أهمية المساجد

هلال الهاجري
1446/05/04 - 2024/11/06 06:45AM

الْحَمْدُ للهِ نَحْمَدُه ونستعينُه، ونستغفرُه، ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسِنا، ومن سيئاتِ أعمالِنا، مَن يَهْدِهِ اللهُ فلا مُضِلَّ له، ومَن يُضْلِلْ فلا هادِيَ له، وأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أنَّ مُحَمَّدًا عبدُه ورسولُه.

(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)، أَمَا بَعْدُ:

عِندَمَا قَدِمَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَليهِ وَسَلَّمَ إلى المَدِينَةِ نَزَلَ فِي بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ بِقُبَاءَ، وَأَقَامَ فِيهِمْ بِضْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً، ‌وَكَانَ أَولُ مَا فَعَلَ أَنْ أَسَّسَ ‌مَسْجِدَ ‌قُبَاءَ فِي تِلْكَ الْأَيَّامِ، ثُمَّ رَكِبَ وَمَعَهُ النَّاسُ حَتَّى بَرَكَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ فِي مَكَانِ مَسْجِدِهِ، وَكَانَ مِرْبَدًا لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ وَهَمَا سَهْلٌ وَسُهَيْلٌ، فَابْتَاعَهُ مِنْهُمَا وَاتَّخَذَهُ مَسْجِدًا.

هَلْ لاحَظتُم كَيفَ أَنَّ النَّبيَّ عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ افتَتَحَ قُدومَهُ إلى المَدينَةِ بِبِنَاءِ مَسجِدِ قُبَاءُ، ثُمَّ بِنَاءِ المَسجِدِ النَّبويِّ مُبَاشَرةً حَتى قَبلَ أَن يَبنِيَ حُجُراتِ زَوجَاتِهِ، فَمَا هُو السِّرُ فِي تِلكَ الأَهميَةِ لِلمَساجِدِ؟.

يَقُولُ ابنُ تَيميةَ رَحِمَهُ اللهُ: (وَكَانَتْ مَوَاضِعُ الأَئمةِ وَمَجَامِعُ الأُمَّةِ هِيَ المَسَاجِدُ، فَإنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ أَسَّسَ مَسجِدَهُ المُبَارَكَ عَلى التَّقوى، فَفِيهِ الصَّلاةُ وَالقِرَاءُةُ وَالذِّكرُ وَالتَّعليمُ وَالخُطَبُ، وَفِيهِ السِّيَاسَةُ وَعَقدُ الأَلويةِ، وَتَأَميرُ الأُمراءِ وَتَعريفُ العُرفَاءِ، وَفيهِ يَجتَمِعُ المُسلِمونَ لِمَا أَهمَّهُم مِن أَمرِ دِينِهم وَدُنيَاهُم).   

وَالمساجدُ فيها يُعبَدُ اللهِ ويُوحَّدُ، وفيها يُعظَّمُ اللهُ ويُمجَّدُ، وفيه يُركَعُ للهِ ويُسجَدُ، بَل هِيَ أَحَبُّ البِقاعِ إلى الوَاحِدِ الأَحدِ، كَمَا قَالَ عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ: (أَحَبُّ الْبِلَادِ إِلَى اللَّهِ مَسَاجِدُهَا).

في المساجدِ تُغفرُ العظائمُ والخطيئاتُ، وتُرفعُ الأجورُ والدَّرجاتُ، قَالَ صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلمَ: (أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِمَا يَمْحُو اللَّهُ بِهِ الْخَطَايَا، وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ؟، إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ عِنْدَ الْمَكَارِهِ، وَكَثْرَةُ الْخُطَا إِلَى الْمَسَاجِدِ، وَانْتِظَارُ الصَّلاَةِ بَعْدَ الصَّلاَةِ، فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ، فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ، فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ).

في المَسَاجدِ تَتنزَّلُ السكينةُ والرَّحماتُ، وتُنالُ من الملائكةِ أعظمُ الدَّعواتِ، كما جاءَ في الحديثِ: (الْمَلاَئِكَةُ تُصَلِّي عَلَى أَحَدِكُمْ مَا دَامَ فِي مُصَلاَّهُ مَا لَمْ يُحْدِثْ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ، اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ، ولاَ يَزَالُ أَحَدُكُمْ فِي صَلاَةٍ مَا دَامَتِ الصَّلاَةُ تَحْبِسُهُ، لاَ يَمْنَعُهُ أَنْ يَنْقَلِبَ إِلَى أَهْلِهِ إِلاَّ الصَّلاَةُ).

