(أنا) الغرور والأنانية

إبراهيم بن صالح العجلان
1432/07/13 - 2011/06/15 21:21PM
( أنا) الغرور والأنانية
إخوة الإيمان :
النفس البشرية تخفي تحتها أمراضاً داخلية ، من آفات ودسائس ، وشرور وخبائث
ولذا كان من الخير والفلاح للعبد أن يعالج هذه الأدواء ، ومن الشـر والخيبـة أن يتركها تعشش على قلبه حتى تفسده وتهلكه .
وفي محكم التنزيل يقول سبحانه عن هذه النفس : ( قد أفلح من زكاها * وقد خاب من دسَّاها ) .... ، ونبي الهدى صلى الله عليه وسلم كثيراً ما كان يدعوا ربه ويبتهل بقوله : ( وقني شر نفسي ) .
ومن أمراض النفس البشرية التي تحتاج إلى وقفة وتذكير ، ومعالجة وتصوير : مرض الأنا ، وما أدراك ما مرض الأنا .
إنه مرض انتفاخ الذات ، وتضخيم النفس ، وتمجيد الروح .
قلِّب نظرك وارع سمعك ـ أخي المبارك ـ لبعض مجالس اليوم ترى لهذه الكلمة نصيباً وافراً ، وتردداً حاضراً .
عباد الله : كلمة الأنا تخفي تحتها أمراضاً وأدواء ، من العُجب والاستعلاء ، والأنانية والكبرياء .
إنها كلمة تحمل في طياتها لغة الغرور، ونزعة التزاهي ، ولهجة النكران ، ومنطق الجحود
إنها الكلمة التي استخدمها إبليس في المحاججة والمعاندة فقال : ( أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين ) .
إنها الكلمة التي رددها فرعون وباهى بها ، فقال : ( أنا ربكم الأعلى ) ، وقـال :
( أم أنا خير من هذا الذي هو مهين ولا يكاد يبين ) .
وهي الكلمة التي فاخر بها صاحب الجنتين ، فقال لصاحبه وهو ظالم لنفسه : ( أنا أكثر منك مالاً وأعز نفراً ) .
وهي الكلمة التي استشربها قارون في نفسه ، فقال ناسباً ثرائه إلى عندياته : ( إنما أُوتيته على علم عندي ) .
إنها الكلمة التي تجعل الإنسان لا يرى إلا نفسه ، ولا يهتم إلا بشخصه .
ترى هذا النوع من البشر مصاب بداء العظمة ، هائم في عالم النرجسية ، مستغرق مع خيالات الطاووسية .

هو صواب وغيره خطأ ، هو معرفة وسواه نكره ، هو حاضر والباقي غائب .
أفكاره هي المختارة ، وأقواله هي المقدَّمة ، فهو الأفهم والأقدر ، وهو الأحرص والأنقى .
هذا النوع من البشر إن تحدث فدندنته حول نفسه ، لا يفتأ من ذكر محاسنه وبطولاته ، وتاريخه ومغامراته .
يحــزن إن لم يبجَّل ، يغتــم إن لم يقم له .
همــه كيف تنصرف الوجوه لي ، تفكيره كيف أجعل الأسماع تصغي إلي.
مفتون بالأضواء ، مبهور بحب الشهرة .
هذا المنتفخ بالأنا ذاته هي الأول والآخر ، لا تهمه مصالح الآخرين ، لا يعنيه شأن أمته ، ولا يحزنه تدهور أوضاعها .
هذا النوع من البشر بحاجة إلى أن يتذكر حقيقته ، وهو أنه بالأمس كان نطفة قذرة
وهو اليوم يحمل بين جنية عذره ، وهو غداً محمول إلى حفرة .
فتنة الأنا ـ عباد الله ـ لا تنبت إلا في نفس مريضة ، وقلب عليل ، لكنَّ لها مهيجات مغذيات تسوق سوقاً إلى هذا الداء ،،،، فالمنصب العالي ، والثراء الفاحش ، والشهرة الواسعة فتن لـمَّـاعة ، ربما جرت صاحبها لمرض الانتفاخ والتعاظم ، والمعصوم من عصمه الله .
داء الأنا ـ إخوة الإيمان ـ له صور وأشكال ، قد يكون بلسان المقال ، وقد يأتي بلسان الحال ،قد يكون في صورة الغرور والتعالي ، وقد يأتي في شكل حب الذات والأنانية .
قد يأتي في سياق الوضوح والصراحة ، وقد يجيء في صور التعريض والإلماحة ,
ـ الحديث عن النفس في سياق الإطراء صورة صريحة للأناء .
ـ مرآة الناس بالأعمال صورة صامتة للأناء ، وفي الحديث : ( الرجل يقاتل ليرى مكانه ) لا حظ له من أجر الشهادة .
ـ النقد اللاذع للآخرين ، وحشد هفواتهم ، وتقزيم آرائهم ، واحتقار أفعالهم ، هي رسائل خفية لإعلان شأن الذات .
ـ التعصب للرأي ، وعدم الرجوع للحق ، خشية التعرض للقدح والتنقص ، أنا متجذرة ، دالة على الكبر والغرور .
ـ الأنفة من النصيحة ، استصغاراً واحتقاراً بأهلها نوع آخر من التكبر ، سببه الأنا.

والكبر في ميزان الشرع:( بطر الحق،وغمط الناس )أي: رد الحق ، واحتقار الناس.
ـ التقدم على كبار السن في المجالس ، فيه ما فيه من حب البروز ، ونزعة الأنا .
ـ من يتخطى غيره في أماكن الترتيب والاصطفاف ، ولا يقدر للناس وقوفهم وانتظارهم ، تصرف مقيت ، وأنانية مرذولة .
ـ من يغلق بسيارته الطريق ، أو مراكب غيره ، لأجل مصالحة الخاصة ، تخلف حضاري يوحي بالأنانية والأنا .
عباد الله :
وأسوأُ صور الأنا وأشنعها : أن يتطفل صاحب الأنا على مقام الشريعة بلا علم ، فيجعل لنفسه حق الاجتهاد ، والفتيا في النوازل ، والفصل في مضائق المسائل ، وهو مع ذلك جاهل بالناسخ والمنسوخ ، لا يميز المحكم من المتشابه ، ولا يعرف الصحيح من الضعيف ، وربما لا يحسن قراءة بعض آيات التنزيل .
هذا النوع من المتعالمين المتعالين بلينا بهم في مجتمعنا ، وعبر صحفنا وإعلامنا ،
يأتي متعالم لم يخض غمار العلم وبشخطة قلم ! يصنف العلماء والفتاوى ، والمسائل والمواقف ، ترى في لحن قولهم عبارات من أمثال : هذا متشدد وذاك معتدل ، هذا تنويري وذاك ظلامي ، هذا رأي معتبر وذاك غير معتبر .
يقولون هذا عندنا غير جائز .............. ومن أنتم حتى يكون لكم عند
عباد الله :
ليس كل من قال أنا فهو بالضرورة قد وقع في داء الأنانية أو الغرور .
ليس من قال أنا فهو متعالٍ على الغير متكبر ، كلا ... قد قال خير البشر صلى الله عليه وسلم يوم حنين : ( أنا النبي لا كذب ، أنا ابن عبد المطلب ) وقال : ( أنا سيد ولد آدم ولا فخر ) .
فقد يتحدث المرء عن نفسه لحاجة ، لا كبراً ولا مفاخرة , وإنما من باب الاقتداء به ، أو للتحدث بنعمة الله عليه ( وأما بنعمة ربك فحدث) ، والميزان في ذلك مقصد القلب ، وما يكنه الصدر لا يعلمه إلا علام الغيوب ، وفي محكم التنزيل :
( واعلموا أن الله يعلم ما في أنفسكم فاحذروه ) .

وبعد إخوة الإيمان : فكم نحن بحاجة أن نربي أنفسنا وأبناءنا ومجتمعنا على هضم النفس ، وهجران أنا الغرور ، وأنا الأنانية .
كم نحن بحاجة أن نلغي كلمة أنا من قاموس أحاديثنا ، حتى لا تغتر النفس بعد ذلك وتبطر .
وكم نحن بحاجة أيضاً أن نزرع في حياتنا المعاني المضادة للأنا من التواضع والإيثار والكرم والبذل ونفع الغير .
فمجتمع تتجذر فيه هذه الأخلاقيات جدير أن يسود بين أفراده التوادد والتآلف ، والمحبة والتعاطف .
إخوة الإيمان : إنَّ هضم النفس وازدراء العمل علاج فعال لمن بلي بهذا الداء .
هضم النفس خلق نبيل ، وسلوك جميل ، هو سجية الصالحين الأتقياء ، والمؤمنين الأخفياء ، وهو مؤشر على صلاح النفس ، وإرادة الدار الآخرة ، وصدق الله ومن أصدق من الله قيلاً : ( تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علواً في الأرض ولا فساداً والعاقبة للمتقين ) .
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ، ونفعنا بهدي سيد المرسلين ، وأستغفر الله العظيم .


