أمة فى رجل
محمد مرسى
1431/09/14 - 2010/08/24 08:19AM
عناصر الموضوع:
مؤهلات الامامة فى إبراهيم -عليه السلام-.
-1 سلامة القلب.
-2 كثرة القنوت لله.
-3 شكره لنعم الله.
· من هو هذا الرجل الذى اجتمعت فيه شمائل الأخلاق، حتى صار أمة من الناس؟
إنه خليل الرحمن إبراهيم -عليه السلام- ولد بأرض بابل من العراق التى كانت تعبد آلهة شتى من دون الله عز وجل.
هو واحد من أولى العزم من الرسل، الذين تحملوا المشاق فى سبيل تبليغ الدعوة،ويطلق عليه أبو الأنبياء، لأن الذين أتو بعده من الأنبياء كانوا من ذريته، هاجر إلى أرض فلسطين، ثم إلى مصر، وأسكن زوجته هاجر مع ولده اسماعيل عند بيت الله الحرام فى مكة.
امتحنه الله بذبح ابنه اسماعيل، الذى رزق به على كبر، ليظهر تقديم محبة الله على محبته لولده.
هو عم نبى الله لوط، وقيل خاله، ولوط أول من آمن به، وكانا مبعوثين فى وقت واحد.كان يعمل فى البناء، وكان كريماً جداً حتى لقب بأبى الضيفان، فكان لا يأكل وحده.
هو أول من اختتن، وأقام مناسك الحج، وأول من قام سنة الأضحية، وعمل بسنن الفطرة، مثل قص الأظافر، ونتف الإبط، وحلق العانة.
بدأ الدعوة بأقرب الناس إليه، وهو أبيه، ثم قومه، قال تعالى: (واتل عليهم نبأ إبراهيم إذ قال لأبيه وقومه ما تعبدون)[1]
كان إبراهيم أمة من الناس، والأمة هو الذى يعلم الناس الخير، فرسالة المعلم هى أسمى رسالة، لأنه يبنى النفوس، والعقول، والقلوب، والرجال، وبناء الرجال أشد من نقل الجبال.
والأمة هو الرجل الجامع لخصال الخير، حتى يقوم مقام أمة من الناس، فكان قدوة وإماماً يقتدى به فى الخير.
سلامة القلب:
كان إبراهيم -عليه السلام- سليم القلب، قال تعالى: (وإن من شيعته لإبراهيم إذ جاء ربه بقلب سليم)[2]ومعنى سلامة قلبه، أى سلم من جميع أمراض القلوب، وتخلص من القسوة، والريبة، والشك، وتحلى بالإيمان واليقين والتجرد.
وقال تعالى فى وصف دعائه -عليه السلام-: (ولا تحزنى يوم يبعثون يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم)[3]إن خليل الرحمن -عليه السلام- أراد أن يعلم كل المسلمين من بعده، أنه لا ينفع العبد شئ فى الدنيا والآخرة إلا القلب السليم، والعمل الصالح، وهذا ما نحتاج إليه جميعاً.
كثرة القنوت لله:
ومعنى القنوت: لزوم الطاعة مع الخضوع والتضرع، لقد تضرع إبراهيم -عليه السلام- إلى الله –تعالى- فى آيات كثيرة من سورة البقرة، وسورة إبراهيم، سائلاً الله من فضله، حتى إن بعثة محمد- صلى الله عليه وسلم- من مكة كانت ثمرة لدعوة إبراهيم -عليه السلام- حيث قال: (ربنا وابعث فيهم رسولاًًًً منهم يتلو عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم)[4]
شكره لنعم الله:
فظهرت أثر نعم الله على لسانه وعلى قلبه وعلى جوارحه فكان من أكرم الناس مع الضيفان حتى إن الملائكة حينما أتته فى صورة بشر لم يعرفهم قام بفذبح لهم عجلاً سميناً، قال تعالى: (هل أتاك حديث ضيف إبراهيم المكرمين إذ دخلوا عليه فقالوا سلاماً قال سلام قوم منكرون فراغ إلى أهله فجاء بعجل سمين فقربه إليهم قال ألا تأكلون)[5]
فلاحظوا هنا أنه لم يسألهم عن الطعام وإنما ذهب وقدم لهم الطعام، وكان على أفضل ما يكون وقربه إليهم وقال ألا تأكلون.
مؤهلات الامامة فى إبراهيم -عليه السلام-.
-1 سلامة القلب.
-2 كثرة القنوت لله.
-3 شكره لنعم الله.
· من هو هذا الرجل الذى اجتمعت فيه شمائل الأخلاق، حتى صار أمة من الناس؟
إنه خليل الرحمن إبراهيم -عليه السلام- ولد بأرض بابل من العراق التى كانت تعبد آلهة شتى من دون الله عز وجل.
هو واحد من أولى العزم من الرسل، الذين تحملوا المشاق فى سبيل تبليغ الدعوة،ويطلق عليه أبو الأنبياء، لأن الذين أتو بعده من الأنبياء كانوا من ذريته، هاجر إلى أرض فلسطين، ثم إلى مصر، وأسكن زوجته هاجر مع ولده اسماعيل عند بيت الله الحرام فى مكة.
امتحنه الله بذبح ابنه اسماعيل، الذى رزق به على كبر، ليظهر تقديم محبة الله على محبته لولده.
هو عم نبى الله لوط، وقيل خاله، ولوط أول من آمن به، وكانا مبعوثين فى وقت واحد.كان يعمل فى البناء، وكان كريماً جداً حتى لقب بأبى الضيفان، فكان لا يأكل وحده.
هو أول من اختتن، وأقام مناسك الحج، وأول من قام سنة الأضحية، وعمل بسنن الفطرة، مثل قص الأظافر، ونتف الإبط، وحلق العانة.
بدأ الدعوة بأقرب الناس إليه، وهو أبيه، ثم قومه، قال تعالى: (واتل عليهم نبأ إبراهيم إذ قال لأبيه وقومه ما تعبدون)[1]
كان إبراهيم أمة من الناس، والأمة هو الذى يعلم الناس الخير، فرسالة المعلم هى أسمى رسالة، لأنه يبنى النفوس، والعقول، والقلوب، والرجال، وبناء الرجال أشد من نقل الجبال.
والأمة هو الرجل الجامع لخصال الخير، حتى يقوم مقام أمة من الناس، فكان قدوة وإماماً يقتدى به فى الخير.
سلامة القلب:
كان إبراهيم -عليه السلام- سليم القلب، قال تعالى: (وإن من شيعته لإبراهيم إذ جاء ربه بقلب سليم)[2]ومعنى سلامة قلبه، أى سلم من جميع أمراض القلوب، وتخلص من القسوة، والريبة، والشك، وتحلى بالإيمان واليقين والتجرد.
وقال تعالى فى وصف دعائه -عليه السلام-: (ولا تحزنى يوم يبعثون يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم)[3]إن خليل الرحمن -عليه السلام- أراد أن يعلم كل المسلمين من بعده، أنه لا ينفع العبد شئ فى الدنيا والآخرة إلا القلب السليم، والعمل الصالح، وهذا ما نحتاج إليه جميعاً.
كثرة القنوت لله:
ومعنى القنوت: لزوم الطاعة مع الخضوع والتضرع، لقد تضرع إبراهيم -عليه السلام- إلى الله –تعالى- فى آيات كثيرة من سورة البقرة، وسورة إبراهيم، سائلاً الله من فضله، حتى إن بعثة محمد- صلى الله عليه وسلم- من مكة كانت ثمرة لدعوة إبراهيم -عليه السلام- حيث قال: (ربنا وابعث فيهم رسولاًًًً منهم يتلو عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم)[4]
شكره لنعم الله:
فظهرت أثر نعم الله على لسانه وعلى قلبه وعلى جوارحه فكان من أكرم الناس مع الضيفان حتى إن الملائكة حينما أتته فى صورة بشر لم يعرفهم قام بفذبح لهم عجلاً سميناً، قال تعالى: (هل أتاك حديث ضيف إبراهيم المكرمين إذ دخلوا عليه فقالوا سلاماً قال سلام قوم منكرون فراغ إلى أهله فجاء بعجل سمين فقربه إليهم قال ألا تأكلون)[5]
فلاحظوا هنا أنه لم يسألهم عن الطعام وإنما ذهب وقدم لهم الطعام، وكان على أفضل ما يكون وقربه إليهم وقال ألا تأكلون.
