أنواع الحج- أركانه- وواجباته وسننه- كيفية الحج

احمد ابوبكر
1436/12/02 - 2015/09/15 07:02AM
[align=justify]الحمد لله رب العالمين، إله الأولين والآخرين، وراحم الضعفاء والمساكين، من فرض الحج على عباده المسلمين، وجعله مطية لمغفرة الذنوب والقرب من دار اليقين، والصلاة والسلام على أكرم الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.


أما بعد:

فقد تقدم في الدرس الماضي بعض أحكام الحج من المواقيت والإحرام، وما أشبه ذلك وفي درسنا هذا إن شاء الله نتكلم عن بيت القصيد وعن لب وأساس هذه الدروس بعد ذكر أنواع وكيفية الحج وكيف يؤدي المسلم هذه الشعيرة العظيمة، وكيف يؤدي هذه المناسك. والعمدة في هذا كله هو حديث جابر رضي الله عنه وأرضاه، والحديث في صحيح مسلم و غيرها من الأحاديث الصحاح. ونذكر في هذا الدرس أنواع الحج، وأركانه، وواجباته، وسننه ثم كيفية الحج، إن شاء الله تعالى.



أنواع الحج:

من وصل إلى الميقات في أشهر الحج وهي شوال وذو القعدة والعشر الأول من ذي الحجة، فإنه مخير بين ثلاثة أنساك:

[1]- العمرة وحدها: وهو ما يسمى بـ (التمتع) وهو أن يحرم بالعمرة وحدها في أشهر الحج، فإذا وصل إلى مكة، طاف وسعى سعي العمرة ثم حلق أو قصر فإذا كان اليوم الثامن (التروية) من ذي الحجة أحرم بالحج وحده، وأتى بجميع أفعاله. وإن أخر إحرامه إلى اليوم التاسع فلا حرج عليه لكنه خلاف السنة.وصفة التلفظ في هذا النسك عند الإحرام أن يقول: (لبيك عمرة) مع النية لهذا النسك، ثم يقول في اليوم الثامن ذي الحجة (لبيك حجًا).


[2]- الحج وحده: وهو ما يسمى بالإفراد وهو أن يحرم بالحج وحده في أشهر الحج، فإذا وصل مكة طاف طواف القدوم، ثم سعى سعي الحج -وإن شاء أخر سعي الحج فيسعى بعد طواف الإفاضة- ولا يحلق ولا يقصر ولا يحل من إحرامه، بل يبقى على إحرامه حتى يحل منه بعد رمي جمرة العقبة يوم العيد. وصفه التلفظ في هذا النسك عند الإحرام أن يقول: لبيك حجًا، مع النية لهذا النسك.


[3]- الجمع بين العمرة والحج: وهو ما سمي (بالقارن) وهو أن يحرم بالعمرة والحج جميعًا فيقرن بينهما، أو يحرم بالعمرة أولًا، ثم يدخل الحج عليها قبل أن يشرع في طواف العمرة. وعمل القارن مثل عمل المفرد سواء بسواء، إلا أن القارن عليه هدي، (كالمتمتع) والمفرد لا هدي عليه. وصفة التلفظ في هذا النسك هي: أن يقول عند الإحرام ( لبيك عمرة وحجًا) مع النية لهذا النسك. وأفضل الأنساك هو (التمتع) فهو الذي أمر به النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه وحثهم عليه. إلا إذا كان قد ساق معه الهدي، فإن القران في حقه أفضل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر كل من ليس معه هدي أن يقلب إحرامه إلى عمرة، ثم يقصر ويحل وقال: "لولا أني سقت الهدي لفعلت مثل الذي أمرتكم به" وأمر من ساق الهدي وقد لبى بالعمرة أن يحرم بالحج مع العمرة.

قال الناظم:

وأفضل الإنساك فالتمتع *** لا مفردًا أو قارنًا فاستمعوا
وعنـه فالقران إذ يساق *** هديًا وذا قال به إسحاق


والذي يلزمه الهدي من أصحاب الأنساك الثلاثة هو المتمتع والقارن، أما المفرد فلا هدي عليه، وكذلك حاضروا المسجد الحرام الذين هم أهل الحرم، ومن كانوا قريبين منه بحيث لا يكون بينهم وبين الحرم مسافة قصر؛ لأن من كان على مسافة دون مسافة القصر فهو كالحاضر، ولذا تسمى صلاته إن سافر من الحرم إلى تلك المسافات صلاة حاضر فلا يقصرها صلاة مسافر حتى يشرع له قصرها. أما من كانوا بعيدين عن الحرم بمسافة تقصر فيها الصلاة كأهل جدة فإنهم يلزمهم الهدي.



