أول ورشة نقاش مفتوح تفضّلوا أيها الأحباب ..
رشيد بن ابراهيم بوعافية
أخي الخطيب ، أخي صديق الخطباء : انظر تفاصيل و قوانين الورشة وكيفيتها في " ملتقى الآراء والمقترحات " :
الورشة الأولى : على بركة الله :
قالوا : العقول ثلاثة مستويات
1- عقول راقية = تناقش وتتكلم في الأفكار.
2- عقول متوسطة = تناقش وتتكلم في الأحداث.
3- عقول صغيرة = تناقش و تتكلم في الأشخاص.
نبدأ المناقشة على بركة الله :
بكل حريّة . . بكل شجاعة . . بكل أخوة . .بكل حسن ظن . . بكل حب و إيمان واحتساب :
هل تعرف أخي الخطيب من قائل هذه الحكمة ؟
ترى ما المقصود بها ؟ اشرح لنا وحرّك جو الاستفادة ؟.
اعطنا امثلة عن المقصود ؟ .
هل أنت معه في هذا ؟ حلل وناقش ودافع عن رأيك !
هل يمكن أن تشرح لنا عمليًّا كيف نستفيدُ منها نحن الخطباء ؟
دمتم موفّقين : المجال مفتوح تفضّلوا !، واخوكم في الله مدير متطوع للورشة .
المشاهدات 13496 | التعليقات 27
تفضّل أيها الحبيب ، هاك الميكروفون ، ماذا تقول في الموضوع ؟ . . تفضّل . . .
وهذا يعم أمور الدنيا والآخرة
قال ابن القيم رحمه الله: "...ثم أودع سبحانه قوة التفكر وأمره باستعمالها فيما يجدي عليه النفع في الدنيا والآخرة، فركب القوة المفكرة من شيئين من الأشياء الحاضرة عند القوة الحافظة تركيبا خاصا، فيتولد من بين هذين الشيئين شيء ثالث جديد لم يكن للعقل شعور به كانت مواده عنده، لكن بسبب التركيب حصل له الأمر الثالث، ومن ههنا حصل استخراج الصنائع، والحرف، والعلوم، وبناء المدن، والمساكن، وأمور الزراعة والفلاحة، وغير ذلك، فلما استخرجت القوة المفكرة ذلك واستحسنته سلمته إلى القوة الإرادية العلمية فنقلته من ديوان الأذهان إلى ديوان الأعيان؛ فكان أمرا ذهنيا ثم صار وجوديا خارجيا، ولولا الفكرة لما اهتدى الإنسان إلى تحصيل المصالح ودفع المفاسد وذلك من أعظم النعم وتمام العناية الإلهية، ولهذا لما فقد البهائم والمجانين ونحوهم هذه القوة لم يتمكنوا مما تمكن منه أرباب الفكر".اهـ
أحسنت أستاذ مبارك بارك الله فيك على استلام الميكروفون والإفادة :
انتبهوا أيها الأحبّة :
الأستاذ مبارك استخرج لنا من كلام ابن القيم تعريف التفكر ، وكيف ينشأ .
والأهم الأعظم أن عالم الأفكار هو المسؤول عن إيجاد عالم الأشياء !
اسمعوا من كلام ابن القيم [ .. ومن ههنا ( القوة المفكرة ) حصل استخراج الصنائع، والحرف، والعلوم، وبناء المدن، والمساكن، وأمور الزراعة والفلاحة ، وغير ذلك . . ]
وتامل قول ابن القيم .. [ ديوان الأذهان ( عالم الأفكار ) ... ديوان الأعيان ( عالم الأشياء والأشخاص ) فكان أمرا ذهنيا ثم صار وجوديا خارجيا ولولا الفكرة لما اهتدى الإنسان إلى تحصيل المصالح ودفع المفاسد وذلك من أعظم النعم وتمام العناية الإلهية ] ( عن كتاب : التبيان في أقسام القرآن لابن القيم ص 406 ) . .
جميل جدا أستاذ مبارك ، أفدتنا بهذا التأصيل لعالم الأفكار والأشياء والذي هو موضوع نقاشنا بارك الله فيك !
تفضّلوا يا سادة ، إلى من ينتقل الميكروفون ؟
حتى نجعل الفائدة دقيقةً و منهجيّة : دعونا نقسّمُ الموضوع إلى محاور و نقاط للمناقشة ، ثم نجمع الموضوع في النهاية :
قرأتم كلام ابن القيم السابق و أنّ ديوان الأعيان ( عالم الأشياء ) ينتج عن ديوان الأذهان ( عالم الأفكار )
سؤال : " العقيدة " . . و ما أدراكَ ما " العقيدة " ! مصدرها الوحي و ليس الفكر . .
هل يمكن ان تدخل في هذا التصنيف الوارد في هذه الحكمة ( عالم الأفكار ) ؟! لماذا ؟
إن كان الجواب لا فاقترح علينا اسمًا آخر يمكن أن تندرج فيه العقيدة نعوّضُ به كلمة ( الأفكار ) .
تفضّلوا إخواني . .
قال ابن القيم رحمه الله في مدارج السالكين:
قلت: الفكرة فكرتان؛ فكرة تتعلق بالعلم والمعرفة، وفكرة تتعلق بالطلب والإرادة.
فالتي تتعلق بالعلم والمعرفة: فكرة التمييز بين الحق والباطل، والثابت والمنفي.
والتي تتعلق بالطلب والإرادة: هي الفكرة التي تميز بين النافع والضار.
ثم يترتب عليها فكرة أخرى في الطريق إلى حصول ما ينفع فيسلكها، والطريق إلى ما يضر فيتركها.
فهذه ستة أقسام لا سابع لها هي مجال أفكار العقلاء.
فالفكرة في التوحيد استحضار أدلته، وشواهد الدلالة على بطلان الشرك واستحالته، وأن الإلهية يستحيل ثبوتها لاثنين كما يستحيل ثبوت الربوبية لاثنين؛ فكذلك من أبطل الباطل عبادة اثنين، والتوكل على اثنين، بل لا تصح العبادة إلا للإله الحق والرب الحق وهو الله الواحد القهار. اهـ
الأول: الفكرة فى آياته المنزلة وتعقلها وفهمها، وفهم مراده منها، ولذلك أنزلها الله تعالى لا لمجرد تلاوتها، بل التلاوة وسيلة. قال بعض السلف: أنزل القرآن ليعمل به فاتخذوا تلاوته عملا .
الثاني: الفكرة فى آياته المشهودة والاعتبار بها، والاستدلال بها على أسمائه وصفاته وحكمته، وإحسانه، وبره، وجوده، وقد حث الله سبحانه عباده على التفكر فى آياته وتدبرها وتعقلها وذم الغافل عن ذلك.
الثالث: الفكرة فى آلائه وإحسانه، وإنعامه على خلقه بأصناف النعم، وسعة مغفرته ورحمته وحلمه.
وهذه الأنواع الثلاثة تستوجب من القلب معرفة الله ومحبته وخوفه ورجاءه، ودوام الفكرة فى ذلك مع الذكر يصبغ القلب فى المعرفة والمحبة صبغة تامة.
الرابع: الفكرة فى عيوب النفس وآفاتها، وفى عيوب العمل، وهذه الفكرة عظيمة النفع، وهذا باب كل خير وتأثيرها فى كسر النفس الأمارة بالسوء، ومتى كسرت عاشت النفس المطمئنة وانتعشت وصار الحكم لها، فحيي القلب ودارت كلمته فى مملكته، وبث أمراءه وجنوده فى مصالحه.
الخامس: الفكرة فى واجب الوقت ووظيفته وجمع الهم كله عليه، فالعارف ابن وقته فإن أضاعه ضاعت عليه مصالحه كلها، فجميع المصالح إنما تنشأ من الوقت فمتى أضاع الوقت لم يستدركه أبدا.اهـ
فقوله: وهذه الأنواع الثلاثة تستوجب من القلب معرفة الله ومحبته وخوفه ورجاءه، ودوام الفكرة فى ذلك مع الذكر يصبغ القلب فى المعرفة والمحبة صبغة تامة.
ابن القيّم من الكبار . . وما أروع كلام الكبار . . عقول تناقشُ وتتكلم حقًّا في الأفكار !
أيها الإخوة : أضاف لنا الأستاذ مبارك فوائد من خلال سوقه لكلام ابن القيم حول الفكرة :
الفائدة الأولى : مجالات الفكرة في حياة المؤمن : فقد قسّم ابن القيّم المجالات إلى قسمين ( فكرة تتعلق بالقوة العلمية المعرفية ) ، و ( فكرة تتعلق بالقوة العملية التطبيقية ) ولكل منهما أقسام قال هي ستة أقسام لا سابع لها في أفكار العقلاء ، ثم ساقها .
الفائدة الثانية : أشار ابن القيم في التمثيل لموضوع التوحيد أنّ ( الفكرة في التوحيد ) تدخل ضمن عالم الأفكار! ، وهذه فائدةٌ عزيزةٌ جدًّا ! .
فالتفكير في أدلة التوحيد ( الأدلة العقلية ) ، وشواهد بطلان الشرك ، واستحالة أن يكون للكون إلهان اثنان ، وما شابه ذلك .. هذا من مجهود العقل في نصرة موضوع التوحيد . . و بالتالي يدخل في عالم الأفكار ، لأنه من مجهود العقل الإنسانيّ المؤمن في نصرة الاعتقاد الصحيح ! .
رائع أستاذ مبارك !
لكن : نرجع إلى السؤال الذي طرحناه و نأمل من الإخوة في الورشة الإجابة عليه بشكل مباشر :
" العقيدة " . . " الإيمان " . . بأركانه الست . . ! مصدرها الوحي بدون شك . . و ليست نتاج الفكر و التفكر . .
هل يمكن ان تدخل في هذا التصنيف الوارد في هذه الحكمة ( عالم الأفكار ) ؟! لماذا ؟
إن كان الجواب لا فاقترح علينا اسمًا آخر يمكن أن تندرج فيه العقيدة نعوّضُ به كلمة ( الأفكار ) .
لأنّني أحس أنّ هذه الحكمة التي ندرسها في الورشة جميلة وعظيمة ، ولكن أحببنا فقط ان يبدأ النقاش في كلمة " الأفكار " التي نرى انها لا تستوعب عندنا نحن المؤمنين " العقيدة " و " الإيمان " " التوحيد " ، وهذه أسمى ما يناقش ويتكلم فيه العقلاء :
تفضّلوا إخواني . . من يستلم المكروفون ويفيدنا في الجواب عن هذه الجزئيّة المهمّة قبل ان نتطرّق في الورشة إلى بقيّة محاور المناقشة . . ؟ من يستلم المكروفون . . ؟
أنا أستلم المكروفون ريثما يلتحق إخواني الخطباء :
لازلنا مع الشطر الأول من الحكمة ، ومع بُعْدِها الأول الذي نستفيدُهُ ضمن هذه الورشة :
قال صاحب الحكمة : [ العقول ثلاثة مستويات : عقول راقية تناقش وتتكلم في الأفكار ] :
عالم الأفكار ( ديوان الأذهان كما سمّاه ابن القيّم ) هو أخطر و أشرف العوالم التي تناقش فيها العقول و تتكلم وتدعوا و تناضِل ، لأنّه المسؤول عن تشكيل وبناء الحضارات الأخلاقيّة التي تتمحور فيها الأشياء والأشخاص حول الفكرة الناضجة القويّة الباعثة على النهضة .
