أَوُّلُ خُطْبَةِ جُمْعَةٍ بَعْدَ رَمَضَان (2 شوال 1434 هـ)

محمد بن مبارك الشرافي
1434/09/30 - 2013/08/07 20:28PM
أَوُّلُ خُطْبَةِ جُمْعَةٍ بَعْدَ رَمَضَان (2 شوال 1434 هـ)
الحَمْدُ للهِ حَمْدًا كَثِيرًا ، وَنَشْكُرُهُ شُكْرًا مَزِيدًا ؛ هَدَانَا لِدِينِهِ ، وَعَلَّمَنَا شَرِيعَتَهُ ، وَأَتَمَّ عَلَيْنَا نِعْمَتَهُ ؛ فَلَهُ الحَمْدُ كَمَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُحْمَدَ ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ ؛ مَنْ يَهْدِهِ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ , وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ؛ صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ .
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : عِيدُكُمْ مُبَارَكٌ وَتَقَبَّلَ اللهُ مِنَّا وَمِنْكُمْ صَالِحَ الأَعْمَالِ , وَأَبْشِرُوا بِالثَّوَابِ الْجَزِيلِ مِنَ الرَّبِّ الْكَرِيمِ , وَأَمِّلُوا بِالْعَطَاءِ الْوَفِيرِ مِنْهُ عَزَّ وَجَلَّ عِنْدَ لِقَائِهِ , فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ فَرْحَةٌ عِنْدَ فِطْرِهِ وَفَرْحَةٌ عِنْدَ لِقَاءِ رَبِّهِ) رَوَاهُ مُسْلِم .
كَيْفَ لَا ؟ وَقَدْ ظَمِئَتْ أَكْبَادُكُمْ وَجَاعَتْ بُطُونُكُمْ للهِ عَزَّ وَجَلَّ , وَتَرَكْتُمْ شَهَواتِكُمْ وَمَحْبُوبِاتِكْمْ مِنْ أَجْلِهِ فَأَمِّلُوا بِحُسْنِ الثَّوَابِ , وَإِيَّاكُمْ وَسُوءُ الظَّنِّ بِهِ سُبْحَانَهُ , فَعَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الأَسْقَعِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( إِنَّ اللهَ تَعَالَى يَقُولُ : أَنَا عِنْدَ ظَنَّ عَبْدِي بِي إِنْ خَيْرَاً فَخَيْرٌ وَإِنْ شَرَّاً فَشَرٌّ ) فَأَحْسِنُوا الظَّنَّ بِاللهِ وَتَفَاءَلُوا بِالْخَيْرِ تَجِدُوهُ .
أَيُّهَا الإِخْوَةُ : إِنَّ الْعِيدَ مَظْهَرٌ إِسْلامِيٌّ عَظِيمٌ شَرَعَهُ اللهُ لِتَظْهَرَ عَظَمَةُ الإِسْلامِ وَأُلْفَةُ الْمُسْلِمِينَ وَقُوَّتُهُمْ وَعِزَّتُهُمْ وَلِذَلِكَ شُرِعَتْ صَلاتُهُ خَارِجَ الْبَلَدِ لِيَبْرُزَ الْمُسْلِمُونَ , وَتَظْهَرَ قُوَّتُهم وَكَثْرَتَهُمْ , فَللهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ .
كَمَا أَنَّهُ شَرَعَ لِإِظْهَارِ الْفَرَحِ وَالسُّرُورِ وَإِعْطَاءِ النُّفَوسَ حَقَّهَا مِنَ الْمَرَحِ الْمُبَاحِ , وَخَاصَّةً الصِّغَارَ وَالنِّسَاءَ فَإِنَّ مِنْ طَبِيعَتِهِمْ حُبُّ اللَّهْوِ , وَهَكَذَا جَاءَتِ السُّنَّةُ النَّبَوِيَّةُ الشَّرِيفَةُ , فعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا : دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِنْدِي جَارِيَتَانِ تُغَنِّيَانِ بِغِنَاءِ بُعَاثَ , فَاضْطَجَعَ عَلَى الْفِرَاشِ وَحَوَّلَ وَجْهَهُ فَدَخَلَ أَبُو بَكْرٍ فَانْتَهَرَنِي وَقَالَ : مِزْمَارَةُ الشَّيْطَانِ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ (دَعْهُمَا) فَلَمَّا غَفَلَ غَمَزْتُهُمَا فَخَرَجَتَا , قَالَتْ : وَكَانَ يَوْمُ عِيدٍ يَلْعَبُ السُّودَانُ بِالدَّرَقِ وَالْحِرَابِ . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ
وَلَكِنْ : لَيْسَ الْمُرَادُ بِالْغِنَاءِ هُنَا هُوَ الْغِنَاءَ الْمَاجِنَ الْمَعْرُوفَ الآنَ فَإِنَّ هَذَا مُحَرَّمٌ , وَلَكِنَّ الْمُرَادَ غِنَاءُ فَتَاتَيْنِ صَغِيرَتَيْنِ مِنْ فَتَيَاتِ الأَنْصَارِ بِصَوْتِ حَسَنٍ , فَإِذَا حَصَلَ لَهْوٌ مُبَاحٌ مِنَ الْجَوَارِي وَالصِّبَيَانِ فَلا بَأْسَ بِهِ .
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : فِي الْعِيدِ مَظَاهِرُ حَمِيدَةٌ يَنْبَغِي تَشْجِيعُهَا وَالْعَمَلُ عَلَى بَقَائِهَا وَتَكْثِيرُهَا فَمِنْهَا :
التَّزَاوُرُ لِلسَّلامِ وَالتَّهْنِئَةِ باِلْعِيدِ , وَصِلَةُ الأَرْحَامِ , وَالتَّوْسِعَةُ عَلَى الأَهْلِ مِنْ زَوْجَاتٍ وَأَوْلادٍ وَإِلْبَاسُهُمُ الْجَدِيدَ بِهَدَايَا الْعِيدِ .
وَمِنْهَا : الاجْتِمَاعَاتُ الْعَائِلِيَّةُ وَالأُسَرِيَّةُ وَالزِّيَارَاتُ فِيمَا بَيْنَهُمْ وَاصْطِحَابُ الأَوْلادِ فِي ذَلِكَ لِأَجْلِ رَبْطِهِمْ بِأَقَارِبِهِمْ وَالتَّعَرُّفِ عَلَيْهِمْ , وَتَوَاصُلُ الْجِيرَانِ وَالتَّنَقُّلُ مِنْ بَيْتٍ إِلَى آخَرَ فِي صَبِيحَةِ الْعِيدِ لِلْمُشَارَكَةِ فِي أَكْلاتِ الإِفْطَارِ الْجَمَاعِي التِي سَبَقَ إِعْدَادُهَا لِهَذِهِ الْمُنَاسَبَةِ الْغَالِيَةِ.
وَمِنَ الْمَظَاهِرِ الْجَمَيلَةِ فِي الْعِيدِ : إِدْخَالُ السُّرُورِ عَلَى مَنْ حُرِمَ فَرْحَةَ الْعِيدِ أَوْ كَانَتْ فَرْحَتُهُ نَاقِصَةً , كَالأَيْتَامِ وَالْمَرْضَى الذِينَ يَرْقُدُونَ عَلَى أَسِرَّةِ الْمَرَضِ , وَيَسْمَعُونَ بِالْعِيدِ وَلَكِنَّهُمْ لا يَلْبَسُونَ الْجَدِيدَ , قَدْ أَقْعَدَهُمُ الْمَرَضُ عَلَى الأَسِرَّةِ الْبَيْضَاءِ , فَمَا أَجْمَلَ أَنْ تَنْتَدِبَ مَجْمَوعَاتٌ مِنَ الْكِبَارِ وَالصِّغَارِ لِزِيَارَةِ أُولَئِكَ الإِخْوَةِ سَوَاءٌ فِي بُيُوتِهِمْ , أَوْ فِي الْمُسْتَشْفَيَاتِ بَعْدَ التَّنْسِيقِ مَعَ الْمَسْئُولِينَ , فَفِي هَذَا إِدْخَالٌ لِلْفَرَحِ وَالسُّرُورِ عَلَيْهِمْ وَإِشْعَارٌ لَهُمْ بِحُبِّ إِخْوَانِهِمْ , وَأَنَّ خِضَمَّ أَحْدَاثِ الْعِيدِ لَمْ يُنْسِهِمْ إِيَّاهُمْ .فَعِنَ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما ، قَالَ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَتَبَسُّمُكَ فِي وَجْهِ أَخِيكَ صَدَقَةٌ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الأَدَبِ الْمُفْرَدِ وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ .
وَمِنْ ذَلِكَ : السَّعْيُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُلُوبِ الْحَيَّةِ التِي تَلْتَمِسُ الأَجْرَ إِلَى إِصْلاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ بَيْنَ الْمُتَهَاجِرِينَ , فَالْعِيدُ فُرْصَةٌ سَانِحَةٌ يَحْسُنُ اسْتِغْلالُهَا لِذَلِك .
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ : إِنَّهُ لا يَحْسُنُ بِنَا أَنْ نَعْرِفَ أُنَاسَاً بَيْنَهُمْ تَقَاطُعٌ ثُمَّ نَتْرُكُهُمْ بِدُونِ السَّعْيِ فِي الإِصْلاحِ بَيْنَهُمُ , وَالْهَجْرُ مِنَ الْمُسْلِمِ لِأَخِيهِ الْمُسْلِمِ مُحَرَّمٌ , وَقَدْ تَكَاثَرَتِ الأَدِلَّةُ فِي ذَلِكَ , فَعَنْ أَبِي أَيُّوبَ الأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (لا يَحِلُّ لِرَجُلٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلاثِ لَيَالٍ يَلْتَقِيَانِ فَيُعْرِضُ هَذَا وَيُعْرِضُ هَذَا وَخَيْرُهُمَا الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلامِ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
وَعَنْ فَضالةَ بْنِ عُبَيْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (مَنْ هَجَرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلاثٍ فَهُوَ فِي النَّارِ إِلَّا أَنْ يَتَدَارَكَهُ اللهُ بِرَحْمَتِهِ) رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ وَحَسَّنَهً الأَلْبَانِيُّ رَحِمَهُ اللهُ .
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ تُفْتَحُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَ الاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ فَيُغْفَرُ فِيهِمِا لِمَنْ لا يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئَاُ إِلا الْمُتَهَاجِرَيْنِ يُقَالُ رُدُّوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ .
فَهَلْ يَحْسُنُ بِنَا السُّكُوتُ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ بَعْدَ هَذِهِ النُّصُوصِ عَنْ إِخْوَانِنَا الْمُسْلِمِينَ الْمُتَقَاطِعِينَ ؟ بَلْ هَلْ نَزْهَدُ فِيمَا قَدْ رَتَّبَهُ اللهُ مِنَ الأَجْرِ الْعَظِيمِ لِمَنْ يَسْعَى فِي الإِصْلاحِ بَيْنَ النَّاسِ حَيْثُ قَالَ تَعَالَى (لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا)
وَاعْلَمُوا أَنَّ الْهَجْرَ يَرْتَفِعُ بِالسَّلامِ وَالْكَلامِ وَزَوَالِ الْوَحْشَةِ وَالشَّحْنَاءِ , وَأَمَّا التَّصَالَحُ لِلسُّمْعَةِ وَالرِّيَاءِ أَوْ مُجَامَلَةً وَإِرْضَاءً لِلآخَرَينَ وَالْقُلُوبُ مَا تَزَالَ تَحْمِلُ الْحِقْدَ وَالْبَغْضَاءَ فَلا يُفِيدُ .
أَقُولُ قَوْلي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلِكُمُ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ، مَالِكَ يَوْمِ الدِّينِ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا رَبُّ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ وَقَيُّومُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِينَ ، وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى الْمَبْعُوثِ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ , أَشْهَدُ أَنَّهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، وَعَلَى مَنْ سَارَ عَلَىْ هَدْيِهِ وَاقْتَفَى أَثَرَهُ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ .
أَمَّا بَعْدُ : فَيا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ : كَمَا أَنَّ هُنَاكَ مَظَاهِرَ فِي الْعِيدِ مُفْرِحَةٌ فَلا يَخْلُوا الزَّمَنُ مِمَّا يُكَدِّرُ صَفْوَهَ , وَلا يَزَالُ يَحْصَلُ مَا لا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِي الْعِيدِ .
فَمِنْ ذَلِكَ : مَا يَفْعَلُهُ بَعْضُ الشَّبَابِ وَمَنْ فِي حُكْمِهِمْ مِنْ كِبَارِ السِّنِّ مِنْ إِطَالَةِ ثِيَابِهِمْ وَحَلْقِ لِحَاهُمْ – هَدَاهُمُ الله - بِحُجَّةِ التَّزَيُّنِ فِي العِيدِ , وَهَذَا أَمْرٌ مُنْكَرٌ وُمُحَرَّمٌ لَا يَجُوزُ فِي عِيدٍ وُلَا فِي غَيْرِه !
فَاللَّهُمَّ زَيِّنَّا بَزِينَةِ الإِيِمَانِ وَاجْعَلْنَا هُدَاةٍ مُهْتَدِينَ .
وَمِنْ ذَلِكَ : اعْتِقَادُ الْبَعْضِ بَأَنَّهُ حِينَ امْتَنَعَ عَنْ بَعْضِ الْمُحَرَّمَاتِ فِي رَمَضَانَ , يَحِقُ لَهُ أَنْ يُعَوِّضَ عَنْ مَا فَاتَ , فَيَرْتَكِبُ الْمَعَاصِيَ وَالْمَخَالَفَاتِ , ثُمَّ هُوَ يُوجِدُ التَّبْرِيرَاتِ لِنَفْسِهِ وَالأَعْذَارَ , حَتَّى تَوَلَّدَ عِنْدَ الْبَعْضِ الشُّعُورُ بِأَنَّ ارْتِكَابَ بَعْضِ الْمُحَرَّمَاتَ أَمْرٌ يُتَسَاهَلُ فِيهِ فِي الْعِيدِ , ثُمَّ إِذَا نُوصِحَ مِنْ أَهْلِ الْخَيْرِ تَعَجَّبَ وَتَذَمَّرَ وَقَالَ : إِنَّ الأَيَّامَ أَيَّامَ عِيدٍ وَفَرَحٍ فَلا تُشَدِّدْ عَلَى النَّاسِ وَحَالُهُ (كَالتي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْد قُوَةٍ أَنْكَاثاً)
فَاعْلَمْ يَا أَخِي الْمُسْلِمَ : أَنَّ رَبَّ رَمَضَانَ هُوَ رَبُّ شَوَّال وَذِي الْقَعْدَةِ وَسَائِرِ الشُّهُورِ وَبِئْسَ الْقَوْمُ لا يَعْرِفُونَ اللهَ إِلَّا فِي رَمَضَانَ .
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : تَقَبَّلَ اللهُ مِنَّا وَمِنْكُمْ صَالِحَ الأَعْمَالِ , وَلا تَنْسُوا صِيَامَ السِّتَّةِ مِنْ شَوَّال وَلْنَتَعَاوَنْ جَمِيعَاً أَفْرَادَاً وَجَمَاعَاتٍ ، صِغَارَاً وَكِبَاراً ، ذُكُورَاً وَإِنَاثاً ، عَلَى الصِّيَامِ فَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتَّاً مِنْ شَوَّال كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ ) فَلا تَحْرِمُوا أَنْفُسَكُمُ الأَجْرَ . وَلا يُشْتَرَطُ فِي صِيَامِهَا التَّتَابُعُ وَالأَفْضُلُ الْبَدَارَ مَادَامَتِ النَّفْسُ مُتَعَوِّدَةً عَلَى الصِّيَامِ .
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ , وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ ,,, اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَيَّتَ عَلَى إِبْرَاهِيمِ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ , اللَّهُمَّ بَارِكَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ , رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ , وَأَقِمَ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَر .
المرفقات