أركان الحج وواجباته وسننه:

لابد أن نعلم الفرق بين ركن الحج وواجب الحج، ومسنون الحج؛ فأما ركن الحج فإنه الذي لا يقوم الحج إلا به، ولو لم يأت به الحاج فقد بطل حجه.

والواجب: إذا لم يأت به الحاج فإن حجه صحيح وعليه دم.

والمسنون إذا لم يأت به فحجه صحيح، وليس عليه شيء، وأركان الحج هي: الإحرام، والوقوف بعرفة، وطواف الإفاضة والسعي.

وواجبات الحج هي: إحرام من الميقات، ووقوف بعرفة نهارًا للغروب، ومبيت بمزدلفة لبعد نصف الليل، ومبيت بمنى، ورمي الجمرات مرتبًا، وحلق أو تقصير، وطواف وداع.

وسنن الحج: الغسل، والتطيب للإحرام وركعتا الإحرام. التلبية عقب الإحرام، وبعد كل صلاة، وطواف القدوم عند الجمهور. وركعتا الطواف، والمبيت بمنى ليلة يوم عرفه، وأداء خمس صلوات بمنى يوم التروية وهي الظهر، والعصر، والمغرب والعشاء، والفجر إتباعًا للسنة، والتحصيب وهو النزول بوادي المحصب بعد النفر من منى إلى مكة [1].



كيفية العمرة والحج:

العمرة:

أولًا: إذا أراد أن يحرم بالعمرة اغتسل كما يغتسل للجنابة، وتطيب بأطيب ما يجد في رأسه ولحيته، ولبس إزارًا ورداءً أبيضين والمرأة تلبس ما شاءت من الثياب بشرط ألا تتبرج بزينة.

ثانيًا: ثم يصلي الفريضة إن كان وقت فريضة ليحرم بعدها، فإن لم يكن وقت فريضة صلى ركعتين بنية سنة الوضوء؛ لا بنية سنة الإحرام؛ لأنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أن جعل للإحرام سنة.

ثالثًا: ثم إذا فرغ من الصلاة نوى الدخول في العمرة فيقول: "لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك"، (لبيك اللهم عمرة) يرفع الرجل صوته بذلك وتخفيه المرأة، ويسن الإكثار من التلبية حتى يبدأ الطواف، فإذا بدأ بالطواف قطعها.

رابعًا: فإذا وصل إلى مكة بدأ بالطواف من حين قدومه، فيقصد الحجر الأسود فيستلمه -أي يمسه بيده اليمنى- ويقبله إن تيسر بدون مزاحمه، وإلا أشار إليه ويقول: "باسم الله والله أكبر. اللهم إيمانًا بك، وتصديقًا بكتابك، ووفاء بعهدك واتباعًا لسنة نبيك صلى الله عليه وسلم". ثم ينحرف ويجعل البيت من يساره، فإذا مر بالركن اليماني وهو آخر ركن يمر به قبل الحجر، استلمه بيده اليمنى إن تيسر بدون تقبل، ويطوف سبعة أشواط يرمل الرجل في الثلاثة الأشواط الأولى، ويضطبع في جميع الطواف فقط.

والرمل: هو الإسراع في المشي مع مقاربه الخط.

والاضطباع: أن يجعل وسط الرداء تحت إبطه الأيمن وطرفيه على عاتقه الأيسر. ويذكر الله ويسبحه في طوافه، ويدعو بما أحب في خشوع وحضور قلب. وكلما أتى الحجر الأسود (كبّر) ويقول بين الركن اليماني والحجر الأسود {رَ‌بَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَ‌ةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ‌} [البقرة:201] وأما التقيد بدعاء معين لكل شوط فليس له أصل من سنة الرسول صلى الله عليه وسلم بل هو بدعة محدثة.

خامسًا: فإذا انتهى من الطواف صلى ركعتين وزار مقام إبراهيم، ولو بعد عنه، يقرأ في الركعة الأولى: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُ‌ونَ} وفي الثانية: {قُلْ هُوَ اللَّـهُ أَحَدٌ} ويسن تخفيف هاتين الركعتين كما جاءت به السنة، من أجل أن يدع المكان لمن هو أحق به منه.

سادسًا: أن يسعى بين الصفا والمروة سبعة أشواط يبدأ بالصفا ويختم بالمروة والسنة إذا أقبل على الصفا أن يقرأ قوله تعالى {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْ‌وَةَ مِن شَعَائِرِ‌ اللَّـهِ ۖ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ‌ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا ۚ وَمَن تَطَوَّعَ خَيْرً‌ا فَإِنَّ اللَّـهَ شَاكِرٌ‌ عَلِيمٌ} [البقرة:158]، ليستحضر أنه إنما يسعى من أجل تعظيم شعائر الله عز وجل. ويصعد على الصفا ويقف مستقبل القبلة رافعًا يديه ويكبر الله ويحمد ويقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيءٍ قدير، لا إله إلا الله وحده أنجز وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده. ثم يدعوا بعد ذلك ثم يعيد الذكر، ثم يدعوا ثم يعيد الذكر مرة ثالثة، ثم ينزل متجهًا إلى المروة، والسنة للرجل أن يسعى بين العلمين الأخضرين سعيًا شديدًا إن تيسر له، وإن لم يتأذ أو يؤذ أحدًا، ثم بعد العلم الثاني يمشي مشيًا عاديًا، وإذا وصل إلى المروة صعد عليها واستقبل القبلة، ورفع يديه وقال مثل ما قال على الصفا، فهذا شوط.

سابعًا:فإذا أتم السعي قصر من شعر رأسه يعمه بالتقصير، وتقصر المرأة منه قدر أنملة، وبذلك تمت العمرة وحل له إحرامه فيستمتع بكل ما أحل الله له قبل الإحرام من اللباس والطيب والنكاح وغير ذلك. إلا أن يكون قارنًا فإنه يبقى على إحرامه حتى يتم له التحلل الأول من أعمال الحج والعمرة جميعًا.

وأما المفرد فهو مخير بين أن يقدم سعي الحج مع طواف القدوم، وبين أن يؤخره فيؤديه بعد طواف الإفاضة، لكن لو قدم سعي الحج مع طواف القدوم، فإنه إذا انتهى من السعي لا يحلق ولا يقصر بل يبقى على إحرامه إلى أن يرمي جمرة العقبة، فيحل له كل شيء حرم عليه إلا النساء فإذا طاف طواف الإفاضة حل له النساء.

فإذا كان يوم التروية وهو الثامن من ذي الحجة استحب للذين أحلوا بعد العمرة وهم المتمتعون أن يحرموا بالحج حتى اليوم الثامن من مساكنهم أما من عداهم كالقارن والمفرد فهم باقون على إحرامهم من قبل كما تقدم. والسنة ألا يتقدم أحد إلى منى قبل يوم التروية فإن تقدم عليه فلا شيء عليه، ولكنه خلاف السنة. ويستحب الاغتسال والتنظف والتطيب عند الإحرام بالحج، كما هو مستحب عند الإحرام من الميقات، وبعد الإحرام بالحج يستحب التوجه إلى منى قبل الزوال -الظهر- فيصلي بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر قصرًا بلا جمع. ولا فرق بين أهل مكة وغيرهم في القصر.

والسنة للحجاج أن يبيت بمنى يوم التروية ليلة التاسع من عرفة لفعله صلى الله عليه وسلم، فإذا صلى الحاج الفجر مكث قليلًا حتى تطلع الشمس، فإذا طلعت الشمس سار الحاج من منى إلى عرفة وهو يلبي أو يكبر، لفعل أصحاب النبي، وهم معه في صحبته يلبي الملبي فلا ينكر عليه ويكبر المكبر فلا ينكر عليه رواه البخاري ومسلم. ويسن للحاج أن ينزل بنمرة ويجلس فيها إلى الزوال إن تيسر له ذلك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك، وقال: «خذوا عني مناسككم» وإن لم يتيسر فلا شيء عليه، ونمرة مكان قريب من عرفات. وإذا زالت الشمس أي دخل وقت الظهر صلى الحاج الظهر والعصر جمعًا وقصرًا بأذان واحد و إقامتين، ولا يصلي قبلهما ولا بعدهما شيئًا.