لكن : كلمة الأفكار لا يمكن أن تندرج فيها أشرفُ المقوّمات التي تناقش فيها العقول و تناضل في سبيلها وتجاهد لبناء عالم أشياء ( مدنية ) وعالم أشخاص ( نماذج إنسانية ) متينٍ راسخ . أشرف هذه المقوّمات هي [ التوحيد والعقيدة والإيمان ] ، هذه لا تدخل في عالم الأفكار ، لأنها وحيٌ خالصٌ من الله تعالى لا يصل إليها العقل الإنسانيُّ بفكره ، إنّما يؤمنُ بها و يسلّم ، ويهتدي بها في بناء عالم الأشياء والأشخاص كأجمل ما يكون عليه في الواقع !
ولذلك يمكن ان نقول : بُعثَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم فوجدَ العرب عالمَ أشخاص ( أسياد مكة و كهّانُها و .. ) و عالم أشياء ( أوثان و أصنام و أسواق ... ) ، فلا يصح ان نقول أخرجهم من الظلمات إلى النور بعالَمِ الأفكار ( وإن كان للفكرة الإسلاميّة دورٌ في ذلك لا شكّ في ذلك ) ؛ ولكن نقول أخرجهم من الظلمات إلى النور و إلى مصافّ الحضارات العالمية الراقية أساسًا بالتوحيد و الإيمان و الاعتقاد الراسخ الصحيح ، وهذه ليست من عالم الأفكار ، إنما هي قسمٌ رابعٌ لعالم الأفكار وعالم الأشياء ( أو الأحداث التي هي حركة الأشياء و الأشخاص ) و عالم الأشخاص = أقترح تسميتها ب ديوان الوحي ، وهو قسمٌ رابعٌ و أوَّلٌ لا بُدّ منه أشرف من عالم الأفكار ، وعالم الأفكار يستمدُّ منه ويبني عليه وينطلق منه . .
فالعقول الراقية تناقش وتتكلم في الوحي ، ثم في الأفكار .. لأنّ هذا المجال سرُّ بناء الحضارات الأخلاقيّة التي تنتظم فيها الأشياء و الأشخاص كأحسن ما يكون عليه الانتظام . [ هذا هو البُعد الأوّل في هذه الحكمة الرائعة ] .
تفضّلوا إخواني : من يستلم الميكروفون ليُكمل أو يناقش أو يُفيدنا في هذه الورشة . . ؟
هيّا إخواني بارك الله فيكم . .
هذه الورشة صورةٌ عن مجالات العقول الراقية .. هيّا ..
ليس من جديد إلا أني أحببت المشاركة بهذه القصة التي هي نتاج لهذه الفكرة المطروحة والورشة المعروضة وذلك للإسهام بـ فكر قبل أن تعمل قبل أن تتكلم قبل أن تعزم !
روي أن أحد الولاة كان يتجول ذات يوم في السوق القديم متنكرا في زي تاجر وأثناء تجواله وقع بصره على دكان قديم ليس فيه شيء مما يغري بالشراء كانت البقالة شبه خالية وكان فيها رجل طاعن في السن يجلس بارتخاء على مقعد قديم متهالك ولم يلفت نظر الوالي سوى بعض اللوحات
التي تراكم عليها الغبار.
اقترب الوالي من الرجل المسن وحياه ورد الرجل التحية بأحسن منها وكان يغشاه هدوء غريب وثقة بالنفس عجيبة ..
وسأل الوالي الرجل :
دخلت السوق لاشتري فماذا عندك مما يباع !؟
أجاب الرجل بهدوء وثقة :
أهلا وسهلا .. عندنا أحسن وأثمن بضائع السوق !!
قال ذلك دون أن تبدر منه أية إشارة للمزح أو السخرية .. فما كان من الوالي إلا ابتسم ثم قال :
هل أنت جاد فيما تقول !؟
أجاب الرجل :
نعم كل الجد فبضائعي لا تقدر بثمن أما بضائع السوق فإن لها ثمن محدد لا تتعداه !!
دهش الوالي وهو يسمع ذلك ويرى هذه الثقة .. وصمت برهة وأخذ يقلب بصره في الدكان ثم قال :
ولكني لا أرى في دكانك شيئا للبيع !!
