أمير المؤمنين معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه رقم 1.

عبد الله بن علي الطريف
1445/02/09 - 2023/08/25 08:44AM

أمير المؤمنين معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه1 في. 1445/29هـ

أيها الإخوة: لقد اختار الله تعالى الرسلَ من بين البشرِ ليبلغوا عنه هذا الدين، ويقودوا البشرية إلى صلاح الدنيا والدين، فقال: (اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ) [الحج:75] قال الشيخ السعدي رحمه الله: أي: يختار ويجتبي من الملائكة رسلًا ومن الناس رسلًا يكونون أزكى ذلك النوع، وأجمعه لصفات المجد، وأحقه بالاصطفاء، فالرسل لا يكونون إلا صفوة الخلق على الإطلاق، والذي اختارهم واصطفاهم ليس جاهلًا بحقائق الأشياء، أو يعلم شيئا دون شيء، وإنما الْمُصْطَفِى لهم، السميع، البصير، الذي قد أحاط علمه وسمعه وبصره بجميع الأشياء، فاختياره إياهم، عن علم منه، أنهم أهل لذلك، وأن الوحي يصلح فيهم كما قال تعالى: (اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ) أي: فيمن علمه أنه يصلح لها، ويقوم بأعبائها، وهو متصف بكل خلق جميل، ومتبرئ من كل خلق دنيء، أعطاه الله ما تقتضيه حكمته أصلا وتبعا، ومن لم يكن كذلك، لم يضع أفضل مواهبه، عند من لا يستأهله، ولا يزكو عنده..

واختار لهم من البشر أصحاباً ليؤازروهم ويحملوا دعوتهم من بعدهم..

أيها الإخوة: وكان رسولنا ﷺ أفضل الرسل عليهم الصلاة والسلام، واختار الله لصحبته وتلقي الشريعة عنه قوما هم أفضل هذه الأمة التي هي خير الأمم؛ فشرَّفَهم سبحانه بصحبة نبيه ﷺ، وخصَّهم في الحياة الدنيا بالنظر إليه، وسماع الحديث من فمه الشريف غضًا طريًا، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم.. واجتمع فيهم من الخصال الحميدة ما لم يجتمع في غيرهم منذ بدء الخليقة إلى قيام الساعة.. فكان لهم من الشرف والكرامة عند الله ما ليس لغيرهم.

وقد بلَّغوا عن رسول الله ﷺ ما بعثه الله به من النور والهدى على أكمل الوجوه وأتمها، فكان لهم الأجر العظيم لصحبتهم رسولَ الله ﷺ، والجهاد في سبيل الله معه، ونشر الإسلام فيما فتح على أيديهم، ولهم مثل أجور من بعدهم؛ لأنهم الواسطة بينهم وبين رسول الله ﷺ.

ونقصد بالصحابي: من لقي النبي ﷺ مؤمنا به ومات على الإسلام، وتحقق فيهم رضي الله عنهم ما لم يتحقق في غيرهم من الأصحاب، فعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه، قَالَ: "إِنَّ اللهَ نَظَرَ فِي قُلُوبِ الْعِبَادِ، فَوَجَدَ قَلْبَ مُحَمَّدٍ ﷺ خَيْرَ قُلُوبِ الْعِبَادِ، فَاصْطَفَاهُ لِنَفْسِهِ، فَابْتَعَثَهُ بِرِسَالَتِهِ، ثُمَّ نَظَرَ فِي قُلُوبِ الْعِبَادِ بَعْدَ ذلك، فَوَجَدَ قُلُوبَ أَصْحَابِهِ خَيْرَ قُلُوبِ الْعِبَادِ، فَجَعَلَهُمْ وُزَرَاءَ نَبِيِّهِ، يُقَاتِلُونَ عَلَى دِينِهِ". رواه أحمد وحسنه الألباني..

والصحابة رضي الله عنهم هم الذين أخلصوا دينهم لله، وجردوا متابعتهم لرسول الله ﷺ على التمام والكمال، ودافعوا عنه في جميع الأحوال، وهان عليهم في سبيله الأرواح والأولاد والأموال.