سورة الشعراء (69-70). [1]
سورة الصافات الآية (83-84). [2]
سورة الشعراء (87-89). [3]
.سورة البقرة الآية (129)[4]
سورة الذاريات الآيات (24-27).[5]
المرفقات
59.doc
59.doc
المشاهدات 5893 | التعليقات 2
قال إني جاعلك للناس إماماً
لقد جعل الله تعالى إبراهيم عليه السلام إماماً للناس، متصفاً بصفات الإمامة، من الرحمة بالمدعوين والمضي في الدعوة إلى الله تعالى دون توقف، وكثرة الضراعة إليه تعالى والعبادة له، والصبر على الأذى في سبيله، وللمتبع له المتصف بصفاته نصيب من تلك الإمامة في الدين بقدر اتباعه، وأما المخالف لهديه فهو الظالم، الذي لن ينال ذلك العهد من الله تعالى بالحصول على الإمامة، وعاقبته الخسران في الدنيا والآخرة.
لقد جعل الله تعالى إبراهيم عليه السلام إماماً للناس، متصفاً بصفات الإمامة، من الرحمة بالمدعوين والمضي في الدعوة إلى الله تعالى دون توقف، وكثرة الضراعة إليه تعالى والعبادة له، والصبر على الأذى في سبيله، وللمتبع له المتصف بصفاته نصيب من تلك الإمامة في الدين بقدر اتباعه، وأما المخالف لهديه فهو الظالم، الذي لن ينال ذلك العهد من الله تعالى بالحصول على الإمامة، وعاقبته الخسران في الدنيا والآخرة.
إمامة إبراهيم عليه السلام للناس
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله وعليه وعلى آله وسلم. يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا[النساء:1]. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ[الحشر:18]. أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، ثم أما بعد: فقد جعل الله عز وجل إبراهيم عليه السلام إماماً للناس، وأوحى إلى نبيه صلى الله عليه وسلم: أن اتبع ملة إبراهيم حنيفاً وما كان من المشركين، وهذه الإمامة نالها إبراهيم بتوفيته للمقامات التي ابتلي بها كلها، كما قال تعالى: وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ[البقرة:124]، وإنما تنال الإمامة في الدين بتوفية مقامات العبودية حقها، قال عز وجل: وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى[النجم:37]، ومن مقامات هذه العبودية الدعوة إلى الله عز وجل والصبر على الأذى، والتوكل على الله سبحانه وتعالى، والتضحية بالنفس والوطن والأهل والولد في سبيل الله عز وجل. ......
الصبر في الدعوة إلى الله وثمرته
من هذه المقامات -أي: مقامات العبودية- مقام الصبر في الدعوة إلى الله مع قلة المستجيبين، قال عز وجل: فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ[العنكبوت:26]، وهذا المقام مقام عظيم الأهمية في حياة المسلم، وفي حياة الداعي إلى الله عز وجل، فإبراهيم عليه السلام مع إمامته، ومع توفيته للدعوة إلى الله عز وجل حقها؛ لم يؤمن له من قومه إلا لوط عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، وامرأته سارة التي تبعته على الحق، والله عز وجل قدر هذا الأمر للأنبياء جميعاً، قال سبحانه وتعالى عن نوح عليه السلام: وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ[هود:40]، وقال عز وجل: وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ[الأنعام:116]، وقال سبحانه: وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ[يوسف:106]. فأكثر الخلق في غفلة، والناجون قلة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ينادي الله عز وجل يوم القيامة بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب: يا آدم! أخرج بعث النار. فيقول: من كلٍّ كم؟ فيقول: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون) . وهذا الأمر يثمر ثمرة عظيمة الأهمية في حياة المؤمن، ومن ذلك أنه لا يزال خائفاً من الله عز وجل، قال تعالى: فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ[الأعراف:99]، ويعلم الخطر الذي يقدم عليه هو والناس أجمعون، هو خطر الوقوف في المحشر، ورؤية أهوال القيامة، والمرور على الصراط الذي هو أدق من الشعرة وأحد من السيف، من تحته النار يحطم بعضها بعضاً، قعرها سبعون خريفاً، يهوي فيها من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون، وينجو من الألف واحد فقط من هؤلاء البشر، نسأل الله العافية! فإذا كان الأمر كذلك، وعلمنا قلة من ينجو، خفنا على أنفسنا من هذه المواقف، والخوف من أعظم أسباب الأمن عند الله عز وجل، فهو من أسباب دخول الجنة، كما أنه من أسباب التمكين في الأرض، قال عز وجل: وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ * وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ[إبراهيم:13-14]، وقال عز وجل: وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ[الرحمن:46]. والخوف عبادة ضرورية لحياة القلب، فهو الذي يوقظه من غفلة الشهوات والضلالات، ويبعده عن أن يغره الغرور، وأن تغره الحياة الدنيا، وهذا من أعظم أسباب التوفيق في سيره إلى الله عز وجل، وهو الذي يدفعه حتى يستمر في سيره إلى الله. ......
البعد عن الاغترار بكثرة أهل الباطل
ومن ثمرة الصبر في الدعوة مع قلة المستجيبين، أن لا يغتر الإنسان بالكثرة، وأن لا يزهد في القلة، فالله عز وجل من أجل القلة المؤمنة يغير موازين الحياة، وينصر رسله والذين آمنوا رغم قلتهم، ينصرهم في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد، ويملي للظالمين الكثرة ثم يأخذهم أخذ عزيز مقتدر، يملي لهم سبحانه وتعالى ويستدرجهم من حيث لا يعلمون؛ لمتانة كيده عز وجل، قال تعالى: فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ * وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ [القلم:44-45]. والاغترار بكثرة من ضل حتى يصير الإنسان في ركب من يضل عن سبيل الله هو العلة التي من أجلها كفر أكثر البشر، واتبعوا الباطل بالتقليد الأعمى، والمتابعة لآبائهم وأجدادهم، ولمن حولهم من مجتمعاتهم. والمؤمن لا يرضى بهذا التقليد، ولا يتبع الكثرة إذا كانوا على الباطل، وإنما يوطن نفسه على أن يكون على الحق ولو كان وحده، والله عز وجل قد قال: فَلا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلادِ [غافر:4].
الهجرة في سبيل الله
بين سبحانه وتعالى هجرة إبراهيم ولوط عليهما وعلى نبينا الصلاة والسلام فقال: وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ [الأنبياء:71]. وهذا يدل على أن أهل الإيمان عليهم أن يفارقوا أهل الباطل إذا بلغت الدعوة إلى الله عز وجل غايتها بإقامة الحجة على الخلق، وبلوغ الحق لكل مكلف، فبعد ذلك عليهم أن يفارقوا أهل الباطل، وأن ينشئوا مجتمعاً صالحاً يعيشون فيه، فالله سبحانه وتعالى جعل هذه العلاقة بين أهل الإيمان سبباً للرحمة العاجلة في الدنيا، فالله عز وجل يبدلهم بعلاقتهم التي ضحوا بها في سبيله خيراً منها، ويعوضهم العلاقة الوطيدة في الله عز وجل، التي بها يجد أهل الإيمان برد الود، بدلاً من جو مليء بالحقد والكراهية والحسد والبغضاء، وهذه العلاقة لا بد أن نحرص عليها، ولا بد أن تكون قوية متينة بين أهل الإيمان، فإذا استجابوا جميعاً لدعوة الحق فلا بد أن نستثمر هذه العلاقة، وأن نقوي روابط المحبة بين أهل الإيمان، والاجتماع على طاعته سبحانه وتعالى.
أهمية صحبة أهل الإيمان
جعل الله عز وجل الثواب لإبراهيم عليه السلام على تضحيته بابنه إسماعيل أن وهبه إسحاق ويعقوب نافلة، والله سبحانه وتعالى جعل صحبة أهل الإيمان والصلاح علامة على سعادة الإنسان، وسبباً لرحمته في الدنيا والآخرة، وحصول المغفرة له، والله عز وجل يأمر الأعلى بصحبة الأدنى رغم أنه السبب في هدايته، فكيف بالأدنى الذي يحتاج إلى أن يصحب الأعلى؟! كأمر الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم أن يصبر نفسه مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي، فقال سبحانه وتعالى: وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا[الكهف:28]. فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم مأموراً أن يصحب الذين هداهم الله به إذا كانوا يريدون وجهه، وهو عليه الصلاة والسلام سبباً في إسلامهم، فما بالك بمن دونه عليه الصلاة والسلام، فالصبر معهم واجب، فيصبر على صحبتهم وعلى معاشرتهم، وهذا أمر من أعظم الأمور أهمية في حياة المؤمن، وإذا كان الأمر كما ذكرنا في حق الأعلى بالنسبة إلى الأدنى، فكيف بصحبة الأدنى لمن هو أعلى منه قدراً؟! فالإنسان دائماً يبحث عمَّن يعاونه على طاعة الله عز وجل، ولا أفضل من صحبة الأخيار، فانظر من تخالل، وانظر من تصاحب؛ فإن الله عز وجل جعل صحبة أنبيائه ورسله غاية مقصودة يطلبها النبيون والصديقون، قال إبراهيم عليه السلام: رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ[الشعراء:83]. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (اللهم في الرفيق الأعلى) وكان هذا آخر ما مات صلى الله عليه وسلم. وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يرغب في مجالسة أهل الصلاح، ويحذر من مجالسة أهل الفساد، فيقول: (مثل الجليس الصالح وجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحاً طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه ريحاً خبيثة)، وقال عليه الصلاة والسلام: (لا تصاحب إلا مؤمناً ولا يأكل طعامك إلا تقي) . ......