قال الرجل :
أنا أبيع الحكمة .. وقد بعت منها الكثير وانتفع بها الذين اشتروها .!
ولم يبق معي سوى لوحتين ..!
قال الوالي : وهل تكسب من هذه التجارة !!
قال الرجل وقد ارتسمت على وجهه طيف ابتسامة : نعم يا سيدي .. فأنا أربح كثيرا
فلوحاتي غالية الثمن جدا ..!
تقدم الوالي إلى إحدى اللوحتين ومسح عنها الغبار فإذا مكتوبا فيها :
( فكر قبل أن تعمل )
تأمل الوالي العبارة طويلا .. ثم التفت إلى الرجل وقال : بكم تبيع هذه اللوحة ..!؟
قال الرجل بهدوء : عشرة آلاف دينار فقط !!
ضحك الوالي طويلا حتى اغرورقت عيناه وبقي الشيخ ساكنا كأنه لم يقل شيئا وظل ينظر إلى اللوحة باعتزاز ..
قال الوالي : عشرة آلاف دينار ..!!
هل أنت جاد ؟
قال الشيخ : ولا نقاش في الثمن !!
لم يجد الوالي في إصرار العجوز إلا ما يدعو للضحك والعجب .. وخمن في نفسه أن هذا العجوز مختل في عقله فظل يسايره وأخذ يساومه على الثمن فأوحى إليه أنه سيدفع في هذه اللوحة ألف دينار .. والرجل يرفض فزاد ألفا ثم ثالثة ورابعة حتى وصل إلى التسعة آلاف دينار .. والعجوز ما زال مصرا على كلمته التي قالها ضحك الوالي وقرر الانصراف وهو يتوقع أن العجوز سيناديه إذا انصرف
ولكنه لاحظ أن العجوز لم يكترث لانصرافه وعاد إلى كرسيه المتهالك فجلس عليه بهدوء ..
وفيما كان الوالي يتجول في السوق فكر ..!!
لقد كان ينوي أن يفعل شيئا تأباه المروءة فتذكر تلك الحكمة ( فكر قبل أن تعمل !! )
فتراجع عما كان ينوي القيام به !!
ووجد انشراحا لذلك ..!!
وأخذ يفكر وأدرك أنه انتفع بتلك الحكمة ثم فكر فعلم أن هناك أشياء كثيرة قد تفسد عليه حياته لو أنه قام بها دون أن يفكر ..!!
ومن هنا وجد نفسه يهرول باحثا عن دكان العجوز في لهفة ولما وقف عليه قال : لقد قررت أن أشتري هذه اللوحة بالثمن الذي تحدده ..!!
لم يبتسم العجوز ونهض من على كرسيه بكل هدوء وأمسك بخرقة ونفض بقية الغبار عن اللوحة ثم ناولها الوالي واستلم المبلغ كاملا وقبل أن ينصرف الوالي قال له الشيخ :
بعتك هذه اللوحة بشرط ..!!
قال الوالي : وما هو الشرط ؟
قال : أن تكتب هذه الحكمة على باب بيتك وعلى أكثر الأماكن في البيت وحتى على أدواتك التي تحتاجها عند الضرورة ..!!!!!
فكر الوالي قليلا ثم قال : موافق !
وذهب الوالي إلى قصره وأمر بكتابة هذه الحكمة في أماكن كثيرة في القصر حتى على بعض ملابسه وملابس نسائه وكثير من أداواته !!!
وتوالت الأيام وتبعتها شهور وحدث ذات يوم أن قرر قائد الجند أن يقتل الوالي لينفرد بالولاية واتفق مع حلاق الوالي الخاص أغراه بألوان من الإغراء حتى وافق أن يكون في صفه وفي دقائق سيتم ذبح الوالي !!!!!
ولما توجه الحلاق إلى قصر الوالي أدركه الارتباك إذ كيف سيقتل الوالي إنها مهمة صعبة وخطيرة وقد يفشل ويطير رأسه ..!!
ولما وصل إلى باب القصر رأى مكتوبا على البوابة : ( فكر قبل أن تعمل !! )
وازداد ارتباكا وانتفض جسده وداخله الخوف ولكنه جمع نفسه ودخل وفي الممر الطويل رأى العبارة ذاتها تتكرر عدة مرات هنا وهناك :
( فكر قبل أن تعمل ! )
( فكر قبل أن تعمل !! )
( فكر قبل أن تعمل !! ) .. !! وحتى حين قرر أن يطأطئ رأسه فلا ينظر إلا إلى الأرض رأى على البساط نفس العبارة تخرق عينيه ..!!
وزاد اضطرابا وقلقا وخوفا فأسرع يمد خطواته ليدخل إلى الحجرة الكبيرة وهناك رأى نفس العبارة تقابله وجها لوجه !!
( فكر قبل أن تعمل !!) !! فانتفض جسد ه من جديد وشعر أن العبارة ترن في أذنيه بقوة لها صدى شديد !
وعندما دخل الوالي هاله أن يرى أن الثوب الذي يلبسه الوالي مكتوبا عليه : ( فكر قبل أن تعمل !! ) ..
شعر أنه هو المقصود بهذه العبارة بل داخله شعور بأن الوالي ربما يعرف ما خطط له !!
وحين أتى الخادم بصندوق الحلاقة الخاص بالوالي أفزعه أن يقرأ على الصندوق نفس العبارة :
( فكر قبل أن تعمل ).. !!
واضطربت يده وهو يعالج فتح الصندوق وأخذ جبينه يتصبب عرقا وبطرف عينه نظر إلى الوالي الجالس فرآه مبتسما هادئا مما زاد في اضطرابه وقلقه ..!
فلما هم بوضع رغوة الصابون لاحظ الوالي ارتعاشة يده فأخذ يراقبه بحذر شديد وتوجس وأراد الحلاق أن يتفادى نظرات الوالي إليه فصرف نظره إلى الحائط فرأى اللوحة منتصبة أمامه ( فكر قبل أن تعمل ! ) ..!!
فوجد نفسه يسقط منهارا بين يدي الوالي وهو يبكي منتحبا وشرح للوالي تفاصيل المؤامرة !!
وذكر له أثر هذه الحكمة التي كان يراها في كل مكان مما جعله يعترف بما كان سيقوم به !!
ونهض الوالي وأمر بالقبض على قائد الحرس وأعوانه وعفا عن الحلاق ..
وقف الوالي أمام تلك اللوحة يمسح عنها ما سقط عليها من غبار وينظر إليها بزهو وفرح وانشراح
فاشتاق لمكافأة ذلك العجوز وشراء حكمة أخرى منه !!
لكنه حين ذهب إلى السوق وجد الدكان مغلقا وأخبره الناس أن العجوز قد مات !!
= =
انتهت القصة .. ولكنها عندي ما لم تنته .. بل بدأت بشكل جديد وفي صورة أخرى .!
سألت نفسي : لو أن أحدنا كتب هذه العبارة مثلا :
الله شاهدي .. الله ناظري .. الله معي
( الله يراك..الله ينظر إليك..الله قريب منك..
الله معك .. يسمعك ويحصي عليك ..)
كتبها في عدة أماكن من البيت على شاشة جهاز الكمبويتر مثلا وعلى طاولة المكتب وعلى الحائط الذي يواجهه اذا رفع رأسه من على شاشة الحاسوب وفوق التلفاز مباشرة يراها وهو يتابع ما في الشاشة !!
وعلى لوحة صغيرة يعلقها في واجهة سيارته وفي أماكن متعددة من البيت وفي مقر عمله !!
الله شاهدي .. الله ناظري .. الله معي بل لو أن هذه العبارة لكثرة ما فكر فيها وأعاد النظر فيها استقرت في عقله الباطن وانتصبت في بؤبؤ عينيه واحتلت الصدارة في بؤرة شعوره وتردد صداها في عقله وقلبه حيثما حملته قدماه رآها تواجهه ..ونحو هذا ..
