أَوَّلُ جُمُعَةٍ بَعْدَ رَمَضَانَ 4 شَوَّال 1440هـ

محمد بن مبارك الشرافي
1440/10/01 - 2019/06/04 22:10PM

أَوَّلُ جُمُعَةٍ بَعْدَ رَمَضَانَ 4 شَوَّال 1440هـ

الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، مَنَّ عَلَى مَنْ شَاءَ مِنْ عِبَادِهِ بِهِدَايَتِهِمْ لِلْإِيمَانِ وَكَرَّهَ إِلَيْهِمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصَيانَ، وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، تَفَرَّدَ بِالْكَمَالِ وَالْجَلَالِ وَالْعَظَمَةِ وَالسُّلْطَانِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الْمَبُعُوثُ إِلَى الْإِنْسِ وَالْجَانِّ، بَلَّغَ رِسَالَةَ رَبِّهِ وَبَيَّنَ غَايَةَ الْبَيَانِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ الذِينَ جَاهَدُوا فِي اللهِ حَقَّ جِهَادِهِ حَتَّى نَشَرُوا الْعَدْلَ وَالْأَمْنَ وَالإِيمَانَ, وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ خَلَقَنَا مِنَ الْعَدَمِ وَرَبَّانَا بِالنِّعَمِ وَذَلِكَ لِحِكْمْةٍ عَظِيمَةٍ هِيَ عِبَادَتِهِ, قَالَ اللهُ تَعَالَى {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}, وَمِنْ أَجْلِ هَذِهِ الْحِكْمَةِ أَرْسَلَ اللهُ الرُّسُلَ وَأَنْزَلَ الْكُتُبَ وَخَلَقَ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ, قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ}, ثُمَّ اعْلَمُوا أَنَّ الْعِبَادَةَ تَطْمَئِنُّ بِهَا نُفُوسُنَا وَتَسْتَقِيمُ بِهَا حَيَاتُنَا وَتَنْعَمُ بِهَا قُلُوبُنَا, قَالَ اللهُ تَعَالَى {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}, وَالْعَكْسُ بِالْعَكْسِ فَمَنْ تَرَكَ عِبَادَةَ رَبِّهِ اضْطَرَبَتْ حَيَاتُهُ وَأَظْلَمَ قَلْبُهُ وَشَقِيَ فِي أَحْوَالِهِ, قَالَ اللهُ تَعَالَى {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى}

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: اعْلَمُوا أَنَّ الْعِبَادَةَ هِيَ كُلُّ مَا يُحِبُّهُ اللهُ وَيَرْضَاهُ مِنَ الْأَقْوَالِ وَالْأَعْمَالِ الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ, وَبِعِبَارَةٍ أُخْرَى هِيَ التَّقَرُّبُ إِلَى اللهِ بِفِعْلِ أَوَامِرِهِ وَاجْتِنَابِ نَوَاهِيهِ, وَلابُدَّ مِنْ شَرْطَيْنِ لِلْعِبَادَةِ لِتَكُونَ مَقْبُولَةً, وَهَذَانَ الشَّرْطَانِ هُمَا: الْإِخْلَاصُ للهِ وَالْمُوَافَقَةُ لِسُنَّةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, قَالَ اللهُ تَعَالَى {فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا}, فَمَنْ تَرَكَ الْإِخْلَاصَ وَقَعَ فِي الشِّرْكِ, وَمَنْ أَخَلَّ بِالسُّنَّةِ وَقَعَ فِي الْبِدْعَةِ.

فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: كَيْفَ تَكُونُ عِبَادَاتِي وَمَاذَا أَفْعَلُ فِي حَيَاتِي ؟ فَالْجَوَابُ : أَنْ تُحَافِظَ عَلَى الْفَرَائِضِ وَتَتَزَوَّدَ مِنَ الْنَوَافِلِ بِقَدْرِ اسْتِطَاعَتِكَ, فَأَعْظَمُ الْفَرَائِضِ التَّوْحِيدُ فَالْزَمْهُ وَاحْذَرِ الشِّرْكَ, ثُمَّ اثْبُتَ عَلَى السُّنَّةِ وَاحْذَرِ الْبِدْعَةَ, ثُمَّ قُمْ بِمَا فَرَضَ اللهُ عَلَيْكَ وَأَدِّ مَا أَوْجَبَ رَبُّكَ عَلَيْكَ, فَحَافِظْ عَلَى أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ مِنَ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصَّوْمِ وَالْحَجِّ, فَهَذِهِ هِيَ دِعَائِمُ دِينِنَا فَإِذَا كَمَّلْتَهَا فَأَبْشِرْ بِالْجِنَّةِ.

وَاسْمَعُوا لِهَذَا الْحَدِيثِ الْعَجِيبِ, عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: نُهِينَا أَنْ نَسْأَلَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ شَيْءٍ، فَكَانَ يُعْجِبُنَا أَنْ يَجِيءَ الرَّجُلُ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ الْعَاقِلُ، فَيَسْأَلَهُ، وَنَحْنُ نَسْمَعُ، فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، أَتَانَا رَسُولُكَ فَزَعَمَ لَنَا أَنَّكَ تَزْعُمُ أَنَّ اللهَ أَرْسَلَكَ، قَالَ (صَدَقَ)، قَالَ: فَمَنْ خَلَقَ السَّمَاءَ؟ قَالَ (اللهُ)، قَالَ: فَمَنْ خَلَقَ الْأَرْضَ؟ قَالَ (اللهُ)، قَالَ: فَمَنْ نَصَبَ هَذِهِ الْجِبَالَ، وَجَعَلَ فِيهَا مَا جَعَلَ؟ قَالَ (اللهُ)، قَالَ: فَبِالَّذِي خَلَقَ السَّمَاءَ، وَخَلَقَ الْأَرْضَ، وَنَصَبَ هَذِهِ الْجِبَالَ، آللَّهُ أَرْسَلَكَ؟ قَالَ (نَعَمْ)، قَالَ: وَزَعَمَ رَسُولُكَ أَنَّ عَلَيْنَا خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي يَوْمِنَا، وَلَيْلَتِنَا، قَالَ (صَدَقَ)، قَالَ: فَبِالَّذِي أَرْسَلَكَ، آللَّهُ أَمَرَكَ بِهَذَا؟ قَالَ (نَعَمْ)، قَالَ: وَزَعَمَ رَسُولُكَ أَنَّ عَلَيْنَا زَكَاةً فِي أَمْوَالِنَا، قَالَ (صَدَقَ)، قَالَ: فَبِالَّذِي أَرْسَلَكَ، آللَّهُ أَمَرَكَ بِهَذَا؟ قَالَ (نَعَمْ)، قَالَ: وَزَعَمَ رَسُولُكَ أَنَّ عَلَيْنَا صَوْمَ شَهْرِ رَمَضَانَ فِي سَنَتِنَا، قَالَ (صَدَقَ)، قَالَ: فَبِالَّذِي أَرْسَلَكَ، آللَّهُ أَمَرَكَ بِهَذَا؟ قَالَ (نَعَمْ)، قَالَ: وَزَعَمَ رَسُولُكَ أَنَّ عَلَيْنَا حَجَّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا، قَالَ (صَدَقَ)، قَالَ: ثُمَّ وَلَّى، قَالَ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ، لَا أَزِيدُ عَلَيْهِنَّ، وَلَا أَنْقُصُ مِنْهُنَّ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَئِنْ صَدَقَ لَيَدْخُلَنَّ الْجَنَّةَ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

ثُمَّ اعْلَمُوا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ أَنَّ النَّوَافِلَ وَإِنْ كَانَتْ لَيْسَتْ وَاجِبَةً لَكِنَّهَا تُكْمِلُ مَا حَصَلَ مِنْ نَقْصٍ فِي الْفَرَائِضِ, وَتُقَرِّبُنَا إِلَى رَبِّنَا عَزَّ وَجَلَّ وَنَنَالُ بِهَا مَحَبَّةَ اللهِ, عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنَّ اللَّهَ قَالَ: مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالحَرْبِ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ: كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ, فَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ النَّوَافِلَ بَعْدَ تَكْمِيلِ الْفَرَائِضِ مِنْ أَسْبَابِ مَحَبَّةِ اللهِ لِلْعَبْدِ . وَأَمَّا الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهَا تُكْمِلُ الْفَرَائِضَ فَاسْمَعُوهُ, عَنْ حُرَيْثِ بْنِ قَبِيصَةَ، قَالَ: قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ، فَقُلْتُ: اللَّهُمَّ يَسِّرْ لِي جَلِيسًا صَالِحًا، قَالَ فَجَلَسْتُ إِلَى أَبِي هُرَيْرَةَ، فَقُلْتُ: إِنِّي سَأَلْتُ اللَّهَ أَنْ يَرْزُقَنِي جَلِيسًا صَالِحًا، فَحَدِّثْنِي بِحَدِيثٍ سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَنْفَعَنِي بِهِ، فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ (إِنَّ أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ بِهِ العَبْدُ يَوْمَ القِيَامَةِ مِنْ عَمَلِهِ صَلَاتُهُ، فَإِنْ صَلُحَتْ فَقَدْ أَفْلَحَ وَأَنْجَحَ، وَإِنْ فَسَدَتْ فَقَدْ خَابَ وَخَسِرَ، فَإِنْ انْتَقَصَ مِنْ فَرِيضَتِهِ شَيْءٌ، قَالَ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ: انْظُرُوا هَلْ لِعَبْدِي مِنْ تَطَوُّعٍ فَيُكَمَّلَ بِهَا مَا انْتَقَصَ مِنَ الفَرِيضَةِ، ثُمَّ يَكُونُ سَائِرُ عَمَلِهِ عَلَى ذَلِكَ) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ, فَاجْتَهِدُوا رَحِمَكُمُ اللهُ فِي تَكْمِيلِ الْفَرَائِضِ ثُمَّ بَادِرُوا بِالتَّزَوُّدِ مِنَ النَّوَافِلِ وَأَبْشِرُوا, وَأَكْثِرُوا مِنَ الدُّعَاءِ بِقَوْلِ : اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادِتَكِ, وُالْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

 

الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ

الْحَمْدُ للهِ رَبِّ, الْعَالَمِينَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ, وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى نَبِيِّنَا وَإِمَامِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ تَبِعَهُم بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

أَمَّا بَعْدُ : فَإِنَّ مِمَّا يَنْبَغِي الْمُحَافَظَةُ عَلَيْهِ مِنَ النَّوَافِلِ : قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ, وَذَلِكَ بِشَكْلٍ مُنْتَظِمٍ مُرَتَّبٍ, وَقَدَ وَرَدَتِ السُّنَّةُ النَّبَوِيَّةُ بِتَرْتِيبِ الْوِرْدِ الْقُرْآنِيِّ, كَمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أن النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ (... وَاقْرَأِ الْقُرْآنَ فِي كُلِّ شَهْرٍ) قَالَ قُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللهِ، إِنِّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ، قَالَ (فَاقْرَأْهُ فِي كُلِّ عِشْرِينَ) قَالَ قُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللهِ، إِنِّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ، قَالَ (فَاقْرَأْهُ فِي كُلِّ عَشْرٍ) قَالَ قُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللهِ، إِنِّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ، قَالَ (فَاقْرَأْهُ فِي كُلِّ سَبْعٍ، وَلَا تَزِدْ عَلَى ذَلِكَ), فَهَذَا دَلِيلٌ وَاضِحٌ, فَرَتِّبْ لِنَفْسِكَ وِرْدًا مُعَيَّنًا مِنَ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ وَحَافِظْ عَلَيْهِ وَلا تُخِلَّ بِهِ, ثمَ اكْلَفْ مِنَ الْعَمَلِ مَا تُطِيقُ, بِمَعْنَى : أَنْ يَكُونَ وِرْدِكُ لِلْقُرْآنِ حَسْبَ طَاقَتِكَ بِحَيْثُ تُحَافِظْ عَلَيْهِ, وَاخْتَرِ الْوَقْتَ الْمُنَاسِبَ لِقِرَاءَتِهِ, إِمَّا فِي الْبَيْتِ وَهُوَ أَفْضَلُ لِيَنَالَ بَيْتُكَ وَأَهْلُكَ بَرَكَةَ الْقُرْآنِ وَلِأَنَّهُ أَكْثَرُ إِخْلَاصًا, أَوْ أَنَكَ تَقْرَأُهُ فِي الْمَسْجِدِ, وَخَاصَّةً بَعْدَ الصَّلَاةِ, فَتَجْلِسَ فِي مَكَانِكِ لِقِرَاءَةِ وِرْدِكَ, ثُمَّ تَنَالَ مَعَ ذَلِكَ دُعَاءَ الْمَلَائِكَةِ, وَاحْذَرِ التَّسْوِيفَ أَوْ عَدَمِ التَّرْتِيبِ, فَإِنَّهُ مِنْ طُرُقِ الشَّيْطَانِ لِصَرْفِكَ عَنِ الْمُحَافَظَةِ عَلَى وِرْدِكَ ثُمَّ بِالتَّالِي تَتْرُكُهُ شَيْئًا فَشَيْئًا .