الدعوة إلى الله تعالى سائرة لا تتوقف
وإبراهيم عليه السلام حين آمن له لوط وهاجر معه إلى الأرض المقدسة لم يتوقف، ولم تتوقف الدعوة إلى الله عز وجل، بل أرسل الله عز وجل لوطاً إلى قرية سدوم ليدعوهم إلى الله سبحانه وتعالى. وهذا دليل على أن الدعوة إلى الله لا تتوقف في أي مكان، بل حيث ما وجد الناس ووجد من يخالف شرع الله ووجد الإنسان فتبقي الدعوة إلى الله عز وجل قائمة. وإبراهيم عليه السلام قد أتاه الأضياف في طريقهم إلى إبلاغ قوم لوط، والله سبحانه وتعالى جعل من إبراهيم عليه السلام إماماً للناس، وهو كذلك في الحلم والصبر وعدم اليأس من استجابة الناس للدعوة إلى الله. فلوط عليه السلام حين أرسل إلى قومه لم يؤمن به رجل واحد، ولم يؤمن به إلا أهله فقط. وهذا يؤكد المعنى الذي ذكرناه من أن قلة من استجاب للأنبياء لا تمنع الداعي إلى الله عز وجل من ممارسة الدعوة. ......
حلم الداعية ورحمته بالمدعوين
إبراهيم عليه السلام حين مرت به الملائكة بشروه بهلاك قوم لوط، وبشروه بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب، كما قال سبحانه وتعالى عن امرأته: فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ[هود:71]، فالله سبحانه وتعالى بشر امرأته سارة بذلك على لسان الملائكة جزاء على صبرها واحتسابها، وبعد ذلك جعل إبراهيم يجادل في قوم لوط، فقال سبحانه وتعالى: فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ * إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ[هود:74-75]. فهو يجادل في قوم لوط في تأخير العذاب عنهم، حيث قال: إِنَّ فِيهَا لُوطًا[العنكبوت:32]. فهو يريد منع العذاب العام على قرى قوم لوط؛ لأجل وجود لوط عليه السلام، وهذا من حلمه عليه السلام، وقد وصف كذلك بكثرة دعائه وقنوته لله عز وجل، كما قال تعالى: (( إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ )) أي: مسبح ذاكر لله عز وجل، قانت لله كثير الإنابة، فهو حليم لا يعجل ولا يريد إنزال العقوبة بسرعة، بل يريد تأخير العذاب لعل الله عز وجل أن يهديهم، وقد كان ابنه نبينا محمد صلى الله عليه وسلم صبوراً حليماً، سيما عندما رد عليه قومه ما جاء به، وأتاه جبريل بملك الجبال يستأذنه في أن يطبق عليهم الأخشبين إن شاء، فقال: (بل أستأني بهم، فلعل الله أن يخرج من أصلابهم من يعبده لا يشرك به شيئاً) ، وقد كان. وبهذا تحصل للإنسان المراتب العالية من الحلم والصبر والاحتساب عند الله عز وجل، وكثرة الدعاء والإنابة والرجوع إلى الله سبحانه وتعالى، نسأل الله عز وجل أن يجعلنا من الأواهين المنيبين. ......
