أهــــل الــــمعروف

عنان عنان
1436/04/19 - 2015/02/08 13:21PM
الخُطبةُ الاولى "

إنَّ الحمدَ للهِ نحمدُهُ ونستعينُهُ ونستغفرُهُ ونتوبُ إليهِ، ونعوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أنفسِنا ومِنْ سيئاتِ أعمالِنا، مَنْ يهديهِ اللهُ فَهُوَ المُهتدِ، ومَنْ يضللْ فلا هاديَ لهُ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلَّا الَّلهُ وحدَهُ لا شَريكَ لهُ، وأشهدُ أنَّ سيدنا محمداً عبدُهُ ورسولُهُ..........

عـــبادَ اللهِ، إنَّ النفــــوسَ إذا طـــابتْ ســـختْ وفـــاضَ مـــعروفُها عـــلى الـــقريبِ والـــبعيدِ، وإنَّ الـــباذلينَ لـــلمعروفِ الـــمحسنينَ لـــلخقِ بـــالخيرِ، لا يـــسخطُ اللهُ عـــليهم أبـــداً، لأنَّ النـــبيَّ-صـــلى الله عـــليه وســـلم-قـــالَ: " صـــدقةُ الـــسرِّ تـــُطفئُ غـــضبَ الـــربِّ " [رواه الـــطبراني بـــاسنادٍ حـــسنٍ].
وكـــم مـــنَ الـــنَّاسِ وقـــاهُ اللهُ مـــصائبَ ودفـــعَ عـــنهُ بـــلايا مـــنْ نـــوائبِ الـــدنيا، بـــصنائعِ الـــمعروفِ الـــتي كانَ يـــصنعُها لـــعبادِ اللهِ، وبـــذلِ الإحـــسانِ لـــكلِّ أحـــدٍ مـــنْ إنـــفاقٍ عـــلى الـــوالدينِ، ونـــفعٍ لإلـــقاربِ، وإحـــسانٍ لـــلفقراءِ، وقـــضاءِ حـــوائجِهم، وإكـــرامٍ لـــلضيوفِ، وكـــفالةٍ لإلـــيتامِ، وســـدادٍ لـــلديونِ، وتـــزويجٍ لـــلمحتاجينَ، وبـــناءٍ لـــلمساجدِ، وغـــيرِها مـــنْ أبـــوابِ الــمعروفِ.

عـــبادَ اللهِ، أهـــلُ الـــمعروفِ هـــم أوَّلُ الـــنَّاسِ دخـــولاً لـــلجنَّةِ،
عـــنْ أُمِّ ســـلمةَ-رضــي الله عـــنها-عـــنِ النبيِّ-صـــلى الله عــليه وســـلم-قـــالَ: " صـــنائعُ الـــمعروفِ تـــقي مـــصارعَ الـــسوءِ، والـــصَّدقةُ خُـــفيةٌ تُـــطفئُ غـــضبَ الـــرَّبِّ، وصِـــلةُ الـــرَّحمِ تـــزيدُ فـــي الـــعُمُرِ، وكُـــلُّ مـــعروفٍ صــدقةٌ، وأهـــلُ الـــمعروفِ فـــي الدنيا هـــم أهـــلُ الـــمعروفِ فـــي الأخـــرةِ، وأهـــلُ الـــمُنكرِ فـــي الدنيا هــم أهـــلُ الـــمُنكرِ فـــي الأخـــرةِ، وأوَّلُ مـــنْ يـــدخلُ الـــجنَّةَ أهـــلُ الـــمعروفِ " [رواه الـــطبرانيُّ بـــاسنادٍ حـــسنٍ].

عـــبادَ اللهِ، قـــالَ الإمـــامُ الــــزُّهريُّ: " اســـتكثروا مـــنْ شـــيءٍ لـــمْ تـــمسُّهُ الـــنَّارُ، قـــالوا لـــهُ ومـــا هُـــوَ؟ قـــالَ: الـــمعروفُ ".
الـــمعروفُ لا تـــمسُّهُ الــنَّارُ، لا يـــبلى، ولا يـــفنى، ولا يـــنقطعُ أثـــرُهُ، ولا تــزولُ بـــركتُهُ، مـــا كـــانَ مُـــخلَصاً للهِ-تـــبارك وتـــعالى-

وأبـــوابُ الـــمعروفِ كـــثيرةٌ، والـــذي يُـــريدُ الـــنَّفعَ والأجـــرَ والـــثوابَ فـــإنَّهُ ســـيخلِقُ لـــلمعروفِ أبـــواباً، وســـيصنعُ لـــها طُـــرُقاً،
والـــمُتاملُ فـــي أخـــبارِ الســـلفِ الصَّالحِ، ســـيجِدُ نـــماذجَ كـــثيرةً، لِـــدقائقَ مـــنَ الــمعروفِ وخــفايا، كـــانوا يـــفعلونها ويـــحرصونَ عـــليها.
[ كـــانَ الـــحسنُ ابـــنُ أبـــي الحُّـــرِ، كـــانَ يـــجلِسُ بـــإبرةِ خـــياطةٍ، ومـــعهُ أدواتُ الخـــياطةِ فـــي الـــطَّريقِ، فـــكُلَّما جـــاءهُ أحـــدٌ بـــثوبٍ مـــشقوقٍ، أوْ حِـــذاءٍ مـــثقوبٍ، خـــاطَهُ لـــهم ورقـــعَهُ مـــجاناً، لا يـــأخذُ عـــلى ذلـــكَ أجـــراً، يـــفعلُ ذلـــكَ لـــنفعِ الـــمُسلمينَ، وهُـــوَ إمــامٌ مـــحدِّثٌ مـــعروفٌ].
ومـــنْ أبـــوابِ الـــمعروفِ، تـــتبُّعُ الـــسائلينَ الــمحتاجينَ، الـــذينَ لا يُـــعطيهم أحـــدٌ، فـــيُبادرُ الـــموَّفقُ لإعـــطاهِم،
عـــنْ بـــشرِ بـــنِ مـــنصورٍ-رحــمه الله- أنَّـــهُ مـــا قـــامَ فـــي الـــمسجدِ ســـائلٌ قـــطُّ ولـــمْ يُــعطى شـــيئاً، إلَّا فـــزَّ لـــهُ بـــشرُ بـــنُ مـــنصورٍ وأعـــطاهُ مـــا كـــتبَ اللهُ.
وكــانَ ابـــراهيمُ بـــنُ أدهمَ-رحـــمه الله- وهُـــوَ الـــعابدُ الـــمعروفُ، كـــانَ مـــنْ عـــادتهِ إذا بـــقيَ مـــنْ وعـــاءِ الـــدَّقيقِ قـــليلاً، تــركَهُ لـــلمحتاجينَ ولـــمْ يـــأكلْهُ وبـــذلَهُ إلـــيهم.
