أَهَمِيةُ اسْتِيعَابِ دُرُوسِ رَمَضَانَ تاليةٌ لعيدِ الفطرِ في 1442/10/2هـ
عبد الله بن علي الطريف
أَهَمِيةُ اسْتِيعَابِ دُرُوسِ رَمَضَانَ تاليةٌ لعيدِ الفطرِ في 1442/10/2هـ
الحمدُ للهِ الذي منَّ علينا بإدراكِ شهرِ الصيامِ؛ ومتعَنا بطاعتِه فيه إلى أنْ بلغنا عيدَ الفطرِ ونحن بصحةٍ وسلامٍ؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهدُ أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا أما بعد: أيها الإخوة: اتقوا الله حق التقوى واشكروه على ما منَّ به عليكم من الطاعةِ واسألوهُ القبولَ.
وجميلٌ أن نقفَ بعد شهرِنا وقفاتٍ تهمُنا في حياتِنا الدنيويةِ والأخرويةِ؛ نخرجُ مع كلِ واحدةٍ منها بعبرةٍ وموعظةٍ.
أولُها: وقفةُ اعتبارٍ لسرعةِ تقضي اللياليَ والأيامَ فبعدما كُنا نرجُو اللهَ وندعُوه بلوغَ الشهرِ وإتمامَه والسعادةَ بالعيدِ فإذ بنا نفرحُ بإدراكِهما؛ ثم ينصرفان عنا مُودعَين شاهدين؛ فهنيئاً لمن أودَعَهما الخيرَ. وهكذا الأيامُ بطيئةٌ في التَحَرِي سريعةٌ في التقضي:
وإنا لنفرحُ بالأيامِ نقطعُها **** وكلُ يومٍ مضى يُدني من الأجلِ.
يقولُ الحسنُ رحمهُ اللهُ: ما من يومٍ ينشقُ فجرُه إلا وينادي يا ابنَ آدم: أنا خلقٌ جديدٌ؛ وعلى عملِك شهيدٌ فتزودْ مني فإني إذا مضيتُ لا أعودُ إلى يومِ القيامةِ. ويقولُ: يا ابن آدم إنما أنتَ أيامٌ كُلما ذهبَ يومٌ ذهب بعضُك، ويقولُ آخرُ:
وما المرءُ إلا راكبٌ ظهرَ عُمرِه **** على سَفرٍ يفنِيه باليومِ والشهرِ
يبيتُ ويُضـحي كـلَ يومٍ وليلةٍ **** بعيداً عن الدنيا قريبـاً من القبرِ
الثانية: لنعلمْ أن أَعْرَاضَ الْفُتُورِ وَالتَّثَاقُلِ عَنِ الطَّاعَاتِ بَعْدَ رَمَضَانَ تُصِيبُ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ، وَبَعْضُهُمْ قَدْ يَنْصَرِفُ لِلْمَعَاصِي مِنْ ضِيقِ مَا يَجِدُ مِنِ انْصِرَافِهِ عَنِ الطَّاعَاتِ.! وَمَنْ أَرَادَ الِاسْتِمْرَارَ عَلَى الْعَمَلِ الصَّالِحِ بَعْدَ رَمَضَانَ فَعَلَيْهِ أَنْ يَضْبِطَ نَفْسَهُ فِي الْأُسْبُوعِ الْأَوَّلِ بَعْدَ رَمَضَانَ، فَلَا يَتَأَخَّرُ فِيهِ عَنْ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ، وَلْيُبَكِّرْ إِلَى الـمَسْجِدِ فِي كُلِّ فَرِيضَةٍ، وَلَا يَتْرُكُ فِيهِ السُّنَنَ الرَّوَاتِبَ وَالْوِتْرَ وَسُنَّةَ الضُّحَى، وَلَا يَهْجُرِ الْقُرْآنَ، بَلْ يَقْرَأُ كُلَّ يَوْمٍ مَا تَيَسَّرَ، وَيَمْتَنِعُ عَما كانَ يمتنعُ عنهُ لحُرمَتِه وحُرمةِ شهرِ رمضانَ حَتَّى يُجَاوِزَ أَيَّامَ الْفُتُورِ، وسيجِدُ بعد ذلكَ نفسَه إنْ شاءَ اللهُ نَشِيطًا فِي الطَّاعَةِ كَمَا كَانَ فِي رَمَضَانَ.
الثالثةُ: اعلموا رحمني اللهُ وإياكم أن أبوابَ الخيرِ مشرعةٌ ووسائلَه مُتاحةٌ، لم ولنْ تغلقَ ما لم تُغرغرْ منا الروحُ، أو تخرجُ الشَمسُ من مغربِها، واعلم أن دَقيقةَ صمتٍ تمضِيها يمكنُك أن تغرسَ فيها ستونَ نخلةً في قيعانِ الجنةِ، قَالَ النَّبِيِّ ﷺ: «مَنْ قَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ العَظِيمِ وَبِحَمْدِهِ، غُرِسَتْ لَهُ نَخْلَةٌ فِي الجَنَّةِ» رواه الترمذي عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وصححه الألباني. وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «لَقِيتُ إِبْرَاهِيمَ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ أَقْرِئْ أُمَّتَكَ مِنِّي السَّلامَ وَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ الْجَنَّةَ طَيِّبَةُ التُّرْبَةِ عَذْبَةُ الْمَاءِ وَأَنَّهَا قِيعَانٌ وَأَنَّ غِرَاسَهَا سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ». رواه الترمذي عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وحسنه الألباني. وفي دقيقتينِ ونصفٍ يمكنُك أنْ تَعملَ عملاً وعدَ رسولُ اللهِ ﷺ عليهِ مغْفرةَ ذنوبِك وإن كانت مثلَ زبدِ البحرِ؛ قَالَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ: «مَنْ قَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ مِائَةَ مَرَّةٍ غُفِرَتْ لَهُ ذُنُوبُهُ وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ». رواه الترمذي وابن ماجة عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وصححه الألباني. وَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ، ثُمَّ أَتْبَعَهُ بِسِتٍّ مِنْ شَوَّالٍ، فَكَأَنَّمَا صَامَ الدَّهْرَ» رواه أبو داود عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ وصححه الألباني، ومثلُ هذه الفُرصُ الذهبيةُ كثيرةٌ حريُ بالمؤمنِ ألا يُفوتَها؛ فاجتهدِوا وفقني اللهُ وإياكم باستثمارِها فالعمرُ قصيرٌ.
