أَيَّامُ التَّشْرِيقِ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَذِكْرٍ لِلَّهِ     

مبارك العشوان 1
1444/12/11 - 2023/06/29 20:26PM

الْحَمْدُ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى أَيُّهَا النَّاسُ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ.

عِبَادَ اللهِ: مَضَتْ أَيَّامُ العَشْرِ، وَيَومُ عَرَفَةَ، وَيَومُ العِيدِ  وَهِيَ أَيَّامٌ عَظِيْمَةٌ فَاضِلَةٌ؛ وَهَا نَحْنُ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ   وَهِي: الحَادِيَ عَشَرَ وَالثَّانِيَ عَشَرَ وَالثَّالِثَ عَشَرَ.

وَهِيَ أَيَّامٌ فَاضِلَةٌ؛ قَالَ اللهُ تَعَالَى: { لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ } الحج 28

قَالَ ابنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما: أَيَّامُ العَشْرِ، وَالأَيَّامُ المَعْدُودَاتُ: أَيَّامُ التَّشْرِيقِ.

وَقَالَ عَنْهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: ( أَيَّامُ التَّشْرِيقِ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ ) وَفِي رِوَايَةٍ: ( وَذِكْرٍ لِلَّهِ )

هَذِهِ الأَيَّامُ أيَّامُ أكلٍ وشُربٍ؛ فَلا يَصِحُّ صِيَامُها، وَقَدْ جَاءَ فِي الحَدِيثِ: ( لَمْ يُرَخَّصْ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ أَنْ يُصَمْنَ، إِلَّا لِمَنْ لَمْ يَجِدِ الهَدْيَ ). رَوَاهُ البُخَارِيُّ. وَهِيَ أَيَّامُ ذِكْرٍ لِلَّهِ تَعَالَى  فَيَنْبَغِي الإِكْثَارُ فِيهَا الذكر؛ سَوَاءً الأَذْكَارَ المُطْلَقَةَ كَالِاسْتِغْفَارِ وَالتَّسْبِيحِ وَالتَّحْمِيدِ وَالتَّهْلِيلِ، وَقِرَاءَةِ القُرْآنِ.

أَو الأَذْكَارَ المُقَيَّدَةَ كَأَذْكَارِ الصَّبَاحِ وَالمَسَاءِ وَنَحْوِهَا.

أَوِ التَّكْبِيرَ المُطْلَقَ فِي كُلِّ عَشْرِ ذِي الحِجَّةِ وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ  أَوِ التَّكْبِيرَ المُقَيَّدَ بِأَدْبَارِ الصَّلوَاتِ؛ وَقَدْ بَدَأُ لِغَيرِ الحُجَّاجِّ مِنْ فَجْرِ يَومِ عَرَفَةَ، وَلِلْحُجَاجِ مِنْ ظُهْرِ يَومِ النَّحْرِ  وَيَسْتَمِرُّ لِلْجَمِيعِ إِلَى آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ.

عِبَادَ اللهِ: يَقُولُ ابنُ رَجَبٍ رَحِمَهُ اللهُ: فَأيَّامُ التَّشْرِيقِ يَجْتَمِعُ فِيهَا لِلمؤْمِنِينَ نَعِيمُ أَبْدَانِهِمْ بِالأَكْلِ وَالشُّرْبِ، وَنَعِيمُ قُلُوبِهِمْ بِالذِّكْرِ وَالشُّكْرِ، وَبِذَلِكَ تَتِمُّ النِّعْمَةُ، وَكُلَّمَا أَحْدَثُوا شُكْرًا عَلَى النِّعْمَةِ كَانَ شُكْرُهُمْ نِعَمةً أُخْرَى، فَيَحْتَاجُ إِلَى شُكْرٍ آخَرَ، وَلَا يَنْتَهِي الشُّكْرُ أبَدًا.

عِبَادَ اللهِ: وَتَنْبَغِي التَّوسِعَةُ عَلَى النَّفْسِ وَالأَهْلِ فِي هَذِهِ الأَيَّامِ؛ بِمَا أَبَاحَ اللهُ تَعَالَى؛ مَعَ الحَذَرِ مِنَ التَّبْذِيرِ وَالإِسْرَافِ؛ فَاللهُ تَعَالَى لَا يُحِبُّ المُسْرِفِينَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: { يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ، قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ ... } الأعراف31 - 33

وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلمَ: ( كُلُوا وَاشْرَبُوا وَالبَسُوا وَتَصَدَّقُوا، فِي غَيْرِ إِسْرَافٍ، وَلَا مَخِيلَةٍ )

وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: كُلْ مَا شِئْتَ، وَالبَسْ مَا شِئْتَ، مَا أَخْطَأَتْكَ اثْنَتَانِ: سَرَفٌ، أَوْ مَخِيلَةٌ.

الإِسْرَافُ: مُجَاوَزَةُ الْحَدِّ، وَالمَخِيلَةُ: الخُيَلَاءُ وَالكِبْرُ.

