أوامر الملك جل جلاله

عبدالله حمود الحبيشي
1436/07/11 - 2015/04/30 16:09PM
الحمد لله ..
عباد الله .. أوامر ملكية .. غيرت وبدلت ، رفعت وخفضت ، أعطت وأخذت .
تابع الناس تلك الأوامر الملكية .. تناقلوها وحللوها وفسروها .. سعى كثير من الناس جاهدين معرفة تداعياتها المستقبلية، وآثارها القادمة، وبحثوا عن دوافعها وأسبابها .
أوامر ملكية .. كلمة لها وقعٌ في الأسماع ولها مكانة في القلوب فيها هيبة ولها شأن .
أوامر ملكية .. يصدرها ملك من ملوك الدنيا مهما عظم ملكه فله منتهى ، ومهما نفذ أمره فله حد .
إذا كان هذا حال الناس مع الأوامر الملكية .. فكيف نحن مع أوامر الملك جل جلاله .. ملك الملوك .. الخالقِ الرازقِ المدبرِ .. القادر على كل شيءٍ؟
كيف ينبغي أن يكون محلها في قلوبنا ، ومنزلتها في اهتماماتنا ، وأثرها على حياتنا ؟
إنَّ للهِ سبحانَهُ وتعالى نوعينِ من الأوامرِ ...
أولها: الأوامرُ الكونيةُ، أو الكلماتُ القدريةُ، التي لايجاوزُها برٌّ ولا فاجر، وهي قدرُهُ الماضي لايتخطاهُ أحدٌ، ومراداتُهُ النافذةُ لايحول دونها بشرٌ (إنما أمرُهُ إذا أراد شيئاً أن يقول له كنْ فيكونُ) ، (‏‏وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ) ، (وظنّ أهلها ‏‏أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَآ أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ‏) .
والنوعُ الثاني من أوامرِ الله جلّ جلالُهُ: هي الأوامر الدينية، وهي ما يحبُّهُ سبحانه وتعالى من عبادِهِ، وتتضمن ما أمر به شرعاً وديناً، وهي أوامرُ يأخذُ بها المؤمنُ ، ويعرضُ عنها الكافرُ الفاجرُ.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "قد ذكر الله في كتابه الفرق بين الأمر ... الكوني الذي خلقه وقدره وقضاه؛ .. وبين الديني الذي أمر به وشرعه وأثاب عليه .. ‏فـ‏الإرادة الكونية‏ هي مشيئته لما خلقه وجميع المخلوقات داخلة في مشيئته وإرادته الكونية، والإرادة الدينية هي المتضمنة لمحبته ورضاه المتناولة لما أمر به وجعله شرعاً وديناً‏.‏ وهذه مختصة بالإيمان والعمل الصالح"اهـ .
وكلا النوعينِ من الأوامر الملكيةِ الربانية يجب على المؤمنِ فيه واجباتٌ.
أما الأمرُ الكونيُّ القدريُّ النافذ فواجب المؤمنِ فيه ثلاثةُ أمورٍ:
أولها .. العلمُ بأنّه من عندِ الله، وأنّه قدرُهُ الماضي الذي كتبَهُ قبل خلق السمواتِ والأرضِ "واعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك، وأن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيءٍ لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعتِ الأقلامُ وجفت الصحف" .
الواجبُ الثاني على المؤمنِ تُجاه أوامر الله الكونية أنْ يصبرَ عند شرِّها، ويشكر عند خيرِها، وأن يعلم أنها اختبارٌ وابتلاءٌ (وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ) .
ثالث الواجبات : الرضا بها، واليقين بأنّها لا تخلو من خيرٍ، مهما بدتْ شراً، (وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ) ، وفي الحديث (فمن رضي فله الرضا، ومن سخطَ فله السخط) .
وأما أوامر اللهِ الشرعيةُ الدينية فواجبُ المؤمن تجاهها ثلاثةُ أمورٍ أيضاً :
أولها: حُبُّها؛ واليقينُ بأنّها المصلحةُ الخالصةُ، والمنفعةُ الباقيةُ؛ لأنها من عندِ الله.
وثانيها: امتثالها، والعملُ بموجبها (وأطيعوا الله) .
وثالثها: اليقينُ بموعودِ الله المترتبِ عليها التزاماً ومخالفةً (ومن أصدق من الله قيلاً) .
عباد الله .. إن من أوامر الملك جل جلاله ما أمر الله به نبيه وأمته تبعا له فقال تعالى (إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَٰذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ) وقال تعالى (قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) .
إن أعظم أوامر الله عبادته سبحانه وحده لا شريك له والاستسلام لحكمه وأمره وأن يكون العبد مع الموحدين المخلصين المنقادين لأمره المطيعين له والبعد كل البعد عن أهل الشرك والزيغ والبدع والفساد (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَٰلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ) .
عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال كنتُ ردفَ النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ على حمارٍ يقال له عفيرٌ، فقال : يا معاذُ، هل تدري حقَّ اللهِ على عبادِه، وما حقُّ العبادِ على اللهِ . قلت : اللهُ ورسولهُ أعلمُ، قال : فإنَّ حقَّ اللهِ على عباده أن يعبدوه، ولا يشركوا به شيئًا، وحقُّ العبادِ على اللهِ أن لا يعذبَ من لا يشرك به شيئًا .
ومن أوامر الله لعبادة أداء الأمانات والحكم بالعدل ، قال تعالى (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا) .
فأمر الله عباده بأدائ الأمانات كاملة موفرة، لا منقوصة ولا مبخوسة، من غير مماطلة ولا عنت ، ويدخل في ذلك أمانات الولايات والأموال والأسرار .. وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ .
قال تعالى (قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) .
يقول ابن سعدي رحمه الله : ذكر الله ما يأمر به ، فقال: { قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ } أي: بالعدل في العبادات والمعاملات، لا بالظلم والجور. { وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ } أي: توجهوا للّه، واجتهدوا في تكميل العبادات، خصوصا { الصلاة } أقيموها، ظاهرا وباطنا، ونقوها من كل نقص ومفسد. { وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ } أي: قاصدين بذلك وجهه وحده لا شريك له . أي: لا تراءوا ولا تقصدوا من الأغراض في دعائكم سوى عبودية اللّه ورضاه .
ومن أوامر الله الشرعية الاستقامة على أمره والتمسك بشرعه (فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا) وقال تعالى (فَلِذَٰلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ آمَنتُ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِن كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ) .
قال سفيان الثقفي رضي الله عنه يا رسولَ اللَّهِ حدِّثْني بأمرٍ أعتصِمُ بِهِ قالَ قُلْ ربِّيَ اللَّهُ ، ثمَّ استقِم .
واسمعووا يا رعاكم الله إلى ما يناله المستقيمون على أمر الله (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ) وقال تعالى (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) وقال الكريم الرحيم (وَأَن لَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاءً غَدَقًا) .
نسأل الله أن نكون من المؤمنين المستقيمين على أمره ، العاملين بشرعه ..