الله شاهدي .. الله ناظري .. الله معي
أحسب أن شيئا مثل هذا لو نجح أحدنا فيه سيجد له اثرا بالغا في حياته واستقامة سلوكه وانضباطا في جوارحه وسيغدو مباركا حيثما كان ..!!
مرحبا بالأستاذ زياد ، شرّفت الورشة أخي :
إخواني الخطباء : هذه فائدة في صميم الموضوع من أخيكم الأستاذ زياد :
" فكّر قبل أن تعمل " . . حكمةٌ جليلةٌ هي نتاجُ عالم أفكار الحكماء ييعها العجوزُ مكتوبةً على لوح. . !
هي أفضل من عشرة آلاف دينار ( عالم الأشياء ) ، ورأيتم كيف غيّرت تفكير الوالي ومنهجه ( عالم الأشخاص ) ، وكيف أثّرت على منظومة مؤامَرة أرادت القضاء عليه ( عالم الأحداث ) ! ) .
رأيتم أيّها الأحبّة تأثير عالم الأفكار على عالم الأشياء والأحداث والأشخاص ! هذا من شرف عالم الأفكار ، وذلك العجوز إنّما كان بنشُرُ حقًّا أغلى ما في عالم الناس بعد وحي الله عزّ وجل ! .
وأما الحكمة الثانية التي أفادنا بها الأستاذ زياد - و التي تخدم محور المناقشة الأول خدمةً مباشرة ( شرف عالم الأفكار ) - : فهي " الله شاهدي .. الله ناظري .. الله معي ( الله يراك..الله ينظر إليك..الله قريب منك.. الله معك .. يسمعك ويحصي عليك ..) . نحن الآن أمام " عقيدة و إيمان " وليست فكرة !
كم ستغيّر هذه في عالم الأشخاص والأحداث والأشياء ؟!! الكثير الكثيييييييييييير جدًّا ..!!
العقول الراقية حقًّا هي التي تنشُرُ هذا الاعتقاد وترسّخُهُ في الناس وتربّيهم عليه ، وستتغيّر الأحداث ويتغيّر الأشخاص حتمًا !
و الدليل :
[font="]الصحابيُّ مرثدُ بنُ أبي مرثد كان يحبُّ امرأَةً في الجاهلية اسمُها عَناق، وكانت جميلةً باهرةَ الجمال، يبيتُ عندها الأيامَ والليالي ، فلما أسلمَ[font="][font="] رضي الله عنه [/font][/font][font="] وقال لا إله إلا الله بالقلب واللسان ، صادفها في ليلة[/font][font="]ٍ من الليالي المقمرة وحيدةً خالية ، فقالت: مرحبا وأهلا، هَلُمَّ فبت عندنا الليلة [/font][font="]![/font][font="]، فقال [/font][font="][font="] رضي الله عنه [/font][/font][font="] : قلت : " يَا عَنَاق حرم الله الزنىَ " ( [/font][/font][font="]حسن: سنن الترمذي(3177 ) . [/font]أرأيتم تأثير الاعتقاد و الإيمان على عالم الأشخاص والأحداث ..؟!!
[font="]لما نزل قولُ الله تعالى:[font="] [/font][font="][font="]([/font][/font][font="] [/font][font="] [/font][font="]إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُون[/font][font="][font="] ) [/font][/font][font="](المائدة:91) قال النبي صلى الله عليه وسلم [/font][font="][font="][/font][/font][font="]:" إن الله حَرَّمَ الخَمْرَ فمن أَدْرَكَتْهُ هذه الآيةُ وعنده منها فلا يَشْرَبْ ولا يَب[/font][font="]ِ[/font][font="]عْ[/font][font="] " قال راوي الحديث : فاستقبل الناس بما كان عندهم منها طُرُقَ المدينة[/font][font="]ِ[/font][font="] فسفكوها " [/font][/font]( [font="]صحيح: غاية المرام(61). أرأيتم إخواني تأثير الاعتقاد والإيمان ( إنّ الله حرّمَ . ) على عالم الأشخاص والأحداث والأشياء !! .