ثُمَّ إِنَّ التَّهاوُنَ بِنِعَمِ اللهِ، وَعَدَمَ شُكْرِهَا مُؤذِنٌ بِزَوَالِهَا؛ كَمَا قَالَ تَعَالَى: { وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ } إبراهيم 7  

يَقُولُ عَلِيُّ بُنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ: إِنَّ النِّعْمَةَ مَوْصُولَةٌ بِالشُّكْرِ، وَالشُّكْرُ يَتَعَلَّقُ بِالْمَزِيدِ؛ وَهُمَا مَقْرُونَانِ فِي قَرَنٍ؛ فَلَنْ يَنْقَطِعَ الْمَزِيدُ مِنَ اللهِ حَتَّى يَنْقَطِعَ الشُّكْرُ مِنَ الْعَبْدِ.

وَيَقُولُ ابنُ القَيِّمِ رَحِمَهُ اللهُ: وَالشُّكْرُ مَبْنِيٌ عَلَى خَمْسِ قَوَاعِدَ: خُضُوعُ الشَّاكِرِ لِلْمَشْكُورِ، وَحُبُّهُ لَهُ، وَاعْتِرَافُهُ بِنِعْمَتِهِ، وَثَنَاؤُهُ عَلَيْهِ بِهَا، وَأَنْ لَا يَسْتَعْمِلَهَا فِيمَا يَكْرَهُ.

جَعَلَنِي اللهُ وَإِيَّاكُمْ مِنَ الشَّاكِرِينَ؛ وَبَارَكَ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ وَنَفَعَنَا بِمَا فِيهِ مِنَ الْآيِ وَالذَّكَرِ الْحَكِيمِ وَأَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ الْعَظِيمَ الْجَلِيلَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلُّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

 

الخطبة الثانية:

الحَمْدُ لِلهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ؛ أَمَّا بَعْدُ:

فَفِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ يَسْتَمِرُّ وَقْتُ ذَبْحِ الأَضَاحِي؛ إِلَى غُرُوبِ شَمْسِ اليَومِ الثَّالِثَ عَشَرَ.

فَتَكُونُ أَيَّامُ الذَّبْحِ أَرْبَعَةٌ: يَومُ العِيدِ بَعْدَ الصَّلَاةِ وَثَلَاثَةُ أَيَّامٍ بَعْدَهُ، وَلَهُ أَنْ يَذْبَحَ لَيلًا أَوْ نَهَارًا.

عِبَادَ اللهِ: خُذُوا مِنْ هَذِهِ الأَيَّامِ؛ بَلْ وَمِنْ أَيَّامِ العُمُرِ كُلِّهِ زَادًا لِآخِرَتِكُمْ؛ اُعْمُرُوهَا بِالعَمَلِ الصَّالِحِ، اُعْمُرُوهَا بِتَقْوَى اللهِ جَلَّ وَعَلَا؛ فَنِعْمَ الزَّادُ وَخَيْرُهُ تَقْـوَى اللهِ: { وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى }البقرة 197

مَنْ وُفِّقَ فَاجْتَهَدَ وَأَحْسَنَ فِيْمَا مَضَى؛ فَلْيَحْمَدِ اللهَ وَلْيَسْتَمِرَّ وَلْيَحْذَرْ أَنْ يَغْتَرَّ بِعَمَلِهِ، أَوْ يَنْقَلِبَ عَلَى عَقِبِهِ.

وَمَنْ غَفَلَ وَفَرَّطَ، وَلَمْ يَأْبَهْ بِهَذِهِ العَشْرِ، وَلَمْ يُقِمْ لَهَا وَزْنًا  فَضَيَّعَهَا كَسَائِرِ أَيَّامِهِ؛ فَلْيَنْدَمْ عَلَى تَقْصِيْرِهِ؛ ولْيَتَدَارَكْ نَفْسَهُ؛ مَا دَامَ فِي العُمُرِ فُسْحَةٌ.

وَفَّقَنِي اللهُ وَإِيَّاكُمْ لِاغْتِنَامِ مَوَاسِمِ الخَيْرَاتِ.

ثُمَّ صَلُّوا وَسَلِّمُوا - رَحِمَكُمُ اللهُ - عَلَى مَنْ أَمَرَكُمُ اللهُ بِالصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَيهِ؛ فَقَالَ سُبْحَانَهُ: { إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا }الأحزاب 56

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.

اللَّهُمَّ أصْلِحْ أئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، اللَّهُمَّ وَفِّقْ وُلَاةَ أمْرِنَا لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، اللَّهُمَّ خُذْ بِنَوَاصِيهِمْ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا وَإِيَّاهُمْ لِهُدَاكَ، واجْعَلْ عَمَلَنَا فِي رِضَاكَ، اللَّهُمَّ مَنْ أَرَادَنَا وَدِينَنَا وَبِلَادَنَا بِسُوءٍ فَرُدَّ كَيْدَهُ إِلَيهِ، وَاجْعَلْ تَدْبِيرَهُ تَدْمِيرًا عَلَيهِ، يَا قَوِيُّ يَا عَزِيزُ.

عِبَادَ اللهِ: اُذْكُرُوا اللهَ العَلِيَّ الْعَظِيْمَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ وَلَذِكْرُ اللهِ أكْبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.

 

المرفقات

1688059571_أَيَّامُ التَّشْرِيقِ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَذِكْرٍ لِلَّهِ.pdf

1688059596_أَيَّامُ التَّشْرِيقِ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَذِكْرٍ لِلَّهِ.docx

المشاهدات 2697 | التعليقات 0