أَنْذَرْتُكُمُ النَّارَ ( مشكولة بثلاث صيغ)

راشد بن عبد الرحمن البداح
1442/04/11 - 2020/11/26 18:43PM

إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِىَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ أَمَّا بَعْدُ:

فاتقوا ربَكم، فالمتقونَ هم الناجونَ:{وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ}[الزمر61]

خَطَبَ رسولُ اللهِ e فقالَ كَلِمتينِ بصوتٍ مرتفعٍ، حَتَّى لَوْ أَنَّ رَجُلًا كَانَ بِالسُّوقِ لَسَمِعَهُ، حَتَّى وَقَعَتْ خَمِيصَةٌ كَانَتْ عَلَى عَاتِقِهِ عِنْدَ رِجْلَيْهِ. أَتريدُ أن تَعرفَ ما الكلمتينِ؟ لقدْ قالَ e: أَنْذَرْتُكُمُ النَّارَ، أَنْذَرْتُكُمُ النَّارَ([1]).

كانَتْ خطبةُ الأسبوعِ الماضي عنِ الجنةِ، واليومَ عن أختِها النارِ. ويجبُ ألا نَغفَلَ عنِ النارِ ولا الجنةِ كلَيهِما؛ لنُحققَ في قلوبِنا رجاءً يَطردُ اليأسَ منْ رحمةِ اللهِ، وخوفًا يطردُ الأمنَ منْ مكرِ اللهِ. وهذه طريقة القرآن؛ جنةٌ فنارٌ، نعيمٌ فعذابٌ:{ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ}[الزمر١٦].{إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ}[المعارج٢٨].

نَعَمْ غيرُ مأمونٍ؛ فاللهُ تعالى قالَ في حقِ خاصةِ أنبيائهِ:{وَلَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَدْحُورًا}[الإسراء٣٩].

كمْ أبوابُ النارِ؟

{لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ}

هلْ أبوابُها مغلَقةٌ؟

نعمْ{إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ(8)فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ}[الهمزة9] أُطبقتْ الأبوابُ عليهم، ثم شُدتْ بأوتادٍ من حديدٍ؛ ليَزيدَ عذابُهم البدنيُ والنفسيُ.

ما لونُها وأهلُها؟

النارُ سوداءُ مُظلِمةٌ، ووجوهُ أهلِها سوداءُ{كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا}[يونس٢٧].

ألا تنطفئُ النارُ مع طولِ السنينَ؟

خازنُها مالكٌ يُوقِدُها كلَّ يومٍ،‌ ويومَ القيامةِ تُسجَّرُ وتُسعَّرُ:{وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ}{كُلَّمَا ‌خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا}[الإسراء٩٧]

هلْ لها عَينانِ؟

نعمْ؛ تَرى الكافرينَ يُساقونَ إليها، فتَحنَقُ تُريدُ تَنقضُّ عليهمْ، لإحراقهمْ قبلَ دخولِها: {ذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا}[الفرقان١٢].

{وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ}[الفجر٢٤]قالَ رَسُولُ اللهِ e: يُؤْتَى بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لَهَا سَبْعُونَ أَلْفَ زِمَامٍ، مَعَ كُلِّ زِمَامٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ يَجُرُّونَهَا.رواه مسلمٌ([2]). نصفُ مليونٍ يَحمِلونَها؟! رُحماكَ رُحماكَ يا مُجيرَنا.

ما حالُهم أولَ ما يدخلُونَها؟

يُساقونَ إِلَى جهنمَ عِطاشًا:{وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا}[مريم٨٦].فيُتحِفونَ عندَ دخولِها، بالأكلِ{مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ(٥٢)فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ}[الواقعة].

ماذا يَشربُ أهلُ النارِ؟

يَشربونَ أربعةَ أصنافٍ: الحميمُ الحارُ- الغسَّاقُ الباردُ –ماءٌ كالْمُهْلِ كالزيتِ المَغْلِي- الصديد:{وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ(١٦)يَتَجَرَّعُهُ وَلَا يَكَادُ يُسِيغُهُ}[إبراهيم١٦-١٧}.

قالَ ابنُ عباسٍ: ينادِي الرجلُ أخاهُ: إني قدِ احترقتُ، فأفِضْ عليَّ منَ الماءِ، فيُقالُ: أجِبْهُ، فيقولُ: {إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ}[الأعراف٥٠].

نحنُ نتبردُ في الدنيا من الحرِّ بثلاثٍ: الماءُ، والهواءُ، والظلُّ، فبِمَ يتبرَّدُ أهلُ النارِ؟

أما هواءُهم فسَمومٌ حامٍ، وأما ماؤُهم فحَميمٌ، وأما ظلُّهم فيَحمومٌ، وهو دُخانُها{فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ(٤٢)وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ}[الواقعة42-43]أجارَنا اللهُ من ذلكَ كلِّه بكرمِه.

أفي النارِ جبالٌ؟

نعمْ؛ جبلُ العقبةِ{فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ} وجبلُ صَعودٍ:{سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا} يصعدَهُ سبعينَ خرِيفًا، يُجذَبُ منْ أمامِهِ بسلاسلِ الحديدِ، ويُضربُ من خَلفِهِ بمقامعِ الحديدِ([3]).(كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا}[الحج٢١-٢٢].

هل يُربَطونَ؟

نعم؛ إهانةً لهم، بثلاثةِ أربِطةٍ: أغلالٍ في أعناقِهمْ، وقيودٍ بالأيديْ والأرجُلِ، وسلاسلَ مستديرةٍ على أجسامهمْ:{إِذِ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلَاسِلُ يُسْحَبُونَ(٧١)}{ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ}.(أمَا وعزَّتِهِ، ما قيَّدَهُم مخافةَ أن يُعجزُوه، ولكنْ لتَرْسَى بهمُ القيودُ في النارِ)([4]).‌

ما لباسُ أهلِ النارِ؟

{قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ}[الحج١٩].فسبحانَ مَنْ خلقَ منَ النارِ ثيابًا، لكنها مُنتنةٌ مُلتهبةٌ!{سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ}[إبراهيم:٥٠]..

أيَموتونَ؟         {وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ}[إبراهيم١٧].

 

الحمدُ للهِ يكفِينا ويُعطِينا، ومن النارِ – برحمتِهِ - سيُنجِينا، والصلاةُ والسلامُ على هادِينا، أما بعدُ: فلنكثِر من الاستعاذِة من عذابِ النارِ، في صلواتِنا، ودعواتِنا، وخلواتِنا وجلواتِنا؛ فإننا وإن أكرمَنا اللهُ بالإسلامِ والسنةِ، فإن ذنوبَنا يجبُ أن تُخِيفَنا.

وتأملْ هذا الموقفَ المُفجعَ المُوجعَ، حينما ينجوْ الناجونَ، فيَدخلونَ الجنةَ بفضلِ ربِهِم، فيَفقِدونَ بعضَ أحبابِهم. فماذا يَصنعونَ؟

قالَ نبيُك e كما في صحيحِ البخاريِ: إِذَا رَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ نَجَوْا، فِي إِخْوَانِهِمْ، يَقُولُونَ: رَبَّنَا إِخْوَانُنَا، كَانُوا يُصَلُّونَ مَعَنَا، وَيَصُومُونَ مَعَنَا، وَيَعْمَلُونَ مَعَنَا..وَيُحَرِّمُ اللَّهُ صُوَرَهُمْ عَلَى النَّارِ، فَيَأْتُونَهُمْ وَبَعْضُهُمْ قَدْ غَابَ فِي النَّارِ إِلَى قَدَمِهِ، وَإِلَى أَنْصَافِ سَاقَيْهِ، فَيُخْرِجُونَ مَنْ عَرَفُوا([5]).

أتدريْ ما الحسرةُ والخسارةُ الشديدةُ في الآخرةِ؟!

إنها حينَ يكتبُ اللهُ لكَ أن تفوزَ فتدخلَ الجنةَ، ثم تكتشفَ أن أحدًا من أهلِ بيتِكَ ليسوا معكَ في الجنةِ؟! وارَبّاهُ! ما الخبرُ؟!

اسمعْ:{قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ(15)لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ} [الزمر: 15، 16]

فيا أيُها الأولياءُ والآباءُ:{قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا}[التحريم٦].

{سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ(١٩١)رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ}[آل عمران]

{رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}[آل عمران].

{رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا(٦٥)}[الفرقان].

اللهم إن الكفارَ أقسمُوا بكَ{جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ} ونحنُ نُقسِمُ بكَ جَهْدَ أيمانِنا، لتَبعثنَ من يَموتُ، فلا تَجمعْنا يا ربَنا بأولئكَ البُعَداءِ؟!([6]).

اللهم إنا نعوذُ بك مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ وَفُجَاءَةِ نِقْمَتِكَ وَجَمِيعِ سَخَطِكَ.

اللهم اهدِ شبابَنا وشبابَ المسلمين. اللهم قِهمْ فِتنَ الشبهاتِ والشهواتِ.

اللهم احفظْ بلادَنا وبلادَ المسلمينَ. اللهم احفظنا والمسلمينَ أجمعينَ. واكفِنا شرَ الوباءِ بقدرتِكَ، وارفعهُ برحمتِكَ.

اللهم وفِّقْ وليَّ أمرِنا ووليَّ عهدِه لما تحبُّ وترضَى، وخُذْ بناصيتِهِما للبرِّ والتقوى. وارزقهمْ بِطانةَ الصلاحِ والفلاحِ.

اللهم احفظْ أبطالَ الأمنِ والصِّحةِ، وسددْ أبطالَ التعليمِ.

نستغفرُ اللهَ الحيَ القيومَ.. اللهم أسقِنا..اللهم لك الحمد على ما أنزلت..

اللهم صلِّ وسلِّمْ على عبدِكَ ورسولِكَ محمدٍ.{وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ }[العنكبوت45].

 

 

([1])مسند أحمد ط الرسالة (18398)

([2])صحيح مسلم (2842)

([3])«التخويف من النار والتعريف بحال دار البوار» (٤/ ٢١٢).

([4])قاله الحسن البصري. انظر: «التخويف من النار والتعريف بحال دار البوار» (٤/ ٢٢٤):

([5])صحيح البخاري (7439)

([6]) بمعناه من أدعية أحد السلف. انظر: «التخويف من النار والتعريف بحال دار البوار» (٤/ ٣٦٨)

المرفقات

أنذرتكم-النار-2

أنذرتكم-النار-2

أنذرتكم-النار-3

أنذرتكم-النار-3

المشاهدات 1077 | التعليقات 0