ما أفادنا به الأستاذ زياد يصُبُّ في نفس الاتّجاه ، والعقول التي تناقشُ وتدعوا وتتكلّم في مثل تلك العقائد والقيم هي أرقى العقول و أشرفها لأنها عرفت من أين يبدأُ التغيير في بقيّة العوالم !
شكرا أستاذ زياد .
هيّا أحبابي الأفاضل أفيدونا وحرّكوا جوّ المناقشة في الورشة !
[/font]
رشيد بن ابراهيم بوعافية
[font="]إضاءة[/font][font="]:[/font]
إخواني الخطباء : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :
اسمحوا لي أن أقدّم بين يديكم هذه الإضاءة :
هي ثلاثة أشياء يتدرّجُ الإنسانُ في التعامل معها و يرتقي شيئًا فشيئًا :
فأوّل ما يدخلُ الإنسانُ في الصِّغَرِ : عَالَمَ الأشياء ، وذلك عند الولادة يتحسس ما يحيط به ابتداء من أمّه ، وصولاً إلى كلّ ما تصل إليه يداه من الأشياء ، ثمّ ينطلق ليكتشف الأشياء من حوله . . ، قال الله تعالى :] وَاللّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئاً . . [ ( النحل : من الآية 78 ) ، فلا وجودَ لعالم الأفكار عنده في هذه المرحلة . . .
وتبدأ بعد ذلك مادة الإحساس في النمو، فيدخل الإنسان : عَالَمَ الأشخاص ، عندما يرتبط الطفل بأمّه و أبيه وإخوته و أصدقائه . . .
ثمّ يدخل الإنسان : عَالَمَ الأفكار حين يتوغّل في مراحل تحصيل المعرفة ويديم القراءة ويوغل في تلقي العلم باستعمال ما ميّزه الله به من وسائل الإدراك من سمع و بصر و عقل . . قال الله تعالى :] وَاللّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ الْسَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ . . [ ( النحل : الآية 78 ) ، وهذه وسائل الإدراك والتعلم والمعرفة = الدخول إلى عالم الأفكار . .
فانظروا إخوتي كيف انتقل الإنسان وارتقى - وفق سنّة الله في خلقِه - من عالم الأشياء إلى عالم الأشخاص إلى عالم الأفكار ، فإذا ما دخل إلى عالم الأفكار بعمقٍ وذاق حلاوته تيقّن أنَّ الأفكار هي التي تنشئُ و تنظّمُ عالم الأشياء والأشخاص على السواء ، فإذا ما كانت الأفكار سليمةً حيّةً انتقلت الحياة إلى عالم الأشياء والأشخاص ، وإذا ما كانت أفكارًا ميّتَةً أو مُمِيتَةً أثّرت على عالم الأشياء و عالم الأشخاص فصرتَ لا ترى إلا قبورًا إنسانيّةً تمشي وتتحرّكُ في الحياة ! .
العربُ - معشر الخطباء - ( عالم أشخاص وأشياء ) كانوا حضاريًّا من الأموات ، فأحياهم الله بالإسلام العظيم ، بعقائده وقِيَمِهِ و أخلاقِه وتشريعاته ( منظومة ) !
اليابان و ألمانيا - معشر الخطباء - بلدان دُمّرَ في التاريخ الحديث عالمُ أشيائِهِما . . و لكنّهما باحتفاظِهِما بعالم الأفكار نهضَا ، وأشرقَ لديهما كيانُ الأشياء من جديد ! .
ففي سُلّم الارتقاءِ : أعظمُ شيءٍ هو الأفكار . . ففيها يتنافس العظماء ويتناقشون . . !
وكلمة الأفكار . .كلمة غربيّة . . وتعبيرٌ ضيّق . . يمكن التناقش فيها في الورشة ..
أقول ما تسمعون ، و أستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنب إنه غفور رحيم .
تعديل التعليق