أيام مكاسب ومغانم 8 / 12 / 1445ه
خالد الكناني
أيام مكاسب ومغانم
الحمد لله ربّ العالمين ، يكرم من يشاء من عباده برضوانه وجنات النعيم ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه واخوانه.
أما بعد : عباد الله ، نحن في موسم عظيم للتجارة مع الله تبارك في علاه ، فسابقوا وسارعوا وشمروا ، بكل ما يقربكم من ربكم .
*قال تعالى : ((وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ))
أكثروا من الطاعات والأعمال الصالحات ، لتنالوا العطاءات ورضى ربّ الأرض والسموات ، ومناداتكم في الجنات .
*عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ لِأَهْلِ الجَنَّةِ: يَا أَهْلَ الجَنَّةِ؟ فَيَقُولُونَ: لَبَّيْكَ رَبَّنَا وَسَعْدَيْكَ، فَيَقُولُ: هَلْ رَضِيتُمْ؟ فَيَقُولُونَ: وَمَا لَنَا لاَ نَرْضَى وَقَدْ أَعْطَيْتَنَا مَا لَمْ تُعْطِ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ، فَيَقُولُ: أَنَا أُعْطِيكُمْ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ، قَالُوا: يَا رَبِّ، وَأَيُّ شَيْءٍ أَفْضَلُ مِنْ ذَلِكَ؟ فَيَقُولُ: أُحِلُّ عَلَيْكُمْ رِضْوَانِي، فَلاَ أَسْخَطُ عَلَيْكُمْ بَعْدَهُ أَبَدًا
أيها المسلمون :مكاسب وعظائم لا تقدر بثمن ، وموسم أرباح وتجارة لا تبور ، مع الرحمن الرحيم ، في هذه الأيام الفاضلات المباركات ، قَالَ تعالى : (( وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُوماتٍ )) وقال تعالى : ((وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ )) قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الأيام المعدودات أيام التشريق، والأيام الْمَعْلُومَاتُ أَيَّامُ الْعَشْرِ
وعَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا مِنْ أَيَّامٍ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ، وَلَا أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنَ الْعَمَلِ فِيهِنَّ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ الْعَشْرِ ، فَأَكْثِرُوا فِيهِنَّ مِنَ التَّهْلِيلِ، وَالتَّكْبِيرِ، وَالتَّحْمِيدِ ))
وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ: «يَخْرُجَانِ إِلَى السُّوقِ فِي أَيَّامِ العَشْرِ يُكَبِّرَانِ، وَيُكَبِّرُ النَّاسُ بِتَكْبِيرِهِمَا ،
الله أكبر، الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد .
التكبير من السنن المشروعة في هذه العشر ، والتكبير المطلق يستمر معنا إلى آخر أيام التشريق ، والمقيد لغير الحاج من فجر يوم عرفة إلى آخر أيام التشريق ، هذا التكبير ، وذكر الله تعالى وقراءة القرآن وكثرة السجود في هذه الأيام رصيد ومكاسب عظام من الأعمال الصالحات والتي هي أحب إلى الله في هذه الأيام ، فأكثروا من التكبير والتهليل والتحميد والتسبيح ، وأكثروا من السجود والطاعات لتنالوا المكرمات ، فعن ثَوْبَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «عَلَيْكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ لِلَّهِ، فَإِنَّكَ لَا تَسْجُدُ لِلَّهِ سَجْدَةً، إِلَّا رَفَعَكَ اللهُ بِهَا دَرَجَةً، وَحَطَّ عَنْكَ بِهَا خَطِيئَةً ))
ومن مكاسب هذه العشر أن فيها يوم عرفة ، وهو يوم فاضل عظيم ، من أفضل أيام السنة ، أكمل الله فيه الملة وأتم به النعمة ، قال تعالى : ((الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ))
إنه يوم عرفة ، إنه يوم الركن الأكبر لِحجِّ الحجاج ويوم تكفير السيئات والعتق من النار ، يوم يجتمع فيه الحجاج على صعيد عرفة ، قال صلى الله عليه وسلم : ((الْحَجُّ عَرَفَةُ )) ، خصه الله بالأجر الكبير والثواب العظيم ، يوم عرفة يجتمع فيه الحجيج ، لتعظيم الله وذكره ودعائه وشكره ، يوم عرفة يوم الهبات والنفحات والعتق من النار ، ويدنوا الله من الحجيج بعرفة ويباهي بهم الملائكة ، عن عائشة رضي الله عنها قَالَتْ : إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللهُ فِيهِ عَبْدًا مِنَ النَّارِ، مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَإِنَّهُ لَيَدْنُو، ثُمَّ يُبَاهِي بِهِمِ الْمَلَائِكَةَ، فَيَقُولُ: مَا أَرَادَ هَؤُلَاءِ؟ وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُبَاهِي الْمَلَائِكَةَ بِأَهْلِ عَرَفَاتٍ، يَقُولُ: انْظُرُوا إِلَى عِبَادِي شُعْثًا غُبْرًا "
يقول ابن رجب رحمه الله : ( ويوم عرفة هو يوم العتق من النار فيعتق الله من النار من وقف بعرفة ومن لم يقف بها من أهل الأمصار من المسلمين فلذلك صار اليوم الذي يليه عيدا لجميع المسلمين في جميع أمصارهم من شهد الموسم منهم ومن لم يشهده لا شتراكهم في العتق والمغفرة )