الرابعةُ: ونحن نودعُ شهرَ الصيامِ والقيامِ الذي حافظَ فيه كثيرٌ منا على صلاةِ الوترِ مع صلاةِ التراويحِ أو القيامِ وهذا توفيقٌ من اللهِ تعالى؛ جديرٌ بنا ألا نتركَ الوترَ بعدَهُ؛ وأقلُه ركعةٌ وهو سنةٌ مؤكدةٌ جداً. فعَنْ عَلِيِّ بن أبي طالب رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. قَالَ: الْوِتْرُ لَيْسَ بِحَتْمٍ كَصَلاتِكُمْ الْمَكْتُوبَةِ؛ وَلَكِنْ سَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَقَالَ: «إِنَّ اللَّهَ وِتْرٌ يُحِبُّ الْوِتْرَ فَأَوْتِرُوا يَا أَهْلَ الْقُرْآنِ». رواه أبو داود والترمذي واللفظ له وصححه الألباني. وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ «مَنْ خَافَ أَنْ لا يَقُومَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ فَلْيُوتِرْ أَوَّلَهُ؛ وَمَنْ طَمِعَ أَنْ يَقُومَ آخِرَهُ فَلْيُوتِرْ آخِرَ اللَّيْلِ فَإِنَّ صَلاةَ آخِرِ اللَّيْلِ مَشْهُودَةٌ وَذَلِكَ أَفْضَلُ». رواه مسلم عَنْ جَابِرٍ عبدالله رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما.
وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «ثَلَاثُ آيَاتٍ يَقْرَأُ بِهِنَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ، خَيْرٌ لَهُ مِنْ ثَلَاثِ خَلِفَاتٍ عِظَامٍ سِمَانٍ» رواه مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
ومن فاتَه الوترُ لنسيانٍ أو انشغالٍ سُنَ لهُ أنْ يقضيَهُ من الغدِ، ولكن شِفعاً.
باركَ اللهُ لي ولكم في القرآنِ العظيمِ...
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ ربِ العالمين وأشهدُ ألا إلهَ الا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له إله الأولين والآخرين، وأشهدُ أنَّ محمداً عبدُه ورسولُه سيد المرسلين صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد: أيها الإخوة: اتقوا اللهَ تعالى حقَ التقوى واعلموا أنَّ العيدَ فرصةٌ لترميمِ ما أَفسدتْ أمورُ الدنيا منْ صِلةٍ ومحبةٍ بين الأرحامِ، حريٌ بنا لما أدركنَا العيدَ أن نعيدَ للصلةِ الحياةَ ولا نعتمدُ على رِسالةِ جوالٍ جامدةٍ..
أحبتي: إذا لم نتواصلْ في أيامِ العيدِ وننسىْ ما بيننا منْ الخلافاتِ فمتى نتواصل، وإذا لم يُحَيِّ بعضُنا بعضاً ويدعو بعضُنا لبعضٍ في العيدِ فمتى يكونُ ذلك.!
يَقُولُ النَّبِيُّ ﷺ: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ..» يَقُولُ ﷺ: «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ وَأَنْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ» رواهما البخاري ومسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
وقَالَ رَسُولَ الله ﷺ: أَفْضَلُ الصَّدَقَةِ عَلَى ذِي الرَّحِمِ الْكَاشِحِ." رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ بِسَنَدِ الصَّحِيحِ, وابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ، وَالْحَاكِمُ وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وصححه الألباني ورَوَاهُ الْحُمَيْدِيُّ. عَن أُمِّ كُلْثُومِ بِنْتِ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مَعِيطٍ رَضِيَ الله عَنْهَا أَيْ أَفْضَلَ الصَّدَقَةِ عَلَى ذِي الرَّحِمِ الْقَاطِعِ الْمُضْمِرِ للعَدَاوَةَ فِي بَاطِنِهِ.
أيها الإخوة: عجباً كيف تختصرُ صلةُ الرحمِ برسالةِ جوالٍ.! ربما أَنَّ من أرسلَها كتبَ منها العشراتِ لمعارِفه..! أَعُوذُ بِالله مِنَ الشَّيْطَانِ: (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ* أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ) [محمد:22،23] أي: جعلَهم لا يسمعُونَ ما ينفَعُهم ولا يبصرونَه، فلهم آذانٌ، ولكن لا تسمعُ سماعَ إذعانٍ وقبولٍ، وإنما تسمعُ سماعاً تقومُ به حجةُ اللهِ عليها، ولهم أعينٌ ولكنْ لا يبصرونَ بها العبرَ والآيات، ولا يلتفتونَ بها إلى البراهينِ والبيِّنات. أسألُ اللهَ تعالى أن يصلحَ أحولَنا ويفقهَنا في ديننا، وصلوا وسلموا على نبيكم..
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا
تعديل التعليق