أولئك لهم الأمن
أحمد عبدالعزيز الشاوي
الحمد لله الولي الحميد أمر بالشكر ووعد بالمزيد ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له بحكم ما يشاء ويفعل ما يريد وأشهد أن محمدا عبده ورسوله سید العبيد ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهديه إلى يوم المزيد . أما بعد : فاتقوا الله أيها المسلمون وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته
ياساكني بلاد الحرمين: ماظنكم بالسماء إذا فقدت نجومها والأرض إذا زالت جبالها الراسيات والسهول إذا فقدت أنهارها وغارت عيونها وذوى نباتها ويبست أشجارها. والشجرة إذا يبست غصونها وتساقطت أوراقها ..
ماظنكم بالحياة إذا تكدر صفاؤها ، ماظنكم بالأجساد إذا سلبت منها أرواحها . أظنكم توحدون الرأي أن بطن الأرض حينئذ خير من ظاهرها ..
كذلك الحال إذا فقدت البلاد أمنها ، وساد فيها القلق والخوف واضطربت فيها الأحوال وصار الناس لايأمنون على الأنفس والأعراض والأموال ,,
إنه الأمن مع العافية والرزق يشكل الملك الحقيقي فمن أصبح آمنا في سربه معافى في بدنه عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها ، . إنه دعوة أبينا إبراهيم (رب اجعل هذا بلدا آمنا ) ومنة الله على هذه الأمة (واذكروا إذ أنتم قليل مستضعفون في الأرض تخافون أن يتخطفكم الناس ...) .
إن الديار التي يفقد فيها الأمن تعد صحراء قاحلة وإن كانت ذات جنان وارفة الظلال تجري من تحتها الأنهار ، والبلاد التي تنعم بالأمن تهدأ فيها النفوس وتطمئن فيها القلوب وإن كانت قاحلة جرداء ليس فيها من الغذاء ما بسد الرمق ومن الماء ما يروي الظمأ
إنه الأمن لا غناء لأي مخلوق أو لأية نفس رطبة عنه مهما عزت في الأرض أو كسبت مالا أو شرفا أو رفعة ولن يتمتع معافي بعافيته وهو غير آمن وكيف يلذ أكل بدون أمن وكيف تنام عين غير آمنة وكيف يستريح أو يستقر ضمير خائف أو بال مزعزع ؛ ، ففي رحاب الأمن وظله يأمن الناس على أموالهم ومحارمهم وأعراضهم وفي ظلال الأمن يعبدون ربهم ويقيمون شريعته
لو انفرط عقد الأمن ساعة لرأيت كيف تعم الفوضى وتتعطل المصالح ويكثر الهرج وتأمل فيمن حولك ستجد الواقع ناطقا ( أولم يروا أنا جعلنا حرما آمنا ويتخطف الناس من حولهم .. )
إنه الملك الحقيقي فمن أصبح آمنا في سربه معافى في بدنه عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها
إنه الأمن لم تستطع قوى الشرق أن تستجلبه بالبطش والجبروت ولم تجده قوى الغرب بالتفلت والانفتاح والتساهل وكان قدر الله أن تناله أمة الإسلام بإيمان رعيتها ثم بحزم وعزم رعاتها
أيها المسلمون : إن أمرأ هذا شأنه ونعمة هذه أثرها لجدير بالأمة أن تشكر الله عليها قولا وعملا واعتقادا ، فبالشكر تدوم النعم ، وأن تبذل في سبيلها كل رخيص وغال وأن تستثمر الطاقات وتسخر الجهود والإمكانات في سبيل الحفاظ عليها وتعزيزها .
لابد أن ندرك أن الأمن الذي نعيشه ونتفيؤ ظلاله إنما هو منحة ربانية ومنة إلهية مربوطة بأسبابها ومقوماتها والتي من أعظمها إقامة شرع الله وتنفيذ حدوده والاعتزاز بعقيدة التوحيد ومناصرتها والدعوة إليها وبدون ذلك لا سبيل إلى الأمن مهما قويت الأسباب .
إن قدرنا أن ننعم في هذه الحياة بنعمة الأمن والتلاحم والتآلف والتفاهم بين الراعي والرعية متى استقمنا على شريعة الله ، وأن نحرمه متى انحرف بنا المسار عن الله ومنهجه القويم
الإيمان هو الذي يحقق الأمن للمجتمع ويقيه من الأخطار فإذا تخلى أبناء ذلك المجتمع عن دينهم وكفروا نعمة ربهم أحفت بهم المخاوف من كل جانب وانتشرت بينهم الجرائم وهذه هي السنة الربانية فيمن يعرضون عن طاعة ربهم سبحانه (وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون) .
الأمن بكل صوره سبيله عبادة الله بمفهومها الشامل (وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفهم في الأرض )وتوحيد الله والإيمان به والتخلص من خوارم العقيدة ومحاربة البدع والخرافات عامل من عوامل حصول الأمن (الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون ).