أَوُّلُ خُطْبَةِ جُمْعَةٍ بَعْدَ رَمَضَان (2 شوال 1434 هـ).doc

أَوُّلُ خُطْبَةِ جُمْعَةٍ بَعْدَ رَمَضَان (2 شوال 1434 هـ).doc

المشاهدات 8051 | التعليقات 4

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره .. ونعوذ بالله من شرور أنفسنا و سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلاَّ الله وحده شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ } أما بعد :
أيها الأخوة الكرام :لو قيل لأحدنا: إن راتبه سيتم إيقافه لمدة شهرين ماذا سيفعل؟ لو قيل له: سيوقف لمدة سنة ماذا سيتخذ من إجراءات؟ مؤكد أن هذا الشخص سيفعل المستحيل ويطالب وينادي لأجل رزقه الدنيوي ، ولا لوم . ولكن ما رأيكم -أيها الإخوة- فيمن توقّف رفع عمله من صلاة وزكاة وصيام وحج وذكر وصدقات وغيرها، لو توقف رفع هذه الأعمال ماذا سيفعل المسلم؟!
للأسف هذا يحصل لبعض المسلمين. من هم؟ إنهم الذين يهجرون المسلمين بلا سبب ديني للهجر .
فلو تهاجر شخصان وحصل بينهما شحناء وكل منهما أعرض عن الآخر فإن أعمالهم لا ترفع، والدليل في ذلك ما جاء في صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((تعرض الأعمال في كل يوم خميس واثنين، فيغفر الله عز وجل في ذلك اليوم لكل امرئ لا يشرك بالله شيئا، إلا امرأ كانت بينه وبين أخيه شحناء، فيقال: أنظروا هذين حتى يصطلحا، أنظروا هذين حتى يصطلحا)) .
عباد الله: التهاجُر بين المسلمين من المحرمات؛ فعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - أنَّ رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((لا تَباغَضوا، ولا تَحاسَدوا، ولا تَدابَروا، وكونوا - عِبادَ الله - إخوانًا، ولا يحلُّ لمسلمٍ أنْ يهجر أخاه فوق ثلاثة أيَّام))؛ رواه البخاري ومسلم .
فالهَجْرُ لأَجْل حُظُوظ الدُّنيا مُحَرَّم؛ بل من الكبائر*كمَن اختَلَف هو وشخصٌ على أمرٍ ما من أمور الدنيا وحصل بينه وبين الآخر نِزاع لهذا الأمر فهجَرَه لأجله، والأصلُ تحريمُ هذا النوع من الهجر، وإنما أباحَه الشرع لمدَّة ثلاثة أيَّام بلياليهنَّ؛ لأنَّ هذه المدة كافيةٌ لإزالة ما في الخاطر إذا لم يَستَرسِل الهاجر مع نزغ الشيطان و يُملِيه عليه ، ولا شك أن الهجر والتباغض مما يسعى إليه الشيطان إذ يقول النبي صلى الله عليه وسلم ((إنَّ الشيطان قد أيس أنْ يعبده المصلُّون في جزيرة العرب، ولكن في التحريش بينهم)) رواه مسلم .
عبد الله : أعمالك لا ترفع ما دام أنك في شحناء وهجر لأخيك المسلم لأجل لأمر دنيوي ، فاحذر رعاك الله هذا الأمر .*
تقول لأحدهم: اصطلح مع أخيك المسلم ، فيقول: هو المخطئ وأنا لم أخطئ، والنبي عليه الصلاة والسلام لم يذكر أن المُخطَى عليه لا يصالِـح، بل قال: ((وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا)) كما عند مسلم.*
العز والرفعة والشخصية القوية اطلبها في العفو عن الناس والتواضع . أما الصد والهجران فو الله ليس إلا خسارا وهمّا على صاحبه.
قد يلتقيان في المتجر أو الدائرة أو المدرسة أو المجلس فيصدان عن بعضهما،ولا يسلمان بل ربما في المسجد والعياذ بالله
إخوة الإيمان : لنكن يدا واحدة ضد كيد الشيطان وألاعيبه، وليسع إلى أخيه من يريد الخيرية والفضل فليسلم عليه، فالهجر لا يحل إلا ثلاث ليال، فهذا حظ النفس من الغضب، ثلاث ليال تعديها حرام، ولا يجوز الهجر.*
و كم من أناس قد تصالحوا والذي بدأ بالصلح كان له الشأن والاحترام الأكثر، سواء من الناس أو حتى من خصمه، والأهم أن له خيرية عند الله أكثر من صاحبه. يقول عليه الصلاة والسلام : ((لا يحل لرجل أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال، يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام)) أخرجه الشيخان. وقد جاء في مسند الإمام أحمد مرفوعا ((لا يحلُّ لمسلمٍ أنْ يهجر مُسلِمًا فوق ثلاث ليالٍ؛ فإنهما ناكبان عن الحق ما داما على صرامهما، وأولهما فَيْئًا يكون سبقُه بالفَيْء كفَّارة له، وإنْ سلَّم فلم يقبل وردَّ عليه سلامه ردَّت عليه الملائكة وردَّ على الآخَر الشيطان )) صححه الألباني.

