أَمْنُ وَطَنِنَا أَمَانَةٌ فِي أَعْنَاقِنَا 3 رجب 1435هـ

محمد بن مبارك الشرافي
1435/07/01 - 2014/04/30 14:36PM
أَمْنُ وَطَنِنَا أَمَانَةٌ فِي أَعْنَاقِنَا 3 رجب 1435هـ
الْحَمْدُللهِ العَلِيمِ الْخَلَّاق ، أَمَرَ بِالأُلْفَةِوَالوِفَاق ، وَحَذَّرَ مِن الاخْتِلَافِ وَالشِّقَاق , وَأَشْهَدُأَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُالْخَالِقُ الرَّزَّاق ، وَأَشْهَدُأَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الْمُتَأَسِّي بِأَعْظَمِ الأَخْلاق ! صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَ أَصْحَابِهِوَالتَّابِعِينَ إِلَى يَوْمِ الْمَسَاق!
أَمَّا بَعْدُ : فَإِنَّ السَّمْعَ وَالطَّاعَةَ لِوُلَاةِ أَمْرِ الْمُسْلِمِينَ بِالْمَعْرُوفِ أَصْلٌ مِنْ أُصُولِ الْعَقِيدَةِ السَّلَفِيَّةِ , قَلَّ أَنْ يَخْلُو كِتَابٌ مِنْ كُتُبِ الْعَقِيدَةِ مِنْ هَذِا الأَصْلِ شَرْحَاً وَبَيَانَاً , وَمَا ذَاكَ إِلَّا لِبَالِغِ أَهَمِّيَّتِهِ وَعَظِيمِ شَأْنِهِ , إِذْ بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ لَهُمْ تَنْتَظِمُ مَصَالِحُ الدِّينِ وَالدُّنْيَا مَعَا , وَبِالافْتِيَاتِ عَلَيْهِمْ قَوْلاً أَوْ فِعْلاً فَسَادُ الدِّينِ وَالدُّنْيَا , وَلِذَلِكَ جَاءَتْ نُصُوصُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مُتَكَاثِرَةً فِي هَذَا الْمَوْضُوعِ , قَالَ اللهُ تَعَالَى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ)
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ أَطَاعَنِي فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ عَصَى اللَّهَ ، وَمَنْ يُطِعِ الأَمِيرَ فَقَدْ أَطَاعَنِي وَمَنْ يَعْصِ الأَمِيرَ فَقَدْ عَصَانِي) متفق عليه
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : يَقُولُ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ رَحِمَهُ اللهُ فِي الْحُكَّامِ : هُمْ يَلُونَ مِنْ أُمُورِنَا خَمْسَاً : الْجُمُعَةَ وَالْجَمَاعَةَ وَالْعِيدَ وَالثُّغُورَ وَالْحُدُودَ , وَاللهِ لا يَسْتَقِيمُ الدِّينُ إِلَّا بِهِمْ وَإِنْ جَارُوا وَظَلَمُوا , وَاللهِ لَمَا يُصْلِحُ اللهُ بِهِمْ أَكْثَرُ مِمَّا يُفْسِدُونَ , مَعَ أَنَّ طَاعَتَهُمْ وَاللهِ لَغِبْطَةٌ , وَإِنْ فُرْقَتَهُمْ لَكُفْرٌ ا.هـ.
أَيُّهَا الدُّعَاةُ إِلَى اللهِ : لَقَدْ كَانَ عُلَمَاءُ السَّلَفِ الصَّالِحِ رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِمْ يُولُونَ هَذَا الأَمْرَ اهْتِمَامَاً خَاصَّاً , وَلا سِيَّمَا عِنْدَ ظُهُورِ بَوَادِرِ الْفِتْنَةِ , نَظَرَاً لِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى الْجَهْلِ بِهِ أَوْ إِغْفَالِهِ مِنَ الْفَسَادِ الْعَرِيضِ فِي الْعِبَادِ وَالْبِلادِ .
