أهمية التوحيد وحاجة الناس له
محمد بن خالد الخضير
الخُطْبَةُ الأُولَى
إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ" أَمَّا بَعْدُ:
عبادَ اللهِ: يقولُ اللهُ عزَّ وَجلَّ: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ).
لمْ يخلقِ اللهُ الخلقَ ليتقوَّى بِهِمْ مِنْ ضعفٍ، وَلاَ ليتعززَ بِهِمْ مِنْ ذلةٍ، وَلاَ ليستكثرَ بِهِمْ مِنْ قلةٍ. فهوَ المنعمُ المتفضلُ، وَهوَ القاهرُ فوقَ عبادِهِ وَهوَ الحكيمُ الخبيرُ.. خلقَهُمْ لعبادتِهِ وَطاعتِهِ، ليعبدُوهُ وَلاَ يشركُوا بِهِ شيئًا.
إنَّ البشرَ عاجزونَ عنْ أنْ يجلبُوا لأنفسِهِمْ نفعًا أوْ يدفعُوا ضرًا، وَعقولُهُمْ قاصرةٌ أنْ تدركَ طرقَ الصلاحِ وَسبلَ الرشادِ إذَا لَمْ تكنْ عنايةُ اللهِ وَهدايتُهُ وَتوفيقُهُ.
أَلَمْ يتخذُوا لأنفسِهِمْ معبوداتٍ مزيفةً وَأصنامًا خرساءَ؟ اتخذُوهَا مِنْ عجينٍ وَتمرٍ، يتوجَهُ إليهَا عابدُهَا حتىَّ إذَا جاعَ أكلَهَا. جعلُوا مِنْ دونِ اللهِ أصنامًا وَأوثانًا يقصدونَهَا فِي الرخاءِ وَينبذونَهَا فيِ الشدةِ: (وَاتَّخَذُوا مِن دُونِهِ آلِهَةً لَّا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلَا يَمْلِكُونَ لِأَنفُسِهِمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَلَا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُورًا).
عبادَ اللهِ: تفرَّد الله بالوحدانية ونزَّه نفسَه - سبحانه - عن الشَّريك والمَثيل والنَّظير، وأمرَ عبادَه أن يعبُدوه وحدَه ونوَّع لهم العبادات، وجعلَ إفرادَه بالعبادة أصلَ الدين وأساسَه وأوَّلَ أركانه، وهو جِماعُ الخير ولا تُقبلُ حسنةٌ إلا به، والعملُ القليلُ معه مُضاعَفٌ، وبدونِه الأعمالُ الصالِحةُ حابِطةٌ وإن كانت أمثالَ الجبال.
وهو أولُ دعوة الرُّسُل وخُلاصتُها، ومن أجلِه بُعِثوا، قال - سبحانه -: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ ﴾ [الأنبياء: 25].
وكل آيةٍ في كتاب الله صريحةٌ فيه أو دالَّةٌ عليه، أو في واجِباتِه أو ثوابِه أو في ضِدِّه، وأولُ أمرٍ في كتابِ الله: الأمرُ به، قال - عز وجل -: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ﴾ [البقرة: 21]؛ أي: وحِّدوه.
وفي كل صلاةٍ يُعاهِدُ المُسلمُ ربَّه على القيام به: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾ [الفاتحة: 5] أي: لا نعبدُ سِواك وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ.
وهو حقُّ الله على عبادِه، وأولُ واجبٍ عليهم من التكالِيف، قال - عليه الصلاة والسلام - لمُعاذٍ - رضي الله عنه -: «فليكُن أوَّلَ ما تدعُوهم إليه: عبادةُ الله» متفق عليه.
وأولُ ما يُسألُ عنه العبدُ في قبرِه: «من ربُّك؟» أي: من معبُودُك؟
ولأهميته ولكونِه لا طريقَ لرِضا الربِّ إلا به دعا إمامُ الحُنفاء لنفسِه ولذريَّته بالثَّبات على التوحيد، فقال: ﴿رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ﴾ [البقرة: 128]، ودعا يوسفُ - عليه السلام - ربَّه فقال: ﴿تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ﴾ [يوسف: 101].
ومن دُعاء نبيِّنا - صلى الله عليه وسلم -: «يا مُقلِّبَ القلوبِ ثبِّت قلبِي على دينِك»؛ رواه مسلم.
وهو وصيةُ المُرسَلين: ﴿وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [البقرة: 132].