أيها الإخوة: ولقد كان من أصحاب رسول الله ﷺ، والمقربين منه مُعَاوِيَةَ ابن أبي سفْيَانَ وسماه الذهبيُ: في ترجمته: أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ، مَلِكُ الإِسْلاَمِ، أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ القُرَشِيُّ، الأُمَوِيُّ، المَكِّيُّ. وقد ولد بمكة قبل البعثة بخمس سنين، قال ابن كثير: هُوَ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ صَخْرُ بْنُ حَرْبِ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ قُصَّيٍّ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْقُرَشِيُّ الْأُمَوِيُّ، خَالُ الْمُؤْمِنِينَ، وَكَاتِبُ وَحْيِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، أَسْلَمَ هُوَ وَأَبَوْهُ وَأُمُّهُ هِنْدُ بِنْتُ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ يَوْمَ الْفَتْحِ، وَقَدْ رُوي عَنْ مُعَاوِيَةَ أنَّه قال: أَسْلَمْتُ يَوْمَ عُمْرَةِ القَضَاءِ وَلكنيِ كَتَمْتُ إِسْلَامِي من أبي إِلَى يَوْمِ الْفَتْحِ، وَقَدْ كَانَ أَبُوهُ مِنْ سَادَاتِ قُرَيْشٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَآلَتْ إِلَيْهِ رِيَاسَةُ قُرَيْشٍ بَعْدَ يَوْمِ بَدْرٍ، فَكَانَ هُوَ أَمِيرَ الْحُرُوبِ مِنْ ذَلِكَ الْجَانِبِ، وَكَانَ رَئِيسًا مُطَاعًا ذَا مَالٍ جَزِيلٍ، وَلَمَّا أَسْلَمَ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مُرْنِي حتَّى أُقَاتِلَ الْكُفَّارَ كَمَا كُنْتُ أُقَاتِلُ الْمُسْلِمِينَ، قَالَ ﷺ: "نَعَمْ، قَالَ، وَمُعَاوِيَةُ تَجْعَلُهُ كَاتِبًا بَيْنَ يَدَيْكَ، قَالَ ﷺ: نَعَمْ"

وَحَسُنَ إِسْلَامُ مُعَاوِيَةُ، وَكَانَ لَهُ مَوَاقِفُ شَرِيفَةٌ، وَآثَارٌ مَحْمُودَةٌ فِي يَوْمِ الْيَرْمُوكِ، وَمَا قَبْلَهُ وَمَا بَعْدَهُ، وَصَحِبَ مُعَاوِيَةُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَكَتَبَ الْوَحْيَ بَيْنَ يَدَيْهِ مَعَ الْكُتَّابِ، وَرَوَى عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَحَادِيثَ كثيرة في الصَّحيحين وغيرهما من السنن والمسانيد، وَرَوَى عَنْهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعَينِ، قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي الدُّنْيَا: كَانَ مُعَاوِيَةُ طَوِيلًا أَبْيَضَ جَمِيلًا.. أَجْلَحَ أي "انحسر شَعْرُه عن جانبي رأسه" وكان يُصَفِّرُ لِحْيَتَهُ كَأَنَّهَا الذَّهَبُ، أو يخضبها بالحناء والكتم. وقد أصابته لوقة وهي نوع من شلل العصب الوجهي فِي آخِرِ عُمْرِهِ، فَكَانَ يَسْتُرُ وَجْهَهُ وَيَقُولُ: "رَحِمَ اللَّهُ عَبْدًا دَعَا لِي بِالْعَافِيَةِ، فَقَدْ رُمِيتُ فِي أَحْسَنِي وَمَا يَبْدُو مِنِّي" وَكَانَ حَلِيمًا وَقُورًا رَئِيسًا سَيِّدًا فِي النَّاسِ، كَرِيمًا عَادِلًا شهماً.. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كُنْتُ أَلْعَبُ مَعَ الغِلْمَانِ، فَدَعَانِي النَّبِيُّ ﷺ وَقَالَ: (ادْعُ لِي مُعَاوِيَةَ) وَكَانَ يَكْتُبُ الوَحْيَ. رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ، شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة.

عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: الدُّهَاةُ أَرْبَعَةٌ: مُعَاوِيَةُ لِلْأَنَاةِ وَالْحِلْمِ، وَعَمْرٌو لِلدَّاهِيَةِ وَالْحَرْبِ، وَالْمُغِيرَةُ لِلْمُعْضِلَاتِ الشَّدَائِدِ، وَزِيَادٌ عَلَى الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ

 وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "استَكْتَبَه النبيُّ ﷺ لخِبْرَتِه وأمانتهِ" وقال: "وَفَضَائِلُ مُعَاوِيَةَ فِي حُسْنِ السِّيرَةِ وَالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ كَثِيرَةٌ. وَفِي الصَّحِيحِ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِابْنِ عَبَّاسٍ: هَلْ لَكَ فِي أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ مُعَاوِيَةَ؟ إِنَّهُ أَوْتَرَ بِرَكْعَةٍ؟ قَالَ: أَصَابَ إِنَّهُ فَقِيهٌ"..  وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله: "ظاهر شهادة ابن عباس له بالفقه والصُّحبة دالةٌ على الفضل الكثير" وقال عنه أيضاً: «ما رأيتُ رجلًا كان أخْلَقَ للمُلك من معاوية» مصنف عبد الرزاق (20985)

وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَشْبَهَ صَلَاةً بِصَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ مِنْ إِمَامِكُمْ هَذَا. يَعْنِي مُعَاوِيَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. رَوَاه الْبَغَوِيُّ فِي مُعْجَمِهِ بِإِسْنَادِهِ، وَرَوَاهُ ابْنُ بَطَّةَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ".

ويلقب بخال المؤمنين فهو أخٌ لِأُمِّ المؤمنين أمِّ حَبيبة رَمْلة بنت أبي سفيان رضي الله عنها؛ ولذلك قال الإمام أحمد: «أقول: معاوية خال المؤمنين، وابن عمر خال المؤمنين» السنة للخلال (657) وعن عبد الملك بن عبد الحميد الميموني قال: قلت لأحمد ابن حنبل: "أليس قال النبي ﷺ: «كُلّ صِهْرٍ وَنَسَبٍ يَنْقَطِعُ إلّا صِهْرِي وَنَسَبِي؟» قال: «بلى!» قلت: «وهذه لمعاوية؟» قال: نعم، له صهرٌ ونسبٌ" السنة للخلال (654)

ولَقَدْ خَصَّ النَّبِيُّ ﷺ مُعَاوِيَةَ بِدَعَوَاتٍ كَثِرَةٍ نَذْكُرُ مِنْهَا: عَنْ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ السُّلَمِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَقُولُ: «اللَّهُمَّ عَلِّمْ مُعَاوِيَةَ الْكِتَابَ وَالْحِسَابَ، وَقِهِ الْعَذَابَ» رواه أحمد وابن حبان وقال الألباني حديث حسن صحيح. وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عُمَيْرَةَ الْمُزَنِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ لِمُعَاوِيَةَ: «اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ هَادِيًا مَهْدِيًّا وَاهْدِ بِهِ» رواه الترمذي وصححه الألباني.. وعَنْ أَبِي إِدْرِيسَ الخَوْلَانِيِّ، قَالَ: لَمَّا عَزَلَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ عُمَيْرَ بْنَ سَعْدٍ عَنْ حِمْصَ وَلَّى مُعَاوِيَةَ، فَقَالَ النَّاسُ: عَزَلَ عُمَيْرًا وَوَلَّى مُعَاوِيَةَ، فَقَالَ عُمَيْرٌ: لَا تَذْكُرُوا مُعَاوِيَةَ إِلَّا بِخَيْرٍ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: «اللَّهُمَّ اهْدِ بِهِ» رواه الترمذي وقال الألباني صحيح لغيره.

ووصف النبيُ ﷺ عهده بالرحمة. قال ﷺ: «أوَّلُ هَذَا الْأمْرِ نُبُوَّةٌ وَرَحْمَةٌ، ثُمَّ يَكُونُ خِلَافَةً وَرَحْمَةً، ثُمَّ يَكُونُ مُلْكًا وَرَحْمَةً» رواه الطبراني في الكبير وذكره الألباني في السلسلة الصحيحة. (3270)

كان عمر إذا نظر إلى معاوية قال: هذا كسرى العرب، وذكر ابن سعد عن المدائني قال: نظر أبو سفيان إلى معاوية رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وهو غلام فقال: إن ابني هذا لعظيم الرأس وإنه لخليق أن يسود قومه، فقالت هند: قومه فقط ثكلته إن لم يسد العرب قاطبة.. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (وكانت إمارة معاوية ملكًا ورحمةً)

وَبَشَرَ النَّبِيُّ ﷺ مُعَاوِيَةَ رضي الله عنه بالجنة. فَقَالَ: «أوَّلُ جَيْشٍ مِنْ أُمَّتِي يَغْزُونَ الْبَحْرَ قَدْ أَوْجَبُوا» وقَالَ: «أَوَّلُ جَيْشٍ مِنْ أُمَّتِي يَغْزُونَ مَدِينَةَ قَيْصَرَ مَغْفُورٌ لَهُمْ» رواه البخاري. قَالَ الْمُهَلَّب: "فِي هَذَا الْحَدِيثِ مَنْقَبَةٌ لِمُعَاوِيَة لِأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ غَزَا الْبَحْرَ، وَمَنْقَبَةٌ لِوَلَدِهِ يَزِيد لِأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ غَزَا مَدِينَةَ قَيْصَرَ".. وقال ابن عباس: «ما رأيتُ رجلًا كان أخْلَقَ للمُلك من معاوية» مصنف عبد الرزاق وهو صحيح الإسناد. وقال عنه الإمام عبد الله بن المبارك لما سئل: هل عمر بن عبد العزيز أفضل أم معاوية؟ فقال: "واللهِ إن الغبار الذي دخل في أنف معاوية مع رسول الله ﷺ أفضل من عمر بألف مرة!" وفيات الأعيان. وَذُكِرَ عِنْدَ الْأَعْمَشِ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَعَدْلِهِ، فَقَالَ: "فَكَيْفَ لَوْ أَدْرَكْتُمْ مُعَاوِيَةَ؟ قَالُوا: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ، يَعْنِي فِي حِلْمِهِ؟ قَالَ: لَا وَاللَّهِ، أَلَا بَلْ فِي عَدْلِهِ" رواه الخلال في السنة.

قال الإمام الذهبي رحمه الله: «حَسْبُكَ بِمَنْ يُؤَمِّرُهُ عُمَرُ، ثُمَّ عُثْمَانُ عَلَى إِقْلِيْمٍ وَهُوَ ثَغْرٌ فَيَضْبِطُهُ، وَيَقُوْمُ بِهِ أَتَمَّ قِيَامٍ، وَيُرْضِي النَّاسَ بِسَخَائِهِ وَحِلْمِهِ، وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُمْ تَأَلَّمَ مَرَّةً مِنْهُ، وَكَذَلِكَ فَلْيَكُنِ المَلِكُ. وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِ رَسُوْلِ اللهِ ﷺ خَيْرًا مِنْهُ بِكَثِيْرٍ، وَأَفْضَلَ، وَأَصْلَحَ، فَهَذَا الرَّجُلُ سَادَ وَسَاسَ العَالَمَ بِكَمَالِ عَقْلِهِ، وَفَرْطِ حِلْمِهِ، وَسَعَةِ نَفْسِهِ، وَقُوَّةِ دَهَائِهِ، وَرَأْيِهِ!»

حيث قال أبو إسحاق السبيعي الكوفي رحمه الله: «كان معاوية، وكان وكان، وما رأينا بعده مثله!»

وقال مجاهد رحمه الله: «لو رأيتم معاوية لقُلْتم: هذا المهدي!» كما قال قتادة رحمه الله: «لو أصبحتم في مثل عمل معاوية، لقال أكثَرُكُم: «هذا المهدي!»