ومـــنْ أبـــوابِ الـــمعروفِ، مـــا ذكـــرَهُ ســـهلُ بـــنُ بــــشرٍ، قـــالَ: " مــرَّ بـــي إبـــراهيمُ ابـــنُ أدهـــمَ، وكـــانَ بــشرُ رجـــلاً يـــتجرُ وربــَّما بـــاعَ الـــحطبَ، يـــقولُ: مـــرَّ بـــي إبـــراهيمُ بـــنُ أدهـــمَ، وأنـــا أكـــسرُ عـــودَ حـــطبٍ قـــاسٍ قـــدْ أعـــياني، فـــقالَ ابـــراهيم يـــا هــذا؟ قـــدْ أعـــياكَ هـــذا الـــعودُ؟ قـــالَ قـــلتُ: نـــعمْ، قـــالَ فـــتأمرُ لـــنا بــهذا الـــعودِ وتـــعطينا إيـــاهُ؟ قـــالَ قـــلتُ: نـــعمْ، قـــالَ وتُـــعيرُني هـــذا الـــفأسُ؟ قـــالَ قـــلتُ: نـــعمْ، قـــالَ فـــأخذَ الـــعودَ ووضـــعَهُ عـــلى رقـــبتِهِ، وأخـــذَ الـــفأس ومـــضى، قـــالَ فــبينما أنـــا عـــلى ذلـــكَ فـــي بـــعضِ شُـــغلي، إذْ أنـــا بـــبابي قـــدْ فُــــتحَ، والــحطبُ يُـــطرحَ فـــي الـــبيتِ مُـــكسَّراً مُــفلَّقاً، وألــقى رجـــلٌ فـــأساً ثُـــمَّ انـــصرفَ، فـــإذا هُـــوَ إبــــراهيمُ بـــنُ أدهــمَ.
أخـــذَ الـــعودَ فـــكسَّرهُ وفـــلَّقهُ ثُـــمَّ أعــــادهُ إلـــى صـــاحبِهِ وردَّ الـــفأسَ وأنــصرفَ، مـــضى ولـــمْ يـــنتظرْ شُـــكراً، ولا أرادَ ثــواباً، ولا صـــبرَ عـــندَ الـــبابِ لـــيراهُ صـــاحبُ الـــعودِ فـــيعرفُهُ فـــيشكرُهُ أوْ يُــثني عـــليهِ، هـــكذا هـــم أهـــلُ الــمعروفِ، يـــبذلونَ الـــمعروفَ ويـــمضونَ، لا يـــنتظرونَ ولا يـــتوقفونَ، فـــإنَّ جـــزاءَهم قــدْ كُـــتِبَ عـــندَ اللهِ-تــتبارك وتـــعالى-كـــاملاً تـــاماً لا نـــقصَ فـــيهِ.
وكـــانَ إبـــراهيمُ بـــنُ أدهـــمَ، إذا صـــلى الــــعِشاءَ وقـــفَ بـــينَ الـــبيوتِ، يـــقفُ فـــي زُقـــاقٍ بـــينَ الـــبيوتِ والـــدورِ، ثُّمَ يـــرفَعُ صـــوتَهُ يُـــسمعُ أهـــلَ الـــبيوتِ، يُـــنادي مـــنْ يُـــريدُ أنْ يـــطحنَ؟ فـــكانتِ الـــمرأةُ الــعجوزُ تـــخرجُ مـــنْ بـــيتِها بـــقُفَّةٍ فـــيها شـــيءٌ يـــحتاجُ إلـــى طـــحنٍ، ويـــخرجُ الـــشيخُ الـــكبيرُ الـــذي يـــعجَزُ عــنِ الـــوصولِ إلـــى الـــمطاحنِ، ومـــعهُ شـــيءٌ مـــنَ الـــحبوبِ، فـــيجلِسُ إبـــراهيمُ فـــي الـــطَّريقِ، ويـــنصِبُ الـــرَّحا فـــيجعلُها بـــينَ رجـــليهِ، فـــيشُدُّ عـــليها، ثُـــمَّ يـــأخذُ حُـــبوبَ الــنَّاسِ فــيطحنُها بـــيدهِ، فــلا يـــنامُ حـــتى يـــطحنَ لـــهم بــــلا كــــراءٍ ولا أجـــرٍ.