إلحق بأخيك وسلم عليه لتكسب الخيرية، فخيركم الذي يبدأ بالسلام، ولا تظن أنه يكره حضورك، بل كما تحب أن ترفع أعمالك وأن تعود المياه لمجاريها فهو أيضًا يحب ذلك، ولكن الشيطان قد أجلب بخيله ورجله، فاستعن بالله واستعذ من عدوك الشيطان وفك هذا القيد، وقوّ عزيمتك، واذهب إليه أو كلمه في الجوال مبدئيًا، فإن صلحت الأمور فاحضر إليه، وإذا لاقيته فسلم عليه، وبش في وجهه .

اللهم أصلح بين المسلمين وذوب خلافاتهم، اللهم إنا نسألك قلوبا سليمة، اللهم أصلح أحوالنا اللهم اجعلنا ممن قلت فيهم {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ الأَنْهَارُ( *اللهم أصلح ذات بيننا ، اللهم أعذنا من الشيطان الرجيم ونزغه ، اللهم أعنا ووفقنا لما يقربنا إليك ، واستغفروا ربكم إنه كان غفارا

*

*

*




*

*

الحمد لله كثيرا طيبا مباركا فيه ، وصلى الله وسلم على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبعه أما بعد:

عباد الله: يقول بعض السلف: إن مِن علامة قَبول الحسنةِ الحسنةُ بعدها، ومِن علامة قَبول العمل إتباعه بعمل صالحٍ مثلِه. وإذا عمل المسلم حسنة قالت الحسَنة: أُخْتِي أُخْتِي!

فمن الحسنة بعد رمضان صيام الست من شوال، فقد قال رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم: "مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالَ كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ" رواه مسلم.

فليكن حرصنا كبيرا على صيامها، وحثِّ أزواجنا وأولادنا وإخواننا وأصحابنا على صيامها؛ ليَتِمَّ لكلٍّ منا بفضل الله تعالى فضل صيام عام كامل.

عباد الله: لقد داومنا على صلاة الليل في رمضان، وصلاة الوتر. فهل ندعها بعد رمضان؟

لقد داومنا على قراءة القرآن فهل ندعه بعد رمضان؟

داومنا على صلاة الفجر، فهل نتركها بعد رمضان؟

داومنا على كثير من العبادات، فهل نتركها بعد رمضان؟

سُئِلَ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم-: أَيُّ الأَعْمَالِ أَحَبُّ إلى اللَّهِ؟ قال: "أَدْوَمُهَا وَإِنْ قَلَّ" رواه البخاري.**

عباد الله: لا نكن من الرمضانيين الذين لايعرفون الله إلا في رمضان، فمن كان يعبد رمضان فرمضان قد انقضى ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت.


جزاك الله خير شيخنا محمد ورفع الله قدرك .
وتقبل الله منا ومنكم.والله إني أحبك في الله وفقكم الله لكل خير


جزاك الله خير شيخنا محمد ورفع الله قدرك .
وكل عام وانتم بخير وتقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال.


أجدت وأفدت شيخ محمد وصدقت فالمؤمن كما ذكرت يعيش بيين جناحي الرجاء فيما عند الله والخوف منه يرجو ثوابه على ما قدم ويخشى عقابه مما لم يحسن أو على ما أساء أو على ما لم يقدم.
وما أحسن ما نبهت عليه من القيم والفضائل والتي من المفترض شرعا وعرفا البقاء عليها وألا تصرف الناس المدنية الزائدة إلى الاستغناء عنها.
التفاتة مهمة ووقفات طيبة