الخطبة الثانية
أما بعد : فحينما نقلب سير سلفنا وصالحي أمتنا نرى في أخبارهم عجباً ، وفي سيرهم تربية وعبراً ، ومثلاً ودرراً .
لقد حسُنت علاقتهم بربهم وعظمت، فعظم أدبهم ،وظهر تقواهم على جوارحهم
كانوا يكرهون أن يتحدثوا عن أنفسهم بالمدح والثناء ، مع استحقاقهم لأضعاف هذا الإطراء ، كان أحدهم يبلغ منزلة رفيعة ، ومكانة عالية فيضطرب فؤاده فرَقاً أن يكون هذا فتنة واستدراج .
كانوا يعملون أعمالاً عظيمة ، ويسجلون مواقف خالدة لكنهم كانوا يخشون ذهابها بالعجب والغرور ،،،، عظُم مقام الله في قلوبهم ، فصغرت في أعينهم قرباتهم وطاعاتهم
هذا أمير المؤمنين عمر رضي الله عن عمر ، يحكم أطرافاً متباعدة ، ومفاوز متنائية، فيملؤها عدلاً وقسطاً ، إذا ذكر العدل ذكر عمر ، وإذا ذكر الزهد لاحت سيرة عمر ، وإذا ذكر الخوف من الله تلألأت شخصية الفاروق .
أعز الله به الإسلام ، وأطفأ به نار المجوس ، وما سلك أبو حفصٍ فجَّا إلا سلك الشيطان فجَّا غيره ، وافقه القرآن في بضعة مواضع ، بشره الرسول بالجنة ، وبقصر منيف فيها ،
فماذا كان عمر يرى أعماله التي قدَّمها ، يحدثنا أبو موسى الأشعري عن حوار دار بينه وبين عمر فيقول : قال لي عمر : هل يسرك أنَّ إسلامنا مع رسول الله وهجرتنا معه ، وشهادتنا وعملنا ، كله يُرد علينا ، لقاء أن ننجو كَفافاً ، لا لنا ولا علينا ، فيجيبه ابو موسى : لا والله يا عمر ، فلقد جاهدنا ، وصلينا ، وصمنا ، وعملنا خيراً كثيراً ، وإنا لنرجو ثواب ذلك ، فيقول عمر ودموعه تتحدر : أما أنا فو الذي نفس عمر بيده لودِدتُ أن ذلك يرد علي ، ثم أنجوا كفافاً رأساً برأس .
ولما دنى اجل عمر وحضرت وفاته قال لابنه عبد الله : ضع خدي في التراب لعل أن يرحم عمر .
ـ وهذا أمير المؤمنين في علم الحديث سفيان الثوري ، والذي أوقف حياته كلها بليلها ونهارها في خدمة الحديث النبوي ، يتمنى في آخر عمره ، فماذا يتمنى ؟
يقول عن نفسه : ليتني انقلب منه ـ أي علم الحديث ـ كَفافاً لا لي ولا علي .
ـ وهذا العالم العامل إمام أهل السنة والجماعة أحمد بن حنبل أتعب من بعده في العلم والعمل، والصبر والورع ، أثنى عليه بعض أصحابه فقال : جزاك الله عن الإسلام خيراً ، فتغير وجهه وعلا الغم قسماتِ وجهه ، فقال محتقراً نفسه : بل جزى الله الإسلام عني خيراً ، من أنا ؟ وما أنا !.
في محنة القرآن عجَّت له مدن بالدعاء ، فجاءه له رجل مبشراَ ، فقال : أخشى أن يكون هذا استدراج ،......... قال عنه رفيق حياته يحيى بن معين : ما رأيت مثل أحمد ، صحبناه خمسين سنة ، ما افتخر علينا بشيء مما كان فيه من الخير .
وهذا الملك الصالح العادل نور الدين محمود زنكي ، قال عنه ابن كثير: كان يقوم في أحكامه بالمعدلة الحسنة ، وإتباع الشرع المطهر ، وأظهر ببلاده السنة ، وأمات البدعة .
ومع ذلك كان يزدري نفسه ويحتقرعمله ، كان رحمه الله في أول أمره يأخذ الضرائب من الناس ينفقها على الجيش ليحمي به الديار والأعراض ، فأفتى له فقهاء عصره أنَّ عمله غير مشروع ، وأنه أخذ للمال بغير حق ، فماذا صنع أمام رأي الشرع !!! لم يتكبر ولم يصعر خده ، وإنما تحسر وندم واستغفر ، ثم كتب إلى الناس
يطلب منهم أن يحللوه ، وسمعه بعض خاصته يدعوا في سجوده : اللهم ارحم المكَّاس العشَّار الظالم محمود الكلب .
تلك بعض سير القوم ، وشي من هضمهم لأنفسهم ، واحتقارهم لأعمالهم .
فتشبهوا إن لم تكـونوا مثلهـم إن التشبه بالكـرام فـلاح
المشاهدات 5448 | التعليقات 2

هربت من تعريفها بـ(أل) ووقعت في إضافتها إلى ما فيه (أل) :)
وكلاهما مما لا يجوز في الضمير ؛ لأنه معرفة ، فلا يحتاج إلى تعريف بـ(أل) ولا بالإضافة ، وخاصة أن من علماء النحو من يجعلون الضمير أعرف المعارف .

قال عباس حسن في كتابه (النحو الوافي) :

ولكن المعارف تختلف في درجة التعيين والتعريف ، فبعضها أقوى من بعض . وآراء النحاة متضاربة في ترتيبها من حيث القوة . وأشهر الآراء : أن أقواها بعد لفظ الجلالة وضميره ـ هو ـ : ضمير المتكلم ، ثم ضمير المخاطب ، ثم العلم ، وهو درجات متفاوتة القوة في درجة التعريف . ويلحق بعلم الشخص في درجة التعريف العلم بالغلبة ، ثم ضمير الغائب الخالي من الإبهام : " بأن يتقدمه اسم واحد معرفة أو نكرة ، ... ثم اسم الإشارة ، والمنادي " النكرة المقصودة " وهما في درجة واحدة ؛ لأن التعريف بكل منهما يتم إما بالقصد الذي يعينه المشار إليه ، وإما بالتخاطب ... ثم الموصول ، والمعرف بأل ، وهما في درجة واحدة ، أما المضاف إلى معرفة فإنه في درجة المضاف إليه . إلا إذا كان مضافًا للضمير . فإنه يكون في درجة العلم على الصحيح .
وأقوى الأعلام أسماء الأماكن ، لقلة الاشتراك فيها ، ثم أسماء الناس ، ثم أسماء الأجناس .
وأقوى أسماء الإشارة ما كان للقرب ، ثم ما كان للوسط ، ثم ما كان للبعد .
وأقوى أنواع " أل" التي للعهد ما كانت فيه للعهد الحضوري ، ثم ما كانت فيه النوعين الآخرين من العهد ، ثم للجنس . انتهى كلامه .

ومن الملحوظات الصغيرة في عنوان الخطبة أيضًا لفظ (الأنانية) فهو لفظ مصنوع مولد ، واللفظ الفصيح المؤدي معناه هو (الأثرة) والأثرة هي عكس (الإيثار)

ولأخيك الفقير إلى عفو ربه خطبة بعنوان (الإيثار والأثرة ) على هذا الرابط :

http://www.alminbar.net/alkhutab/khutbaa.asp?mediaURL=8827

وفي رأيي أن لو اكتفيت بـ(الغرور) عنوانًا للخطبة لكفى ، هذا مجرد رأي ، لم يحملني على إبدائه إلا أني أراك ـ شيخ إبراهيم ـ صاحب قلم سيال وأسلوب جميل ، ولا تنقصك الآلة اللغوية .
وأما الخطبة فهي جميلة ماتعة ، وفقك الله وسددك ونفع بعلمك ، إنه جواد كريم .


تم تغيير العنوان بعد اقتراح الشيخ إبراهيم الحقيل وبيانه أن (ال) التعريف لا تدخل على الضمائر فجزاه الله كل خير ،