الخطبة الثانية

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ..
عباد الله .. ومن أوامر ملك الملوك جل جلاله قوله تعالى (وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ) .
إن أُولِ الألباب والعقول الذين لهم العاقبة الحسنة في جنات النعيم هم الذين يصلون كل ما أمر الله بوصله ، من الإيمان به وبرسوله، ومحبته ومحبة رسوله، والانقياد لعبادته وحده لا شريك له، ولطاعة رسوله .
ويصلون آباءهم وأمهاتهم ببرهم بالقول والفعل وعدم عقوقهم ، ويصلون الأقارب والأرحام ، بالإحسان إليهم قولا وفعلا ، ويصلون ما بينهم وبين الأزواج والأصحاب والمماليك، بأداء حقهم كاملا موفرا من الحقوق الدينية والدنيوية .
والسبب الذي يجعل العبد مستجيبا لحكم الله واصلا ما أمر الله به أن يوصل : خشية الله وخوفُ يوم الحساب، فيمنعهم خوفهم منه، ومن القدوم عليه يوم الحساب، أن يتجرؤوا على معاصي الله، أو يقصروا في شيء مما أمر الله به خوفا من العقاب ورجاء للثواب .
عباد الله .. إن مخالفة الأوامر الملكية البشرية تستوجب المحاسبة والعقاب ، فإذا كان هذا شأن أوامر بشرية ، وتنظيمات دنوية ، فكيف بأوامر الجبار جل جلاله .. لا شك أنها أولى بالحرص ، وأحق بالأهتمام ، وفي مخالفتها الخيبة والخسارة في الدنيا والآخرة ، وقد حذر الله من ذلك فقال تعالى (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) وقال تعالى (وَالَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَٰئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ) وقال تعالى (الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ) وقال سبحانه (وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا شَدِيدًا وَعَذَّبْنَاهَا عَذَابًا نُّكْرًا) .
إنها آيات تقرع الأسماع ، وتهز القلوب ، وتقشعر لها الأبدان ، عذاب شديد ، ووعيد أكيد ، وخسارة ولعنة ، وسوء عاقبة لمن خالف أمر الله ، فهل بعد ذلك من زاجر ، وهل بعد هذا من مواعظ .
عباد الله .. هذه بعض أوامر الله فما أحوجنا أن نعرفها ونعظمها ونعمل بها ففيها خير الدنيا والآخرة .
هذا وصلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه فقال (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)
المشاهدات 3422 | التعليقات 5

ما حكم قول الملك جل جلاله ؟؟؟؟؟؟؟؟؟

انتظر الجواب


الحديث في الخطبة عن أوامر الله جل جلاله

فهل هذا ما فهمته أخي الكريم


من أسماء الله جل جلاله : الملك
قال تعالى: {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ} (الحشر: من الآية23)
فالله هو: الملك جلَّ جلاله


أخي الفاضل عبد الله الحبيشي
خطبة ممتازة وموجزة ومدللة
ومناسبة لحدث الأسبوع
ولو أضفت إليها سطرًا واحدًا
تثمن وتشكر هذه الأوامر الملكية الدنيوية
وتدعو الله أن يجعل فيها الخير والبركة لصالح العباد والبلاد
لكان أجمل وأكمل
جزاك الله خيرًا


جزاك الله خيرا يا شيخ ناصر

وشهادة أعتز بها من خطيب استمعنا له كثيرا وتعلمنا منه كثيرا

ملاحظة في محلها واجتهادي أن يكون هذا في الدعاء وتخصيصها بالذكر