِّ على المسلمين خيارهم، واكفهم شر الأشرار وكيد الفجار، برحمتك يا أرحم الرحمين.
اللهم وفق ولي أمرنا لما تحب وترضى، وخذ بناصيته للبر والتقوى.
اللهم وفق ولاة أمور المسلمين لتحكيم شرعك، واتباع سنة نبيك صلى الله عليه وسلم .
اللهم من أراد الإسلام والمسلمين بسوء فأشغله بنفسه، اللهم أشغله بنفسه، واجعل كيده في نحره، واجعل تدميره في تدبيره يا قوي يا عزيز.
واجعل هذا البلد آمنا مطمئنا سخاءً رخاءً وسائر بلاد المسلمين، برحمتك..
اللهم إنا نعوذ بك من العجز والكسل، والجبن والهرم، ونعوذ بك من فتنة المحيا والممات، ونعوذ بك من عذاب القبر.
اللهم إنا نسألك فعل الخيرات، وترك المنكرات، وحب المساكين، وأن تغفر لنا وترحمنا و تتوب علينا، وإذا أردت بعبادك فتنة فاقبضنا إليك غير مفتونين.
اللهم احفظنا بالإسلام قائمين، واحفظنا بالإسلام قاعدين، واحفظنا بالإسلام راقدين، ولا تشمت بنا عدوا و لا حاسدين.
اللهم إنا نسألك من كل خير خزائنه بيدك، ونعوذ بك من كل شر خزائنه بيدك. اللهم استر عوراتنا، وآمن روعاتنا، واقض عنا ديوننا.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.