هي البيوتُ التي أمرَ اللهُ تعالى ببنائها للذِّكرِ والتَّسبيحِ والقُرآنِ، يُصلي فيها رِجالٌ قد عَمَرَ اللهُ قلوبَهم بالإيمانِ، ويخافونَ يوماً تتطايرُ فيهِ الكُتبُ ويُوضعُ الميزانُ، (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ) .. قد عَلَّقوا قلوبَهم في مَساجدِ الرَّحمنِ، ينتظرونَ اللَّحظةَ التي يَسمعونَ فيها الأذانَ، فيرجعونَ إلى المسجدِ لِتلتقيَ القُلوبُ بالأبدانِ، كَمَا قَالَ صَلَّى اللهُ عَليهِ وسلمَ: (سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ في ظِلِّهِ يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلاَّ ظِلُّهُ -ومنهم- وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ في الْمَسَاجِدِ).

هَلْ تَتَذَكَّرُ وَأَنتَ تَستَعِّدُ لِلذَّهابِ لِذَلِكَ المَوعِدِ، (يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ)، فَتلبَسَ جَميلَ الثِّيَابِ، لِلوُقُوفِ أَمَامَ رَبِّ الأَربَابِ، يَقُولُ ابنُ تَيميةَ رَحِمَهُ اللهُ: (كَانَ لِبَعضِ السَّلَفِ حُلَّةٌ بِمَبلَغٍ عَظَيمٍ مِنَ المَالِ، وَكَانَ يَلبَسُها وَقتَ الصَّلاةِ وَيَقولُ: رَبي أَحقُّ مَن تَجمَّلتُ لَهُ في صَلاتي)، ولَكِنْ لِلأسَفِ أنَّ هُنَاكَ مَن يَأتي إلى المَسجِدِ بِمَلابسِ النَّومِ، أَو بَدلَةِ رِيَاضةٍ أَو مَا يَجلِبُ اللَّومَ، ولَو دَعَاهُ الجَارُ بَعَدَ الصَّلاةِ أو الإمَامُ، لاعتَذَرَ بِأَنَّ مَلابِسَهُ لا تَليقُ بِالمَقَامِ، فَإلى مَتى وَنحنُ نَرى مِثَلَ هَذا التَّهَاونِ في بُيوتِ اللهِ تَعالى، وإذا كَانَ قَد وُضِعَ قَانونٌ للذَّوقِ العَامِ في الأمَاكنِ العَامَّةِ، فَإقَامَتِهِ في المَساجدِ مِن الأُمورِ المَطلُوبةِ والهَامَّةِ.   

أَخبروني عَن أَحوالِنا في تَعظيمِ بُيوتِ اللهِ، فَتَعظيمُ المَساجدِ مِن تَعظيمِ شَعائرِ اللهِ، (وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ)، هَل إذا دَخَلنَا المَسجدَ نَتَواضعُ لِذي الجَلالِ والإكرامِ، هل نستحي من المَلائكةِ الكِّرامِ؟، هَل الجَوارحُ تَخضَعُ؟، هَل القُلوبُ تَخشَعُ؟، هَلْ نَستشعِرُ أنَّنا في بَيتِ العَظيمِ العَزيزِ، وأنَّه لا يَنبغي لأَحدٍ فِيهِ أَن يَستَكبرَ عَلى أحدٍ، ولا يَنبغي لأَحدٍ أَن يَرى نَفسَه أَفضَلَ من أَحدٍ، بَلْ الكُلُّ عَبيدٌ مُتسَاوونَ في هذا المَكانِ، جَاءوا يَرجونَ ما عِندَ اللهِ من الرَّحمةِ والإحسانِ، فَهَل تَرى السَّكينةَ والخُضوعَ لِلقَويِّ الرَّحمانِ؟.

 أقولُ قولي هذا، وأستغفرُ اللهَ لي ولكم ولسائرِ المسلمينَ من كلِّ ذنبٍ فاستغفروه إنَّه هو الغفورُ الرَّحيمُ.