عـــبادَ اللهِ، أبـــوابُ الــــمعروفِ كــــثيرةٌ، يـــستطيعُ كُـــلُّ أحـــدٍ فـــي مـــكانِهِ وبـــحسبِ حـــالهِ، وبـــحسبِ مـــا يُـــجيدُهُ، غـــنياً أوْ فـــقيراً كُـــلُّ أحـــدٍ يـــستطيعُ أنْ يَـــخلِقَ بــــاباً لـــلمعروفِ، يـــسلُكَهُ ويـــبذِلَ فـــيهِ ويـــنفعَ الـــنَّاسَ مـــنْ خِـــلالِهِ.

فُـــرِضتْ عـــليَّ زكـــاةُ مـــا مـــلكتْ يـــدي*** وزكـــاةُ جـــاهي أنْ أُعـــينَ وأشـــفعا
فـــإذا مـــلكتَ فـــاجُدْ فـــإنْ لـــمْ تـــستطع*** فـــاجهدْ بـــنفسِكَ كُـــلَّهُ أنْ تـــنفعا.

الـــلهمَّ اجـــعلنا مـــباركينَ وانـــفعْ بـــنا، أقـــولُ مـــا تـــسمعونَ، وأســـتغفرُ اللهَ لـــي ولـــكم فـــاستغفروه مـــنْ كُـــلِّ ذنـــبٍ وتــــوبوا إلـــيهِ إنَّـــهُ هُـــو الـــتَّوابُ الـــرَّحيمُ.

" الـــخُطبةُ الـــثانيةُ "
الـــحمدُ للهِ ربِّ الــعالمين والـــصَّلاةُ والـــسَّلامُ عـــلى أشـــرفِ الـــخلقِ ســـيدِنا مُـــحمدٍ-صـــلى الله عــليه وســـلم-
أمَّـــا بـــعدُ فـــاتقوا اللهَ عـــبادَ اللهِ واعـــملوا بــــطاعتِهِ ورضـــاه.

مـــعاشرَ الـــمؤمنينَ، فـــيا ســـعادةَ أهـــلِ الــــمعروفِ، ويــا هـــناءةَ أهـــلِ الإحـــسانِ، الـــساعينَ لــنفعِ الــخلقِ وإيـــصالِ الـــخيرِ لـــنَّاسِ، هُـــمْ أســـعدُ الـــنَّاسِ، وأشـــرحُهم صـــدراً، وأهـــناءُهم عــــيشاً، مـــا بـــذلوا الـــمعروفَ ومـــدوا أيـــديَهم، لا تـــقُلْ لا أدري مـــا أصـــنعُ، ولا أعـــرفُ أيَّ بـــابٍ أطـــرقُ، ولا يـــقُلْ قــــائلٌ لــــيسَ عـــندي مـــالٌ، أنـــتَ إذا اهـــتممتَ وفـــكَّرتَ فـــسوفَ تـــجدُ طـــريقاً لـــلمعروفِ، تـــسلكُهُ وبـــاباً مـــنَ الإحـــسانِ تــــطرقُهُ، وأبـــدا بـــالقريبِ، وتـــفقدْ حــاجاتِ الـــوالدينِ، والأولادِ، والإخـــوانِ، وســـوفَ تـــكتشفُ حـــاجةً يـــكونُ ســـدُّها عـــلى يــــديكَ، ولا تـــحتقرْ مـــعروفاً، ولا تــستصغرْ مـــنَ الـــخيرِ بـــاباً، فـــربُّما كـــانَ الـــبابُ الــــذي يــــرضى اللهُ عــــليكَ فـــيهِ هُـــوَ هـــذا الـــبابُ الـــذي إحـــتقرتَهُ، ومـــنْ أنـــفقَ أُنــفِقَ عـــليهِ،
قـــالَ يـــحيى بـــنُ خــــالدٍ: " إذا أقـــبلتْ الـــدنيا فــــأنفقْ فــــإنَّها لا تــــفنى، وإذا أدبـــرتْ الــــدنيا فــــأنفقْ فـــإنَّها لا تـــبقى ".