وَهُنَا تَنْبِيهٌ مُهِمٌّ: وَهُوَ أَنَّهُ يَنْبَغِي لَكَ ضَبْطَ نَفْسِكَ فِي الْوِرْدِ فَلا تُنْقِصَ أَوْ تُزِدْ, فَإِنْ قِيلَ: الزِّيَادَةُ خَيْرٌ فَكَيْفَ لا أَزِيدُ ؟ فَالْجَوَابُ : أَنَّهَا خَيْرٌ, لَكِنَّهَا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ لَيْسَتْ خَيْرًا مَحْضًا, بَلْ قَدْ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا شَرٌّ, وَهُوَ اضْطِرَابُ الْوِرْدِ الْيَوْمِيِّ, فَمِنْ طُرُقِ الشَّيْطَانِ لِصَرْفِكَ عَنْ وِرْدِكَ أَنَّهُ إِذَا رَآكَ مُحَافِظًا عَلَى وِرْدِكَ احْتَالَ لِيُرْبِكَ وِرْدِكَ فَيَحَثُّكَ عَلَى الزِّيَادَةِ بَعَدَ الانْتَهَاءِ مِنْ وِرْدِ الْيَوْمِ, وَذَلِكَ مِنْ أَجْلِ أَنْ يَخْتَلَ النِّظَامُ, ثُمَّ فِي يَوْمِ غَدٍ لا تَقْرَأْ لِأَنَّكَ قَرَأْتَهُ أَمْس, وَهَذَا غَيْرُ جَيِّدٍ, وَلِذَلِكَ إِذَا انْتَهَيْتَ مِنْ وِرْدِكَ وَأَرَدْتَ الزِّيَادَةَ, فَلا تَقْرَأْ وِرْدَ غَدٍ, بَلِ انْتَقِلْ إِلَى مَكَانٍ آخَرَ بَعِيدٌ عَنْ مَوْضِعِ الْوِرْدِ, أَوْ رَاجِعْ حِفْظَكَ أَوِ احْفِظْ مِنْ جَدِيدٍ, أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ, وَكُلُّ ذَلِكَ لِتَنْضَبِطَ أُمُورُكَ وَتُحَافِظَ عَلَى وِرْدِكَ, وَبِإِذْنِ اللهِ تَجِدْ نَفْعًا عَظِيمًا وَتَكْسِبَ أَجْرًا كَبِيرًا. فاللَّهُمَّ أَعِنَّا عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ, اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِمَّنِ اسْتَمَعَ القَوْلَ فَاتَّبَعَ أَحْسَنَه, اللَّهُمَّ بِعِلْمِكَ الْغَيْبَ وَقُدْرَتِكَ عَلَى الْخَلْقِ أَحْيِنَا مَا عَلِمْتَ الْحَيَاةَ خَيْرًا لَنَا وَتَوَفَّنَا إِذَا كَانَتِ الْوَفَاةُ خَيْرًا لَنَا, اللَّهُمَّ إِنِّا نَسْأَلُكَ خَشْيَتَكَ فِي الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ وَكَلِمَةَ الْحَقِّ فِي الغَضَبِ والرِّضَا, وَنَسْأَلُكَ القَصْدَ فِي الفَقْرِ وَالغِنَا وَنَسْأَلُكَ نَعِيمًا لَا يَنْفَدُ وَقُرَّةَ عَيْنٍ لَا تَنْقَطِعُ وَنَسْأَلُكَ الرِّضَا بَعْدَ الْقَضَاءِ وَنَسْأَلُكَ بَرْدَ الْعَيْشِ بَعْدَ الْمَوْتِ وَنَسْأَلُكَ لَذَّةَ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِكَ وَنَسْأَلُكَ الشَّوْقَ إِلَى لِقَائِكَ فِي غَيْرِ ضَرَّاءَ مُضِرَّةٍ وَلَا فِتْنَةٍ مُضِلَّةٍ اللَّهُمَّ زَيِّنَّا بِزِينَةِ الإِيمَانِ وَاجْعَلْنَا هُدَاةً مُهْتَدِينَ, وَصَلِّ اللَّهُمَّ وَسَلِّمْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ وَالْحَمْدِ للهِ رَبِّ العَالَمِينْ.

المرفقات

جُمُعَةٍ-بَعْدَ-رَمَضَانَ-4-شَوَّال-1440ه

جُمُعَةٍ-بَعْدَ-رَمَضَانَ-4-شَوَّال-1440ه

المشاهدات 4520 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا