أهمية الكلمة وخطورتها
محمد بن مصطفى بن الحسن كركدان
أما بعد، الكلمات الطيبة -عباد الله- لها جمالها ووقعها وأثرها في النفوس البشرية؛ ولأهميتها، ومكانتها في ديننا، جاء التوجيه الإلهي، والأمر الرباني بحسن الكلام، فقال الله -عزَّ وجلَّ-: (وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا)[1]، وقال -عزَّ وجلَّ-: (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا)[2]، ونهانا الله -تبارك وتعالى- أن نتكلم بغير علم، فقال -عزَّ وجلَّ-: (وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا)[3]، وجاء في الحديث أن من الكلام ما يكون سببًا لرفعة الدرجات، ومنه ما يكون سببًا للوقوع في الدركات، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إنَّ العبد ليتكلَّمُ بالكلمة من رضوان الله لا يُلْقي لها بالًا، يرفعُ اللهُ بها درجاتٍ[4]، وإن العبد ليتكلَّمُ بالكلمة من سَخَطِ الله لا يُلْقي لها بالًا، يهوي بها في جهنم) متفق عليه[5].
فكم من كلمة قالها الإنسان كانت سببًا لرفعة درجته في الجنة؟! وكم من كلمة أهوت بالعبد في نار جهنم؟! -نسأل الله السلامة والعافية-.
إخوة الإيمان، اللسان أمره خطير، وشره مستطير، فلنحرص كل الحرص على حفظ ألسنتنا من التلفظ بالألفاظ التي تجلب لنا الآفات، والوقوع في المهلكات، من كذبٍ غِيبةٍ ونميمةٍ وفجورٍ وغير ذلك من قبيح الكلمات، وشنيع العبارات، ولنتذكر موقف الحساب، وأننا مؤاخذون بجميع ما نتكلم به، أخذ النبي -صلى الله عليه وسلم- لسانه، وقال لمعاذ بن جبل مبينًا له خطورة هذا العضو من الإنسان: (كُفَّ عليك هذا). فقلت: يا نبي الله، وإنَّا لمؤاخذون بما نتكلَّمُ به؟ فقال: (ثَكِلَتْكَ أمك يا معاذ، وهل يَكُبُّ الناسَ في النار على وجوههم -أو على مناخرهم- إلا حصائدُ ألسنتهم)[6].
أجارنا الله من شرور ألسنتنا، وحفظ لنا جوارحنا. أقول -عباد الله- ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه، وقد أفلح المستغفرون.
الخطبة الثانية.
أما بعد، اللسان مترجم عن مكنون قلب الإنسان، فكلما كان قلب الإنسان متعلقًا بالله في السر والعلن، كلما ارتقى في عباراته، وأحسن في ألفاظه؛ وما ذاك إلا لإيمانه بأهمية الكلمة وخطورتها، قال الله -عزَّ وجلَّ-: (مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ)[7].
فجميل -عباد الله- أن نحفظ ألسنتنا، وألا نتكلم إلا بكلام ظهرت مصلحته، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فَلْيَقُلْ خيرًا أو ليَصْمُتْ) متفق عليه[8].
قال الإمامُ النوويُّ -رحمه الله-: "اعلم أنه ينبغي لكلِّ مكلفٍ أن يحفظَ لسانَهُ عن جميع الكلام إلا كلامًا تظهرُ المصلحةُ فيهِ، ومتى استوى الكلامُ وتركهُ في المصلحةِ فالسنَّةُ الإمساكُ عنه؛ لأنه قد ينجرُ الكلامُ المباحُ إلى حرامٍ أو مكروهٍ، بل هذا كثيرٌ أو غالبٌ في العادةِ، والسلامةُ لا يعدلُها شيء"[9].
اللهم وفقنا لحفظ ألسنتنا، وارزقنا حسن الكلمات، وطيب العبارات.
عباد الله، صلوا وسلموا على السراج المنير، والهادي البشير كما أمرنا ربنا فقال -عزَّ وجلَّ-: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[10].
[1] سورة الإسراء (53).
[2] سورة البقرة (83).
[3] سورة الإسراء (36).
[4] قال الحافظ ابن حجر: "كذا في رواية الـمُسْتَمْلِي، والسَّرَخْسِيِّ، وللنَّسَفِيِّ والأكثر: (يرفعُ الله له بها درجات)، وفي رواية الكُشْمَيْهَنِيِّ: (يرفعه الله بها درجات)". فتح الباري (11 / 318).
[5] صحيح البخاري رقم (6478)، صحيح مسلم رقم (2988).
[6] أخرجه الترمذي في جامعه رقم (2616) وقال: "حديثٌ حسنٌ صحيحٌ".
[7] سورة ق (18).
[8] صحيح البخاري رقم (6475)، صحيح مسلم (47).
[9] الأذكار للنووي (529).
[10] سورة الأحزاب (56).
المرفقات
الكلمة-وخطورتها
الكلمة-وخطورتها