وَمِمَّا يُؤْسَفُ لَهُ أَنَّهُ قَلَّ أَنْ يَتَكَلَّمَ الدُّعَاةُ وَطُلَّابُ العِلْمِ فِي هَذَا الْمَوْضُوعِ , إِمَّا جَهْلاً بِهِ أَوْ تَجَاهُلاً لَه , أَوْ خَوْفاً مِنْ أَنَ يَرْمِيْهِمُ العَامَّةُ بِالْمُدَاهَنَةِ لِلْحُكَّامِ !!! وَهَذَا عُذْرٌ وَاهٍ لَا يُسَوِّغُ السُّكُوتَ عَنْ بَيَانِ الحَقِّ .
وَتَعَالَوْا نَنْظُرْ أَحَدَ الْمَوَاقِفِ الْعَظِيمَةِ التِي خَلَّدَهَا التَّارِيخُ , وَكَانَتْ مِثَالاً لِلسُّنَّةِ فِي مُعَامَلَةِ الْوُلَاةِ . فَفِي زَمَنِ الإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ رَحِمَهُ اللهُ تَبَنَّى الْوُلَاةُ أَحَدَ الْمَذَاهِبِ الْفِكْرِيَّةِ السَّيِّئَةِ , وَهُوَ الْقَوْلُ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ , وَحَمَلُوا النَّاسَ عَلَيْهِ بِالْقُوَّةِ وَالسَّيْفِ , وَأُهْرِيقَتْ دِمَاءُ جَمٍّ غَفِيرٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ بِسَبَبِ ذَلِكَ , وَفُرِضَ هَذَا الْمَذْهَبُ الْكُفْرِيُّ عَلَى الأُمَّةِ , وَقُرِّرَ فِي كَتَاتِيبِ الصِّبْيَانِ , وَمَعَ ذَلِكَ كُلِّهِ فَالإِمَامُ أَحْمَدُ لا يَنْزَعُهُ هَوَىً وَلا تَسْتَجِيشُهُ الْعَوَاطِفُ , بَلْ ثَبَتَ عَلَى السُّنَّةِ لِأَنَّهَا خَيْرٌ وَأَهْدَى لِلأُمَّةِ .
وَلَمَّا اجْتَمَعَ إِلَيْهِ فُقُهَاءُ بَغْدَادَ فِي وِلايَةِ الْخَلِيفَةِ الْعَبَّاسِيِّ الْوَاثِقِ بِاللهِ , وَهُوَ مِمَّنْ تَوَلَّى كِبْرَ هَذِهِ الْبِدْعَةِ وَأَظْهَرَهَا وَحَمَلَ النَّاسَ عَلَيْهَا , فَقَالَ الْفُقَهَاءُ لِلإِمَامِ أَحْمَدَ : إِنَّ الأَمْرَ تَفَاقَمَ وَلا نَرْضَى بِإِمَارَتِهِ وَلا سُلْطَانِهِ!
فَنَاظَرَهُمْ أَحْمَدُ فِي ذَلِكَ , وَقَالَ : عَلَيْكُمْ بِالإِنْكَارِ بِقُلُوبِكُمْ , وَلا تَخْلَعُوا يَدَاً مِنْ طَاعَةٍ , لا تَشُقُّوا عَصَا الْمُسْلِمِين , وَلا تَسْفِكُوا دِمَاءَكُمْ وَدِمَاءَ الْمُسْلِمِينَ مَعَكُمْ , وَانْظُرُوا فِي عَاقِبَةِ أَمْرِكْمُ , وَاصْبِرُوا حَتَّى يَسْتَرِيحَ بَرٌّ وَيُسْتَرَاحَ مِنْ فَاجِرٍ ا.هـ.
