أنوار الصلاة 2
خالد الكناني
( 2 ) أنوار الصلاة
الحمد لله ربّ العالمين ، يهدي من يشاء إلى صراطه المستقيم ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ــ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا .
أما بعد : عباد الله اتقوا الله تعالى حق التقوى ، قال تعالى : (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ))..... واعلموا عباد الله أن من خير أعمالكم الصلاة أمرنا الله تعالى بإقامتها وإتمامها والعناية بها فهي نور في الدنيا وفي الآخرة .
روى مسلم في صحيحه عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « وَالصَّلَاةُ نُورٌ »
فهي نور يزيل ظلام الزيغ والباطل ، وهي نور لصاحبها تنور وجهه في الدنيا ، وتكسوه جمالًا وبهاءً ، وتكسو قلبه بالإيمان ، وهي نور في الآخرة ، فهي نور في القبر ونور لهم في ظلمات القيامة ، وعلى الصراط ، فإن الأنوار تقسم للمارين على الصراط بحسب أعمالهم ، ففي المستدرك من حديث عبدالله بن مسعود رضي الله عنه ، أنه صلى الله عليه وسلم قال : ((فَيُعْطَوْنَ نُورَهُمْ عَلَى قَدْرِ أَعْمَالِهِمْ قَالَ: فَمِنْهُمْ مَنْ يُعْطَى نُورَهُ مِثْلَ الْجَبَلِ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُعْطَى نُورَهُ فَوْقَ ذَلِكَ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُعْطَى نُورَهُ مِثْلَ النَّخْلَةِ بِيَمِينِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُعْطَى دُونَ ذَلِكَ بِيَمِينِهِ حَتَّى يَكُونَ آخِرُ ذَلِكَ مَنْ يُعْطَى نُورَهُ عَلَى إِبْهَامِ قَدَمِهِ يُضِيءُ مَرَّةً، وَيُطْفِئُ مَرَّةً، فَإِذَا أَضَاءَ قَدَمُهُ، وَإِذَا طُفِئَ قَامَ فَيَمُرُّ وَيَمُرُّونَ عَلَى الصِّرَاطِ ... ))
أيها المسلمون : فرض الله تعالى علينا خمس صلوات في اليوم والليلة ، يجب المحافظة عليها والعناية بها ، يمحو الله بهن الخطايا ، قال تعالى : ((وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ )) ،
· وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ نَهْرًا بِبَابِ أَحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ مِنْهُ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ هَلْ يَبْقَى مِنْ دَرَنِهِ شَيْءٌ؟ قَالُوا: لاَ يَبْقَى مِنْ دَرَنِهِ شَيْءٌ. قَالَ: فَذَلِكَ مَثَلُ الصَّلَوَاتِ الخَمْسِ يَمْحُو اللَّهُ بِهِنَّ الخَطَايَا ))
الطهارة للصلاة والتركيز العميق والخشوع والاهتمام بها ، يحقق غفران الذنوب ، وهذا من أنوار الصلاة وبركاتها .
ففِي الصَّحِيحَيْنِ ، عَنْ عُثْمَانَ رضي الله عنه ، أَنَّهُ تَوَضَّأَ، ثُمَّ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ نَحْوَ وُضُوئِي هَذَا ثُمَّ قَالَ: مَنْ تَوَضَّأَ نَحْوَ وُضُوئِي هَذَا ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ لَا يُحَدِّثُ فِيهِمَا نَفْسَهُ، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ»
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ: «الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ، وَالْجُمْعَةُ إِلَى الْجُمْعَةِ، وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ، مُكَفِّرَاتٌ مَا بَيْنَهُنَّ إِذَا اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ»
أيها المسلمون : من أنوار الصلاة أنها عون لصاحبها في حل مشكلاته وما تواجهه من صعوبات وملمات في هذه الحياة .
فعَنْ حُذَيْفَةَ، قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا حَزَبَهُ أَمْرٌ، صَلَّى ))
ففي السجود يكون العبد أقرب إلى رحمة الله تعالى ، فيرفع حاجاته إلى ربه تبارك وتعالى ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ، وَهُوَ سَاجِدٌ، فَأَكْثِرُوا الدُّعَاءَ ))
هذه بعض من أنوار الصلاة .... فحافظوا عليها بالمداومة عليها في أوقاتها وبشروطها وآدابها .
قال تعالى : ((حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ ))
أقول ما تسمعون وأستغفر الله العظيم لي ولكم ، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .
الحمد لله على إحسانه ، والشكر له على توفيقه وامتنانه ، وأشهد أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له تعظيما لشأنه ، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وَسَلَّمَ تسليمًا كثيرًا ، أما بعد عباد الله :
ينقسم الناس يوم القيامة إلى قسمين أهل الإيمان المحافظون على الصلوات ، هذا القسم من الناس هم الفائزون الفرحون بما أعدّ الله تعالى لهم في الجنات .
قال تعالى : ((قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ ،، الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ )) إلى قوله تعالى ...............(( وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ ،، أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ ،، الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ))
وقال تعالى : ((وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (34) أُولَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ (35)
هذا القسم من الناس كانت حياتهم نورا وكذلك آخرتهم نور على نور .
قال تعالى :(( يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12)
وقسم فرط في الصلوات وتهاون وتكاسل ونام عن المفروضات وضيع الصلوات ، خابوا في الدنيا وخسروا في الآخرة وما فيها من الأنوار والخيرات .
قال تعالى : ((فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا ))
وقال تعالى : ((فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ ))
هذا الصنف من الناس إذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى ومثقلين ، وفي الشهوات والملذات مسرعين ومسارعين .
قال تعالى : ((إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا ))
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ أَثْقَلَ صَلَاةٍ عَلَى الْمُنَافِقِينَ صَلَاةُ الْعِشَاءِ، وَصَلَاةُ الْفَجْرِ، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِيهِمَا لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا .... ))
هذا الصنف يعيشون الحسرة والندامة والظلمة يوم القيامة والعياذ بالله
قال تعالى : (( يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ (13) يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قَالُوا بَلَى وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (14) فَالْيَوْمَ لَا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلَا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلَاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (15)
هذه هي الحسرة والندامة الحقيقية في يوم لا ينفع فيه الندم
فالبدار البدار قبل فوات الأوان وحافظوا على الصلوات والتي أوصى بها النبي عليه الصلاة والسلام حتى في آخر اللحظات من حياته ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، قَالَتْ: كَانَ مِنْ آخِرِ وَصِيَّةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (( الصَّلَاةَ الصَّلَاةَ، وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ))
هذا وصلوا على من أمركم الله تعالى بالصلاة والسلام عليه
قال تعالى : (( إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ))
المرفقات
1670515029_أنوار الصلاة 2.pdf