أهمية بناء الأسرة في الإسلام ومسؤولية الوالدين تجاه إعداد أولادهم قبل الزواج

زكي اليوبي
1445/05/09 - 2023/11/23 15:00PM
الخطبة الأولى إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان وسلم تسليما. أما بعد: أيها المسلمون: اتقوا الله تعالى فإن منِ اتّقى الله وقاه، وأرشدَه إلى خير أمور دينه ودنياه، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا(71)} [سورة الأحزاب]، أما بعد: لقد امتن الله عز وجل على عباده بنعمة الزواج، في قوله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [سورة الروم: آية21] عباد الله: إن الزواج سُنَّةُ الْمُرْسَلِينَ قال الله تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً} [سورة الرعد: آية38]، ولقد عني الإسلام بالأسرة قبل نشأتها، فأرشد إلى منهج اختيار الزوج والزوجة، جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "تُنْكَحُ المَرْأَةُ لأرْبَعٍ: لِمالِها، ولِحَسَبِها، وجَمالِها، ولِدِينِها، فاظْفَرْ بذاتِ الدِّينِ، تَرِبَتْ يَداكَ"، وبالنسبة للزوج قال النبي عليه أفضل الصلاة والتسليم: (إذا جاءَكم مَن ترضَونَ دينَه وخُلقَه فأنكِحوهُ ، إلَّا تفعلوا تَكن فتنةٌ في الأرضِ وفسادٌ) أخرجه الترمذي، واعلموا أن على الوالدين بذل الجهد في تنشئة جيل قادر على تحمل المسؤولية من خلال غرس القيم والمبادئ الرفيعة في نفوسهم.  وهناك نصائح للأبناء المقبلين على الزواج نأمل من والديهم إيصالها إليهم وهي: أولاً: الوفاء بالشُّروطُ الَّتي تكونُ في عَقْدِ النِّكاحِ، جاء في الصحيحين من حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أحقُّ الشُّروطِ أنْ يُوفَى به ما استحلَلْتُم به الفُروجَ" ثانياً: على الزوج أن يعاشر زوجته بالمعروف من بذل الإحسان، وحسن المعاملة، وكف الأذى، قال تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِٱلۡمَعۡرُوفِۚ}، ثالثاً: على الزوج أن يترفق بزوجته، وأن يضع بين عينيه طبيعة المرأة وخلقتها، جاء في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "استوصوا بالنساء، فإن المرأة خلقت من ضلع، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه، إن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، استوصوا بالنساء خيرًا" رابعاً: لا يبغض زوجته ويكرهها إذا رأى منها خلُقًا يكرهه، جاء في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقًا رضي منها آخر" والفَرْكُ: البُغْضُ والكُرْهُ، أي: يَنبَغي للزَّوجِ ألَّا يُبغِضَ زَوجتَه، إنْ كَرِهَ منها خلُقًا سيِّئًا، وجَدَ فيها خلُقًا مُرْضيًا، فيَرضَى بهذا الخلُقِ الحَسنِ الَّذي يوافِقُه، فيُقابِلُ هذا بذاك، فيَحمِلُه ما رَضيَ منَ الحَسنِ، على الصَّبرِ على ما لا يَرضَى مِنَ السيِّئِ، فيعفو عن سيِّئُها لحَسنِها ويَتغاضَى عمَّا يَكرَهُ لمَا يحِبُّ. أسأل الله أن يوفقني وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح، وأن يجعلَنا من المتّقين الذين يستمِعون القول فيتّبعون أحسنه، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الْعَظِيمَ الْجَلِيلَ لِي وَلَكُمْ، وَلِسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

 

الخطبة الثانية: الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه كما يحبّ ربّنا ويرضى، وأشهد أن لا إلهَ إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمّدًا عبده ورسوله، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلّم تسليمًا كثيرًا إلى يومِ الدين. أما بعد: عباد الله: اتقوا الله حق التقوى وراقبوه في السر والنجوى: قال الله تعالى: (وَٱتَّقُواْ يَوۡمٗا تُرۡجَعُونَ فِيهِ إِلَى ٱللَّهِۖ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفۡسٖ مَّا كَسَبَتۡ وَهُمۡ لَا يُظۡلَمُونَ ٢٨١) [البقرة].  أما بعد: من الأمور التي يجدر بالوالدين تربية الأبناء والبنات عليها، الرضا والقناعة، أخرج مسلم في صحيحه من عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " قَدْ أَفْلَحَ مَن أَسْلَمَ، وَرُزِقَ كَفَافًا، وَقَنَّعَهُ اللَّهُ بما آتَاهُ"، في هذا الحديثِ إرشادٌ مِنَ النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم لِأُمَّتِه إلى أنَّ طلَبَ الزِّيادةِ على الكَفافِ لا يَنبغِي أنْ يُتعِبَ الإنسانُ نفْسَه في طَلَبِه؛ لأنَّ المحمودَ مِنَ الرِّزقِ ما حَصَلَتْ به القُوَّةُ على الطَّاعةِ، ويكونُ الاشتِغالُ به على قَدْرِ الحاجَةِ، فأخبَرَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم أنَّه قدْ حاز الفَلَاحَ وفاز به، مَن أَسْلَمَ إسلامًا صَحيحًا؛ لأنَّه خَلَص مِن الكُفرِ والشِّركِ، وهو الذَّنْبُ الَّذي لا يَغفِرُه الله، ورُزِقَ الكِفايَةَ بلا زِيادةٍ ولا نَقْصٍ، وما يَكُفُّ عن الحاجاتِ ويَدْفَعُ الضَّروراتِ والفَاقَاتِ، والمرادُ به: الرِّزقُ الحلالُ؛ لأنَّه لا فَلاحَ مع رِزقٍ حرامٍ، وقولُه: «وقَنَّعَهُ اللهُ بما آتَاهُ»، أي: رَزَقَه اللهُ القَناعَةَ بما عندَه مِن الكَفافِ، فلم تَطمَحْ نفْسُه لطلَبِ ما زاد على ذلك. نفعني الله وإياكم بهدي كتابه، ووفقنا لاتباع سنة نبيه عليه الصلاة والسلام، ثم صلوا وسلموا عليه، قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) اللهم صل وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، اللهم أعز الإسلام، وانصر المسلمين، اللهم تول أمر إخواننا المستضعفين في فلسطين، اللهم كن لهم عوناً ونصيرا، اللهم انصر عبادك الموحدين في كل مكان اللهم إنا نسألك من خير ما سالك منه عبدك ونبيك محمد صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم ونعوذ بك من شر ما استعاذ منك عبدك ونبيك محمد صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، اللهم إنا نسألك من الخير كله عاجله وآجله ما علمنا منه وما لم نعلم، ونعوذ بك من الشر كله عاجله وآجله ما علمنا منه وما لم نعلم، اللهم دمر أعداء الدين أجمعين، اللهم كل من أراد بلدنا هذا بسوء وسائر بلاد المسلمين، فرد كيده في نحره، واجعل تدبيره تدميراً عليه، ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما.  اللهم وفق ولي امرنا خادم الحرمين الشريفين، وهيأ له البطانة الصالحة التي تدله على الخير، وتعينه عليه، اللهم وفقه وولي عهده لما فيه صلاح البلاد والعباد، اللهم ارض عن الخلفاء الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر أصحاب نبينا عليه الصلاة والسلام، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.   عباد الله: {إِنَّ ٱللَّهَ يَأۡمُرُ بِٱلۡعَدۡلِ وَٱلۡإِحۡسَٰنِ وَإِيتَآيِٕ ذِي ٱلۡقُرۡبَىٰ وَيَنۡهَىٰ عَنِ ٱلۡفَحۡشَآءِ وَٱلۡمُنكَرِ وَٱلۡبَغۡيِۚ يَعِظُكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَذَكَّرُونَ} [سورة النحل: 90] فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون. والحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبينا محمد خاتم المرسلين وآله وصحبه وسلم.
المشاهدات 83 | التعليقات 0