فزع المؤمن إلى ربه في الشدائد
كان إبراهيم عليه السلام عندما يصيبه أمر يفزع إلى الله عز وجل، ويلتجئ إلى الصلاة والدعاء، كما في قصته مع جبار مصر حين أتى بامرأته سارة إلى مصر، وعلم إبراهيم أنه لو أخبرهم أنها امرأته لقتلوه وأخذوها، فقال لها: ليس في الأرض مسلم غيري وغيرك، وأنت أختي في دين الله، فأخذها الجبار وأراد أن يتناولها، ووقف إبراهيم يصلي ويدعو الله عز وجل. وهكذا المؤمن كثير الدعاء، يدعو ربه سبحانه وتعالى في الشدائد والمحن، ويلجأ إلى الله عز وجل أن يعصمه وأهله، وأن ينجيه من كل سوء كرب. فأخذ الله سبحانه وتعالى ذلك الجبار الظالم الذي أراد أن يتناول سارة، وأكرمها سبحانه وتعالى وعصمها منه مرات متتابعة، فكان كلما أراد أن يهوي بيده إليها أخذ وشلت يده، حتى قال: اذهبوا بها، إنما أتيتموني بشيطان ولم تأتوني بإنسان، اذهبوا بها وأعطوها هاجر. فرجعت إلى إبراهيم عليه السلام وهو واقف يصلي، فلما انتهى من الصلاة قال: مهيم -أي: ما شأنك-؟ فقالت: رد الله كيد الفاجر، وأخدم هاجر. وكان ذلك من فضل الله سبحانه وتعالى. فالعبد المؤمن كثير الدعاء، والدعاء يسمعه الله عز وجل من عباده المؤمنين، وبه تتغير موازين الناس، والله سبحانه وتعالى يرفع ويخفض، وهو سبحانه كل يوم هو في شأن، يفرج كرباً، ويغفر ذنباً، ويفك أسيراً، ويطعم من يشاء، ويغني ويفقر، ويميت ويحيي، ويسعد ويشقي، وجعل سبحانه وتعالى من أسباب الخير لابن آدم كثرة الدعاء، وإبراهيم إمام في الدعاء والتضرع إلى الله سبحانه وتعالى. فعلينا بهذا السلاح العظيم الذي لو صدقنا الله عز وجل فيه، ودعونا الله عز وجل بانكسار وضعف وشعور بالفقر والحاجة إليه سبحانه وتعالى لغير الله عز وجل ما بنا، وذلك بشرط عدم الاستعجال، فكثير من الناس يقولون: نحن ندعو منذ سنين ولم يتغير الحال، ونقول: بل قد تغير بفضل الله سبحانه وتعالى، فقد كانت الأمة قبل عقود قليلة من الزمن بعيدة تمام البعد عن الله عز وجل، وأكثر شبابها ورجالها ونسائها لا يعرفون حتى الصلاة، ولا يؤدونها، بل كان أمراً معتاداً منذ سنوات ليست بالكثيرة أن يكون كل الشباب لا يحافظون على أداء الصلاة، وأن تكون المساجد خاوية من أهلها، وأن لا يكون هناك علم بالكتاب ولا بالسنة، وإنما يسير الناس في شهواتهم ورغباتهم. وإن تسلط الأعداء على الأمة فإن ذلك من أسباب ردها إلى الله سبحانه وتعالى، وعودة المسلمين إلى الله عز وجل ارتبط بأحداث جسام تقع لهم، وهذا من أسباب رحمة الله بهم، كما قال عز وجل في بني إسرائيل حين ذكر تسليط الأعداء عليهم: عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ[الإسراء:8]، فمن كان عنده بقية من إيمان، وسلط الله عز وجل عليه أنواع البلايا والمحن فلأجل أن يزداد إيماناً وتسليماً، ولأجل أن يرحمه الله سبحانه وتعالى، ولا يجوز أن نقول: دعونا فلم يستجب لنا، فإن ذلك من موانع إجابة الدعاء، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (يستجاب لأحدكم ما لم يعجل، يقول: دعوت فلم يستجب لي) . والاستعجال آفة خطيرة في الإنسان، وإنما تقاس أعمار الأمم بعشرات السنين بل بمئاتها، وليس بأعمار أفرادها، فكم من التغيرات تقع في حياة بشر لها مقدمات في الأجيال التي سبقتهم. ......
حكمة ابتلاء المسلمين بالمصائب
وعلى قدر ما يقع في قلوب أهل الإيمان من إيمان وإسلام وإحسان يرفع الله عز وجل عنهم تسلط عدوهم عليهم، وبقدر صدقهم وامتثالهم وتذللهم لله عز وجل بقدر ما يرفع الله عز وجل ما نزل بهم، والله سبحانه وتعالى يبتلي عباده ليسمع تضرعهم، قال عز وجل: فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا )[الأنعام:43]، فالله عز وجل يبتلينا لنتضرع. وقال عز وجل: (( وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ[الأنعام:42]، فلنفقه لماذا نبتلى بأنواع البلايا من الغلاء، والأوبئة، والمحن، وتسلط العدو، واحتلال البلاد، وأخذ الكبار والصغار والأولاد أسرى، وغير ذلك من أنواع البلايا، فإن ذلك لكي نزاد انكساراً لله ودعاء وتضرعاً له سبحانه وتعالى، فالكسير يجبره الله الجبار سبحانه وتعالى، ومن تجبر وطغى يكسره الجبار سبحانه وتعالى العزيز الانتقام. والله عز وجل ينزل بأسه بالناس ليعودوا إليه عز وجل، فإن لم يعودوا وازدادوا طغياناً فتح عليهم أسباب الرخاء في الدنيا ثم يأخذهم بغتة، كما قال عز وجل: فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ * فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ[الأنعام:44-45]. فنحن بحاجة إلى الدعاء، وأن نقتدي بإبراهيم عليه السلام في الدعاء والتضرع إلى الله سبحانه وتعالى، وكمال التوكل عليه، وصدق اللجوء إليه حتى يرفع ما بأمتنا من أنواع البلايا والمحن. وإبراهيم عليه السلام إمام في تصديق وعد الله سبحانه وتعالى، وفي إيمانه بأنه سميع الدعاء ولو طالت المدة، فإبراهيم سأل الله أن يهب له من الصالحين وهو مهاجر فقال: إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ * رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ[الصافات:99-100]. ودعا إلى الله وهو شاب ومع ذلك قدر الله عز وجل أن تستجاب هذه الدعوة بعد كبر السن، فإنما وهب له إسماعيل وهو ابن بضع وثمانين سنة، ووهب له إسحاق بعد ذلك بثلاث عشرة سنة، وعند أهل الكتاب أنه بعد أن تجاوز المائة، فقال إبراهيم: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ[إبراهيم:39]. فاليقين بالله عز وجل والثقة به من أعظم أوصاف الأئمة في الدين، قال عز وجل: قَالُوا بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ فَلا تَكُنْ مِنَ الْقَانِطِينَ * قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ[الحجر:55-56]. فإياكم والقنوط -عباد الله- من رحمة الله، فقد قال تعالى: وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ[الشورى:28]، وذلك بعلمه وحكمته، وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ[الشورى:27]. فهو عز وجل كما جعل في المطر حياة للبشر من بعد يأسهم، فكذلك في كل الكروب ينزل ما يغيث به الناس، وينشر رحمته من بعد أن يقنطوا وييأسوا، غير أن أهل الإيمان لا يقنطون من رحمة الله أبداً، وإنما يشفقون على أنفسهم من أن يصيبهم بسبب ذنوبهم عقاب الله عز وجل، ولكنهم لا يقنطون من رحمة الرحمن الرحيم، وكيف يقنطون وهم يرون آثار الرحمة تملأ هذا الكون؟! ورحمته سبحانه وسعت كل شيء، فلا تقنطوا من رحمة الله، وقولوا كما قال إبراهيم: (( وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ ))، وهو سبحانه وتعالى يضيق الأرزاق؛ ليعلم الناس أن الأمور ليست بأيديهم، وأنه هو وحده سبحانه وتعالى الذي يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر سبحانه وتعالى، وأنه بعباده الخبير البصير، وهو الذي يدبر الأمر بالعلم والحكمة، وبخبرته عز وجل وبصره بعباده، يعلم أحوالهم، ويسمع دعاءهم، ويعلم عواقب أمورهم، وهو الذي يرى عباده أزلين قنطين مشفقين يائسين فيضحك؛ لعلمه أن فرجهم قريب. وهو سبحانه وتعالى يفعل ذلك ليسمع تضرعنا، وليرى ثقتنا بوعده وحسن ظننا به عز وجل، والله عند ظن عبده به كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فأحسنوا ظنكم بالله، وثقوا في وعده، وهو سميع الدعاء، وإذا دعونا الله ونحن موقنون بذلك مع الضعف والانكسار كان ذلك من أعظم أسباب النصرة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (وهل تنصرون إلا بضعفائكم) أي: بدعائهم وتضرعهم لله عز وجل، وكم من مستضعف يقسم على الله فيبره سبحانه وتعالى، كما قال صلى الله عليه وسلم: (رب أشعث أغبر ذي طمرين مدفوع بالأبواب لو أقسم على الله لأبره). فلماذا كانت هذه الصفة المذكور أولاً؟ إنها لبيان ضعفه وانكساره، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ألا أخبركم بأهل الجنة؟ كل ضعيف متضعف لو أقسم على الله لأبره) أي: من أهل الإيمان الكمل الذين يوقنون بوعد الله، ولو أقسموا على الله في الدعاء لأجاب قسمهم. فهذا المرء عند أهل الدنيا مستضعف فيهم ليس عنده من أسباب القوة الظاهرة ما يجعلهم يعتبرون بمنزلته، ولا يعتدون بمقامه. ......
عاقبة المتبع لإبراهيم عليه السلام والمخالف له
تلك بعض صفات إبراهيم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام الذي جعله الله عز وجل بها إماماً يقتدى به ويتبع، ومن كان من ذريته على شيء من هذه الصفات فهو إمام كذلك بقدر ما فيه. وأما من ظلم ولو كان من ذرية إبراهيم فليس له عهد الله عز وجل بالإمامة في الدين، قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ[البقرة:124]. فهناك عهد من الله تعالى له بأن يكون هناك أئمة من ذريته، ولكن لا ينال هذا العهد الظالمون، فإن الله لا يقبل لهم ولاية، ولا شهادة، ولا يجعل لهم أمانة؛ لأن الظالم عند الله عز وجل مبعد عن الله عز وجل، وعند الله سبحانه وتعالى مغضوب عليه وملعون، كما قال تعالى: أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ[هود:18]. فاحذروا -عباد الله- من الظلم الأكبر، ومن ظلم بعضكم لبعض، وظلم أنفسكم، وإمامة إبراهيم عليه السلام ينالها كل من تبعه واتصف بصفاته حتى ولو كان من غير نسله؛ فإن الله سبحانه وتعالى قال عن الإسلام: مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ[الحج:78]. وهو عز وجل يعلم دخول العرب والعجم في ذلك، فإبراهيم إمام لكل من تبعه على دينه وملته من ذريته ومن غيرهم، فإنما الصلة بين أهل الإيمان بالأعمال، (ومن أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه) كما قال النبي صلى الله عليه وسلم، وقال صلى الله عليه وسلم: (ألا إن آل بني فلان ليسوا لي بأولياء، إن وليي الله والملائكة وصالح المؤمنين) أو كما قال النبي عليه الصلاة والسلام. اللهم ارزقنا مرافقة النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، اللهم إنا نسألك عيش السعداء، وموت الشهداء ومرافقة الأنبياء، اللهم إنا نعوذ بك من جهد البلاء، ودرك الشقاء، وسوء القضاء، وشماتة الأعداء، اللهم إنا نعوذ بك من علم لا ينفع، ومن قلب لا يخشع، ومن نفس لا تشبع، ومن دعاء لا يسمع. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر اليهود والنصارى والمنافقين، وسائر الكفرة والملحدين أصحاب الضلالة ودعاة السوء، اللهم من أرادنا والإسلام والمسلمين بسوء فاجعل كيده في نحره، واجعل تدميره في تدبيره، واجعل الدائرة عليه يا رب العالمين، ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين. ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين، على الله توكلنا ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين، ونجنا برحمتك من القوم الكافرين، اللهم فرج كرب المكروبين، وفك أسر المأسورين، وارفع الظلم عن المظلومين، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك، ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا، اللهم متعنا بأسماعنا وأبصارنا وقواتنا ما أحييتنا، واجعله الوارث منا، واجعل ثأرنا على ظلمنا، وانصرنا على من عادنا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا، ولا تسلط علينا بذنوبنا من لا يرحمنا.......
حاطب خير
تعديل التعليق