وقد قيل للحسن البصري رحمه الله: يا أبا سعيد، إن ههنا قوماً يَشتمون أو يلعنون معاوية وابن الزبير!، فقال: "عَلَى أولئك الذين يَلعَنونَ لعنةُ اللهِ" تاريخ دمشق وتوفي رضي الله عنه في رجب سنة ستين على الصحيح. وسنة بضع وسبعون إلى الثمانين اهـ.. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

الخطبة الثانية:

 أما بعد أيها الإخوة: يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: في منهاج السنة النبوية (6/ 236) "وَمُعَاوِيَةُ لَيْسَ مِنَ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ، بَلْ قَدْ قِيلَ: إِنَّهُ مِنْ مُسْلِمَةِ الْفَتْحِ. وَقِيلَ: أَسْلَمَ قَبْلَ ذَلِكَ. وَكَانَ يَعْتَرِفُ بِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ فُضَلَاءِ الصَّحَابَةِ." ثم قال: "وَمَعْلُومٌ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ أَنَّهُ لَيْسَ قَرِيبًا مِنْ عُثْمَانَ وَعَلِيٍّ، فَضْلًا عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ. وَهَلْ تُوجَدُ سِيرَةُ أَحَدٍ مِنَ الْمُلُوكِ مِثْلُ سِيرَةِ مُعَاوِيَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ" أهـ

عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: حَدَّثَنِي الْمِسْوَرُ بْنُ مَخْرَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ وَفَدَ عَلَى مُعَاوِيَةَ، قَالَ: فَلَمَّا دَخَلْتُ عَلَيْهِ حَسِبْتُ أَنَّهُ قَالَ: سَلَّمْتُ عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: «مَا فَعَلَ طَعْنُكَ عَلَى الْأَئِمَّةِ يَا مِسْوَرُ؟» قَالَ: قُلْتُ: ارْفُضْنَا مِنْ هَذَا، أَوْ أَحْسِنْ فِيمَا قَدِمْنَا لَهُ، قَالَ: «لَتُكَلِّمَنَّ بِذَاتِ نَفْسِكَ» قَالَ: فَلَمْ أَدَعْ شَيْئًا أَعِيبُهُ بِهِ إِلَّا أَخْبَرْتُهُ بِهِ، قَالَ: «لَا أَبْرَأُ مِنَ الذُّنُوبِ فَهَلْ لَكَ ذُنُوبٌ تَخَافُ أَنْ تَهْلَكَ إِنْ لَمْ يَغْفِرْهَا اللَّهُ لَكَ؟» ، قَالَ: قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: «فَمَا يَجْعَلُكَ أَحَقَّ بِأَنْ تَرْجُوَ الْمَغْفِرَةَ مِنِّي، فَوَاللَّهِ لَمَا أَلِي مِنَ الْإِصْلَاحِ بَيْنَ النَّاسِ، وَإِقَامَةِ الْحُدُودِ، وَالْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَالْأُمُورِ الْعِظَامِ الَّتِي تُحْصِيهَا أَكْثَرُ مِمَّا تَلِي، وَإِنِّي لَعَلَى دِينٍ يَقْبَلُ اللَّهُ فِيهِ الْحَسَنَاتِ، وَيَعْفُو فِيهِ عَنِ السَّيِّئَاتِ، وَاللَّهِ مَعَ ذَلِكَ مَا كُنْتُ لِأُخَيَّرَ بَيْنَ اللَّهِ وَغَيْرِهِ، إِلَّا اخْتَرْتُ اللَّهَ عَلَى مَا سِوَاهُ» قَالَ: فَفَكَّرْتُ حِينَ قَالَ لِي مَا قَالَ، فَوَجَدْتُهُ قَدْ خَصَمَنِي، فَكَانَ إِذَا ذَكَرَهُ بَعْدَ ذَلِكَ دَعَا لَهُ بِخَيْرٍ." ذكره ابن كثير بالبداية والنهاية بسند، وذكره جامع معمر بن راشد الأزدي، وقال محقق تاريخ الطبري ورجاله رجال الصحيح..

ألا فلنتقي الله ونترضى عنه.. وندعو الله أن يجعل الخيبة والخسران لمن أبغضه وسبه وقلاه.. وحري بنا أن نترحم ونترضى على كل أصحاب رسول الله ونحذر أن يوقعن الدجالون في قلوبنا على أحد منهم شرًا..

 

المشاهدات 4403 | التعليقات 0