أوجه الشبه بين المؤمن والنخلة / زكاة التمر
عبدالإله بن سعود الجدوع
...
أما بعد : إليكم حديثاً من أحاديث الود والمؤانسة ، حديث حدث في مجلس عدد من فيه عشرةُ رجال، عرفنا منهم ثلاثة ، ولم تبيّن الروايات البقية الباقية ، أما الثلاثة فهم صديق هذه الأمةأبو بكر و عمر بن الخطاب وابنه عبد الله بن عمر رضي الله عنهم .
أمَّا سيد المجلس وتاجه، وقرة عين الجالسين ، فهو من أرسله الله رحمة للمؤمنين ، الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ، فاستمع لرواية مَن كان في المجلس وهو عبد الله بن عمر رضي الله عنهما الذي قال: بينا نحن عند النبي صلى الله عليه وسلم جلوس إذ أتي للنبي صلى الله عليه وسلم بجُـمَّارنخل ، أتعرف ماهو الجُـمَّار ؟إنه قلب النخلة ، فجعل عليه الصلاة والسلام يأكل منهذا الجُمّار ، ثم دار حديث في المجلس بهذا السؤال من النبي صلى الله عليه وسلم فقال: مثل المؤمن كمِثل شجرة خضراء لا يسقط ورقها ولا يتحات صيفاً ولا شتاء، وفيرواية قال النبي صلى الله عليه وسلم ( إنَّ من الشجر شجرةٌ كالرّجل المؤمن)وفي رواية أخرى (إن من الشجر لما بركته كبركة المسلم ) هكذا جاء السؤال من النبي صلى الله عليه وسلم يختبر فيه الحاضرين، وبقدرة قادر عمي الجواب حينها عن الصحابة رضوان الله عليهم ، فقال القوم هي شجرة كذا هي شجرة كذا، وجعلوا يذكرون شجر البوادي شجرةشجرة !!قال ابن عمر وهو أصغر الحاضرين : فوقع في نفسي أنها النخلة فكرهت أنأتكلم ، وثمَّ أبو بكر وعمر ولم يتكلما ، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك ( هي النخلة ) قال ابن عمر: فلما خرجت مع أبي قلت: يا أبتاه وقع في نفسي أنهاالنخلة .
قال عمر : ما منعك أن تقولها ؟ لو كنتَ قلتها كان أحبَّ إلي من كذا وكذا .
قال ابن عمر:ما منعني إلا أني لم أرك ولا أبا بكر تكلمتما فكرهت أن أتكلم وأنا غلام شاب فاستحييت .والحدث هذا رواه البخاري ومسلم .
وأنت إذا تأملت-أيها المبارك– تجد أن في هذا الموسم يكثرُ حَديثُ الناس عن النخيل وأنواعه وعن الرطب وأصنافه، وعن طعمه ومذاقه، فيستغرق ذلك في مجالس الناس أحاديث وأحاديث ، وقلما في هذه المجالس أن يُتذاكر عن لماذا شبه النبي صلى الله عليه وسلم المؤمن أنه كالنخلة ؟
- فمن أوجه الشبه بين المؤمن والنخلة أن النخلة ما أخذت منها من شيء من أجزاءها نفعك، وكلها منافع وفوائد، وهكذا الشأن -عباد الله- بالنسبة للمؤمن أنه كما وصفه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَثل المؤمن مَثل النخلة، ما أخذت منها من شيء نفعك". رواه الطبراني وصححه الألباني
- ومن أوجه الشبه بين المؤمن والنخلة : أن ثمرة النخل هو التمر، وهو قوت كامل، وطعام تام: "وكان الأسودان -التمر والماء- طعام النبي صلى الله عليه وسلم، يمضي على ذلك الشهر والشهران والثلاثة لا يوقد في بيته نار" قالته عائشة -رضي الله عنها-.
وفي صحيح مسلم: عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يا عائشة بيت لا تمر فيه، جياع أهله، أو جاع أهله" قالها مرتين أو ثلاثاً.
وهكذا المؤمن ينبغي أن يثمر عنه شيء طيب نافع لنفسه ولأهل بيته ولمجتمعه ولوطنه.
- ومن أوجه الشبه بين المؤمن والنخلة ، أن النخلة إذا طال عمرها طاب ثمرها، وقوي أصلها، وعظمت فائدتها، وقد سُئل النبي -صلى الله عليه وسلم-: أي المؤمنين خير؟! قال: "خيركم من طال عمره، وحسن عمله".رواه الترمذي وصححه الألباني
- ومن أوجه الشبه:بقاؤها على هيئتها كما قال في الحديث (لا يتحات ورقها صيفاً ولا شتاء) فهي بكامل لباسها وزينتها، وكذلك المؤمن ليس له وجهان وجه في الرخاء يطغى فيه ويغفل، ووجه في الشدة والضراء يقبل فيه ويتذكر ، بل هو دائم العبادة لله في كل تقلبات الظروف واضعا نصب عينه قوله صلى الله عليه وسلم ( تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة )
- ومن أوجه الشبه وأعجبه: أنَّ قلب النخلة أبيض حلو، ويسمى الجمّار ، وكذلك هو المطلوب من قلب المؤمن أن يكون قلبه أبيضلا يدنسه بالمعاصي والمنكرات ، وإن حصل شيء من ذلك بادره بالتوبة التيتغسل ما علق به، فيعود أبيضا ناصعاً ، وورد في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إن المؤمن إذا أذنب ذنباً كانت نكتةٌ سوداء في قلبه. فإن تاب ونَزَع واستغفر صُقِل منها، وإن زاد زادت حتىيغلَّف بها قلبه، فذلك الران الذي ذكر الله في كتابه: { كلا، بل ران علىقلوبهم ماكانوا يكسبون }". رواه الترمذي، والنسائي وابن ماجه وحسنه الألباني
- ومن أوجه الشّبه بين المؤمن والنخلة أن النخلة تحتاج إلى مادة تسقيها، ألا وهي الماء ، والمؤمن يحتاج لما يحيي قلبه وهي ما دعى له الله سبحانه ورسوله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ)
- ومن أوجه الشبه بين المؤمن والنخلة ومن أهمها ، أن النخلة تمتاز بالثبات ، ولها عمق في الأرض وهكذا المؤمن متجذر الإيمان في قلبه ويثبت أمام الفتن والمعاصي وإذا عظمت الخطوب ، وكذلك تمتاز النخلة بفرع ممتد للسماء ، تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها ، ( أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا ) يقول الشيخ السعدي في تفسيره عن هذه الآية( فكذلك شجرة الإيمان ، أصلها ثابت في قلب المؤمن، عِلما واعتقادا. وفرعها من الكلم الطيّب والعمل الصالح والأخلاق المرضية، .. وماتخرجه شجرة الإيمان ، ينتفع به المؤمن وينفع غيره ) ا.هـ
أسأل الله -جل وعلا- أن يعظِّم نماء شجرة الإيمان في قلوبنا، وأن يمن علينا بقوة سقيها بكتابه العزيز وسنة رسوله الكريم -صلى الله عليه وسلم-[font="]، قلت ماقلت وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب،فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.[/font]
الحمد لله القائل ( وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ رزقاً للعباد ) والصلاة والسلام على الرسول القائل (بيت لا تمر فيه جياع أهله ) ، فاللهم صل وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، أمابعدُ فاتقوا النار ولو بشق تمرة .
ثم يا أيها المباركون : إذا أكلت تمراً فتأمل أن الله قال في كتابه الكريم عن المؤمنين أنهم لايظلمون فتيلا ، والفتيل هو : الخيط القصير الصغير الذي في نواة التمر ، وتذكر أيضاً أن الله قال عن المؤمنين في كتابه أنهم لايظلمون نقيراً ، والنقير هو نقطة صغيرة في أعلى نواة التمرة ، وليكن ذلك التفكر حافز لك لعدم استحقار أي عمل صالح ولو مقدار الفتيل أوالنقير ( فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ، ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره )
واعلموا - أيها الفضلاء - أنه يستحب للمرء أن يصبح على سبع تمرات من عجوة المدينة فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم ) من تصبح كل يوم بسبع تمرات عَجْوَة لم يضره في ذلك اليوم سُّم ولا سحر ) ومعنى (تصبح) أي أكلها صباحا قبل أن يأكل شيئا، (لم يضره) أي لم يؤثر عليه ، وقد جاء الحديث مقيدا بالعَجْوَة وجاء في بعض الروايات مطلقاً فيعم كل تمر ، قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن ذلك ( إن شيخنا ابن سعدي ـ رحمه الله ـ يرى أن ذلك على سبيل التمثيل، وأن المقصود التمر مطلقاً، فعلى هذا يتصبّح الإنسان كلَّ يوم بسبع تمرات، فإن كان النبي صلّى الله عليه وسلّم أرادها فقد حصل المطلوب، وإن لم يردها فلا شك أن إفطار الإنسان على هذا التمر من أفضل الأغذية ) ا.هـ
واعلموا أيها المباركون : أن من شكر الله امتثال أمر الله فيها بقوله تعلى (يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيباتِ ما كسبتم ومما أخرجنا لكم الأرض ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه واعلموا أنَّ الله غني حميد ) فلابد للمؤمن أن يحرص على إخراج زكاة التمر إن كان يملك نخلاً في بيته أو مزرعته أو استراحته ، فمن بلغت ثمرة نخلة نصاباً وهو خمسة أوسق فأكثر ، أي مايعادل 612 كيلو فأكثر بتقدير أهل الخبرة ، إذا بلغ ذلك فيجب عليه أن يخرج زكاة التمر ، قال الشيخ ابن عثيمين رحمه اللع ( يعتبر النصاب بزنة التمر عند يبسه لا بقيمته عند كونه رطباً؛ لأنه قد يكون في حال الرطب يبلغ النصاب، ولكن إذا يبس لا يبلغ النصاب ) ا.هـ
ويخرج إما عُشر الكمية وإما نصف عشرها ، أما نصف عشرها إذا كان السقي بمؤونة ومشقة كل مرة يسقيها ، وعشرها إن كان بلامؤونة كالسقي من السيول أو الأنهار أو البئر الذي ينبع .
وطريقة إخراج زكاة التمر إما يخرج المقدار من التمر ، وإما يخرج ثمنها بعد بيعها كما ذكر ذلك الشيخ ابن باز والشيخ ابن عثيمين رحمها الله .
ومن شكر الله على نعمه أن يُحسن التصرف في التمر الذي بقي عنده من العام الماضي فيدفعه – إن استغنى عنه – وإن كان جيدا - إلى من يستفيد منه في داخل البلاد أو خارجها ، فاتقوا النار ولو بشقِّ تمرة .
اللهم أجرنا من النار، وأجرنا من العمل الذي يقرب لها ، اللهم وقربنا من الجنة وقربنا من العمل الذي يقرب لها ....