فحري أن نتقرب إلى الله بالطاعات والاعمال الصالحات في هذا اليوم المبارك الكريم يوم عرفة أولا: بصيامه ، وصيام يوم عرفة لغير الحاج سنة مؤكدة، لما في صيامه من الفضل العظيم ، يكفر الله فيه السيئات ويرفع به الدرجات ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (( صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ، أَحْتَسِبُ عَلَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ، وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ )) ، لذا ينبغي حث الأهل والاولاد على صيام هذا اليوم ، ثانيا: للدعاء في يوم عرفة مزية ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ((خَيْرُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ )) ، ليحرص المسلم في هذا اليوم العظيم من الدعاء لنفسه ولوالديه وأهله وللمسلمين جميعا ، ومما ينبغي أن يحرص عليه المسلم في هذا اليوم الإكثار من شهادة التوحيد ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " خَيْرُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَخَيْرُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ))
وإن مما شرع في هذه العشر ويتقرب به إلى الله تبارك وتعالى الأضحية وهي سنة مؤكدة في حق الموسر ، ويبدأ ذبحها من بعد صلاة عيد الأضحى وينتهي بغروب الشمس من اليوم الثالث عشر من شهر ذي الحجة ، يضحي عن نفسه وعن أهله من الوالدين والزوجة والأولاد ، لينال الأجر والثواب ، امتثالا لأمر الله تعالى ، واقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم ، فعن أَنَس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُضَحِّي بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقْرَنَيْنِ، وَيَضَعُ رِجْلَهُ عَلَى صَفْحَتِهِمَا وَيَذْبَحُهُمَا بِيَدِهِ»
ولنختر الطيب منها لنتقرب به إلى الله تبارك وتعالى ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ((وَالْأَجْرُ فِي الْأُضْحِيَّةِ عَلَى قَدْرِ الْقِيمَةِ مُطْلَقًا )) وكان الصحابة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يختارون السمين الحسن ، روى الإمام البخاري تعليقاً، عن أبي أُمَامَةَ بْنَ سَهْلٍ، قَالَ: «كُنَّا نُسَمِّنُ الأُضْحِيَّةَ بِالْمَدِينَةِ، وَكَانَ المُسْلِمُونَ يُسَمِّنُونَ»
ولنعلم أن من مقاصد الأضحية في الإسلام ، توحيد الله وذكره تعالى ، وتقواه
قال تعالى : ((لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ ))
وقال تعالى : ((وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ )) وفقنا الله وإياكم لصالح الأعمال في هذه العشر وفي كل الأوقات والأحوال .
أقول ما تسمعون واستغفر الله العظيم
الحمد لله ، حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه ، كما يحب ربُّنا ويرضى ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبدُه ورسولُه صلى الله عليه وسَلَّمَ تسليما كثيرا إلى يوم الدين ... أما بعدُ :
أيها المؤمنون : وآخِرُ هذه العشرِ الفاضلة ، فيها يوم النحر وهو يوم عيد الأضحى ويوم القَرِّ وهو أول أيام التشريق ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُرْطٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ أَعْظَمَ الْأَيَّامِ عِنْدَ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَوْمُ النَّحْرِ، ثُمَّ يَوْمُ الْقَرِّ )) ، وفيها أيام التشريق ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « » أَيَّامُ التَّشْرِيقِ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَذِكْرٍ للهِ ))
أيها المسلمون : أكثروا من الأعمال الصالحات وتقربوا إلى ربكم بما يحبه في هذه الأيام الغاليات ، وأعظمها الفرائض ، ففي الحديث القدسي ، يقول الله تعالى : ((وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ )) ، وتزودوا من نوافل الطاعات من صلاة وصيام وصدقة وبر وإحسان ، وصلة رحم وحسن خلق وغيرها من أعمال البر والطاعات .... ، ففي الحديث القدسي ، يقول الله تعالى : (( وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ: كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا ))
واعلموا عباد الله أن لعيد الأضحى آداب وأحكام ينبغي مراعاتها والتأدب بها ومنها :
المحافظة على صلاة العيد ، والاغتسال والتطيب للرجال ولبس أحسن الثياب ، والإكثار من التكبير ، و من السنة أن لا يأكل شيئا حتى يصلي العيد ، فقد كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لاَ يَخْرُجُ يَوْمَ الفِطْرِ حَتَّى يَطْعَمَ، وَلاَ يَطْعَمُ يَوْمَ الأَضْحَى حَتَّى يُصَلِّيَ )) ، فإن كان له أضحية ذبحها بعد صلاة العيد وأكل منها .
، ومن الآداب صلة الأرحام وزيارة الأقارب والجيران والأصدقاء والتهنئة بالعيد ، وأن يعيش المسلم فرحة العيد وفق الآداب والأخلاق الإسلامية .
هذا وصلوا عباد الله على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه ، قال تعالى : ((إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ))
المرفقات
1718305891_أيام مكاسب ومغانم.pdf