ثم بعد ذلك يقف الناس بعرفة وعرفه كلها موقف إلا بطن عرنة، والسنة للواقف بعرفة ألا يصوم ذلك اليوم، ويستحب للحاج استقبال القبلة، ويقف عند الصخرات أسفل الجبل ويسمى جبل الرحمة إن تيسر له ذلك، ولا يشرع الصعود على الجبل، بل قد اعتبره جماعة من المحققين وأهل العلم من البدع المستحدثة وضربًا من الغلو. ويتفرغ للذكر والدعاء والتضرع إلى الله عز وجل ويدعوا بما أحب رافعًا يديه ويكثر من التهليل فإنه خير الدعاء يوم عرفة لقوله صلى الله عليه وسلم: «أفضل ما قلت أنا والنبيون عشية عرفة لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيءٍ قدير» [2] وينبغي الإكثار من ذكر الله وتكراره بخشوع وحضور قلب، ولا يزال كذلك من التلبية والإسراع في المشي ولا يزاحم الحاج الناس بدابته أو نفسه أو سيارته، فإذا وصل الحجاج إلى المزدلفة صلوا بها المغرب ثلاث ركعات والعشاء ركعتين جمعًا وقصرًا بأذان وإقامتين، سواء كان الوصول في وقت المغرب أو بعد دخول وقت العشاء، وإذا خشي الحاج ألا يصل إلى المزدلفة إلا بعد متصف الليل بسبب الزحام فإنه يصلي ولو قبل وصوله إلى المزدلفة ويجزؤه ولا شيء عليه.

والسنة في هذا اليوم أن يلتقط سبع حصيات يرمي بها جمرة العقبة. أما في الأيام الثلاثة الباقية فيتلقط الحصى من منى كل يوم إحدى وعشرين حصاة يرمي بها الجمار الثلاث، ولا يستحب غسل الحصى. ويبيت الحاج بالمزدلفة، ويجوز للضعفة والنساء والصبيان ونحوهم أن يدفعوا إلى منى آخر الليل، وأما غيرهم فيبقوا إلى أن يصلوا الفجر ثم بعد ذلك يقف الحاج عند المشعر الحرام، ويذكر الله حتى يسفر جدًا. وإن لم يتيسر له الوقوف يقف في أي مكان فإذا أسفر جدًا انصرف إلى منى قبل طلوع الشمس، ويمشي وعليه السكينة، فإذا أتى بطن محسر أسرع المسير إذا مكنه ذلك. ثم يأخذ الطريق الوسطى التي تخرجه على الجمرة الكبرى العقبة وهي آخر الجمرات وأقربهن إلى مكة، ويستقبل الجمرة ويجعل مكة عن يساره ومنى عن يمينه وإن رماها من الجوانب الأخرى أجزأه ذلك بشرط أن يقع الحصى في المرمى، وحصى الجمار مثل حصى الخذف وهو بقدر نواة التمر. ولا ينبغي الزيادة على ذلك ولا يرمي بالنعال فإن ذلك من الغلو في الدين. ويرمي الجمرة بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة، ويقطع التلبية مع آخر حصاه، فإذا فرغ من الرمي، نحر هديه ويستحب أن يقول عند نحره أو ذبحه بسم الله والله أكبر اللهم هذا منك ولك ويزيد قوله: "اللهم تقبل مني" وإن لم يتيسر له الذبح أو النحر ووكل به شخصًا آخر أو شركة والشركات التي تقوم بذلك ممن هم محل ثقة وأمانة فلا بأس، ويستحب أن يأكل من هديه ويهدي ويتصدق. ويمتد وقت الذبح إلى غروب الشمس من اليوم الثالث من أيام التشريق على الصحيح من أقوال أهل العلم فتصبح مدة الذبح يوم النحر وثلاثة أيام بعده.

ويجوز أن يشترك سبعة في البعير والبقرة، فإن لم يجد هديًا فعليه صيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله ويجوز أن يصوم في أيام التشريق الثلاثة. ثم بعد نحر الهدي أو ذبحه يحلق رأسه أو يقصره والحلق أفضل والمرأة تقصر من كل ضفيرة قدر أنملة. ولو رمى الحاج جمرة العقبة بعد الزوال لوجود حرج أو مشقة فلا بأس فالنبي صلى الله عليه وسلم كان يسأل يوم النحر بمنى فيقول: «لا حرج» فسأله رجل فقال: "حلقت قبل أن أذبح"، قال: «اذبح ولا حرج»، قال: "رميت بعدما أصبت" فقال: «لا حرج» [3].

وبعد رمي جمرة العقبة يباح للمحرم كل شيء حرم عليه بالإحرام إلا النساء، ويسمى هذا التحلل بالتحلل الأول. ويباح له هذا كله ولو لم يحلق لحديث عائشة في مسند أحمد قالت: طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم، بيدي بذريرة لحجة الوداع للحل والإحرام، حين أحرم، وحين رمى جمرة العقبة يوم النحر قبل أن يطوف بالبيت.
ويسن له بعد هذا التحلل أن يتطيب إذا أراد النزول إلى مكة ليطوف بالبيت طواف الإفاضة، ويسمى هذا الطواف طواف الزيارة. وهو ركن من أركان الحج لا يتم الحج إلا به، ويطوف بالبيت سبعًا ولا يضطبع ولا يرمل كما في طواف القدوم أو العمرة، لعدم الورود عن النبي صلى الله عليه وسلم، ويسن له أن يصلي ركعتين خلف المقام ثم بعد الطواف يسعى بين الصفا والمروة إن كان متمتعًا ويكون هذا السعي لحجه والسعي الأول لعمرته، أما القارن أو المفرد، فإن كان قدَّم السعي مع طواف القدوم فإنه يكفيه، وإن كان لم يقدم السعي مع طواف القدوم فإنه يلزمه السعي بعد طواف الإفاضة. فإذا فعل الحاج ذلك حل له كل شيء حرم عليه حتى النساء، ويسمى هذا التحلل بالتحلل الثاني.

ويفضل للحاج في يوم النحر أن يرتب هذه الأمور الآتية: يبدأ أولًا برمي جمرة العقبة ثم النحر ثم الحلق أو التقصير ثم الطواف والسعي بعده للمتمتع وللقارن والمفرد إذا لم يسعيا مع طواف القدوم، ولو قدم بعض هذه على بعض فلا حرج لورود الرخصة. ثم بعد السعي والطواف يرجع إلى منى فيمكث بها أيام التشريق بلياليها ويرمي فيها الجمرات الثلاث كل يوم بعد الزوال أي: دخول وقت الظهر بسبع حصيات لكل جمرة يكبر مع كل حصاة ويجب عليه ترتيب الجمرات فيبدأ بالجمرة الصغرى التي تلي مسجد الخيف وهي أبعد الجمرات عن مكة فإذا فرغ يسن له أن يدعو بما أحب ثم يأتي الجمرة الثانية -الوسطى- ويقف يدعو الله ثم الجمرة الثالثة الكبرى أو العقبة فإذا فرغ من رميها لا يقف عندها، ثم يرمي الجمرات في اليوم الثاني من أيام التشريق بعد الزوال، والرمي في اليوم الأول والثاني واجب من واجبات الحج، وكذلك المبيت إلا على السقاة.

وأما الرمي في اليوم الثالث فهو سنة لقوله تعالى: {وَاذْكُرُ‌وا اللَّـهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ ۚ فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ‌ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ ۚ لِمَنِ اتَّقَىٰ} [البقرة:203] والأفضل الرمي .فإذا انتهى الحاج من حجه وقضاء حوائجه بمكة وعزم على الرحيل، فعليه أن يودع البيت بالطواف لقول ابن عباس: "أمر الناس أن يكون آخرعهدهم بالبيت إلا أنه خفف عن المرأة الحائض" (البخاري ومسلم). فإذا قضى الحاج مناسكه يستحب له أن يذكر الله ويكثر من ذكره استجابة لما أرشد إليه ربنا عز وجل في قوله: { فَإِذَا قَضَيْتُم مَّنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُ‌وا اللَّـهَ كَذِكْرِ‌كُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرً‌ا} [البقرة:200].

وأخيرًا: يا من منّ الله تعالى عليه بأداء هذه الفريضة! يا من أحسن أداؤها فعاد كما ولدته أمه طاهرًا نقيًا من الذنوب، اتق الله فيما بقي من عمرك، وإياك والعودة إلى التقصير في الطاعات والعبادات، وإياك اقتراف الموبقات.

أسأل الله أن يوفقنا لطاعته وأن يجنبنا معصيته، وأن يبلغنا بيته الحرام، إنه ولي ذلك والقادر عليه، والحمد لله رب العالمين.
[/align]
المشاهدات 811 | التعليقات 0