أوصاني خليلي

عبدالله اليابس
1439/05/15 - 2018/02/01 20:27PM
أوصاني خليلي        الجمعة 16/5/1439هـ
الحمد لله الحي العليم القادر، زين قلوب العارفين بنور هدايته فأضاءت منها السرائر, من رضي بدونه فهو الخائن الغادر، الشقي من حَرَمَه، والسعيد من رَحِمه، والنادم من أهانَه, والموفق من أعانه.
وأشهد أن لا إله إلا الله, وحده لا شريك له, له الملك, وله الحمد وهو على كل شيء قدير.
سبحانه أوضح الدلالة وبيَّن، وحبَّب الإيمان إلى المؤمنين وزيّن، وطبع على قلوب الجاحدين فهم يجادلون في الحق بعد ما تبين.
وأشهد أن سيدنا وحبيبنا محمدًا عبد الله ورسوله وصفيه من خلقه وخليله.
إذا ما شئت في الدارين تسعد *** فداوم بالصلاة على محمد
وإن شئت القبـول لها يقيـنًا *** فختِّم بالصلاة على محـمد
وقل يارب لا تقطع رجائي *** وأكرم باللقاء مع محمد
فاللهم صل وسلم وبارك على عبدك ونبيك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أَمَّا بَعْدُ: {ياأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ}.
يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم.. ليتخيل كل واحد منا أن النبي صلى الله عليه وسلم أمسك بيده يومًا .. ثم خصه بحديث.. تخيل أنه قال لك: إني أريد أن أوصيك .. كيف سيكون وقع هذه الوصية عليك؟ وهل ستلزمُها وتعملُ بها أم ستهملُها؟
لقد أخبرنا أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أوصاه بعمل صالح .. فاسمع لهذه الوصية التي نقلت لنا بسند صحيح ..
روى البخاري ومسلم من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: (أَوْصَانِي خَلِيلِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِثَلَاثٍ: صِيَامِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، وَرَكْعَتَيِ الضُّحَى، وَأَنْ أُوتِرَ قَبْلَ أَنْ أَنَامَ).
وجاء في رواية أنه رضي الله عنه قال: (أوصاني خليلي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بثلاث، لا أدعهن حتى أموت: صيامِ ثلاثة أيام من كل شهرٍ، وصلاةِ الضحى، ونومٍ على وتر).
نعم .. ثلاث وصايا أوصى بها الحبيب صلى الله عليه وسلم أبا هريرة رضي الله عنه .. ولعلنا في هذه الدقائق اليسيرة نتوقف مع هذه الوصايا الثلاث .. لنعمل بها .. كما عمل بها أبو هريرة رضي الله عنه.
أولى هذه الوصايا: صيامُ ثلاثة أيام من كل شهر, فيستحب للمسلم أن يصوم من كل شهر هجري ثلاثة أيام .. سواء كانت هذه الثلاثة من أوله أو وسطه أو آخره.
وقال بعض أهل العلم: أن الأفضل أن تكون هذه الأيام هي الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر من كل شهر هجري, والدليل على ذلك ما رواه أصحاب السنن عن قتادة بن ملحان وقيل ابن منهال رضي الله عنه أنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا أن نصوم البيض ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة, وقال: هي كهيئة الدهر) أي أن من حافظ على صيامها فكأنه صام السنة كلها؛ إذ الحسنة بعشر أمثالها, واليوم بعشر أيام, فيكون من واظب على صيامها كأنما صام الشهر كله... والسنة كلها.
وسميت هذه الأيام بالبيض لأن لياليها بيض لاكتمال القمر فيها وقوة إضاءته.
وقد جاء في تحديد هذه الأيام الثلاث من كل شهر أقوال أخرى, لكن هذا أقواها عند جمع من أهل العلم.
ومن لم يتيسر له صيام الأيام البيض فليصم ثلاثة أيام من أي أيام الشهر.
فقد روى الإمام مسلم عن معاذة العدوية رحمها الله أنها قالت: سألتُ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، فَقُلْتُ لَهَا: مِنْ أَيِّ أَيَّامِ الشَّهْرِ كَانَ يَصُومُ؟ قَالَتْ: لَمْ يَكُنْ يُبَالِي مِنْ أَيِّ أَيَّامِ الشَّهْرِ يَصُومُ.
قال الروياني رحمه الله: (صيام ثلاثة أيام من كل شهر مستحب, فإن اتفقت أيام بيض كان أحب).
أيها الإخوة .. أما الوصية الثانية من رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي هريرة: فهي صلاة الضحى.
زاد الإمام أحمد في روايته: (كل يوم), فالمستحب أن يصلي المسلم كل يوم صلاة من الضحى .. إما ركعتين كما تقدم في الحديث السابق, أو أربع أو ست أو ثمان يفصل بين كل ركعتين بسلام, كما روى مجاهد رحمه الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم (صلى الضحى ركعتين، وأربعًا، وستًا, وثمانياً).
والأفضل أن تكون أربع ركعات, قال الحاكم رحمه الله: (صحبت جماعة من أئمة الحديث الحفاظ الأثبات، فوجدتهم يختارون هذا العدد، يعني أربع ركعات، ويصلون هذه الصلاة أربعًا، لتواتر الأخبار الصحيحة فيه) قال ابن القيم رحمه الله: (وإليه أذهب، وإليه أدعو, اتباعاً للأخبار المأثورة، واقتداء بمشايخ الحديث فيه).
ولصلاة الضحى فضائل كثيرة, فهي صلاة الأوابين التوابين لله, فقد روى ابن خزيمة رحمه الله عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أن رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: (لَا يُحَافِظُ عَلَى صَلَاةِ الضُّحَى إِلَّا أَوَّابٌ).
وصلاة الضحى صدقة عن كل مفاصل الإنسان, روى البخاري ومسلم عَنْ أَبِي ذَرٍّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: (يُصْبِحُ عَلَى كُلِّ سُلَامَى مِنْ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ, فَكُلُّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَحْمِيدَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَكْبِيرَةٍ صَدَقَةٌ، وَأَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ صَدَقَةٌ, وَنَهْيٌ عَنِ الْمُنْكَرِ صَدَقَةٌ. وَيُجْزِئُ مِنْ ذَلِكَ رَكْعَتَانِ يَرْكَعُهُمَا مِنَ الضُّحَى).
وروى ابن حبان في صحيحه من حديث نُعَيْمِ بْنِ هَمَّارٍ الْغَطَفَانِيِّ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ رَبِّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّهُ قَالَ: (يَا ابْنَ آدَمَ، صَلِّ لِي أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ أَكْفِكَ آخِرَهُ).
بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم, ونفعنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم, قد قلت ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ، وأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَه إِلَّا اللهُ رَبُّ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ وَقَيَّومُ السَّمَاوَات وَالأَرَضِين، وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى الْمَبْعُوثِ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ, وَأَشْهَدُ أَنَّهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِين، وَعَلَى مَنْ سَارَ عَلَى هَدْيِهِ وَاقْتَفَى أَثَرَهُ إِلَى يَوْمِ الدِّين.
أَمَّا بَعْدُ : {ياأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ}.
يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم .. أما الوصية الثالثة التي أوصى بها النبيُ صلى الله عليه وسلم أبا هريرة رضي الله عنها: فهي صلاة الوتر.
وهي سنة مؤكدة عند جمهور أهل العلم, روى ابن خزيمة عن علي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يَا أَهْلَ الْقُرْآنِ أَوْتِرُوا ؛ فَإِنَّ اللهَ وِتْرٌ يُحِبُّ الْوِتْرَ).
وقال الإمام أحمد رحمه الله: (من ترك الوتر فهو رجل سوء؛ لا شهادةَ لهُ).
وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن الوتر فقال: (الوتر سنة باتفاق المسلمين، ومن أصر على تركه فإنه ترد شهادته، والوتر أوكد من سنة الظهر والمغرب والعشاء).
والأفضل تأخير صلاته إلى آخر الليل وذلك لمن وثق باستيقاظه لحديث جابر رضي الله عنه عند مسلم قال: قال رسول الله عليه وسلم: (من خاف أن لا يقوم آخر الليل فليوتر أوله، ومن طمع أن يقوم آخره فليوتر آخر الليل، فإن صلاة آخر الليل مشهودة، وذلك أفضل).
وله أن يصلي ركعة أو ثلاث وهي أدنى الكمال, وله أن يزيد في صلاة الليل إلى أحد عشر ركعة, يصليها مثنى مثنى.
روى أبو داوود وصححه الألباني من حديث عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنهما أن رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: (مَنْ قَامَ بِعَشْرِ آيَاتٍ لَمْ يُكْتَبْ مِنَ الْغَافِلِينَ، وَمَنْ قَامَ بِمِائَةِ آيَةٍ كُتِبَ مِنَ الْقَانِتِينَ، وَمَنْ قَامَ بِأَلْفِ آيَةٍ كُتِبَ مِنَ الْمُقَنْطِرِينَ).
فلنحرص أيها الإخوة على أن يكون لنا ورد يومي من صلاة الليل.. ولو ركعة .. حتى إذا نشرت الصحف يوم الحساب .. فإذا نحن من قوام الليل.
فاللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك.
يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم.. اعلموا أن الله تعالى قد أمرنا بالصلاة على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وجعل للصلاة عليه في هذا اليوم والإكثار منها مزية على غيره من الأيام, فللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
عباد الله .. إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى, وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي, يعظكم لعلكم تذكرون, فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم, واشكروه على نعمه يزدكم, ولذكر الله أكبر, والله يعلم ما تصنعون.
المرفقات

خليلي-16-5-1439

خليلي-16-5-1439

خليلي-16-5-1439-1

خليلي-16-5-1439-1

خليلي-16-5-1439-2

خليلي-16-5-1439-2

المشاهدات 4320 | التعليقات 0