أمن بلادنا نستبقيه باجتماع كلمتنا ووحدة صفنا وتطبيق هدي الإسلام في التعامل مع الأخبار والإشاعات والبعد عن أراجيف المرجفين والخوض مع الخائضين ، والانشغال بالبناء والعطاء بدلا من النقد وتتبع الأخطاء .. نستبقي أمننا بتربية الأمة رجالها ونسائها على طاعة الله والاستقامة على شرعه والبعد عن معصيته ومراقبته والخوف منه ، ومن خاف الله أخاف الله منه كل شيء ، ومن لم يخف الله خاف من كل شيء
الأمن غاية تحفظه الأمة بإقامة الصلاة وتربية الناشئة عليها فالصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر وهي حصن عن كل شرور وحاجز عن كل جريمة .
وحينما تصح العزائم وتتوفر الهمم ويقوم كل منا بدوره ويؤدي الذي اؤتمن أمانته في هذا الأمر .. ، حينها سيسود بإذن الله الأمن ويستمر الرخاء ويزداد العطاء ..أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه .
الخطبة الثانية أما بعد
إن أمن البلاد والعباد لا يتحقق إلا بوجود الأمن الفكري وذلك بحماية الأجيال الناشئة وشباب الأمة من دعوات التغريب ودعايات الفساد والإفساد . والنأي بهم عن غمرات الغلو ومغذيات التكفير وبذور الإرهاب
لكي يتحقق الأمن لابد من حماية شباب الأمة وتحصين أفكارهم من الهجمات الدخيلة التي تسمم العقول وتحرف السلوك وتسيء إلى الدين وتقضي على الأصالة وتشكك في الولاء وصدق الانتماء .
أمننا ووحدة صفنا ستبقى راسخة متى ماارتفعت راية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وسادت ثقافة الاحتساب وقام كلٌّ بدوره في محاربة كل فساد ومنكر ، فالرجل مع أولاده وأهل بيته والمعلم مع طلابه والمسؤول مع من تحت يده وإمام الحي مع أهل حيه ، وكل يعمل على شاكلته باليد أو اللسان أو بالقلب وذلك أضعف الإيمان ،
سيبقى أمننا مادام فينا من يساهم في حماية سفينة المجتمع من طوفان الشهوات والشبهات فإذا مارأى أو سمع منكرا نهى عنه ونأى بنفسه وأهله عن أماكنه مؤمنا أن عباد الرحمن لايشهدون الزور وإذا مروا باللغو مروا كراما ، وحذرا من التخويف الرباني ( إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلاتقعدوا معهم حتى يخوضوا .., )
لوحة الأمن الجميلة ترسمها نحن بأيدينا ونصنعها بقلوبنا حينما نتخلق بالوعي ونستشعر عظم هذه النعمة وخطورة فقدها .. نصنعها حينما نتعامل مع الواقع بميزان الشرع والعقل بعيدا عن الأهواء والعواطف والرغبات الشخصية . نعمة الأمن نحفظها حينما نحفظ حدود الله « احفظ الله يحفظك » نعمة الأمن نحفظها حينما نكف أيدي المنافقين وألسنتهم الذين يوقدون نار الفتنة ويلمزون المؤمنين ويشعلون فتيل القلاقل باستفزازاتهم لمشاعر الناس وتعرضهم لثوابت الأمة وشعائر دينها .
نعمة الأمن نستبقيها بغرس بذور التدين في قلوب الأجيال فالدين وحده وليس غيره ، هو الذي يوحد بين القلوب المتنافرة ويجمع الشعوب المتخالفة
إن العقيدة هي العروة الكبرى التي تلتقي فيها سائر الأواصر البشرية والعلاقات الإنسانية ، فإذا انبتت وشيجة العقيدة انبتت الأواصر الأخرى من جذورها ، فلا لقاء بعد ذلك في نسب ولا لقاء بعد ذلك في صهر ولا قوم ولا وطن ولا تراب
إن الذي يبني جدار تلاحمنا وتراحمنا وتآلفنا هو الدين الذي تربينا على مبادئه وأحكامه
إنه الدين الذي يأمر بطاعة ولاة الأمر في غير معصية الله . ( ياأيها الذين أمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ) فإذا ماأطاعت الأمة ولاتها وتلاحمت معهم ضد عداتها وتعاونت معهم على حفظ الأمن وأسبابه تحقق لهم ماينشدون من الأمن والرخاء والجزاء من جنس العمل
إنه الدين الذي يشدد في الخروج على الولاة ويرتب العقوبات على فاعليه ماأقاموا فينا الصلاة وحكموا فينا شرع الله : من فارق الجماعة شبرا فمات فميتة جاهلية .. )
إنه الدين الذي من مبادئه ( على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب أو كره إلا أن يؤمر بمعصية ، فإن أمر بمعصية فلاسمع ولا طاعة )
إنه الدين وحده ( ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون )
اللهم صل وسلم ...