ومـــنْ صـــورِ نـــفعِ الـــنَّاسِ وبـــذلِ الـــخيرِ لـــهم، مـــا نُـــقِلَ عـــنِ الإمــــامِ الــــليثِ بـــنِ ســـعدٍ مـــُفتي مـــصرَ وعــــالمِها، وكــــانتْ لـــه تــــجارةٌ، وكــــانَ صــــاحبَ مــــالٍ، أنَّــــه إشــــترى مــــنهُ قــــومٌ ثـــــمرةً، فــــكأنَّهم بــــعدَ مـــا اشـــــتروْها إســــتغلوْها وتـــــكاثروا ثــــمنَها،
فــــرجعوا إلـــى الـــليثِ، فــــاستقالوه وطـــلبوا مـــنهُ أنْ يَــــعفيَهم مــــنَ الــــبيعةِ، ألإقــــالةُ يــــا أهـــلَ الــــتجارةِ، يــــا أهـــلَ الــــمالِ، يــــا أهـــلَ الــــبيعِ، أيـــنَ أنـــتم عـــنْ بـــابِ الإقــــالةِ، والـــنبيُّ-صـــلى الله عــــليه وســــلم-يــــقولُ: " مــــنْ أقـــالَ مُــــسلماً بــــيعتَهُ، أقــــالَ الله عــــثرتَهُ يــــومَ الـــقيامةِ " أمَّـــا الـــليثُ بــــنُ ســــعدٍ، فـــلمَّا رجــــعوا أولــــئكَ إلــــيهِ وطــــلبوا مـــنهُ أنْ يَـــــعفيهم مـــنَ الــــبيعةِ بـــعدَ مـــا تـــــمَّتْ، أقــــالهم وســــامحَهم وردَّ عــــليهم مــــالَهم، لــــمْ يــــقفْ مــــعروفُ الـــليثُ عــــندَ هــــذا، بـــــلْ دعــــا خُــــدامَهُ بـــــخرقةٍ فــــيها أكــــياسٌ، فــــيها نـــــقودٌ، فــــأمرَ لــــهم بــــخمسينَ ديــــناراً هـــــديةً، فـــــقالَ لـــه ولــــدهُ فـــي ذلـــكَ مُــــستفسراُ مُــــتعجباً
فـــقالَ الـــليثُ بــــنُ ســــعدٍ: الـــلهمَّ غُــــفراً، إنَّــهم قــــدْ كــــانوا أمَّــــلوا فــــي تـــلكَ الــــبيعةِ أمـــلاً، فــــأحببتُ أنْ أُعــــوضَهم عـــنْ أمــــلِهم بــــهذا الـــمالِ.
أولــــئكَ الــــذينَ كــــانتْ أمــــوالُهم فــــي أيــــديِهم، ولــــيستْ فــــي قــــلوبِهم، يَـــخلقونَ لـــلمعروفِ أبــــواباً يَــــغفلُ الـــنَّاسُ عــــنها،
وزبــــيدٌ الــــيامي-رحــــمه الله- كــــانَ يــــهتبلُ الــــليالي الــــمطيرةَ، فـــــإذا أمـــــطرتِ الــــسماءُ أضــــاءَ شُــــعلةَ نــــارٍ وخــــرجَ فــــي الــــمطرِ، فــــطاف عــــلى عــــجائزِ الــــحيِّ، فــــطرقَ أبــــوابَ بــــيوتِهنَّ فــــيسألهنَّ يــــقولُ: أوَ كــــفَ عــــليكم الـــبيتُ؟ أي هــــل خـــرَّ الــــسقفُ عــــليكم؟ يــــعني أُصـــلحهُ لــــكم؟ أتــــريدونَ نــــاراً؟ يـــعني أُشــــعلها لــــكم؟ فــــإذا أصــــبحَ الـــــصُبحُ رجــــعَ فــــطافَ عـــــلى عــــجائزِ الــــحيِّ، وَهُـــو يــــعلمُ أنَّ الــــطرقاتِ مُــــلئتْ بــــالطينِ، فــــيطرقُ عــــليهنَّ الــــبابَ مــــرةً أُخــــرى ويــــقولُ: ألــــكنَّ فــــي الــــسوقِ حاجةٌ؟ أتــــريدونَ شــــيئاً؟ مـــعروفٌ ســــهلٌ ومـــيسورٌ ولا يــــحتاجُ إلــــى غـــنيٍّ ولا ثــــريٍّ.

عـــنْ أبــــي هُـــريرةَ-رضــــي الله عــــنه- قــــال: قــــالَ الـــنبيُّ-صـــلى الله عــــليه وســــلم-: " مـــا مـــنْ يـــومٍ يُــــصبحُ الــــعبادُ فــــيهِ إلَّا مــــلكانِ يــــنزلانِ فـــــيقولُ أحـــدُهما: " اللــــهم أعــــطي مُـــنفِقَاً خــــلَفَاً ويــــقولُ الــــآخرُ اللــــهم أعــــطي مُــــمسكاً تَــــلَفَاً " [مُــــتفقٌ عــــليهِ].
وروى ابــــنُ حِــــبانَ بــــلفظٍ آخـــرَ قــــالَ: " إنَّ مـــلكاً بـــبابٍ مـــنْ أبــــوابِ الــــجنَّةِ مـــنْ يُــــقرضُ الــــيومَ يُــــجزى غــــداً، ومـــلكاً بـــبابٍ آخـــرَ يــــقولُ: اللـــهمَّ أعـــطي مُــــنفقاً خـــلَفاً، وأعـــطي مُــــمسكاً تــــلفاً ".
وعـــنْ أبــــي هُـــريرةَ-رضـــي الله عـــنه- أنَّ الــــنبيَّ-صـــلى الله عــــليه وســــلم- قــــال: قـــالَ اللهُ -جـــلَّ جـــلالُهُ-: " يـــا عــــبدي أنـــفقْ، أُنــــفِقْ عــــليكَ " [رواهُ الــــبخاريُّ ومــــسلمٌ].
وعـــنْ أبــــي أُمـــامةَ-رضـــي الله عنه- أنَّ الـــنبيَّ-صـــلى الله عـــليه وســــلم-قـــالَ: " يـــا ابـــنَ أدمَ إنَّـــكَ إنْ تــــبذِلَ الــــفضلَ-يــــعني مـــا زادَ وفــــضلَ عـــنْ حــــاجتكَ مـــنَ الأطــــعمةِ والأمـــوالِ والألــــبسةِ يــــقولُ: خــــيرٌ لــــكَ، وإنْ تُــــمسكَهُ شــــرٌ لــــكَ، ولا تُــــلامُ عــــلى كــــفافٍ، وأبــــدا بــــمنْ تــــعولُ، والــــيدُ الــــعُليا خــــيرٌ مــــنَ الــــيدِ الــــسُفلى " [رواهُ مُـــــسلمٌ].
وعــــن أنــــسٍ عــــنِ الـــنبيِّ-صــــلى الله عــــليه وســـلم- قـــال: " الأخـــلاءُ ثـــــلاثةٌ، فـــأمَّا خــــليلٌ فــــيقولُ: أنــــا مــــعك إذا أتــــيتَ بـــــابَ الــــملكِ ثُــــمَّ أرجــــعُ وأتــــركُكَ، قــــالَ: فــــذلك أهـــلُكَ وعـــشيرتُكَ، يُــــشيعونكَ حــــتى تــــأتيَ قــــبرَكَ، ثُــــمَّ يــــرجعونَ ويــــتركونكَ، وأمَّـــا خــــليلٌ يــــقولُ: لـــكَ مـــا أعــــطيتَ ومــــا أمــــسكتَ فــــليسَ لــــكَ، فــــذلكَ مــــالُكَ، وأمَّــــا خـــــليلٌ فــــيقولُ: أنــــا مــــعكَ حــــيثُ دخــــلتَ وحــــيثُ خــــرجتَ، فــــذلكَ عــــمُلكَ، فــــيقولُ: واللهِ لــــقدْ كـــنتَ مــــنْ أهـــونِ الــــثلاثةِ عــــليَّ " [رواهُ الــــحاكمُ وقــــالَ حــــديثٌ صــــحيحٌ وقــــال الــــمنذريُّ لـــــيستْ لــــهُ عِــــلةٌ].
ابــــحثْ عـــنِ الـــمعروفِ، تـــتبعْ أبــــوابَ الــــبرِّ، نــــقبْ عـــنْ مـــواطنِ الــــخيرِ، الــــتي يَــــغفلُ عــــنها ويــــتناسها الــــنَّاسُ، أوْ يــــستخفونَ بــــها ولا يــــرفعونَ بــــها رأســــاً،فأســــلكْها، وابــــذلْها، وأرجـــو مـــنَ اللهِ بــــها الـــخيرَ، فــــإنَّ اللهَ عــــندَ حُــــسنِ ظــــنِّ عــــبدهِ بــــهِ.

وصـــلِ اللـــهمَّ وبـــاركء عــــلى ســــيدنا مـــــحمد وعــــلى آلــــه وأصــــحابه أجــــمعين.


المشاهدات 1633 | التعليقات 1

بارك الله فيك يا شيخ ونفع بك وزاد الله من فضله وعلمه.