أَقُولُ هَذَا القَولَ، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لي ولَكُم وَلِسَائِرِ المسْلِمِينَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ
اَلْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، والشّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ تَعْظِيمًا لَشَانِهِ، وأشهدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدّاعِي إِلَى رِضْوانِهِ، صَلّى الله عَليْهِ وَعَلى آلِهِ وأصْحَابِهِ وأعْوانِهِ وسَلّم تَسْلِيماً كثيراً أمَّا بعدُ:
عبادَ اللهِ، كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يُعلِّمُ غِلمانَ الصحابةِ التعلُّقَ بالله وحدَه دون ما سِواه، قال لابنِ عبَّاسٍ -رضي الله عنهما-: "يا غُلام: إني أُعلِّمُك كلماتٍ: احفَظ اللهَ يحفَظك، احفَظ اللهَ تجِده تُجاهَك، إذا سألتَ فاسأل اللهَ، وإذا استعنتَ فاستعِن بالله" (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَأَحْمَدُ وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ).
وأمرَنا الله ألا نموتَ إلا عليه: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آلعمران:102].
بإفراد العبادة لله ينشرِحُ الصدرُ، ويطمئنُّ القلبُ، ويتحرَّرُ من عبوديَّة الخلقِ، ﴿فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ﴾ [الأنعام: 125].
وبه تُفرَجُ الهُموم وتُكشَفُ الكُروب: ﴿فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ [الأنبياء: 87].
وهو سببُ الحياة الطيبة؛ بل لا سعادةَ في الدنيا إلا به؛ قال -سبحانه-: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً﴾ [النحل:97].
ولا ينالُ شفاعةَ النبي - صلى الله عليه وسلم - سِوَى المُوحِّدين، قال أبو هريرة - رضي الله عنه -: من أسعَدُ الناسِ بشفاعتِك يوم القيامة يا رسول الله؟ قال: «أسعدُ الناسِ بشفاعَتي يوم القيامة: من قال: لا إله إلا الله خالِصًا من قِبَل نفسِه»؛ رواه البخاري.
وَصلُّوا وَسلّمُوا علَى منْ أمركُمْ اللهُ بالصلاةِ وَالسلامِ عليْهِ فقالَ: إنَّ اللهَ وَملائكتَهُ يُصلّونَ علَى النبيِّ يَا أيُّهَا الذينَ آمنُوا صلُّوا عليْهِ وَسلّمُوا تسليمًا
اللهم صل على محمدٍ وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا، وارض اللهم عن جميع الصحابة والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ والْمُسْلِمِينَ وَأَذِّلَ الشِّرْكَ والْمُشْرِكِينَ وَدَمِّرْ أَعْدَاءَ الدِّينِ.
اللهم إنا نسألُك الإخلاصَ في القولِ والعملِ، اللهم أحيِنا مُسلمين، وتوفَّنا مُسلمين، وألحِقنا بالصالِحين غيرَ خزايا ولا مفتُونين.
اللهم إنا نسألُك الجنةَ وما قرَّبَ إليها من قولٍ أو عملٍ، ونعوذُ بك اللهم من النار وما قرَّب إليها من قولٍ أو عملٍ.
اللَّهُمَّ آمِنَّا في أَوْطَانِنَا، وَأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، اللَّهُمَّ وَفِقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا خَادِمَ الحَرَمَيْنِ الشَّرِيفَيْنِ لما تُحِبُّ وَتَرْضَى،وَخُذْ بِهِ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، اللَّهُمَّ وفِّقْهُ وَوَليَّ العَهْدِ لما فيهِ صَلَاحُ البِلَادِ والعِبَادِ.
اللهم انصُر جنودَنا المُرابِطين على حُدود بلادِنا، اللهم كُن لهم مُؤيِّدًا ونصيرًا، ومُعينًا وظهيرًا،
اللَّهُمَّ اغْفِرْ ذُنُوبَنَا، وَاسْتُرْ عُيُوبَنَا، وَيَسِّرْ أُمُورَنَا، وَبَلِّغْنَا فِيمَا يُرْضِيكَ آمَالَنَا، رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِوَالِدِينَا، وَارْحَمْهُم كَمَا رَبَّوْنَا صِغَارًا،
سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ، وَالْحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ.
المرفقات
1744185004_أهمية التوحيد وحاجة الناس له 13-10-1446.doc
1744185010_أهمية التوحيد وحاجة الناس له 13-10-1446.pdf
1744185014_أهمية التوحيد وحاجة الناس له 13-10-1446 نسخة الجوال.pdf