أَيُّهَا الشَّبَابُ الْمُسْلِمُ : إِنَّ قَضِيَّةَ الإِمَامَةِ وَالْبَيْعَةِ مِنْ أَهَمِّ الْقَضَايَا وَلا سِيَّمَا فِي هَذَا الْعَصْرِ , وَذَلِكَ لِخُرُوجِ كَثِيرٍ مِمَّنْ يَنْتَسِبُ إِلَى الاسْتِقَامَةِ وَالْخَيْرِ عَنْ مَنْهَجِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ فِي هَذَا الْبَابِ الْخَطِيرِ .
وَاسْمَعُوا طَرَفَاً مِنَ النُّصُوصِ النَّبَوِيَّةِ فِي حُقُوقِ وُلَاةِ الأَمْرِ وَكَيْفِيَّةِ التَّعَامُلِ مَعَهُمْ : فَعَنْ جُنَادَةَ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ قَالَ : دَخَلْنَا عَلَى عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَهُوَ مَرِيضٌ , قُلْنَا : أَصْلَحَكَ اللَّهُ حَدِّثْ بِحَدِيثٍ يَنْفَعُكَ اللَّهُ بِهِ سَمِعْتَهُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , قَالَ : دَعَانَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَايَعْنَاهُ , فَقَالَ فِيمَا أَخَذَ عَلَيْنَا أَنْ بَايَعَنَا عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي مَنْشَطِنَا وَمَكْرَهِنَا وَعُسْرِنَا وَيُسْرِنَا وَأَثَرَةٍ عَلَيْنَا , وَأَنْ لَا نُنَازِعَ الْأَمْرَ أَهْلَهُ إِلَّا أَنْ تَرَوْا كُفْرًا بَوَاحًا عِنْدَكُمْ مِنْ اللَّهِ فِيهِ بُرْهَانٌ. رَوَاهُ الْبُخَارِيّ .
أَيُّهَا الشَّابُّ الْمُسْلِمُ : هَلْ تَظُنُّ أَنَّ عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَقَدْ أَقْبَلَ عَلَى الْمَوْتِ وَتَنَكَّبَ الدُّنْيَا خَلْفَهُ مُدَاهِنَاً لِلأُمَرَاءِ ؟ أَوْ طَالِبَاً لِلْكُرْسِيِّ وَالْمَنْصِبِ ؟ كَمَا يَتَّهِمُ بَعْضُ الشَّبَابِ عُلَمَاءَنَا إِذَا أَمَرُوا بِطَاأيهعَةِ وُلَاةِ الأَمْرِ وَحَذَّرُوا مِنَ الْخُرُوجِ عَلَيْهِمْ ؟
وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ (مَنْ نَزَعَ يَدًا مِنْ طَاعَةٍ لَمْ تَكُنْ لَهُ حُجَّةٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَمَنْ مَاتَ مُفَارِقَ الْجَمَاعَةِ فَإِنَّهُ يَمُوتُ مَوْتَةَ الْجَاهِلِيَّةِ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَابْنُ حِبَّانَ وَاللَّفْظُ لَهُ .
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ رَأَى مِنْ أَمِيرِهِ شَيْئَاً يَكْرَهُهُ فَلْيَصْبِرْ فَإِنَّهُ مَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ شِبْرَاً فَمَاتَ فَمِيتَةٌ جَاهِلِيَّةٌ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ
فَتَأَمَّلُوا هَذَا الْحَدِيثَ الْعَظِيمَ وَهَذَا التَّوْجِيهَ الْحَكِيمَ , فَلَمْ يَقُلِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَنْ رَأَى مِنْ أَمِيرِهِ شَيْئَاً يَكْرَهُهُ فَلْيَنْصَحْهُ , مَعَ أَنَّ النَّصِيحَةَ وَاجِبَةٌ لِلرَّاعِي وَالرَّعِيَّةِ , لَكِنَّ لَيْسَ هَذَا مَوْضِعَهَا , وَلِذَا قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَلْيَصْبِرْ) , وَذَلِكَ لِأَنَّ النُّفُوسَ إِذَا حَصَلَ مُنْكَرٌ تَفُورُ وَتَغْلِي فَرُبَّمَا حَدَثَ مَا لا يَنْبَغِي عِنْدَ الإِنْكَارِ عَلَى وَلِيِّ الأَمْرِ وَمُنَاصَحَتِهِ , وَلِذَا وَجَّهَ النَّبِيُّ الْكَرِيمُ الرَّحِيمُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْخِطَابَ إِلَى النَّاسِ فَقَالَ (فَلْيَصْبِرْ)
أَيُّهَا الشَّبَابُ : فَإِنْ قِيْلَ : هَلْ معْنَى هَذَا أَنَّهُ لَا يُوجَدُ فِي حُكَّامِنَا أَخْطَاءٌ ؟ وَلَا يُوجَدُ عِنْدَهُمْ تَقْصِيرٌ ؟
فَالْجَوَابُ : كَلَّا , بَلْ هَذَا مَوْجُودٌ , فَحُكَّامُنَا بَشَرٌ يُخْطِؤُونَ وَيُصِيبُونَ , فَيُوجَدُ التَّقْصِيرُ وَيُوجَدُ الزَّلَلُ وُرُبَّمَا يَكُونُ هُنَاكَ ظُلْم !
فَإِنْ قِيْلَ : فَلِمَاذَا لَا تُنَاصِحُونَهُمْ وَتُوَجِهُونَ الكَلَامَ إِلَيْهِمَ ؟ وَأَيْنَ دَوْرُ العُلَمَاءِ فِي ذَلِكَ ؟
فَالْجَوابُ : أَمَّا مُنَاصَحَتُهُمْ فَوَاجِبَةٌ , لَكِنَّهَا تَكُونُ أَمَامَهُمْ , وَلَيْسَ أَمَامَ النَّاسِ , لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ مِنْ كَلَامٍ لَا يَسْمَعُونَه , وَلَا يَسُوغُ شَرْعاً وَلَا عَقْلاً أَنْ يَفْعَلَ إِنْسَانٌ مُنْكَراً ثُمَّ أُنَاصِحُهُ فِي مَكَانٍ وَهُوَ غَيْرُ مَوْجُودٍ , وَسَوْفَ يَقُولُ لِي : إِنْ كُنْتَ تُرِيْدُ مُنَاصَحَتِي فَتَعَالَ لِي , لَا تَتَكَلَّمْ فَي عِرْضِيْ أَمَامَ النَّاسِ تَفْضَحُنِي! فَهَذَا فِي الإِنْسَانِ العَادِيِ فَكَيْفَ , بِالأُمَرَاءِ وَالوُزَرَاء ؟
وَأَمَّا العُلَمَاءُ فَقَدْ قَامُوا بِوَاجِبِ النَّصِيحَةِ , وَلَا يَلْزَمُ مِنْ إِنْكَارِهِمْ عَلَى وَلَاةِ الأَمْرِ أَنْ يَزُولَ كُلُّ مُنْكَر , وَأَيْضاً فَلَا يَسُوغُ أَنَّهُمْ إَذَا نَاصَحُوهُمْ أَنْ يَخْرُجُوا أَمَامَ النَّاسِ بِتَصْرِيحَاتٍ صَحَفِيَةٍ أَوْ خُطَبٍ مِنْبَرِيَةٍ يُخْبِرُونَ النَّاسَ بِمُنَاصَحَتِهِمْ لِلْوُلَاة , هَذَا لَا يَقُولُ بِهِ عَاقِل !
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : إِنَّ مُنَاصَحَةَ الْوُلاةِ وَاجِبَةٌ عَلَى كُلِّ مَنْ قَدِرَ , وَلَكِنَّهَا تَكُونُ برِفْقٍ وَبِلِينٍ , وتكون فِيمَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ , فَعَنْ عِيَاضِ بْنِ غُنْمٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ لِهِشَامِ بْنِ حَكِيمٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ : أَلَمْ تَسْمَعْ بِقَوْلِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْصَحَ لِذِي سُلْطَانٍ فَلا يُبْدِهِ عَلانِيَةً وَلَكِنْ يَأْخُذُ بِيَدِهِ فَيَخْلُو بِهِ ، فَإِنْ قَبِلَ مِنْهُ فَذَاكَ ، وَإِلَّا كَانَ قَدْ أَدَّى الذِي عَلَيْهِ) رَوَاهُ أَحْمَدُ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ وَالأَلْبَانِيُّ فَهَكَذَا الْمُنَاصَحَةُ وَلَيْسَ عَلَى الْمَنَابِرِ , أَوْ عَلَى مَوَاقِعِ التُّوِيتَرْ أَوِ الْمَجَالِسِ الْخَاصَّةِ تَحْرِيضَاً عَلَيْهِمْ وَإِيغَارَاً لِلصُّدُورِ حَتَّى يَحْدُثَ مَا يَطُولُ عَلَيْهِ النَّدَمُ . أَسْأَلُ اللهَ الصَّلَاحَ لِلرَّاعِي وَالرَّعِيَّةِ .
أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ الْعَظِيمَ لِي وَلَكُمْ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ .
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالمِينَ , وَأَشْهَدُ أَلا إِلَهَ إِلا اللهُ وَلِيُّ الصَّالحِينَ , وَأُصَلِّي وَأُسَلِّمُ عَلَى مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ الأَمِينِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِينَ !
أَمَّا بَعْدُ : فَإِنَّ حُبَّ الإِنْسَانِ لِبَلَدِهِ مِمَّا طُبِعَتْ عَلَيْهِ النُّفُوسُ وَجُبِلَتْ عَلَيْهِ الْفِطَرُ , وَلِذَلِكَ تَجِدُ النَّاسَ يُحِبُّونَ بُلْدَانَهُمْ حَتَّى وَإِنْ قَلَّتْ خَيْرَاتُهَا وَصَعُبَ السَّكُنُ فِيهَا , فَكَيْفَ إِذَا كَانَ الْوَطَنُ مَلِيئَاً بِالْخَيْرَاتِ وَأَهْلُهُ فِي نِعْمَةٍ عَظِيمَةٍ , فَلا شَكَّ أَنَّ حُبَّهُ يَكُونُ أَكْثَرَ وَأَكْثَرَ , وَهَذَا مَا نَجِدُهَ فِي بَلَدِنَا الْمَمْلَكَةِ الْعَرَبِيَّةِ السُّعُودِيَّةِ ؟
عِبَادَ اللهِ : إِنَّ اللهَ امْتَنَّ عَلَيْنَا بِنِعَمٍ كَثِيرَةٍ لَيْسَتْ فِي غَيْرِهَا مِنَ الْبِلادِ! اسْتِقَامَةٍ فِي الأَدْيَانِ , وَأَمْنٍ فِي الأَوْطَانِ , وَرَغَدٍ فِي الْعَيْشِ , وَخَيْرَاتٍ تَفْتَقِدُهَا كَثِيرٌ مِنَ الْبُلْدَانِ , وَمَنْ جَهِلَ مَا نَحْنُ فِيْهِ مِنْ نِعْمَةٍ فَلْيَسْأَلْ إِخْوَانَنَا مِنَ البُلْدَانِ الأُخْرَى !
أَيُّهَا الإِخْوَةُ فِي اللهِ : إِنَّ مِنَ الْمَزَايَا التِي أَظْهَرَهَا اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي بِلادِنَا مَا يَلِي :
أَوْلاً : السَّيْرُ عَلَى الْمَنْهَجِ الإِسْلامِيِّ الصَّحِيحِ فِي زَمَنٍ صَارَ الإِسْلامُ يُحَارَبُ حَتَّى مِمَّنْ يَنْتَسِبُ لَهُ !
فَمُعْتَقَدُ أَهْلِ السُّنَةِ وَالجَمَاعَةِ فِي تَوْحِيْدِ رَبِّ العَالَمِينَ وَفِي غَيْرِهِ مِنْ قَضَايَا العَقِيدَةِ مُقَرَّرٌ فِي مَدَارِسِنَا وَجَامِعَاتِنَا , وَهَذِهِ نِعْمَةٌ كَبِيْرَة .
ثَانِياً : رِعَايَةُ دَوْلَتِنَا لِلْحَرَمَيْنِ الشَّرِيفَيْنِ , فَكَانَتْ وَلا تَزَالُ جُهُودُهَا ظَاهِرَةً فِي خِدْمَةِ الْكَعْبَةِ الْمُشَرَّفَةِ وَالْمَسْجِدِ النَّبَوِيِّ , مِمَّا يُيَسِّرُ عَلَى الْحُجَّاجِ وَالْمُعْتَمِرِينَ وَالزُّوَّارِ أَدَاءَ مَنَاسِكِهِمْ وَالارْتِيَاحِ فِي عِبَادَاتِهِمْ.
ثَالِثاً : الْقِيَامُ بِشَعِيرَةِ الأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ التِي هِيَ خَصِيصَةٌ لِأُمَّةِ الإسْلامِ قَالَ اللهُ تَعَالَى (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُون)
فَحُكُومَتُنَا قَدْ جَعَلَتْ جِهَازَاً خَاصَّاً مُتَكَامِلاً بِهَذِهِ الشَّعِيرَةِ وَبَذَلَتْ الأَمْوَالَ وَجَعَلَتْ الْمُخَصَّصَاتِ لإِنْجَاحِ مُهِمَّةِ رِجَالِ الْحِسْبَةِ !
رَابِعَاً :الْقِيَامُ بِالدَّعْوَةِ إِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي الدَّاخِلِ وَالْخَارِجِ , فَمَرَاكِزُ الدَّعْوَةِ وَمَكَاتِبُ الْجَالِيَاتِ التِي تُعَدَّ بِالْمِئَاتِ تَنْتَشِرُ فِي شَرْقِ بِلادِنَا وَغَرْبِهَا !!! وَأَصْحَابُ الْفَضِيلَةِ الدُّعَاةِ الذِينَ يُعَدَّونَ بِالآلافِ قَدْ فَرَّغَتْهُمْ الدَّوْلَةُ لِمُهِمَّةِ الدَّعْوَةِ إِلَى اللهِ وَبَذَلَتْ لَهُمْ الرَّوَاتِبَ وَالْمُخَصَّصَاتِ الْمَالِيِّةِ فِي سَبِيلِ نَشْرِ هَذَا الدِّينِ وَالِقيَامِ عَلَيْهِ فِي دَاخِلِ بِلادِنَا وَخَارِجِهَا !
فَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ فَمِنْهُ الفَضْلُ وَلَهُ الشُّكْرُ , وَنَسْأَلُ اللهَ أَنْ يُصْلِحَ حُكْامَنَا وَيُصْلِحَ بِطَانَتَهُمْ وَوُزَرَاءَهُمْ , وَأَنْ يُبْعَدَ عَنْهُمْ بِطَانَةَ السُّوءِ , وَنَسْأَلُهُ أَنْ يَكْفِيَنَا شَرَّ كُلِّ فَاسِدٍ وَمُبْطِل .
اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَنَا يَا رَبَّنَا وَلَوالِدِينَا وَأَصْلِحْ لَنَّا ذُرِّيَاتِنَا وَأَهَالِينَا , وَأَحْسِنْ عَاقِبَتَنَا فِي الأُمُورِ كُلِّهَا ! رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ , سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ , وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ , وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ .
المرفقات

أَمْنُ وَطَنِنَا أَمَانَةٌ فِي أَعْنَاقِنَا 3 رجب 1435هـ ‫‬.doc

أَمْنُ وَطَنِنَا أَمَانَةٌ فِي أَعْنَاقِنَا 3 رجب 1435هـ ‫‬.doc

المشاهدات 3968 | التعليقات 2

جزاك الله خيرا ونفع بعلمك


الله يرفع قدرك جزاك الله خيرا خطبة رائعة