أوْصَانِي خَلِيلِي صلى الله عليه وسلم
خالد الكناني
أوْصَانِي خَلِيلِي صلى الله عليه وسلم
الحمد لله ربّ العالمين أكرمنا بطاعته وشرفنا بدينه وجعلنا خير أمة أخرجت للناس ، نحمده ونشكره سبحانه وتعالى ، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين ، أما بعد :
اتقوا الله عباد الله واعلموا أن من نعم الله تعالى علينا أن بلغنا تمام شهر رمضان ، وأتم علينا بنعمته وفضلة أن أدركنا العيد وفرحته ، فاللهم لك الحمد ولك الشكر على ذلك كله ، كانت أياما وليالي جميلة ، ملأها المؤمنون بالطاعات ، وتزودوا من التقوى ، وأودع الناس فيها أعمالهم الصالحات ((لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ))
أيها المسلمون : ليتخيل كل واحد منا أن النبي صلى الله عليه وسلم أوصاه بهذه الوصايا المباركات التي أخبر بها أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله أوصاه بها : قال أبو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : أَوْصَانِي خَلِيلِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِثَلاَثٍ: «صِيَامِ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، وَرَكْعَتَيِ الضُّحَى، وَأَنْ أُوتِرَ قَبْلَ أَنْ أَنَامَ»
هذه الأعمال الصالحات من وفقه الله تعالى وحافظ عليها كان من ثمراتها محبة الموصي بها وطاعته صلى الله عليه وسلم، ورفع موازين الحسنات .
الوصية الأولى : صيامُ ثلاثة أيام من كل شهر.... إذا صمتها فكأنك صمت الدهر والصيام لَا مِثْلَ لَهُ .
عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، أَنَّهُ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ الْعَمَلِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «عَلَيْكَ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَا عِدْلَ لَهُ»
لأصحابه يوم القيامة بابٌ ينادون منه اسمه الريان لا يدخله إلا الصائمون ، وفي فضله ما رواه مسلم في صحيحه عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا مِنْ عَبْدٍ يَصُومُ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللهِ، إِلَّا بَاعَدَ اللهُ، بِذَلِكَ الْيَوْمِ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا»
وقد جاء في استحباب صيام الأثنين والخميس عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: تُعْرَضُ الأَعْمَالُ يَوْمَ الاِثْنَيْنِ وَالخَمِيسِ، فَأُحِبُّ أَنْ يُعْرَضَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ.
، وكذلك الأيام البيض الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر، عَنْ ابْنِ مِلْحَانَ الْقَيْسِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُنَا أَنْ نَصُومَ الْبِيضَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ، وَأَرْبَعَ عَشْرَةَ، وَخَمْسَ عَشْرَةَ، قَالَ: وَقَالَ «هُنَّ كَهَيْئَةِ الدَّهْرِ»
ولك أن تصوم من الشهر أوله أو أوسطه أو أخره .
عَنْ مُعَاذَةَ الْعَدَوِيَّةِ ، أَنَّهَا سَأَلَتْ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ؟» قَالَتْ: «نَعَمْ»، فَقُلْتُ لَهَا: «مِنْ أَيِّ أَيَّامِ الشَّهْرِ كَانَ يَصُومُ؟» قَالَتْ: «لَمْ يَكُنْ يُبَالِي مِنْ أَيِّ أَيَّامِ الشَّهْرِ يَصُومُ»
وبين أيدينا صيام الست من شوال وهو مستحب ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ، كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ»
الوصية الثانية :صلاة الضحى .... وهي سنة مؤكدة
وأقلها ركعتان ولك أن تصلي أكثر من ذلك ، ووقتها من طلوع الشمس وارتفاعها قيد رمح إلى قبيل وقت صلاة الظهر ، وأفضل وقتها عند اشتداد حرارة الشمس ، أَنَّ زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ، رَأَى قَوْمًا يُصَلُّونَ مِنَ الضُّحَى، فَقَالَ: أَمَا لَقَدْ عَلِمُوا أَنَّ الصَّلَاةَ فِي غَيْرِ هَذِهِ السَّاعَةِ أَفْضَلُ، إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «صَلَاةُ الْأَوَّابِينَ حِينَ تَرْمَضُ الْفِصَالُ )) أي حين تحترق أخفاف الصغار من أولاد الإبل من شدة حر الرمل .
وجاء في فضلها ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: «يُصْبِحُ عَلَى كُلِّ سُلَامَى مِنْ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ، فَكُلُّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَحْمِيدَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَكْبِيرَةٍ صَدَقَةٌ، وَأَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ صَدَقَةٌ، وَنَهْيٌ عَنِ الْمُنْكَرِ صَدَقَةٌ، وَيُجْزِئُ مِنْ ذَلِكَ رَكْعَتَانِ يَرْكَعُهُمَا مِنَ الضُّحَى )) ... فتأملوا يا رعاكم الله في فضلها كيف أن ركعتين يصليها المسلم تكفيه وتجزيه عن كثير من الصدقات على أعضائه وهو بحاجة ذلك
عمل يسير لا يأخذ منك دقائق معدودات ، ومع ذلك سماها النبي صلى الله عليه وسلم (( صلاة الأوابين )) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى اللهُ عليه وسلَّم -: " لَا يُحَافِظُ عَلَى صَلَاةِ الضُّحَى إِلَّا أَوَّابٌ , وَهِيَ صَلَاةُ الأَوَّابِينَ ))
والأواب هو المطيع لربّه كثيرُ الرجوع إليه .
اللهم اجعلنا من الأوابين التوَّابين ووفقنا للأعمال الصالحات إنك سميع مجيب .
أقول ما تسمعون واستغر الله العظيم
الحمد لله ربّ العالمين ، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
أما بعد :
فإن الوصية الثالثة لأبي هريرة رضي الله عنه من خليله صلى الله عليه وسلم فهي : أن يوتر قبل أن ينام ... وصلاة الوتر سنة مؤكدة ، حافظ عليها صلى الله عليه وسلم في الحضر والسفر وحث عليها، عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: أَوْتَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قَالَ: «يَا أَهْلَ الْقُرْآنِ، أَوْتِرُوا، فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وِتْرٌ يُحِبُّ الْوِتْرَ»
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ قَامَ بِعَشْرِ آيَاتٍ لَمْ يُكْتَبْ مِنَ الغَافِلِينَ، وَمَنْ قَامَ بِمِائَةِ آيَةٍ كُتِبَ مِنَ القَانِتِينَ، وَمَنْ قَامَ بِأَلْفِ آيَةٍ كُتِبَ مِنَ المُقَنْطِرِينَ»
فاحرصوا على أن توتروا من الليل ووقتها ممتدة من بعد صلاة العشاء وسنتها إلى قبيل الفجر، وأقل ركعات الوتر واحدة ، وله أن يصلي مثنى مثنى ثم يوتر بواحدة ، والأفضل تأخير صلاتها إلى آخر الليل وذلك لمن وثق باستيقاظه لحديث ، جَابِرٍ،رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ خَافَ أَنْ لَا يَقُومَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ فَلْيُوتِرْ أَوَّلَهُ، وَمَنْ طَمِعَ أَنْ يَقُومَ آخِرَهُ فَلْيُوتِرْ آخِرَ اللَّيْلِ، فَإِنَّ صَلَاةَ آخِرِ اللَّيْلِ مَشْهُودَةٌ، وَذَلِكَ أَفْضَلُ»
ومن خاف الا يقوم فليوتر قبل أن ينام ، المهم المحافظة على هذه السنة لمكانتها وفضلها .
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
هذا وصلوا على من أمركم الله تعالى بالصلاة والسلام عليه ، قال تعالى : ((إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ))