أهمية توحيد الألوهية

إخوة الإيمان والعقيدة .. إن الغاية التي من أجلها رفعت السماوات، وبسطت الأرض، وأنزلت لتقريرها الكتب، وأرسلت لبيانها الرسل، وقامت بها الحدود، وشرعت من أجلها الشرائع، وسلت من أجلها سيوف الجهاد، وانقسمتِ الخليقة بسببها إلى سعداء وأشقياء، هي توحيد الله بالعبادة، وإفراده بالألوهية، وهي حق الله على عباده ]وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ[ فهو خلقهم ليعبدوه؛ ويدينوا بعبادته الجامعة، وأوجدهم لمعرفته والإنابة إليه والتوجه في كل الأمور إليه. فليعلم العبد ويعترف على وجه العلم واليقين أن الله هو المألوه وحده المعبود على الحقيقة، وأن صفات الألوهية ومعانيها ليست موجودة بأحد من المخلوقات، ولا يستحقها أي مخلوق مهما كان، فلا يستحقها إلا الله تعالى، وكل معبود سوى الله فباطل، وكل عبادة تصرف لغيره فضلال ]ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ[ فليُفرد الله وحده بالعبادة، ويُصرف إليه لا غيره، فلا يعبد معه غيره، ولا يُؤلَّه معه سواه. واعلموا -عباد الله- أن توحيد الألوهية أهم أنواع التوحيد وأجلها خطرًا، وأعظمها منزلة وأرفعها قدرًا، وذلك أن العبادة لله هي الغاية المحبوبة له، والمرضية له، التي خلق الخلق لها. وبها أرسل جميع الرسل كما قال نوح وغيرُه ]اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ[. أيها المسلمون .. لقد تظاهرت الأدلة من الكتاب، وتضافرت من السنة، وتنوعت دلالتها في وجوب إفراد الله بالعبادة؛ وتقرر توحيد الألوهية بأحسن تقرير وأقوى حجة، لا يستطيع دفعها خصم, ولا يقف أمام قوتها معاند، ]يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ[ وفي هذه الآية أول أمر في كتاب الله تعالى، الأمر بإفراد الله تعالى بالعبودية، لا يشاركه أحدٌ، فضلاً أن يُفرد غيره. وقال تعالى ]وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ[ وقال النبي ﷺ لمعاذ (يا معاذ أتدري ما حق الله على العباد؟ وما حق العباد على الله؟) قلت: الله ورسوله أعلم قال (حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً، وحق العباد على الله أن لا يعذب من لا يشرك به شيئاً). واعلموا - يا عباد الله - أن لتوحيد الألوهية فضائل كبرى، وآثارا عظمى، وثمارا جليلة، ومكاسب كبيرة، يجنيها الموحد في دنياه وأخراه، ويستأثر به دون سواه، فمن أجل تلك الفضائل والآثار، وأعظم هذه المكاسب والثمار، أن جميع أعمال العباد وأقوالَهم الظاهرة منها والباطنة؛ متوقفة في قبولها، وفي تمام كمالها، وفي ترتب الثواب عليها على التوحيد ]فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً[. واعلموا .. أن أهل التوحيد الموحدين منصورون بنصر الله، مؤيدون بفتحه، فقد تكفل الله لهم بالنصر المبين، والتمكين العظيم ]وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ[. ومن أجلِّ الثمار التي يكسبها العبد من التوحيد، ويجنيها منه: دخول الجنة، والمنع من دخول النار، قال ﷺ (فإن الله قد حرم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله) وقال عليه الصلاة والسلام (من مات وهو يعلم أن لا إله إلا الله دخل الجنة). أسأل الله أن يثبتنا على التوحيد، وأن يميتنا على الإسلام والإيمان، أقول ما سمعتم واستغفر الله لي ولكم فاستغفروه..       الحمد لله رب العالمين والصلاة والسّلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. معاشر المؤمنين ... إنه لزاما على كل موحد أن يحذر من كل ما يخدش توحيده ويقدح فيه، وألا يصرف شيئًا من العبادات إلا لله تبارك وتعالى، فالعبادات بأنواعها القلبية والقولية والعملية حق خالص لله لا يجوز أن تصرف لغيره، كما قال تعالى ]أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ[ فكل ما يسمى في الشرع عبادة ويصدق عليه مسماها فإن الله يستحقه، ولا استحقاق لغيره فيها، لأن صرف العبادة لغير الله شرك في توحيد الألوهية، ولها صور كثيرة، وأشكال عديدة، ومنها: شرك النية والإرادة والقصد، وهذا النوع من الشرك لا يفعله إلا منافق نفاقا أكبر، يظهر الإسلام، ويبطن الكفر ] وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَىٰ شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ[. ومن صور الشرك الحلف بغير الله ، قال النبي ﷺ (من حلف بغير الله فقد أشرك) لأن الحلف عبادة، فلا تكون إلا بالله. ومن صور الشرك في توحيد الألوهية دعاء غير الله دعاء مسألة، بأن يُطلب من غير الله جلب مرغوب، أو دفع مرهوب. ويدخل في ذلك الاستعانة، والاستعاذة، والاستغاثة، قال الله ] وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا[ ومن أعظم صور الشرك ومظاهره الذبح تقرباً إلى مخلوق، تعظيماً وخضوعاً له، فمن فعل ذلك فقد وقع في الشرك الأكبر ]قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لاَ شَرِيكَ لَهُ[ وقال النبي ﷺ (لعن الله من ذبح لغير الله) لأن الذبح عبادة، لا تكون إلا لله. فالحذر الحذر من الانزلاق في مجاهل الشرك، ودركات الضلال، فإن بعضها واضح جلي، وبعضها مستتر خفي، لا يدركه إلا من أتاه الله بصيرة وعلما وهدى. وصلى الله على نبينا محمد ....
المشاهدات 517 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا