أَيَّام يُضَاعَفُ فِيهَا الثَّوَابُ ..

سعود المغيص
1443/11/24 - 2022/06/23 15:57PM

الخُطْبَةُ الأُولَى :

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.

أَمَّا بعدُ عباد الله  :

اتقوا الله تعالى واعلموا أن فَضْلُ اللهِ عَمَّ عَلَى أُمَّةِ مُحَمَّدٍ وَطَابَ، يَومَ أَنْ خَصَّهُمْ بِأَيَّامٍ يُضَاعَفُ فِيهَا الثَّوَابُ؛ قال تعالى: ( وَالْفَجْرِ وَلَيَالٍ عَشْرٍ).

تِلْكَ الْعَشْرُ الْمُبَارَكَاتُ، الفاضِلاتُ المُفَضَّلات، قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “أَفْضَلُ أيَّامِ الدُّنْيَا أَيَّامُ الْعَشْرِ”؛ 

فَحَرِيٌّ بِأَهْلِ الْإِيمَانِ، وَمَنْ تَحْدُوهُمُ الْجَنَّةُ وَالرِّضْوَانُ، أَنْ يَسْتَعِدُّوا لِهَذِهِ الْأَيَّامِ اسْتِعْدَادَهَا، وَيَقْدُرُوهَا فِي النُّفُوسِ حَقَّ قَدْرِهَا.

فالموفق والله من أَحْسَنَ ضِيَافَتَهَا، وَأَكْرَمهَا بِحُسْنِ اغْتِنَامِهَا، وَمَلْءِ صَحَائِفِ الْأَعْمَالِ مِنْ ثَوَابِهَا.

كَمْ هُوَ جَمِيلٌ عِبَادَ اللهِ أَنْ تُسْتَقْبَلَ هَذِهِ الْأَيَّامُ بِتَجْدِيدِ التَّوْبَةِ مَعَ اللهِ تَعَالَى، تَوْبَةً يَسْتَذْكِرُ فِيهَا الْمَرْءُ مَاضِيَهُ، وَيَضَعُ أَعْمَالَهُ فِي مِيزَانِ الْمُحَاسَبَةِ، فَيُبْصِرُ حِينَهَا ذُنُوبًا سَوَّلَهَا الشَّيْطَانُ، وَخَطِيئَاتٍ زَيَّنَتْهَا النَّفْسُ الْأَمَّارَةُ؛ فَيُورِثُهُ ذَلِكَ نَدَمًا عَلَى مَا فَاتَ، وَمُجَافَاةً لِلذَّنْبِ فِيمَا هُوَ آتٍ.

وَإِذَا اجْتَمَعَ لِلْمُسْلِمِ تَوْبَةٌ نَصُوحٌ مَعَ أَعْمَالٍ صَالِحَةٍ فِي أَزْمِنَةٍ فَاضِلَةٍ، فَقَدْ تَقَلَّدَ الْفَلَاحَ، وَتَوَسَّمَ النَّجَاحَ ( فَأَمَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَعَسَى أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ ).

يَا أَهْلَ الصِّيَامِ، بُشْرَاكُمْ هَذِهِ الْأَيَّامَ، فَمَعَ الصِّيَامِ يُجَابُ الدُّعَاءُ وَالنَّجْوَى، وَتُغْرَسُ فِي الْقَلْبِ التَّقْوَى، وَيُبَاعِدُ الْمَرْءُ وَجْهَهُ عَنْ نَارٍ تَلَظَّى، وَيُسَطِّرُ الصَّائِمُ اسْمَهُ فِي دِيوَانِ أَهْلِ الرَّيَّانِ، وَلَا تَسَلْ بَعْدَ ذَلِكَ عَنْ أَجْرِ الصِّيَامِ وَثَوَابِهِ؛ “إِلَّا الصَّوْمَ، فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ”.

وَثَبَتَ عَنْ رَسُولِ الْهُدَى -أَتْقَى النَّاسِ وَأَعْبَدِ الْخَلْقِ- أَنَّهُ كَانَ يَصُومُ تِسْعَ ذِي الْحِجَّةِ؛  .

يَا أَصْحَابَ الْأَيَادِي الْبَيْضَاءِ، وَأَهْلَ الْفَضْلِ وَالْعَطَاءِ، تَذَكَّرُوا -يَا رَعَاكُمُ اللهُ- أَنَّ هَذِهِ الصَّدَقَاتِ زِيَادَةٌ لَكُمْ فِي أَمْوَالِكُمْ، وَأَنَّ تِلْكَ الْأُعْطِيَاتِ هِيَ فِي الْحَقِيقَةِ مِنْكُمْ وَإِلَيْكُمْ؛ {وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ}،{وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ}، فَأَبْشِرُوا أَبْشِرُوا بِالْعِوَضِ وَالْمُضَاعَفَةِ، وَاسْمَعُوا إِلَى هَذِهِ الْبِشَارَةِ مِنْ نَبِيِّكُمْ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِينَ قَالَ: “إِنَّ اللهَ يَقْبَلُ الصَّدَقَةَ وَيَأْخُذُهَا بِيَمِينِهِ فَيُرَبِّيهَا كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ مُهْرَهُ، حَتَّى إِنَّ اللُّقْمَةَ لَتَصِيرُ مِثْلَ أُحُدٍ”؛  .

إِخْوَةَ الْإِيمَانِ : الْعَجُّ بِالذِّكْرِ وَتَرْطِيبُ الْأَلْسِنَةِ بِالتَّكْبِيرِ وَالتَّهْلِيلِ، شِعَارُ هَذِهِ الْأَيَّامِ، وَعُنْوَانٌ تَتَمَيَّزُ بِهِ، كَيْفَ لَا؟ وَقَدْ خَصَّهَا الْمَوْلَى -سُبْحَانَهُ- بِأَنَّهَا أَيَّامُ ذِكْرٍ للهِ؛ { لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ }. 

وَلِذَا كَانَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُوصِي أَصْحَابَهُ بِقَوْلِهِ: “مَا مِنْ أَيَّامٍ أَعْظَمُ عِنْدَ اللهِ وَلَا أَحَبُّ إِلَيْهِ الْعَمَلُ فِيهِنَّ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ؛ فَأَكْثِرُوا فِيهِنَّ مِنَ التَّهْلِيلِ وَالتَّكْبِيرِ وَالتَّحْمِيدِ”؛ 

فَيَا مَنْ يَرْجُو طُمَأْنِينَةَ الْقَلْبِ، هَاكَ وَاحَاتُ الذِّكْرِ قَدْ تَلَأْلَأَتْ، فَعِشْ مَعَهَا نَفَحَاتِ التَّكْبِيرِ وَالتَّحْمِيدِ، وَنَسَمَاتِ التَّهْلِيلِ وَالتَّمْجِيدِ.

 اللّهُمّ بَلّغْنَا عَشْرَ ذِي الْحِجَّةِ بَلاغَ بَرَكَةٍ وإِقْبالٍ وقَبولٍ.

أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَإِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ :

الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ تَعْظِيمًا لَشَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدّاعِي إِلَى رِضْوانِهِ، صَلَّى اللهُ عَليْهِ وَعَلى آلِهِ وأصْحَابِهِ وَأَعْوَانِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا .

أَمَّا بَعْدُ فيا عِبَادَ اللهِ :

الطَّاعَاتُ كما أنَّها فِي مَوْسِمِ الْخَيْرَاتِ يَزْدَادُ شَرَفُهَا، وَيَعْظُمُ أَجْرُهَا، فَكَذَا الْمَعَاصِي فِي الْأَزْمِنَةِ الْفَاضِلَةِ يَعْظُمُ جُرْمُهَا، وَيَزْدَادُ قُبْحُهَا؛ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ رَحِمَهُ اللهُ: “وَالْمَعَاصِي فِي الْأَيَّامِ الْفَاضِلَةِ وَالْأَمْكِنَةِ الْمُفَضَّلَةِ تُغَلَّظُ، وَعِقَابُهَا بِقَدْرِ فَضِيلَةِ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ”.

فيا أَخِيْ المبارَك، خُذْ مِنَ العملِ في صبحِكَ ومسائِكَ ، وأصْلِح قلبك وحالك.

جَدِّدِ المتاب، واستقبل نفحاتِ الرحيم التواب، فطريقُ الفوزِ والرحمةِ والغُفران، مَيْسُورٌ أمَامَكَ بِصَلاةٍ وتَهَجُّدٍ وَقُرْبَانٍ، وَخَتْمَةٍ صَالحةٍ معَ القرآن، وبصلة وبِرٍّ وإحسان، ونفع ومتعدٍ لكل إنسان.

وليكُنْ الشِّعارُ منكَ والحالُ مع هذه الأيام، لعلي لا ألقاها بعد هذا العام.

وَإِذَا رَأَيْتَ مِنْ نَفْسِكَ إِقْبَالًا، فَزِدْ فِيهَا أَعْمَالًا.

اللهمَّ أقبِلْ بقلوبِنا في هذهِ العشرِ على طاعتِكَ.

اللهمَّ أَعِنّا عَلَى ذِكْرِكَ، وَشُكْرِكَ، وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ.

اللهم إنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ وَفُجَاءَةِ نِقْمَتِكَ وَجَمِيعِ سَخَطِكَ.

اللهم أَرْخِصْ أسعارَنا، وَآمِنْ دِيَارَنَا، وَحَسِّنْ أَخْلَاقَنَا، ويسِّرْ أَرْزَاقَنَا، وَوَفِّقْ وُلاتَنا، وَارْحَمْ أمواتَنا، وَاجْمَعْ عَلَى الْهُدَى شُؤونَنا، وَاقْضِ اللَّهُمّ دُيونَنا.

اللهم وَفِّقْ إمَامَنَا وَوَلِيَّ عَهْدِهِ بِتَوْفِيقِكَ، وأيدهما بتأيدك ، وَاحْفَظْ جنودنا المرابطين أبْطَالَ الْحُدُودِ، واجزِهِم عَنَّا خَيْرَ الْجَزَاءِ.

اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا ، وأيِّد بالحق والتوفيقِ إمامَنا ووليَّ أمرنا ، اللهم وفّقه وولي عهده لهداك ، اللهم أعزّهما بطاعتك ، وأعل بهما كلمتك، وانصر بهما دينك ، واجمع بهما كلمة المسلمينَ يا رب العالمين.

رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ

وصلَّى اللهُ على نبينا محمَّدٍ وعلى آلهِ وصحبِهِ وسلَّمَ تسليمًا كثيرًا .

المشاهدات 803 | التعليقات 0