أيــــــــــــــَّــــامٌ لا كالأيـــــــــــَّـــــامِ 1443/12/2هـ
يوسف العوض
أَيهَا المسْلمون : فقد بدأَ نسيمُ أَيَّامِ اَللَّهِ تَبارَك وَتَعالَى يَختَلِجُ صُدُورَ المؤْمنين ، ونورهُا يُضيء قُلُوبَ الموحِّدين . . إِنَّها أَيَّامُ الفضائلِ والطَّاعاتِ ، مَا أعْظمهَا عِنْد ربِّ الأرْضِ والسَّمواتِ ! . فَإِنَّ اَللَّهَ تَبارَك وَتَعالَى يَقُولُ فِي مُحكَم تنْزيلهِ وأحْسنِ قِيله : { وَهُو الَّذي جعل اللَّيْلَ والنَّهارَ خِلْفَةً لِمن أَرَادَ أن يَذكَّرَ أو أَرَادَ شُكورًا } فلَا يَزَالُ اللَّيْلُ والنَّهارُ مُتعاقبيْنِ ، يَخلفُ أَحَدُهمَا الآخرَ ، لِأَجلِ صِنْفيْنِ مِن النَّاسِ : الأوَّل / لمن أَرَادَ أن يَذكَرَ وَيتُوبَ ، وَيتعِظَ وَيئُوبَ ، فيبْسطُ اَللَّهُ يدَه بِاللَّيْلِ لِيتوبَ مُسيءُ النَّهَارِ ، ويبسطُ يدَه بِالنَّهارِ لِيتوبَ مُسيءُ اللَّيْلِ ، حَتَّى تَطلُّعَ الشَّمْسُ مِن مَغربِها ، والثَّاني / أو أَرَادَ شكورًا ، يُريدُ أن يُضيفَ إِلى رَصيدِه الأعْمالَ الصَّالحاتِ ، لِتُمْحى عَنْه السَّيِّئاتُ ، وَيَنالَ بِهَا أَعلَى الدَّرجات .
أَيُّها المُسْلمون : فنحْنُ فِي بِدايةِ شَهْرِ ذِي اَلحِجةِ ، أَعظَمَ أَشهُرِ اَلحَجِ ، فِيه عَشرَةُ أَيَّام تُضاعَفُ فِيهَا الأعْمالُ ، وتتحَقَّقُ فِيهَا الآمَالُ ، والنُّصوصُ فِي فَضلِه كَثِيرَةٌ : أ ) فَمِنهَا مَا يَدُل على فَضْلِ الأيَّامِ العشَرةِ اَلأُولى ، كقوْلِ اَللَّهِ تَبارَك وَتَعالَى : { والْفَجْرِ وَلَيالٍ عَشْرٍ } قالَ اِبْنُ عَبَّاسٍ رَضِي اَللَّهُ عَنْه ومجاهدُ ، والضَّحاكُ ، وَعكرِمةُ ، وَعَطاءُ : ( والْفَجْر ) يُريدُ صَبِيحَةَ يَوْمِ النَّحْرِ ، ( وَلَيالٍ عَشْر ) هِي اَلعَشرُ الأوَّلُ مِن ذِي اَلحِجةِ ، لِأنَّ آخرَ لَيلَةٍ مِن لَياليهَا هِي لَيلَةُ عَرفَةَ ، اَلتِي مِن أدْركَهَا فقد أَدرَك اَلحَج . ب ) وَمِنهَا مَا يَدُل على فَضْلِ تَاسِعِ هَذِه الأيَّام ، وَهُو يَوْمُ عَرفَةَ ، ومَا أَدرَاك مَا يَوْمُ عَرفَةَ ؟ ! روى مُسْلِمٌ عن أَبِي قَتادَةَ أنَّ اَلنبِي صَلَّى اَللَّهُ عليْه وَسلَّم قال : ( صِيَامُ يَوْمِ عَرفَةَ : أحتسَبُ على اَللَّهِ أن يُكفُر اَلسنَةَ اَلتِي قَبَله ، والسّنَّةَ اَلتِي بَعدَه ) . ج ) وَمِنهَا مَا يَدُل على أنَّ اليوْمَ العاشرَ مِنْه أَعظَمُ الأيَّام فِي اَلسّنَة ، فقد روى أَبُو دَاوُد عن عَبْدِ اَللَّه بْنِ قُرْط رَضِي اَللَّه عَنْه عن اَلنّبِي صَلَّى اَللَّهُ عليْه وَسلَّم قال : ( إِنَّ أَعظَمَ الأيَّامِ عِنْد اَللَّهِ تَبارَك وَتَعالَى يَوْمُ النَّحْر ، ثُمَّ يَوْمُ اَلقَرِّ ) . ويوْم اَلقَرِّ هُو اليوْمُ اَلذِي يَلِي يَوْم النَّحْرِ لِأنَّ النَّاس يَقرّون فِيه بِمنى .
أَيهَا المسْلمون : لِذَلكَ أَرَادَ اَللَّهُ أن يُدخلَ على قُلُوبِ عِبادِه السُّرورَ ، وَيُثلِج لَهُم الصُّدورَ ؛ فقد روى التِّرْمذي وَأبُو دَاوُد وغيْرُهمَا عن اِبْن عَبَّاس قال : قال رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّه عليْه وَسلَّم : ( مَا مِن أَيَّامٍ العملُ الصَّالحُ فِيهنَّ أحبُّ إِلى اَللَّه مِن هَذِه الأيَّامِ العشْرِ ) فقالوا : يَا رَسُول اَللَّه ! ولَا الجهَادُ فِي سبيل اَللَّه ؟ فَقَال رَسُول اَللَّه صَلَّى اَللَّه عليْه وَسلَّم : ( ولَا الجهَادُ فِي سبيلِ اَللَّه ، إِلَّا رَجُلٌ خرج بِنفْسه وَمالِه فلم يَرجِع مِن ذَلِك بِشَيء ) .
أوْليتني نِعَما أَبُوح بِشكْرِهَا * * * وكْفيتْني كُلَّ اَلأُمور بِأسْرِهَا
فلْأشْكرْنك مَا حَييَت وأن أَمُت * * * فلْتشْكرْنك أَعظَمي فِي قبْرهَا
أَيهَا المسْلمون : فبماذَا نَتَقرَّبُ إِلى اَللَّه في هَذِه الأيَّام ؟!
أ ) إِنَّ مِن أَعظَمِ الأعْمالِ اَلتِي يُرغَّبُ اَللَّهُ تَبارَك وَتَعالَى عِبادَه فِيهَا فِي مِثْلِ هَذِه الأيَّامِ ذكرَ اَللَّهِ تَعالَى ، قالَ تَعالَى : { فاذْكروا اَللَّهَ كَذكرِكم آباءَكم أو أشدَّ ذكرًا } ، فَكَانَ العربُ فِي الجاهليَّةِ فِي مِثْلِ هَذِه الأيَّامِ يقصدون أَسوَاقَ العربِ ومحافلَهم كعكاظ ، ويشرعون فِي ذِكْرِ الآبَاءِ والْأجْدادِ ومفاخرِهم ، فَأَرادَ اَللَّهُ تَعالَى أن تَكُونَ هَذِه الأيَّامُ أَيَّامَ ذكرٍ لَه وَحدَه لَا شريك لَه ، وَأكَّدَ اَللَّهُ تَعالَى ذَلِك فِي أَيَّام التَّشْريق ، فَقَال عِزٌّ وَجِل : { واذْكروا اَللَّه فِي أَيَّام معْدودات }.
أَيُّها المسْلمون : وتأمَّلوا مَا فِي الصَّحيحيْنِ عن أَبِي هُريْرَة رَضِي اَللَّه عَنْه قال : قال رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عليْه وَسلَّم : ( إِنَّ لِلَّه مَلائِكة يطوفون فِي الطُّرق يلْتمسون أَهْلَ الذِّكْرِ ، فَإذَا وَجدُوا قوْمًا يَذكُرون اَللَّهَ تنادَوْا : هلمُّوا إِلى حَاجتِكم ! قال .: فيحفُّونهم بِأجْنحتهم إِلى السَّمَاء الدُّنْيَا . . . ) ، حَتَّى يَقُولَ لِلْملائكةِ : ( ( فأُشْهدُكم أَنِّي قد غَفرَتُ لَهُم ، فَيقُولُ مَلِكٌ مِن الملائكةِ : فِيهم فُلَانٌ لَيْس مِنْهم ، إِنَّما جاء لِحاجةٍ ! قال : هُم الجلساءُ لَا يَشقَى بِهم جليسُهم ).
أَيهَا المسْلمون: أَفلَا تلْحظون أنَّ هذَا الكلَامَ وَهذَا اَلموْقِفَ يُشْبِه تمامًا كَلَامَ اَللَّه وَموقِفَ عِباده يَوْمَ عَرفَةَ ؟! ، ولذلك وَممَّا يَدُلُ على أنَّ اَللَّهَ يُريدُ أن يُشَابِه اَلمقِيمُ اَلْحاجَّ : 1 - أَنَّه شرَعَ لِلْمقِيمِ أن يَتَقرَّبَ إِلى اَللَّهِ بِالْأضْحيَّةِ كمَا يَتَقرَّبُ اَلْحاجُّ إِلى اَللَّهِ بِالنُّسك . 2 - نهى من أَرَاد وَنوَى الأضْحيَّةَ أن يَأخُذَ مِن أظْفارِه أو شعرِ بَدنهِ شيْئًا ، فقد روى مُسْلِمٌ عن أُمِّ سَلمَةَ رَضِي اَللَّهُ عَنهَا أنَّ اَلنّبِي صَلَّى اَللَّه عليْه وَسلَّم قال : ( ( إِذَا دَخلَت اَلعَشرُ ، وَأَرادَ أَحدُكم أن يُضحِّي ، فلَا يمسَّ مِن شِعْرِه وَبشَرِه شيْئًا [ ولَا يُقَلمن ظفرًا ] ) ، قال العلماءُ : والْحكْمةُ فِي ذَلِك أن يَتَشبَّه بِالْمحرَّمِ فِي بَعْضِ أحْكامِهِ . 3 - الاجْتماعُ فِي صَلَاةِ العيدِ كمَا يَجتَمِعُ اَلحُجّاجُ عِنْد البيْتِ اَلمجِيد . ب ) أَمَّا صِيَامُ هَذِه الأيَّامِ فقد اِختلَفَ العلماءُ فِي ذَلِك ، فأكْثرُهم قال : يُستَحَب ويُنْدب ندْبًا شديدًا ، لِمَا رَوَاه أَبُو دَاوُد والنِّسائيُّ عن أُمِّ سَلمَةَ رَضِي اَللَّه عَنهَا أنَّ اَلنبِي صَلَّى اَللَّه عليْه وَسلَّم ( كان يَصُومَ تِسْعَ ذِي اَلحِجةَ ) .
وهذَا ونسْألُ اَللَّهَ اَلذِي بِيَده مَلكُوتُ السَّمواتِ والْأَرْضِ أن يَختِمَ لَنَا بِالْحُسْنى والْخَيْرِ اَلعمِيمِ ، وأن يَرزَقنا حَلاوَةَ وَلذَّةَ النَّظرِ إِلى وَجهِه اَلكرِيمِ ، إِنَّه وَلِي ذَلِك والْقادرُ عليْه
المرفقات
1656330879_ذو الحجة.pdf
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا
تعديل التعليق