الخطبة الثانية:

الحمدُ للهِ لا خيرَ إلَّا مِنه، ولا فَضلَ إلَّا من لَدُنه، نشهد ألَّا إله إلَّا الله وحده لا شريك له، سَمِيعٌ لِرَاجِيهِ، قَريبٌ مِمَّن يُنَاجِيه، وَنَشهَدُ أنَّ نبيَّنا محمّدًا عبدُ الله ورسولُه، أتمُّ البرية خيرًا وفضلاً، وأَعلاهم منصِبًا وأجرًا، صلَّى الله وسلَّم وباركَ عليه وعلى آلِه وأصحابه، ومن اهتدى بِهديهم صلاةً وسلاماً تَترى، أما بعد:

أَيُّها الأحبَّةُ، مِنَ الأمورِ المُزعِجَةِ فِي المَسَاجدِ لأَهلِ الصَّلاةِ، تِلكَ الرَّوائحُ الكَريهةُ التي تَنبَعِثُ مِنَ الثِّيابِ والأَفواهِ، ثُومٌ وبَصلٌ وعَرَقٌ ودُخَانٌ، فَيَنشَغِلَ القَلبُ عَنِ الخُشوعِ والاطمِئنانِ، وَقَد قَالَ عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ: (مَنْ أَكَلَ ثُومًا أَوْ بَصَلًا، فَلْيَعْتَزِلْ مَسْجِدَنَا، وَلْيَقْعُدْ فِي بَيْتِهِ، فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَتَأَذَّى مِمَّا يَتَأَذَّى مِنْهُ الْإِنْسُ)، فلنحذرْ عبادَ اللهِ، من إيذاءِ ضيوفِ اللهِ، فعَنْ سَلْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَتَوَضَّأُ فَيُحْسِنُ وُضُوءَهُ، إِلا كَانَ زَائِرَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَحَقٌّ عَلَى الْمَزُورِ أَنْ يُكْرِمَ زَائِرَهُ)، فتكفَّلَ اللهُ تعالى لأهلِ المساجدِ بالإكرامِ، فكيفَ يُؤذى ضيوفُ ذِي الجَلالِ والإكرامِ.

وحافظوا يا عُمَّارَ المساجدِ على نِظامِها ونظافتِها، فنظافةُ المسجدِ ليستْ مهمةَ عاملِ النَّظافةِ فقط، بل مهمةُ كلِّ مؤمنٍ يرغبُ في الأجرِ من اللهِ تعالى، كما قالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلمَ: (عُرِضَتْ عَلَيَّ أُجُورُ أُمَّتِي، حَتَّى الْقَذَاةِ يُخْرِجُهَا الرَّجُلُ مِنَ الْمَسْجِدِ) واحذروا من الإسرافِ والعبثِ بالممتلكاتِ الوقفيةِ، وأعينوا المؤذنينَ والأئمةَ على ما تحمَّلوا من المسئوليةِ، وتجاوزوا عن الهفواتِ والأخطاءِ، فإن الكمالَ أبى أن يكونَ إلا لربِّ السَّماءِ.

فاستووا في صفوفِكم، ولا تختلفوا فتَختلفَ قُلوبُكم، وأَصلحوا ذَاتَ بَينِكم، وكُونوا عِبادَ اللهِ إخواناً، فَمَا بُنيتْ المساجدُ إلا للعبادةِ والجماعةِ، وما قُصدتْ إلا للاجتماعِ على المحبةِ والطَّاعةِ.

اللهمَّ اجعلنا إخوةً متحابينَ، وعلى الخيرِ متعاونينَ، اللهم اجعلنا مُقيمي الصلاةِ ومن ذرياتِنا، ربنا وتقبل دعاءً (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ)، اللهم ثبتنا على دينِك وصراطِك المستقيمِ، اللهم آمنا في أوطانِنا، وأصلح أئمتَنا و ولاةَ أمورِنا، اللهم خذ بنواصيهم للبرِ والتقوى ومن العملِ ما تَرضى، اللهمَّ أعزَّ الإسلامَ والمسلمينَ في كُلِّ مَكَانٍ، وانصر من نصرَ الدينَ يا ربَّ العالمينَ، اللهم اغفر للمسلمينَ والمسلماتِ، والمؤمنينَ والمؤمناتِ، وألِّف بين قلوبِهم، وأصلِح ذاتَ بينهم، واهدِهم سُبُلَ السلامِ، وجنِّبهم الفواحِشَ والفتنَ، اللهم جنِّبنا الفتنَ، اللهم أعِذنا من مُضِلاَّتِ الفتنِ ما ظهرَ منها وما بَطنَ، عن بلدِنا وسائرِ بلادِ المسلمينَ يا ربَّ العالمينَ، سبحانَ ربِّك ربِّ العزةِ عما يَصفونَ، وسَلامٌ على المرسلينَ، والحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ.

المرفقات

1730974855_أهمية المساجد.docx

1730974864_أهمية المساجد.pdf

المشاهدات 1973 | التعليقات 0